فتح توقيع السعودية وباكستان لاتفاق دفاع مشترك وتشكيل قوة ردع أمام التهديدات المحتملة، الباب أمام قراءة سيناريوهات التحولات الاستراتيجية التي يشهدها العالم. فمنطق الاستكانة لتحالفات الغرب "الولاياتالمتحدةالأمريكية" لا يعهد لصاحبه بالأمان. الرياض اختارت طريقا موازيا لعلاقتها بواشنطن، وغيرت بوصلتها تدريجيا نحو باكستان البلد صاحب القوة العسكرية والقنبلة النووية، مقررة منذ الضربة الإسرائيلية على قطر أن لا تضع بيضها كاملا في سلة البيت الأبيض.
الاتفاق السعودي الباكستاني، الدولتان المسلمتان، يحيل على طرح تساؤل افتراضي، هل حان الوقت لمصالحة جزائرية مغربية وتجميد الخلاف؟ وماذا لو وقع البلدان اتفاقا للدفاع المشترك؟.
تثير فكرة توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين المغرب والجزائر الكثير من النقاشات، خصوصًا في ظل ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية كبرى في مناطق النزاع والتكتلات الإقليمية. ورغم أن مثل هذا الاتفاق، لو تحقق، سيُعد حدثًا تاريخيًا يعيد رسم ملامح شمال إفريقيا، إلا أن المعطيات الواقعية تجعل منه سيناريو بعيد التحقق في المدى المنظور.
ويرى خبراء أن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الرباطوالجزائر سيكون بمثابة زلزال سياسي، لأن العلاقات بين البلدين منذ عقود قائمة على التوتر والقطيعة، خصوصًا بسبب ملف الصحراء المغربية. هذه الخطوة ستعني طي صفحة نزاع استراتيجي عمره نصف قرن، وستُعطي رسالة للعالم بأن البلدين اختارا الوحدة بدل الانقسام.
على المستوى الإفريقي، يؤكد الخبراء أنها ستكون رسالة قوية مفادها أن الجزائر والمغرب معًا قادران على قيادة شمال إفريقيا ضمن الاتحاد الإفريقي، بدل التنافس المحموم على النفوذ. اتفاقية دفاع مشترك ستعني توحيد العقيدة العسكرية في مواجهة التهديدات المشتركة: الإرهاب في الساحل، الهجرة غير النظامية، شبكات التهريب، وتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة.
المغرب يمتلك خبرة قوية في التعاون الأمني والاستخباراتي مع الغرب، بينما الجزائر تملك ترسانة عسكرية ضخمة وتجربة في مكافحة الإرهاب داخل حدودها. الجمع بين هذين العنصرين سيُنتج قوة ردع إقليمية كبرى.
ستتغير معادلة التوازن الإقليمي: أي طرف خارجي سيفكر مليًا قبل التدخل أو الضغط على أي من البلدين.
العلاقة بين الرباطوالجزائر تعيش منذ عقود على وقع التوتر والقطيعة الدبلوماسية، بسبب ملف الصحراء المغربية الذي يشكل جوهر الخلاف بين البلدين. أي اتفاق دفاعي يفترض أولًا تسوية هذا النزاع أو على الأقل إيجاد صيغة لتجميده، وهو أمر لم تتهيأ شروطه بعد، في ظل تمسك المغرب بمبادرة الحكم الذاتي ورفض الجزائر الانخراط المباشر في المفاوضات.
على المستوى الأمني والعسكري، تفتقد العلاقة المغربية–الجزائرية إلى الحد الأدنى من الثقة. فكلا البلدين يعتبر الآخر منافسًا إستراتيجيًا في المنطقة، وهو ما يتجلى في سباق التسلح الذي شهده العقدان الماضيان. لذلك، يصعب تصور الانتقال من منطق الردع والمنافسة إلى منطق التحالف الدفاعي المشترك في المدى القريب.
كما أن أي تقارب عسكري بين المغرب والجزائر ستكون له تداعيات مباشرة على التوازنات الإقليمية والدولية. فالمغرب يرتبط بتحالفات متينة مع الولاياتالمتحدة وأوروبا، بينما تحافظ الجزائر على علاقات استراتيجية مع روسيا والصين. الجمع بين هذين المسارين المتناقضين في اتفاق دفاع مشترك يطرح تحديات إضافية على مستوى التوافق السياسي.
في الوقت الراهن، يبقى الحديث عن اتفاقية دفاع مشترك بين المغرب والجزائر أقرب إلى الافتراض النظري منه إلى خيار عملي، بفعل الخلافات العميقة وانعدام الثقة.