أجواء حارة في توقعات طقس الثلاثاء بالمغرب    تنسيق أمني مغربي مالي يمكن من تحرير أربعة مغاربة كانوا مختطفين من طرف تنظيم إرهابي    الصين: نمو تجارة الخدمات بنسبة 8 بالمائة في النصف الأول من 2025    مصرع شخصين في حادثة سير مروعة بضواحي طنجة    تنسيق أمني مغربي-مالي يُنهي كابوس السائقين المغاربة المختطفين    سلطات المضيق تباغث من جديد المركبات السياحية والسكنية وتحجز عشرات المظلات والكراسي    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    توقيف قائد للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    تحرير السائقين المغاربة من يد تنظيم داعش الإرهابي إنتصار إستخباراتي مغربي يعيد رسم معادلات الأمن في الساحل    منخرطو الوداد يطالبون أيت منا بعقد جمع عام لمناقشة وضعية الفريق عبر مفوض قضائي    ديون وادخار الأسر المغربية.. قروض ضمان السكن تتجاوز 32 مليار درهم    حادثة سير مروعة تخلف قتيلين على الطريق الوطنية الرابطة بين الحسيمة وتطوان    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    مؤسسة محمد الخضير الحموتي تفضح مؤامرات النظام الجزائري.. وتؤكد: من يعبث بوحدة المغرب ستحرقه نار الانفصال    من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    الرئيس الأيرلندي يدعو غوتيريش لتفعيل الفصل السابع ضد إسرائيل    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الخمليشي رئيس " مركز حقوق الانسان للذاكرة والأرشيف":
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 06 - 2015

انعقد بالرباط. من 11 إلى 14 من شهر يونيو 2015، الملتقى الدولي الرابع لمواقع الضمير والذاكرة في جهة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، بمبادرة من التحالف الدولي لمواقع الضمير وبالشراكة مع مركز حقوق الانسان للذاكرة والأرشيف- المغرب. واعتباراً لأهمية الملتقى، الذي يأتي في ظرفية تشهد فيه المنطقة العربية حراكاً اجتماعياً وسياسياً، نوعياً، تزامن مع ما سمي بالربيع العربي، وأرخى بآثاره البليغة على معظم الدول العربية، واختلف في تقديره المتتبعون، إيجاباً وسلباً.
عن سياقات هذا الملتقى وأهدافه وأشغاله وتوصياته، وتعميماً للفائدة كان لنا هذا الحوار، مع الأستاذ محمد الخمليشي، رئيس مركز حقوق الانسان للذاكرة والأرشيف ومنسق الملتقى.
عمر اليوسفي: بداية، كيف يمكنكم توصيف أشغال هذا الملتقى؟
محمد الخمليشي: استضاف المغرب أشغال الملتقى الدولي الرابع لمواقع الضمير، في جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالرباط، من 11 إلى 14 يونيو 2015. وكما هو معلوم، فقد تم تنظيم هذا الملتقى من قبل مركز حقوق الانسان للذاكرة والأرشيف والتحالف الدولي لمواقع الضمير. وبالشراكة مع مؤسسات وطنية تعنى بحقوق الانسان: والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان، المجلس الوطني لحقوق الانسان، ومؤسسة أرشيف المغرب. بالإضافة هيآت مدنية: ذاكرة البيضاء، مركز الذاكرة المشتركة للديمقراطية والسلم، المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف وجمعية الريف لحقوق الانسان.
حضر الملتقى، بالإضافة إلى أعضاء التحالف الدولي لمواقع الضمير في جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فعاليات أكاديمية وحقوقية وإعلامية متنوعة. استهل الملتقى أشغاله، يوم 11 يونيو بجلسة افتتاحية، عمومية، بمؤسسة أرشيف المغرب. كما تم استئناف أشغال الملتقى، أيام 12 و13 و14 يونيو 2015 في قاعة العروض بفندق العاصمة بالرباط.
تخللت أشغال الملتقى زيارات لكل من مؤسسة أرشيف المغرب، والمجلس الوطني لحقوق الانسان، بالإضافة إلى المعتقل السري السابق"درب مولاي الشريف" ومقبرة أحداث 1981، بمدينة الدار البيضاء. كانت الزيارات فرصة للمشاركين في الملتقى للتعرف عن قرب على سير المؤسسات الوطنية والمعنية بحقوق الانسان، وكذا التعرف جوانب رمزية من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، في العلاقة مع التجربة المغربية في العدالة الانتقالية.
ارتباطاً بالسياقات الثقافية والسياسية في الجهة العربية، و بتحولاتها المتسارعة، فقد انحصر موضوع اشتغال هذا الملتقى الرابع، تحت شعار : "السمعي البصري، الامكانات والوسائط: أية استراتيجية لإرساء مواقع الضمير وحفظ الذاكرة؟ ". وبذلك فقد اشتغل المشاركون والمشاركات، على امتداد يوم 12يونيو، ضمن ورشات تدريبية، من تنشيط السيدة ديانا كارولينا، على تجربة متحف الكلمة والصورة (MUPI) من السالفادور. كما انفتح المشاركون في اليوم الموالي على التجربة المغربية، ضمن ورشة تدريبية، من تنشيط المخرج السينمائي رشيد قاسمي والناقد السينمائي أحمد بوغابة.
عمر اليوسفي: ما هي السياقات التنظيمية، إذن، التي يأتي فيها هذ الملتقى؟
محمد الخمليشي: يأتي هذا الملتقى في سياق برامج التشبيك التي يقوم بها التحالف الدولي لمواقع الضمير، فيما بين المؤسسات المتحفية والفعاليات الجمعوية والمؤسساتية المعنية بتثمين ذاكرات ظلت مخفية تحت طائلة النسيان، تقاوم كل أشكال القبح والعنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
عمر اليوسفي: على ذكر التحالف الدولي لمواقع الضمير، هل لك أن توضح أكثر طبيعة وأهداف هذا التحالف؟
محمد الخمليشي: فعلاً، التحالف الدولي لمواقع الضمير قام في الأصل استجابة لضرورة التنسيق بين المبادرات المتحفية، من منطلق الحاجة إلى التذكر ضد النسيان والذي يعني، أساساً، استحضار ذاكرات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وللقانون الدولي الانساني، لتمكين الأجيال الصاعدة من تعلم الدروس من الماضي؛ و لتعزيز سبل الحوار لترسيخ قيم حقوق الانسان.
فالتحالف الدولي لمواقع الضمير، إذن، يتشكل كشبكة دولية من المواقع التاريخية، عبر العالم، تهدف إلى إحياء ذكرى النضالات الإنسانية من أجل العدالة عبر المعالجة الحضارية والجمالية للذاكرة، وباعتماد المقاربات التفاعلية، التي تؤكد على مبدأ إشراك الجمهور في نقاش قضاياه الراهنة لاستخلاص الدروس المستفادة ومن أجل العمل في أفق مستقبل أكثر عدالة وإنسانية.
لقد تأسس التحالف الدولي لمواقع الضمير، بداية، من تسعة مواقع ومؤسسات متحفية ليتشكل، بعدها كحركة عالمية تضم، الآن، أزيد من 200 موقعاً، عبر 55 بلداً عبر العالم، وتتوزع كشبكات جهوية في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية و الشمالية و منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذا السياق ظل التحالف الدولي لمواقع الضمير يساعد أعضائه الناشئة على تحويل أماكن الاخفاء القسري والاعتقال التعسفي إلى فضاءات عمومية وديناميكية (متاحف، ساحات عمومية، حدائق...) تحفظ ذاكرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان. و بذلك صار حتى الآن، أزيد من 20 مليون شخص يقومون بزيارة مواقع الضمير والذاكرة، للمشاركة في البرامج التدريبية والتربوية التي تربط الماضي بالحاضر و تسمح بتبادل الذاكرات بين الفئات والأجيال، حتى يتكرر ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.
وبالتالي، يمكن تركيز القيمة المضافة التي يتمثلها التحالف الدولي لمواقع الضمير، في مستويين : فالأول، يرتبط بتقديم وتنسيق الدعم الفني والتقني لفائدة المواقع، أعضاء التحالف. و أما المستوى الثاني، فهو مرتبط بالتربية على حقوق الانسان والنهوض بها، ويتعلق بتطوير وتبادل الممارسات الفضلى في تطوير و تفعيل البرامج والمهارات التفاعلية المبتكرة. وفي هذا الصدد، لا تخفى قيمة المرافعة، لدى المؤسسات الوطنية والدولية، ولدى جمعيات الضحايا وكل الحركة الحقوقية، في موضوع إدراج مبادرات حفظ الذاكرة في عمليات بناء السلام و جهود العدالة الانتقالية.
عمر اليوسفي: يبدو أن هذه الدينامية التي يتمثلها التحالف الدولي لمواقع الضمير، تشير إلى مكانة خاصة لمفهومي الذاكرة والضمير ، فكيف تقرؤون حضور مفهومي الذاكرة والضمير في سياق زمننا الراهن؟
محمد الخمليشي: بالفعل، لقد أضحى مفهوم الذاكرة يحتل مكانة مركزية، في الخطابات الفلسفية والثقافية. جرى ذلك، فقط منذ بضعة عقود. كما جرى استعمال مفهوم الضمير إشارة إلى الضمير الانساني، المرتبط بقيم حقوق الانسان كأفق لكل الذاكرات المبعدة والمنسية والمهمشة. فقضايا الذاكرات أصبحت معولمة الاستعمال، إذ أننا نعيش فعلا، زمن التجلي العالمي للذاكرة. إن هذا التحول المعاصر عم كل البلدان واتسع لدى كل الفئات الاجتماعية والسياسية والمجموعات الإثنية والطائفية والعائلية... فكل المجموعات البشرية صارت تعود لتعكس أحلك فترات ماضيها، سواء تعلق الأمر بأزمنة الديكتاتوريات الشمولية أو بالحروب الأهلية أو العالمية، بل وكذلك بالمآسي الناجمة عن مسارات مقاومة الاستعمار... فكل المجتمعات، إذن، اندفعت بقوة نحو امتلاك الأدوات الكفيلة بالتعرف على حقيقة ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.
لقد اتخذت هذه الدينامية المستجدة والمتعلقة بالذاكرة والضمير، طابع الشمولية والعمق والتشخيص المادي والعملي، في نفس الوقت. كما اتخذت أشكال خطابية متعددة، تمثلت في انتقاد خطاب التاريخ الرسمي من جهة، واستعادة آثار القمع والتهميش، المدفوع، سابقا، بعيدا، في غياهب النسيان. لعلها، موجة عارمة تنسحب على كل العالم لتعيد ربط الماضي ? واقعيا كان أو متخيلا - بالحاضر والمستقبل.
و إذا كان استعمال الذاكرة قد أضحى معولماً، بفضل تكنولوجيات التواصل الاجتماعي الجديدة، فإن مسار تحرير الذاكرات والضمير قد تم إرساؤه أيضاً، بفضل وسائل تعبيرية تمثلت في المتاحف، بما تفترضه من تأثيث جمالي وتربوي، بالكلمة والصورة والصوت و النصُب والإيقونات...
كذلك، التأمت مواقع الضمير والذاكرة في إطار تحالف دولي لاستعادة ذاكرات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وتفعيلها بهدف أن لا يتكرر ما جرى.
عمر اليوسفي: قد يلاحظ المرء أن هذه الحركة، التي يتمثلها التحالف الدولي لمواقع الضمير، هي بدورها ذات نشأة غربية، إن لم نقل ذات أرضية ثقافية ودينية مغايرة لسياق المنطقة العربية، كما يدل على ذلك ازدهار تلك المتاحف والفضاءات والحدائق التذكارية في أمريكا الجنوبية وجنوب إفريقيا والغرب الأوروبي...عكس ما نلاحظه في المغرب، مثلا ، حيث غياب المتاحف والنصب التذكارية وبخاصة التماثيل التشخيصية للذاكرة الوطنية بما فيها ذاكرة سنوات الرصاص.
فما طبيعة السياق الثقافي، الذي مكن من استنبات هذه الفكرة المرتبطة بحفظ الذاكرة من خلال مواقع مادية للضمير والذاكرة؟
محمد الخمليشي: بصفة عامة، ولو تذكّرنا، فقط، أنه منذ القرن الخامس عشر، كانت السيادة للحروب الصليبية، ولمحاكم التفتيش، و لمحارق جماعية، مروراً بترحيل الأفارقة كعبيد إلى أمريكا، ناهيك عن المآسي الفظيعة الناتجة عن الحروب الكونية، الأولى والثانية، إضافة إلى الجرح الذي خلفه نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا وكذا الجروحات التي خلفتها الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، وبخاصة، في منطقتنا العربية ... بل، لا زال ثمّة شعب فلسطيني، يعيش لامبالاة دولية وراء الجدران، في وضعية تمييز عنصري خصوصاً بعد الامعان في ضمّ المزيد من أراضيه، بالاستيطان و شن الحروب ضده، مما يزيد وضعه تأزّمًاً. وصولا إلى ما يحدث الآن، في سوريا والعراق وليبيا واليمن...من حروب أهلية بعدة فاعلين، وحرب دولية بعدة زبائن ووكلاء في آن واحد.
ففي غفلة من الضمير الانساني يتم شن الحروب بتواطؤ معمم، قد لا نجد معه، أية صعوبة للقول أن هذه البقعة من جغرافية العالم، المسماة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا زالت تمثل مسرحًا لعنف مستدام. فالمنطقة، تشهد اتساع التطرّف، الذي لا يقتصر فقط على التطرّف الديني والهوياتي والثقافي، بل يتعداه أيضًا إلى تطرّف الاستبداد.
و في الجهة العربية، فقد تزامن تأسيس شبكة مواقع الضمير والذاكرة مع بدايات "الربيع العربي" سنة 2011، حيث كشفت الأحداث السياسية والاجتماعية، ذات العلاقة، عن صفحات من الآلام والعذابات لملايين البشر الذين كانوا ضحية سلب الحرية والحط من الكرامة والقتل والاغتيال والتعذيب والسجن والإذلال، منذ التدخلات الاستعمارية ومروراً بأزمنة الاستقلالات الوطنية. ومما لا شك فيه، أن ذات الأحداث أزاحت الستار، كذلك، عن صفحات من المقاومة للظلم والقهر والاعتداءات على كرامة الإنسان.
عمر اليوسفي: لا شك، أن المتتبع العادي للحراك الثقافي والسياسي في هذه الجهة العربية، يدرك بسهولة ما آلت إليه الأمور من ارتداد أكثر خطورة، في مسار ما يسمى بالربيع العربي. تحضرني، هنا، ما تقوم به الجماعات الاسلاموية المتطرفة من قبيل "داعش" والنصرة ... في العراق وسوريا و ليبيا من تقتيل وهدم، لم يقف عند حدود الأطراف المتنازعة، بل شمل كلٌ إيقونات وآثار التراث الانساني. تجاه هذا الوضع، كيف تدركون، سبل المواجهة لحفظ الذاكرة ومواقع التراث الانساني؟
محمد الخمليشي: صحيح ما تفضلت به من توصيف. وبالفعل، فإنا نعيش حالة الانفجار الضخم للتناقضات الداخلية، وهو الانفجار الذي انسحبت ارتداداته على كل الجغرافية السياسية والثقافية في المنطقة. فلئن كان الحراك الاجتماعي، مع ما كان يسمى بالربيع العربي قد رفع شعارات: الكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، بكل ما تحمله من آمال للقطع مع الظلم والفساد الاستبداد والانتهاك لكرامة الإنسان؛ فإنه كذلك، فجر التناقضات الذاتية والموضوعية الكامنة في كل مجتمع مر به، حيث توارت إلى الوراء شعارات: الحق والحرية والكرامة والعدالة في معناها الانساني الكوني، لتحل محلها وفي الصدارة، مفاهيم أكثر انغلاقا وانحساراً من قبيل الهوية الدينية والطائفية أو العشائرية ... لينتهي الأمر إلى ظهور استقطابات نقيضة، من قبيل ما يمثله تنظيم "داعش" واستهوائه لآلاف الشباب، بخطابه الارتدادي الذي لم يكتف بدفن شعارات الحراك فقط، بل طلق كل المفاهيم الانسانية والكونية.
لكن، وبالرغم من تناقض وتعقد مسارات التغيير في المنطقة العربية؛ فإن عديدا من العذابات، تمت ترجمتها في أشكال تعبيرية في المقاومة. فما لبثت الشهادات و التعبيرات الإبداعية والأدبية (أدب السجون) و التشكليلية و السينمائية، تفرض حضورها الوازن، في سلم القيم، حيث يتم تداولها وتعميمها، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي. لعلها، بذلك تصير مبادرات إبداعية وجمالية، تسعى، من جهة، إلى توثيق وتسجيل ما جرى ويجري. ومن جهة أخرى تعمل على بناء وتأثيث الذاكرة الجماعية للشعوب، تستفيد من دروس الماضي لبناء حاضر ومستقبل، شديد الارتباط بقيم الضمير الانساني.
عمر اليوسفي: في العلاقة بين تعقد مسارات التغيير في هذه الجهة العربية، وهذه الدينامية التي يتمثلها التحالف الدولي لمواقع الضمير، كيف تدركون المخارج الممكنة من الأزمة؟
محمد الخمليشي: شك أن مسارات التغيير ، صادفت إنزياحات خطيرة، أدت إلى حروب، تدبوا في الأمد المتوسط بأنها مستدامة. ولوضع مخارج لهذه الأزمة، ففد تبدُت تجارب العدالة الانتقالية، كمسارات هامة، مكنت كثيراً من المجتمعات والدول من تثمين وتقدير ذاكرات عذابات الماضي، باعتبارها إحدى مرتكزات المصالحة والإنصاف والعدالة الاجتماعية. وبذلك فقط كان الاستعداد للتوجه الجماعي في بناء الحاضر والمستقبل.
في هذا السياق، ظلت التجارب في المنطقة العربية، طموحاً للخروج من أزمة الاقتتال. لكنها بقيت محدودة بفعل تعقد الاكراهات المطروحة، إقيليمياً ودولياً. فقط، يمكن للتجربة المغربية في العدالة الانتقالية، كما مثلتها "هيأة الإنصاف والمصالحة" (2004-2005) أن تكون نموذجاً في كل الجهة العربية. فهي التجربة التي مكنت، من خلال جلسات استماع عمومية، نساء ورجال، ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، من كسر جدار الصمت والتعبير والبوح عن العذابات، التي لحقتهم، زمن سنوات الرصاص (1956 ? 1999)
وغلاقة بمواقع الضمير والذاكرة، فقد أوصت هيأة الانصاف والمصالحة في تقريرها الختامي، بتحويل المعتقلات السرية السابقة إلى مواقع الضمير والذاكرة. لكن رغم تعقد مسار هذا التحويل، فإن الارادة الإستراتيجية لكل من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والضحايا وكذا المبدعين والفنانين، هي أعز ما يطلب، لتفعيل برامج وطنية في هذا السياق.
فلعل طرد شبح الحرب والاقتتال الذي لا زال يسكن البلاد العربية اليوم ، يشكل هاجساً للتحالف الدولي لمواقع الضمير . فلا غرو إن كانت بعض التجارب قد قاربت الموضوع بمهارات وخبرات عالية، كما يحدث مع تجربة جمعية "أمم" للتوثيق والأبحاث،بيروت-لبنان، وهي التي اشتغلت، منذ 2005 على معالجة ماضي لبنان العنيف، الذي تجسد في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و 1990، معتبرة أن هذا الاشتغال هو جوهري لطرد شبح تجدد الصراع الذي لا يزال يسكن البلاد اليوم. لهذه الغاية، كرست المنظمة موارد مهمة لأرشفة الماضي اللبناني، عبر جمع مروحة متنوعة من الأدلة والمصنعات التاريخية والمحافظة عليها والترويج لها علناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.