فاجأت احتجاجات "جيل زد" جميع مؤسسات الوساطة من حكومة وبرلمان ومؤسسات دستورية وأحزاب ونقابات ومجتمع مدني، إذ لم يكن يتوقع أكبر المتشائمين بأن يشتعل حراك مجتمعي عبر شباب يوصفون بالبحث عن "التفاهة" و"البوز" وغيره بمواقع التواصل الاجتماعي. لكن الملاحظ في حراك "شباب جيل زد" هو أنه تجاوز الجميع سواء مؤسسات الوساطة الرسمية وغير الرسمية، ووجه مطالبه مباشرة إلى القصر الملكي، تمثلت أهم بنودها في إقالة عزيز أخنوش وحكومته.
وفي تعليقه على تجاوز "جيل زد" لجميع مؤسسات الوساطة وتوجيه رسالة مباشرة إلى الملك، قال إسماعيل حمودي أستاذ العلوم السياسية، إن هذا الأمر يعني أنه رغم الإصلاحات الدستورية والسياسية التي عرفها المغرب طيلة العقدين الماضيين إلا أن قناعة شباب "جيل زد" هي أن السلطة لازالت بيد الملك وليست بيد باقي الهيئات الدستورية.
وتابع: هذا معناه محدودية الإصلاح الدستوري والسياسي الذي تم القيام به، وأنه مهما قلنا وتحدثنا عن أن دستور 2011 دستور متقدم، إلا أن الممارسة أثبتت مرة أخرى أن السلطة بيد الملك لا غير، وهذا ما تؤكده الاحتجاجات التي تندلع من فترة إلى أخرى، مبينا أن هذه الإصلاحات بها لم تُقنع المواطنين بأن هناك اقتساما حقيقيا للسلطة، وهذا ما يعنيه توجيه شباب "جيل زد" مطالبهم إلى الملك لا غير.
وأوضح حمودي، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه خلال حراك الريف تم توجيه الخطاب مباشرة إلى الملك، وفي الاحتجاجات الجهوية تكرر نفس السلوك، لافتا إلى أن نفس الأمر يتكرر اليوم مع احتجاجات "شباب "جيل زد".
ولاحظ أنه في الاحتجاجات الجهوية للمطالبة بالماء الشروب وغيره من المطالب الأساسية، يخاطب المواطنون الوالي أو العالم عوض أن يتوجهوا إلى المؤسسات التمثيلية، مشيرا إلى ما وقع بجماعة آيت بوكماز حيث توجه الساكنة إلى العامل في مسيرة على الأقدام وكان معهم رئيس الجماعة لأنه لا حول له ولا قوة له.
واعتبر حمودي، أنه من خلال حالة آيت بوكماز، أبان المحتجون عن وعي متقدم بأن المؤسسات المنتخبة من قبيل الجماعات الترابية مجرد واجهة و"بارشوك"، وأن السلطة الحقيقية تظل بيد رجال السلطة أي الولاة والعمال على الصعيد الترابي، وعلى المستوى المركزي بيد الملك، مضيفا أن الاحتجاجات الجهوية تتوجه إلى الولاة والعمال والاحتجاجات ذات الطابع الوطني تتوجه بمطالبها إلى الملك.
ويرى حمودي، أن عدم الثقة في الأحزاب والنقابات ومؤسسات الوساطة بصفة عامة لا يعني أنها غير صالحة ولكن أنها بدون سلطة وليس في يدها ما تقوم به، بل حتى الحكومة يطالب شباب "جيل زد" بحلها لأنها بدون سلطة، ولهذا يتوجه الناس نحو الملك.
وسجل حمودي، أن التوجه نحو الملك فيها رسالتين من جهة يريدون أن يحتموا به من عنف الأجهزة ومن توغل المؤسسات، ومن جهة ثانية رغبة في أن ينصفهم لأنه يظل سلطة فوق السلط وبيده الكلمة الأخيرة.
وعن المطلوب لتجاوز هذه الإشكالية حتى تتمكن مؤسسات الوساطة من القيام بدورها، أكد حمودي، أن الأمر يتطلب إصلاحا عميقا للنظام السياسي وللمؤسسات السياسية والدستورية سواء الرسمية من حكومة وبرلمان أو المؤسسات الأخرى غير الرسمية من قبيل الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني.
ونبه حمودي، إلى أنه عندما لا يقوم الحزب بأدواره ويُفرط في استقلاليته ويتخلى عن وظيفته الإصلاحية، يصبح عالة على الدولة والمجتمع، لافتا إلى ضرورة أن ترفع السلطة يدها عن الأحزاب والنقابات والجمعيات.