انطلاق فعاليات النسخة الأولى من ملتقى التشغيل وريادة الأعمال بطنجة    ميسي يقود ميامي إلى هزم بورتو    مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" يعيد إلى الصويرة نغمة المحبة والبركة    "عائدتها قدرت بالملايير".. توقيف شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية وتهريب المخدرات    رئيس النيابة العامة يجري مباحثات مع وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    حكومة أخنوش تصادق على إحداث "الوكالة الوطنية لحماية الطفولة" في إطار نفس إصلاحي هيكلي ومؤسساتي    وفد "سيماك" يحل بالعيون لدعم مغربية الصحراء وتعزيز الشراكة "جنوب جنوب"    ماركا: ياسين بونو "سيد" التصديات لركلات الجزاء بلا منازع    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يستقبل وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    تغييرات في حكامة "اتصالات المغرب"        بعيوي يكذب تصريحات "إسكوبار الصحراء"    البيت الأبيض: موقف دونالد ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحداً"    إصدار أول سلسلة استثنائية من عشرة طوابع بريدية مخصصة لحرف تقليدية مغربية مهددة بالاندثار    اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    الحرب الامبريالية على إيران    أمن طنجة يتفاعل بسرعة مع فيديو السياقة الاستعراضية بشاطئ المريسات ويوقف المتورطين        الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    هل يعي عبد الإله بنكيران خطورة ما يتلفظ به؟    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد خلاف: الكاستينغ مرحلة مهمة تطلبت مني تريثا كبيرا دام سنوات..

سعيد خلاف مخرج مغربي مقيم بالديار الكندية، له العديد من التجارب المسرحية والسينمائية. ويعتبر «مسافة ميل بحذائي» أول فيلم طويل من توقيعه كتابة وإخراجا، وهو فيلم حاز على جوائز عديدة داخل وخارج المغرب، منها الجائزة الكبرى بمهرجان الأقصر، والجائزة الكبرى لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة في نسخهما الأخير، كما حاز على جائزة الإخراج في مهرجان الحسيمة...
هو فيلم يبئر لنا مسارا حياتيا بئيسا لسعيد، الذي عانى عنف الشارع، وتاق للعيش بكرامة.. في ما يلي حوار مع مخرج الفيلم سعيد خلاف.
o هل بإمكاننا صناعة فيلم جيد، انطلاقا من حكاية بسيطة ومستهلكة تنتمي لليومي؟ وهنا نقصد فيلمك «مسافة ميل بحذائي»، الذي يعالج قصة سعيد الفاقد لأبيه الذي عاش طفولة مريرة مشردة، أدت به إلى أن يكون شابا يعاني ظلم الحياة. وبمعنى آخر، هل يكفي أن نؤفلم حكاية قريبة من الناس، ومن انشغالاتهم، ليحقق الفيلم النجاح؟
n شرف لي أن أحول قصة بسيطة إلى فيلم جيد، وهو في نظري رهان مركزي بالنسبة لأي مخرج ، أي أن يكون جسرا يعبر بموضوع الفيلم وإشكاليته ليصلا إلى المتلقي. لست مخرجا تقنيا أحول فقط السيناريو إلى لقطات، بل أسعى إلى مرافقة موضوع الفيلم لأضيف لمسة ما وأوصلها إلى المجتمع..
لم أكن أتصور يوما أن أكتب سيناريو فيلم درامي كهذا، هو في الحقيقة موضوع فرض نفسه علي، ذلك لأن توجهي منذ البداية كممثل مسرحي انصب صوب الكوميديا، وكانت لي أيضا تجارب تليفزيونية عديدة (كتابات) لاقت استحسانا ملحوظا.. موضوع أطفال الشوارع هذا، أثار في نفسي نوعا من المسؤولية صوبهم، الشيء الذي علل تَرَيُّثِي في كتابة سيناريو فيلم «مسافة ميل بحذائي».
o هل هذا معناه أنك تنظر إلى السينما باعتبارها موضوعا، وأنك تنتصر له على حساب شكل الفيلم، أي جماليته وشعريته؟
n هي مسألة صعبة أن نتحدث في فيلم ما عن الموضوع بعيدا عن الشكل أو العكس، فأنا ممن يؤمنون بضرورة التطرق إلى الموضوع الهادف الرسالي في السينما، أي الموضوع المثير الحامل لرسالة ما، ومهامي كمخرج تكمن في إيجاد طريقة مختلفة في طرح المواضيع من خلال لغة سينمائية ورؤية متفردة.
لقد تطلب منك إخراج «مسافة ميل بحذائي» وقتا طويلا، بدءا بالفكرة وانتهاء بالعرض، وهو تريُثٌ مشروع من مخرج يتطلع للنجاح، من خلال محايثته للفيلم شكلا وموضوعا. سؤالنا هنا يتعلق بمدى تشابه أو اختلاف سعيد بطل الفيلم مع سعيد مبدع الفيلم.
كما سبق وأشرت إلى ذلك، إنني أُلِمُّ بموضوع الفيلم وبشخصياته جملة وتفصيلا، ولا أترك أي شيء للصدفة، ذلك أن اختيار الأسماء أثناء الكتابة، في منظوري، يعتمد بعدا دلاليا، فمثلا شخصية «مريم» زوجة الضابط التي تعرضت للاغتصاب، لم يتفهم زوجها محنتها الصعبة.. هو إحالة لصورة مريم العذراء التي وُوجهت برفض مجتمعي شبيه بنبذ «مريم» في الفيلم؛ كذلك «حنان» صديقة سعيد هي المصدر الأوحد للحنان والحب لدى سعيد..و»نور الدين» يذكرني بابن حينا الذي يحمل الاسم نفسه، والذي اعتاد اللعب بالسكين وسط الحارة.. وهو أمر ساعدني حقا على بناء هاته الشخصية في الفيلم أثناء الكتابة، كأن أتذكر جوانب من سلوكات نور الدين ابن الحي وأنحت على منوالها شخصية نور الدين في الفيلم. أما اسم «سعيد» فهو مفارقة كبيرة لتعيس ينعته الكل بالسعيد.
وهكذا، فكل اسم وضعته لإحدى شخصيات الفيلم أتى بعد تفكير، لأنني أردت أن تكون للأسماء دلالة رمزية بإمكانها أن تخدم الفيلم وموضوعه..
o في هذا الفيلم، أنت سيناريست ومخرج وموضب ومنتج وومثل أيضا..
n كوني سيناريست ومخرجا وموضبا.. فذلك لأني كتبت الفيلم في مراحله الثلاث الرئيسية، وهي محطات مهمة بالنسبة إلي، أسميها إخراجا أول، ثم آخر ثانيا ثم إخراجا ثالثا .. حتى وإن كان السيناريو مكتوبا من طرف كاتب آخر، فالمخرج الجيد هو من يعيد كتابته على شكل صور ولقطات حسب وجهة نظره.. وإلا سيكون مخرجا ضعيفا يترجم النص المكتوب إلى لقطات ومقاطع، والحال أن الرؤية الإخراجية تختفي في هذه الحالة، لأن الرؤية هي التي تفرض نوعية الإطارات وحركة الكاميرا والممثلين والموسيقى.. إلخ.
o هل هذا معناه أنك لا تؤمن بالعمل الجماعي، وأنه يتعين عليك أن تقوم بكل شيء دون إشراك السيناريست والممثلين ومؤلف الموسيقى..؟
n كلا.. بل على العكس تماما، فأنا أعيد كتابة نص السيناريو من منظوري الخاص، من الصيغة المكتوبة إلى الصيغة الفنية المصورة.. هذا فضلا عن المونطاج، الذي يؤثر على إيقاع القصة، فنجاحه من نجاح الفيلم والعكس صحيح، ويؤثر على تلقي الفيلم في النهاية..
لا يستطيع المخرج أن يبني تصورا خاصا به إن لم يلم بأصول المونطاج وبتكنولوجيته المتقدمة باستمرار.. وفي هذا الصدد، أنا أعيب على المخرجين المغاربة تجاهلهم الغريب وغير المبرر للتقدم الباهر الذي وصلت إليه تكنولوجيا الكاميرا وبرامج التوضيب.. كما أعيب على المخرجين الذين يوظفون الحوار في مشاهدهم على حساب الصورة.
وقد حدث ذات مرة أن كتبت مشهدا مُرَكَّبا لحادثة سير، لفائدة مخرج مغربي أُعْجِب بالمشهد، غير أنه لم يدرِ كيف يقطعه ليصوره !!.. تساءلت حينها لمَ البساطة في اختيار المشاهد؟ لم يتم تصوير الممثل في أغلب الأحيان في حالة سكون (جالس في مقهى، أو بهو، أو باحة....)، فالتكنولوجيا اليوم أصبحت أكثر أهمية، تؤثر بشكل جلي على لمسة المخرج، يستنبط من خلالها إمكانيات تصوير عديدة للمشاهد، وتساعده على خلقها مركبة لا بسيطة، وهذا يغني الفيلم ويمنحه مساحات جمالية أخرى ليس بالإمكان تحقيقها مع الأساليب القديمة.. لا أفهم حقا هذا الخصام مع التكنولوجيا، ولا أستطيع أن أستوعب أن المخرجين المغاربة- وأنا أعي ما أقول، وربما سيغضب مني بعضهم- يجهلون الشيء الكثير عن تكنولوجيا الكاميرا..
إذن أنت تؤمن أن الرؤية الفنية بعيدا عن التقنية لا تحقق فيلما جيدا، والحال أن المخرج يعمل بمعية فريق من التقنيين، أي أنه من المستحيل عليه أن يكون ذاتا تعوض كل أعضاء الفريق جملة. في نظرك، أليس على المخرج، فقط، أن يكون ملما لا متمكنا من التقنية؟ ألا يكفي أن يتواصل ومدير التصوير ويَخْلصا معا إلى اختيار معين؟ ألا يكون المخرج هو الرؤية الممزوجة بلغة السينما وليس بالضرورة التقنية أيضا؟
عادة ما أمَلُّ الأفلام المطنبة في الحوار، أحب أن تتحدث الصورة بدلا من أن نتتج خطابا لفظيا.. كما أميل إلى الأفلام التي تشرك المشاهد في عملية تلقيها، وهو أمر تتيحه التقنية أيضا، التوضيب، حركات الكاميرا... يبقى الإلمام بالتقنية مسألة محمودة لدى المخرج. فإذا كان المخرج ملما بالتقنيات، فإنه سيحاول على الأقل أن تتحقق رؤيته كما أرادها بنسبة مائوية عالية. من المهم فعلا أن يكون المخرج على إلمام بالتقنيات والتكنولوجيا..
o من هو المتلقي الضمني الذي أنجزت من أجله فيلم «مسافة ميل بحذائي»؟
n كان من الصعب علي أن أحدد متلقي الفيلم أثناء الكتابة، لكن، كان هدفي الأساس إيصاله إلى شرائح عديدة من الجمهور، كما وددت إيصال رسالتي هاته إلى كافة المسؤولين، قائلا لهم
إن طفل الشارع هو إنسان يحب ويكره ويؤمن بالصداقة.. إذا أوليناه الاهتمام ظفرنا بمواطن صالح، وإذا أهملناه فقد نكون – لا محالة- قد ساهمنا في إنتاج مجرم.
o طرح القضايا من خلال فن معين أدبا كان أو تشكيلا أو مسرحا...، يختلف عن طرحها سينمائيا، ذلك أن السينما كما هو معروف فن جامع لكل الفنون، تمتاز بخصوصيتها اللغوية المركبة.. ما وسيلتك الجمالية إذن، التي اعتمدتها لطرح قضية فيلمك حتى يصل إلى عموم الجمهور، وإلا فما الفرق على مستوى الخطاب بين فيلم وقصيدة أو لوحة تشكيلة أو خطبة سياسية؟
n بعد مساري الأكاديمي عملت كمصور في البداية، الشيء الذي ساعدني فيما بعد أن أكون حريصا للغاية على اختياري الدقيق لمحاور الكاميرا أثناء التصوير، لا أعتبر نفسي مديرا للتصوير حقيقة، بل أؤمن أن لدي اختيارا مميزا للقطات الكاميرا ومحاورها، وهو توجه يختلف نوعا ما عن السائد مما نشهده في السينما المغربية.
لو كنت مثلا تشكيليا، فلن أستطيع أن أخمن شكل اللوحة النهائي .. فالرسم إبداع مستمر تماما كما الفيلم، هناك عناصر كثيرة تُكَوِّنه بدءا بالسيناريو، اختيار الممثلين، الملابس، بالإضافة إلى التقنية المعتمدة.
o فيلم «مسافة ميل بحذائي» هو محكيات صغرى تصب في المحكي الأكبر أو ما يعرف بالانشطار المرآوي الفيلمي (La mise en abyme filmique) ، ذلك أن المحكي الفيلمي مسرود في الحاضر من خلال «سعيد» و»علية»، وفي الماضي من خلال الاسترجاع (الحكاية الأساس بدء من طفولة «سعيد» ومساره) والمشاهد المسرحية التي تمهدنا من حين لآخر إلى الحكاية الأساس. لماذا هذا الاختيار في السرد؟
n حاولت من خلال المشاهد المسرحية، أن أسرد قصة سعيد تماما كما تخيلتها عُلية وهي تصغي لسعيد، فحين يحكي لها تفاصيلا من حياته أحاول بدوري أن أترجم بؤس تلك التفاصيل وسلبيتها فوق الخشبة الشاحبة.
بدأ الحوار الدائر بين علية وسعيد نهارا من داخل غرفة بسيطة بروفيلميا، ثم امتد هذا البوح إلى المسرح، إلى حين انتهاء الفيلم ليلا في نفس الغرفة.. ذلك أن «علية» تأثرت بحكاية «سعيد» إلى درجة تفاعلها المندمج، وانتقالها إلى الخشبة.
اخترت ديكورا معتما محيطا ب»سعيد» حتى يكون هو محور المشهد بعيدا عن الديكور المحيط به، وهي تقنية استمدتها من الديكورات البسيطة التي يعتمدها مخرجو البرامج الحوارية التلفزيونية، حتى يدعون المُشاهد إلى التركيز على ما يقول الضيف بدل الانتباه للديكور المؤثِّث.
من بين الأشياء التي لاقت تنويها، في المشاهد المسرحية، مشهد خذلان الزوج لزوجته أم «سعيد» مباشرة بعد طلبه يدها، وهو مشهد سريع لم يعتمد – عمدا- تسلسل الأحداث.. أحسست بحرية كبيرة أثناء تصور هذا المشهد وتصويره.
بالرغم من إيماني العميق بالفيلم، أذكر أن خوفا كان يلازمني باستمرار طيلة مراحل صنعه، جراء شدة حرصي على نجاح هذا الفيلم، وهو ما فسر حذفي لمشاهد وإضافة أخرى، مثلا نهاية الفيلم كانت لقطة لسعيد وهو يردد متوجها لنا بالقول: «أنا تربية إديكم»، يقولها وهو يتأمل عدسة الكاميرا برهة ..ثم يظهر الجينيريك... نضجت هذه الفكرة في ذهني منذ 2003 وتغيرت.
صحيح أن فيلم «مسافة ميل بحذائي» في مجمله فيلم قاتم دراميا، لكنه ينطبق على أي مجتمع يعج بأطفال الشوارع.. لذا فكرت في نهاية بطعم الأمل الكبير، حتى تكون رسالة الفيلم أوضح وأعمق، تخاطب المُشاهِد وتجعله يدرك أن الأطفال يولدون متساوين في درجة الذكاء والبراءة وكل شيء، إلا أن الظروف عادة هي التي تصنع الإنسان في النهاية.. وهو حال سعيد الذي اضطر للسرقة من أجل العيش..
من خلال هذا الفيلم، خلُصت إلى أن العدالة مفهوم صعب التحقيق، وهو الأمر الذي جعلني لم أعاقب المجرم في فيلمي، لأنه إنسان قد يخطئ وقد يصيب.
رسالتي في الأخير، لكل من اعترضته ظروف قاهرة أن يصمد في وجه القهر هذا، لأن الأمل محيط بنا لا محالة.
o لقد حاز فيلمك على جوائز عديدة من خلال مشاركته في مجموعة من المهرجانات خارج وداخل المغرب. من خلال مشاركتك في الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنحة، ما تقييمك للأفلام المغربية المشاركة؟
n هناك مخرجون أكفاء في الساحة السينمائية المغربية، في نظري أن السينما المغربية سائرة في طريق التطور، رغم التأخر الواضح الذي تشهده مقارنة بسينمات أخرى.. بفضل الدعم الممنوح للسينمائيين، كان من المفترض علينا كدولة منتجة للسينما أن تتأهل بأفلامها إلى مهرجانات عالمية كبرلين وكان...
أتظن أننا نفتقر للأفكار؟ أتظن أننا لا نتوفر على أدباء وكتاب وقاصين نقتبس أعمالهم ونحولها إلى أفلام؟ في نظري الخلل هو أن يُمنح المُنتج الدعم السينمائي، لينتج فيلمه بأقل ميزانية ممكنة !! وهي مسألة تضيق الرؤية الفنية والجمالية، خصوصا وأن عددا كبيرا من المخرجين هو منتجون لأفلامهم.
صحيح أن المال لا يصنع الأفكار، وأستحضر هنا، المخرج الشاب هشام أمل الذي أكن له كل التقدير لصموده حتى النهاية من أجل إخراج فيلمه «ميلوديا المورفين» من ماله الخاص. لكني أعيب على من يحصلون على الدعم ولا يستثمرونه جملة، بل يعوضون الفنان المقتدر ذو التجربة بآخر أقل كفاءة حتى يوفرون المال قدر المستطاع.
o في نظرك، لم يرجع هذا اللا تواطؤ مع المخرجين والكتاب المغاربة في اقتباس أعمالهم؟ وما رأيك في الذين يرجعون أزمة السينما المغربية إلى خلل في الخيال، بمعنى أن المخرجين المغاربة يفتقدون إلى الخيال، ويختارون السهولة من أجل «الاغتناء اللامشروع»؟
n لاحظت على مخرجينا، ذوي التكوين الأكاديمي خارج المغرب، أنهم متشبعون بكُتَّابَ أجانب وليس لهم إلمام بالكُتَاب المغاربة.. وهو ما يعلل في نظري ابتعاد مخرجينا عن الأدب المغربي..
بصراحة، ودون أعمم، نحن نعاني من مشكل عويص، يتمثل في احتكار المخرج المؤلف لحصة السيناريست، المنتج والمخرج.. إلا أنه في شق آخر من هذا الموضوع، عوض تشجيع كتاب السيناريو، ورد الاعتبار لهم، يحدث أن يكتب السيناريست نصه ليجده مخالفا لما يراه على الشاشة، هذا فضلا عن مقابل مادي هزيل مقسم إلى دفعات.. حتى الأجور لا تشجع امتهان السيناريو في المغرب، فهي تختلف اختلافا واضحا مقارنة مع مصر الشقيقة مثلا..
في الأخير، أقول إن أزمة السينما ببلادنا لا أظنها أزمة خيال، إذ لدينا مخرجون ذوو تجارب واعدة وهم كُتاب لنصوصهم أمثال كمال كمال.. وآخرين. الأزمة في نظري مركبة، وينبغي معالجتها مؤسساتيا..
بخصوص الموسيقى، كيف كان اختيارها في المقاطع الفيلمية بمعية المؤلف الموسيقي محمد أسامة؟
بعد هجرتي إلى الديار الكندية، حدث أن تغير ذوقي الموسيقي، وأصبحت أكثر حنينية للون الكناوي المغربي، أجد فيه أصالة وعمقا، اقترحت على أسامة قاعدة موسيقية كناوية في الفيلم، أقنعني بلون آخر يعتمد تقاسيم على البيانو ممزوجة ببياض صوتي هادئ.. لقد كونت وأسامة ثنائيا فنيا وتقنيا رائعا، لنا أذواق متشابهة، أقبل اقتراحاته وانتقاداته بصدر رحب، كما يشاطرني الرأي في وضع الموسيقى في هاته المقاطع دون تلك، حتى يكون الفيلم أكثر تعبيرية. كنت مستمتعا وأنا أعمل معه. الآن هو صديقي، ونكاد لا نفترق، ولدينا مشاريع مشتركة، ولا أظن بأنني سأجد مؤلفا موسيقيا أفضل منه على مستوى التفاهم وتقارب الأفكار..
o ما معايير الفيلم الناجح بالنسبة لك؟
n الفيلم الناجح بالنسبة لي هو وجهة نظر ذاتية، وتجربتي في فيلم "مسافة ميل بحذائي" هي تجربة ناجحة، بالرغم من تأسفي على بعض الأشياء داخل الفيلم، لو فقط أخذت مسافة أكبر إزاءها لكان الأمر أجمل.. هذا الفيلم لاقى إعجاب العديد من النقاد وأهل الاختصاص، إذ تلقيت تنويهات شجعتني على المضي قدما في تجربة قادمة أكثر نضجا وفنية.. في النهاية، كل ما هو تتويج بالنسبة لي هو تكليف أكثر منه تشريفا.
إن نجاح الفيلم حقيقة، هو نجاح في اختيار الممثلين أولا، إذ يمثل الكاستينغ 90 بالمائة من نجاح الفيلم، هذا فضلا عن القصة الهادفة طبعا.. ولأني أولي أهمية قصوى لمرحلة الكاستينغ فقد تطلب مني هذا الأمر، تريثا كبيرا دام سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.