لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين تصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    كأس إفريقيا .. صلاح يقود مصر للفوز على زيمبابوي في الوقت بدل الضائع    بلاغ مشترك توقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة أرشيف المغرب تهم حفظ الذاكرة القضائية    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    بصعوبة.. مصر تفوز على زيمبابوي 2_1 في أول ظهور بالكان        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نيويورك.. زهران ممداني يفاجئ مشجعي أسود الأطلس في مطعم مغربي    تحضيرات المنتخب المغربي تتواصل استعدادا لمباراة مالي    موندو ديبورتيفو تشيد بحفل افتتاح كان 2025 بالمغرب    حموشي يقرّ صرف منحة مالية استثنائية لفائدة جميع موظفي الأمن الوطني برسم سنة 2025        بركة: دراسة ترسي حماية جديدة لآسفي.. ونراجع المناطق المهددة بالفيضانات        الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الوطنية قرب بني عبد الله    نشرة انذارية جديدة تحذر من تساقطات ثلجية كثفة وامطار قوية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إقليم ميدلت.. تعبئة ميدانية للسلطات تنقذ خمس عائلات من الرحل حاصرتها الثلوج بجماعة أيت يحيى    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    «لماذا يخطئ المثقفون» صامويل فيتوسي الانحياز الفكري والأخلاقي أمام امتحان الحقيقة    مجموعة «فوضى مورفي» للكاتبة خولة العلوي .. شغف ووعي ورغبة في كتابة نص مختلف    نبض بألوان الهوية المغربية والإفريقية: عرس كروي رفيع المستوى في افتتاح الكان        تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    يومية "آس" الرياضية الإسبانية: براهيم دياز.. قائد جديد لجيل واعد    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    أزيلال .. القوات المسلحة الملكية تطلق خدمات المستشفى العسكري الميداني بجماعة آيت محمد    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    ارتفاع أسعار النفط    انقلاب حافلة يودي بأرواح 16 شخصا في جزيرة إندونيسية    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    اغتيال جنرال روسي في انفجار قنبلة    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الباحث محمد بهضوض حول تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية بالمغرب:

على ضوء إصداره الأخير «التنمية الثقافية: الصناعات الثقافية والابداعية في المغرب»، نحاول في هذا الحوار مع الكاتب والباحث محمد بهضوض، تسليط الضوء أكثر على ما طرحه هذا الإصدار من أجل فعل ثقافي جاد يسهم في الرفع من قيمة الرأسمال اللامادي، وتطوير الصناعات الإبداعية والثقافية من بوابة الاقتصاد أو ما أصبح يصطلح عليه اليوم بالاقتصاد الثقافي.
o هل يمكن الحديث عن صناعة ثقافية بالمغرب، في غياب سياسة ثقافية واضحة؟
n أشكركم أولا على هذه الاستضافة.
في ما يخص سؤالكم، فهو يتضمن شقين: الصناعة الثقافية والسياسة الثقافية.
* عن الشق المتعلق بالصناعة الثقافية، يمكن القول إن المغرب يتوفر على عدد من الصناعات أو الأنشطة ذات البعد الرمزي، الثقافي أو الفني، مثل صناعات التراث (المواقع الأثرية، والمتاحف، والمشاهد الطبيعية، ومنتجات الأرض...)، وصناعات الثقافة (الكتاب، والسينما والفيديو، ووسائل الإعلام، والمسرح، والفنون التشكيلية..) وصناعات الإبداع (تكنولوجيا الاتصال، والحرف الفنية، والديكور، والهندسة، والموضة أو اللباس، والسياحة الثقافية، والحدائق الترفيهية...). وهي الصناعات التي أوضحت بشأنها: أنها تشكل، إلى جانب الهوية والقيم والتنوع اللغوي والثقافي، رأسمالا ثقافيا كبيرا لبلادنا، يساهم اليوم في الاقتصاد الوطني، بهذه النسبة أو تلك. وأنه يمكن أن يساهم أكثر، إذا نحن قمنا أولا بالتعرف عليه وإحصائه، كما نادى بذلك الخطاب الملكي لعيد العرش 2014، ووفرنا ثانيا الشروط المادية والمعنوية لاستغلاله الأمثل. والحال أنه، حتى الإحصاء الذي طلب الملك من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي القيام به في ظرف ستة أشهر حول الرأسمال غير المادي للمملكة، لم يظهر إلى حد الآن، بعد مضي أكثر من سنة على الخطاب المذكور. أما مسألة الاستغلال الجيد لهذا الرأسمال، فهذه مسألة أخرى، يمكن أن نعود إليها في ما بعد.
* بشأن ما عبرتم عنه "بغياب سياسة ثقافية واضحة"، فعلينا أولا التفريق هنا بين مسألتين: السياسة القطاعية لوزارة الثقافة، والسياسة الحكومية أو الوطنية للثقافة. في ما يتعلق بالسياسة القطاعية، فهي قائمة منذ قيام وزارة الثقافة ذاتها، وتتمثل أساسا في البرنامج القطاعي الذي تقدمه هذه الوزارة كل سنة إلى البرلمان، وتتم مناقشته والتصويت على ميزانيته. وهو الذي يقوم عموما على محاور كبرى، حددتها الوزارة الحالية في 5 محاور، هي: التجهيز الثقافي، ودعم الإبداع والمبدعين، وحماية التراث الثقافي، وتحسين الحكامة والتدبير، وتشجيع التعاون الثقافي أو الديبلوماسية الثقافية. ومهما كان رأينا في الحصيلة النهائية للسياسة الكامنة وراء هذه المحاور، إيجابيا أو سلبيا، فهي سياسة قائمة على كل حال، يرتبط تقييمها العلمي بالاختصاصات المخولة للوزارة المعنية، ومواردها المالية والبشرية، ونوع الوزراء الذين تعاقبوا عليها، والصعوبات التي واجهتها، ومازالت تواجهها، الخ.
بمعنى آخر، إن المشكلة لا تكمن هنا في القطاع الثقافي وحده، إذ لا يمكن لقطاع الثقافة أن يعطي في النهاية إلا ما هو قادر أن يعطيه، بتناسب مع الأهمية المعنوية الممنوحة له، والإمكانيات البشرية والمادية المرصودة له. إنها تكمن، حسب تقديري، في: أولا في عدم وجود "سياسة وطنية للثقافة"، تشمل، إلى جانب السياسة القطاعية المذكورة، باقي القطاعات المتدخلة في الثقافة (وزارة التربية الوطني، وزارة التعليم العالي، ووزارة الاتصال، وزارة الشباب والرياضة،...)، وثانيا في عدم وجود استراتيجية وطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، تضيف إلى القطاعات المذكورة، قطاعات أخرى مثل تكنولوجيا الاتصال والديكور والسياحة والصناعة التقليدية الإشهار..، وما إلى ذلك.
والحال أن هذا ما لم يتم بعد، بدليل، أن الحكومة وضعت نحو 23 برنامجا وطنيا، يشمل جل القطاعات ذات الأهمية في اعتقادها (انبثاق الصناعي، المغرب الرقمي، المغرب الأخضر، رواج...)، باستثناء "المغرب الثقافي"، كما تشكلت لجان وزارية مشتركة في كل الميادين، باستثناء ميدان الثقافة. وقبل ذلك، اجتهدت وزارة الثقافة، إبان مختلف مراحل تاريخها الحديث، وبنسب متفاوتة حسب شخصيات وزرائها، في اقتراح استراتيجيات أو برامج معينة للنهوض بالشأن الثقافي (ومنها قيام وزارة الثقافة الحالية بإعداد استراتيجيتين هما: استراتيجية التراث 2020، واستراتيجية "المغرب الثقافي" 2020، على نحو ما ورد في برنامج عملها القطاعي السنوي سنة 2014)، لكن هذه البرامج أو الاستراتيجيات لم تر النور، في أغلبها، أو تمت محاربتها وتهميش فاعليها، لأسباب متعددة، لا نرى متسعا للحديث عنها في استجواب محدود مثل هذا.
o الثقافة برمزيتها والاقتصاد بربحيته، هل يمكن إيجاد نقط التقاء بينهما في المغرب مع الأخذ بعين الاعتبار عدم أولوية الشأن الثقافي في السياسات الحكومية والقطاعية ؟
n يحيلنا الشق الثاني من سؤالكم إلى ما انتهينا إليه في السؤال الأول، أي إلى عدم وجود سياسة وطنية للثقافة في بلادنا. السؤال لماذا؟ لا يكفي القول هنا إن الحكومة لا تعطي أولوية للشأن الثقافي، فهذا معروف، منذ إنشاء وزارة الثقافة، كما تدل على ذلك النسبة التي تخصصها الحكومة من ميزانيتها السنوية لقطاع الثقافة (والتي لم تتجاوز 0،25% في المعدل طيلة 48 سنة الماضية من تاريخ خلق هذا القطاع). وهذا، بغض النظر عن جهود الوزراء الذين تعاقبوا عليه، وحساسياتهم السياسية، كانوا من المخزن أو التكنوقراط أو اليمين أو اليسار.
المشكلة اليوم، في ظل العولمة والتحولات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن لدينا وعيا محدودا نسبيا، بالثورة الثقافية القائمة الآن على المستوى العالمي، والتي تفيد بأننا أصبحنا أمام "باراديغم" جديد للتحليل وفهم لمجريات العالم. ذلك أنه إذا كان الباراديغم الذي كان سائدا إلى حين هو الباراديغم الاقتصادي والاجتماعي (الوجود هو الذي يحدد الوعي)، فالباراديغم الذي أضحى يفرض ذاته شيئا فشيئا هو الباراديغم الثقافي (الوعي هو الذي يحدد الوجود). ومن هنا، الأهمية التي أضحت تأخذها قضايا مثل: الهوية، والاختلاف الثقافي، والأقليات، والشعوب الأصيلة، واللغات، والحقوق الثقافية، والتنوع الثقافي، وصراع أو حوار الحضارات...، في الساحة الوطنية والدولية القائمة.
هذا يفرض تغيير مفهومنا للثقافة، ومن ذلك علاقتها بالاقتصاد. فالقول، كما جاء في سؤالكم، بأن الثقافة تتميز برمزيتها فيما يتميز الاقتصاد بربحيته، هو تقسيم قد يكون له مدلوله على المستوى المبدئي، إذ من المؤكد أن الثقافة هي رأسمال غير مادي بحكم دورها في ترسيخ الهوية والشخصية والانسجام الاجتماعي، كما أن الاقتصاد هو رأسمال مادي يرتبط بالمنفعة والربح. ومن هنا دعوة البعض إلى عدم الخلط بينهما، كما عبر عن ذلك شعار بدائل العولمة "الثقافة ليست سلعة". لكن لهذا التقسيم محدوديته، والتي تنطلق من كون أن الثقافة أضحت تنمية. وهذا بمدلولين: تنمية الحس والوجدان أو العقل، وتنمية الاقتصاد، بحكم أنه لا ثقافة دون اقتصاد أو العكس.
ذلك أنه إذا كان للثقافة تأثير على الاقتصاد (روح الرأسمالية كما أسماها ماكس فيبر)، من خلال ما تصبغه على بعض المنتجات والخدمات (الكتب والأفلام والمسلسلات والمتاحف والسياحة..) من معان رمزية، فإن للاقتصاد تأثيره كذلك في الثقافة، من خلال الرأسمال المادي (المؤسسات والشركات والاستثمارات...)، التي تساهم في تطويرها. وهكذا. لقد كانت هناك دائما علاقة جدلية بين الثقافة والاقتصاد منذ القديم (إنشاء المعابد والقصور والتماثيل وتنظيم الاحتفالات). كل ما هناك، أن هذه العلاقة أخذت منذ القرن 19، بعدا جديدا، أضحت معه الثقافة مرتبطة بالصناعة (ومن هنا مفهوم الصناعات الثقافية)، كما توسعت في ما بعد لترتبط بكل مظاهر الإبداع (ومن هنا الحديث عن الصناعات الإبداعية). وانتهى الأمر مع بداية الألفية الثالثة، إلى الحديث عن "الاقتصاد الثقافي" و"الرأسمالية الثقافية"..، بما يفيد أن الثقافة أضحت اليوم في قلب الاقتصاد العالمي، تتنافس على استغلال قيمتها المضافة كل الدول والشركات والمدن في سبيل تحقيق التنمية، من خلال تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية .هذا من خلال : إنتاج وتصدير المنتجات والخدمات الثقافية، وتطوير الاقتصاد الإبداعي، وخلق مدن المعرفة أو المدن الذكية (..).
o المهرجانات الثقافية بالمغرب، هل تسوق لمنتوج ثقافي يخدم ما يصطلح عليه اليوم بالتراث اللامادي أم تبقى مجرد أداة للترفيه؟
n المهرجانات الثقافية هي جزء من الصناعات الثقافية في المغرب. وقبل توضيح ذلك، أرى أنه من الضروري التذكير بتطور تنظيم هذه المهرجانات في بلادنا. ذلك أنه إلى حدود بداية ستينيات القرن الماضي، كان المجتمع، هو الذي ينظم، بكل فئاته وأفراده، ما يرى من احتفالات أو مهرجانات بشكل عفوي، في الأسواق والساحات، كما في المواسم (ولا تزال هذه الممارسة قائمة إلى اليوم، حيث يبلغ عدد المواسم ما يناهز 1800 موسم في كل أنحاء المغرب). لكن منذ ستينيات القرن الماضي، شرعت الدولة في تنظيم أول مهرجان ثقافي وطني كبير، هو "مهرجان الفنون الشعبية بمراكش". وهو الأمر الذي تطور بعدها، سيما مع الانفراج التدريجي للوضع السياسي (ارتباط تنظيم المهرجانات بالانفتاح السياسي)، إلى إنشاء عدد من المهرجانات الثقافية والفنية، في كل أنحاء المملكة، يقدر عددها اليوم بأكثر من 500 مهرجان (علما بأن المهرجانات في المغرب تتفاوت من حيث الأهمية والحجم، وتظهر أو تغيب، بما يحول دون إعطاء إحصائيات دقيقة بشأنها).
في هذا الصدد، شهدت سنوات 1998-2007، خلق عدد من المهرجانات الثقافية والتراثية، التي أضحت الوزارة تنظمها منذ وقتها، والتي بلغت اليوم، 24 مهرجانا ثقافيا وتراثيا (حسب الكتيب الذي أصدرته وزارة الثقافة الحالية سنة 2014 في الموضوع). لعل أبرزها مهرجان "موسم طانطان"، الذي تم تسجيله كتراث عالمي للإنسانية. كما عززت الوزارة الحالية هذا الاتجاه، برفع الميزانية السنوية المخصصة له (14 مليون درهم سنة 2015). وهي المهرجانات، التي لعبت، ولاتزال، دورا هاما، حسب تقديرنا، في الحفاظ على عدد من أشكال التراث الثقافي المحلي (الأندلسي، الشعبي، العصري، الأمازيغي، الصحراوي،...)، وإيجاد فرص الشغل لمئات الفرق الفنية ومقاولات الهندسة الثقافية، إضافة إلى التنشيط السياحي والثقافي لعدد من مناطق المغرب، سيما المنعزلة منها، بما يعطينا مثالا لارتباط الثقافة الوثيق بالاقتصاد كما ذكر.
هذا هو الجانب الإيجابي من العملية، أما جانبها السلبي، فيتجسد، حسب تقديري، في : استغلال بعض المنتخبين لبعض المهرجانات الثقافية والفنية لأغراض سياسوية أو مصلحية، ونقص الشفافية في التمويل لبعضها الآخر، والارتجال في البرمجة والتنظيم، وفقدان الطابع الثقافي الواضح، وتوفير ميزانيات ضخمة لبعضها مقارنة مع الميزانية التي تخصصها الوزارة لها (مثاله أنه إذا كانت وزارة الثقافة تخصص 14 مليون درهم لدعم 24 مهرجانا ثقافيا وتراثيا طيلة السنة، فإن "جمعية مغرب الثقافات" تخصص وحدها نحو 60 مليون درهم لتمويل برنامجها "موازين" بالرباط الذي يدوم 10 أيام). وهذا إضافة إلى عدم ارتياح فئات من الشعب المغربي لمضامين بعض المهرجانات، التي تعتبرها تابعة للمخزن أو تنشر "الفن غير النظيف" (..).
o تحدثتم في كتابكم الأخير "التنمية الثقافية: الصناعات الثقافية والإبداعية في المغرب"، عن الإمكان البشري والرمزي الذي نتوفر عليه . كيف تقيمون حدود النجاح في هذا المشروع الذي سبقتنا إليه دول الجوار كتونس؟
n كما أشرت إلى ذلك في جوابي عن سؤالكم الأول، يتوفر المغرب، مثل سائر الدول والمجتمعات، على إمكان بشري ورمزي هائل، أبرزته عدة دراسات، لعل أبرزها هو "تقرير الخميسنية سنة 2006". وهو التقرير، الذي قدم لنا، إلى جانب معطيات البنك العالمي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وأرقام المندوبية السامية للإحصاء، نظرة وافية عن هذا الإمكان، ومكامن قوته وضعفه. وهو ما قد يتعزز، حين يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بإصدار تقريره المنتظر في الموضوع، حتى تتضح الصورة بشكل أوسع وأشمل. في انتظار ذلك، وفي حدود ما هو متوفر من حصيلة، إلى حد الآن، لابد من الاعتراف بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأن هناك منجزات إيجابية تحققت في عدد من الحقول (التعليم، الاقتصاد، التجهيز، الصحة، النقل، الثقافة..)، كما أن هناك إمكانات وفرصا مفتوحة أمام بلادنا لتحقيق المزيد، سيما في ما يخص موضوعنا، أي "الصناعات الثقافية والإبداعية".
وهو ما نجحت فيه عدد من الدول، لا أظن أن من بينها تونس كما تفضلتم، التي لم يرق تقدمها الثقافي النسبي إلى إنشاء صناعات ثقافية وإبداعية، بالمفهوم العالمي لذلك. فالعالم العربي، بمختلف دوله، يعاني من نقص الاستثمار في هذه الصناعات، كما أوضح ذلك تقرير "التنمية الثقافية"، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي. صحيح أن هناك تجارب رائدة في الموضوع، تشكلها على سبيل المثال مصر في مجال الموسيقى والكتاب والأفلام، و سوريا ولبنان في مجال الكتاب والموسيقى، وبلدان الخليج اليوم في مجال السمعي بصري (روتانا، الجزيرة، العربية) أو الهندسة المعمارية (ظبي، الدوحة..)، والكويت في مجال المطبوعات، إضافة إلى المغرب في مجال الكتاب والسينما والسياحة الثقافية (...). وهي اجتهادات محمودة، دون شك، ونتطلع إلى تطورها، تنفيذا "لخطة العمل للنهوض بالتصنيع الثقافي في الوطن العربي"، التي صادق عليها وزراء الثقافة العرب بالمملكة العربية السعودية سنة 2000. لكن مازال الطريق إلى ذلك طويلا، خصوصا في المغرب، نظرا، كما قلنا، لنقص الوعي بالزلزال الذي أحدثه الباراديكم الثقافي كما ذكر، والعجز المسجل، إلى حد الآن، عن مجاراة التحديات والتنافسية العالمية في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية على الصعيد العالمي.
o التنمية الثقافية تصطدم بعدة كوابح لعل أولها وأهمها هو إشكال الأمية بالمغرب، ثم أزمة القراءة. ماهي في نظركم السبل الكفيلة برفع هذه التحديات؟
n نتحدث هنا عن زلزال اقتصادي- ثقافي عالمي وليس فقط عن "عدة كوابح" كما تفضلتم، والتي لا تشكل فيها الأمية، أو أزمة القراءة، إلا جانبا أو عنصرا ضئيلا في المشهد ككل. إن التحديات التي تواجهها بلادنا، كما أوضحتها في كتابي السابق ("المغرب الثقافي: نحو مشروع وطني للثقافة"، سنة 2014)، هي تحديات عديدة: فكرية ترتبط بمعنى الحضارة التي نعيشها، وسياسية ترتبط بنوع النظام السياسي الذي نروم تطبيقه، واقتصادية ترتبط بمكانة بلادنا في العولمة الاقتصادية، واجتماعية ترتبط بالتحولات الديموغرافية والحضرية والاجتماعية قيد التفاعل، وثقافية ترتبط بالتغيير المسجل في الممارسات الثقافية وشبكات الإدراك والفهم (سيما عند الشباب)، وتكنولوجية تتعلق بما تطرحه تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من تغييرات في كل مناحي الحياة، وحقوقية تتعلق باحترام التنوع اللغوي والثقافي والتعددية والاختلاف، وبيئية تتعلق بشكل التنمية التي نريدها في المستقبل، وما إلى ذلك.
أين نضع إشكالية الأمية في هذه الخريطة الكبرى من التحديات؟ وما هو مفهومنا للأمية قبل كل شيء؟ هل هي أمية القراءة والكتابة، أم أمية "الفجوة الرقمية"، أم أمية "التيه الإيديولوجي" على حد تعبير فيلسوفنا محمد سبيلا، أم هي أمية الثقافة السياسية أو العمى السياسي، الذي عشنا، ومازلنا نعيش، مظاهره السريالية للأسف في مجتمعنا؟ نعم، لاشك أن الأمية، بمفهوم عدم القراءة والكتابة، لا تزال قائمة في بلادنا (نحو 28% سنة 2012). لكن هذا الشكل من الأمية هي الشجرة التي تخفي الغابة في بلادنا، على اعتبار: أولا، أن عدم معرفة الكتابة والقراءة لا تعني الأمية، وإلا أزلنا أغلب مظاهر ثقافتنا الشعبية من الوجود (مظاهر التدين والقيم والسلوك والمعرفة العملية والصناعة التقليدية والفنون الشعبية)، كما أنه ليس كل من يعرف القراءة والكتابة بقارئ أو مثقف (لنا نحو 240 ألف معلم وأستاذ، ونحو 11 ألف أستاذ-باحث، أكثر من 90% منهم لا يقرأون، حيث يخصص المغربي نحو 4،0% من وقته للقراءة يوميا، حسب البحث الوطني لاستعمال الوقت سنة 2014)، إضافة إلى أن إنتاج عدد من عناصر الصناعات الثقافية والإبداعية لم يعد مرتبطا أصلا بالقراءة والكتابة، ومثاله الثورة الرقمية اليوم، حيث أن المغاربة الذين نزعم أنهم لا يقرأون ولا يكتبون، ينخرطون هم كذلك، بهذه النسبة أو تلك، في الثورة الثقافية القائمة (هناك ما يناهز 44 مليون منخرط في الهاتف النقال)، ويعتبرون أعضاء في نمط "الاستهلاك الاقتصادي-الثقافي" السائد، الذي تحدثنا عنه.
نعم، إن مما لاشك فيه أن على بلادنا بذل المزيد من الجهد لمحو ما تبقى من أمية القراءة والكتابة. وهذا ما نظن، أنها تجتهد فيه، نسبيا، بدليل الانخفاض المتواصل لنسبة الأمية. لكن، يجب الانتباه، بأننا أضحينا ننتقل اليوم، بموجب الباراديغم الثقافي المذكور، من "حضارة الكتاب" إلى «حضارة الصورة»، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج، إيجابية وسلبية، على الإنسان بشكل عام، والإنسان المغربي بشكل خاص. وهذا موضوع واسع تناولته عدة دراسات بالتحليل، وأتمنى أن تتاح لي فرصة قادمة للحديث عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.