حين يضع مسعد بولس النقاط على حروف قضية الصحراء المغربية في عقر قصر المرادية.    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    اختلالات في أنظمة التقاعد الأساسية    تداولات إيجابية لبورصة الدار البيضاء    سفير إسرائيل السابق في فرنسا يناشد ماكرون: إذا لم تفرض عقوبات فورية على إسرائيل فسوف تتحول غزة إلى بمقبرة    رئيس أمريكا يشيد ب"هدية" استثمارية    السودان تتعادل مع الكونغو ب"الشان"    ميناء "طنجة المدينة" يسجل زيادة في نشاط المسافرين بنسبة 10 بالمائة    مسؤول أممي يحذر من "تداعيات كارثية" لتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة    المغرب ينتخب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة للبلدان النامية غير الساحلية    ثلاث مؤسسات تسيطر على القطاع البنكي بنسبة تفوق 60%    38 قتيلا و2848 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    سقوط مميت ينهي حياة شخص بحي إيبيريا بطنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الفنيدق: وضع خيمة تقليدية بكورنيش الفنيدق يثير زوبعة من الإنتقادات الحاطة والمسيئة لتقاليدنا العريقة من طنجة إلى الكويرة    سقوط "قايد" و"مقدم" متلبسين بتلقي رشوة من صاحب مقهى    وفاة المدافع الدولي البرتغالي السابق جورجي كوستا عن سن 53 عاما    الأوقاف ترد على الجدل حول إعفاء رئيس المجلس العلمي لفيكيك: "بعض المنتقدين مغرضون وآخرون متسرعون"    الشرطة القضائية بإمزورن توقف مروجاً للمخدرات وتضبط بحوزته كوكايين و"شيرا"            مستشار الرئيس الأمريكي يؤكد للجزائر عبر حوار مع صحيفة جزائرية .. الصحراء مغربية والحل الوحيد هو الحكم الذاتي    برقية تهنئة إلى جلالة الملك من رئيس جمهورية السلفادور بمناسبة عيد العرش            اليد الممدودة والمغرب الكبير وقضية الحدود!    كونية الرؤية في ديوان «أجراس متوسطية» للشاعر عاطف معاوية    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    نظام تأشيرات جديد: 15 مليون للحصول على ڤيزا أمريكا    تركمنستان.. انتخاب المغرب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    "مستوطنة على أرض أمازيغية مغربية".. كتاب يصور مليلية مثالا لاستمرار الاستعمار وتأثيره العميق على الناظور    احتياجات الخزينة ستتجاوز 12 مليار درهم خلال غشت    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    موجة حرارة تصل إلى 47 درجة من الثلاثاء إلى الجمعة في هاته المناطق    سائقو الطاكسي الصغير يحتجون بطنجة ضد التسعيرة وأوضاع النقل بمطار ابن بطوطة    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا    زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد خلاف: الكاستينغ مرحلة مهمة تطلبت مني تريثا كبيرا دام سنوات..

سعيد خلاف مخرج مغربي مقيم بالديار الكندية، له العديد من التجارب المسرحية والسينمائية. ويعتبر «مسافة ميل بحذائي» أول فيلم طويل من توقيعه كتابة وإخراجا، وهو فيلم حاز على جوائز عديدة داخل وخارج المغرب، منها الجائزة الكبرى بمهرجان الأقصر، والجائزة الكبرى لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة في نسخهما الأخير، كما حاز على جائزة الإخراج في مهرجان الحسيمة...
هو فيلم يبئر لنا مسارا حياتيا بئيسا لسعيد، الذي عانى عنف الشارع، وتاق للعيش بكرامة.. في ما يلي حوار مع مخرج الفيلم سعيد خلاف.
o هل بإمكاننا صناعة فيلم جيد، انطلاقا من حكاية بسيطة ومستهلكة تنتمي لليومي؟ وهنا نقصد فيلمك «مسافة ميل بحذائي»، الذي يعالج قصة سعيد الفاقد لأبيه الذي عاش طفولة مريرة مشردة، أدت به إلى أن يكون شابا يعاني ظلم الحياة. وبمعنى آخر، هل يكفي أن نؤفلم حكاية قريبة من الناس، ومن انشغالاتهم، ليحقق الفيلم النجاح؟
n شرف لي أن أحول قصة بسيطة إلى فيلم جيد، وهو في نظري رهان مركزي بالنسبة لأي مخرج ، أي أن يكون جسرا يعبر بموضوع الفيلم وإشكاليته ليصلا إلى المتلقي. لست مخرجا تقنيا أحول فقط السيناريو إلى لقطات، بل أسعى إلى مرافقة موضوع الفيلم لأضيف لمسة ما وأوصلها إلى المجتمع..
لم أكن أتصور يوما أن أكتب سيناريو فيلم درامي كهذا، هو في الحقيقة موضوع فرض نفسه علي، ذلك لأن توجهي منذ البداية كممثل مسرحي انصب صوب الكوميديا، وكانت لي أيضا تجارب تليفزيونية عديدة (كتابات) لاقت استحسانا ملحوظا.. موضوع أطفال الشوارع هذا، أثار في نفسي نوعا من المسؤولية صوبهم، الشيء الذي علل تَرَيُّثِي في كتابة سيناريو فيلم «مسافة ميل بحذائي».
o هل هذا معناه أنك تنظر إلى السينما باعتبارها موضوعا، وأنك تنتصر له على حساب شكل الفيلم، أي جماليته وشعريته؟
n هي مسألة صعبة أن نتحدث في فيلم ما عن الموضوع بعيدا عن الشكل أو العكس، فأنا ممن يؤمنون بضرورة التطرق إلى الموضوع الهادف الرسالي في السينما، أي الموضوع المثير الحامل لرسالة ما، ومهامي كمخرج تكمن في إيجاد طريقة مختلفة في طرح المواضيع من خلال لغة سينمائية ورؤية متفردة.
لقد تطلب منك إخراج «مسافة ميل بحذائي» وقتا طويلا، بدءا بالفكرة وانتهاء بالعرض، وهو تريُثٌ مشروع من مخرج يتطلع للنجاح، من خلال محايثته للفيلم شكلا وموضوعا. سؤالنا هنا يتعلق بمدى تشابه أو اختلاف سعيد بطل الفيلم مع سعيد مبدع الفيلم.
كما سبق وأشرت إلى ذلك، إنني أُلِمُّ بموضوع الفيلم وبشخصياته جملة وتفصيلا، ولا أترك أي شيء للصدفة، ذلك أن اختيار الأسماء أثناء الكتابة، في منظوري، يعتمد بعدا دلاليا، فمثلا شخصية «مريم» زوجة الضابط التي تعرضت للاغتصاب، لم يتفهم زوجها محنتها الصعبة.. هو إحالة لصورة مريم العذراء التي وُوجهت برفض مجتمعي شبيه بنبذ «مريم» في الفيلم؛ كذلك «حنان» صديقة سعيد هي المصدر الأوحد للحنان والحب لدى سعيد..و»نور الدين» يذكرني بابن حينا الذي يحمل الاسم نفسه، والذي اعتاد اللعب بالسكين وسط الحارة.. وهو أمر ساعدني حقا على بناء هاته الشخصية في الفيلم أثناء الكتابة، كأن أتذكر جوانب من سلوكات نور الدين ابن الحي وأنحت على منوالها شخصية نور الدين في الفيلم. أما اسم «سعيد» فهو مفارقة كبيرة لتعيس ينعته الكل بالسعيد.
وهكذا، فكل اسم وضعته لإحدى شخصيات الفيلم أتى بعد تفكير، لأنني أردت أن تكون للأسماء دلالة رمزية بإمكانها أن تخدم الفيلم وموضوعه..
o في هذا الفيلم، أنت سيناريست ومخرج وموضب ومنتج وومثل أيضا..
n كوني سيناريست ومخرجا وموضبا.. فذلك لأني كتبت الفيلم في مراحله الثلاث الرئيسية، وهي محطات مهمة بالنسبة إلي، أسميها إخراجا أول، ثم آخر ثانيا ثم إخراجا ثالثا .. حتى وإن كان السيناريو مكتوبا من طرف كاتب آخر، فالمخرج الجيد هو من يعيد كتابته على شكل صور ولقطات حسب وجهة نظره.. وإلا سيكون مخرجا ضعيفا يترجم النص المكتوب إلى لقطات ومقاطع، والحال أن الرؤية الإخراجية تختفي في هذه الحالة، لأن الرؤية هي التي تفرض نوعية الإطارات وحركة الكاميرا والممثلين والموسيقى.. إلخ.
o هل هذا معناه أنك لا تؤمن بالعمل الجماعي، وأنه يتعين عليك أن تقوم بكل شيء دون إشراك السيناريست والممثلين ومؤلف الموسيقى..؟
n كلا.. بل على العكس تماما، فأنا أعيد كتابة نص السيناريو من منظوري الخاص، من الصيغة المكتوبة إلى الصيغة الفنية المصورة.. هذا فضلا عن المونطاج، الذي يؤثر على إيقاع القصة، فنجاحه من نجاح الفيلم والعكس صحيح، ويؤثر على تلقي الفيلم في النهاية..
لا يستطيع المخرج أن يبني تصورا خاصا به إن لم يلم بأصول المونطاج وبتكنولوجيته المتقدمة باستمرار.. وفي هذا الصدد، أنا أعيب على المخرجين المغاربة تجاهلهم الغريب وغير المبرر للتقدم الباهر الذي وصلت إليه تكنولوجيا الكاميرا وبرامج التوضيب.. كما أعيب على المخرجين الذين يوظفون الحوار في مشاهدهم على حساب الصورة.
وقد حدث ذات مرة أن كتبت مشهدا مُرَكَّبا لحادثة سير، لفائدة مخرج مغربي أُعْجِب بالمشهد، غير أنه لم يدرِ كيف يقطعه ليصوره !!.. تساءلت حينها لمَ البساطة في اختيار المشاهد؟ لم يتم تصوير الممثل في أغلب الأحيان في حالة سكون (جالس في مقهى، أو بهو، أو باحة....)، فالتكنولوجيا اليوم أصبحت أكثر أهمية، تؤثر بشكل جلي على لمسة المخرج، يستنبط من خلالها إمكانيات تصوير عديدة للمشاهد، وتساعده على خلقها مركبة لا بسيطة، وهذا يغني الفيلم ويمنحه مساحات جمالية أخرى ليس بالإمكان تحقيقها مع الأساليب القديمة.. لا أفهم حقا هذا الخصام مع التكنولوجيا، ولا أستطيع أن أستوعب أن المخرجين المغاربة- وأنا أعي ما أقول، وربما سيغضب مني بعضهم- يجهلون الشيء الكثير عن تكنولوجيا الكاميرا..
إذن أنت تؤمن أن الرؤية الفنية بعيدا عن التقنية لا تحقق فيلما جيدا، والحال أن المخرج يعمل بمعية فريق من التقنيين، أي أنه من المستحيل عليه أن يكون ذاتا تعوض كل أعضاء الفريق جملة. في نظرك، أليس على المخرج، فقط، أن يكون ملما لا متمكنا من التقنية؟ ألا يكفي أن يتواصل ومدير التصوير ويَخْلصا معا إلى اختيار معين؟ ألا يكون المخرج هو الرؤية الممزوجة بلغة السينما وليس بالضرورة التقنية أيضا؟
عادة ما أمَلُّ الأفلام المطنبة في الحوار، أحب أن تتحدث الصورة بدلا من أن نتتج خطابا لفظيا.. كما أميل إلى الأفلام التي تشرك المشاهد في عملية تلقيها، وهو أمر تتيحه التقنية أيضا، التوضيب، حركات الكاميرا... يبقى الإلمام بالتقنية مسألة محمودة لدى المخرج. فإذا كان المخرج ملما بالتقنيات، فإنه سيحاول على الأقل أن تتحقق رؤيته كما أرادها بنسبة مائوية عالية. من المهم فعلا أن يكون المخرج على إلمام بالتقنيات والتكنولوجيا..
o من هو المتلقي الضمني الذي أنجزت من أجله فيلم «مسافة ميل بحذائي»؟
n كان من الصعب علي أن أحدد متلقي الفيلم أثناء الكتابة، لكن، كان هدفي الأساس إيصاله إلى شرائح عديدة من الجمهور، كما وددت إيصال رسالتي هاته إلى كافة المسؤولين، قائلا لهم
إن طفل الشارع هو إنسان يحب ويكره ويؤمن بالصداقة.. إذا أوليناه الاهتمام ظفرنا بمواطن صالح، وإذا أهملناه فقد نكون – لا محالة- قد ساهمنا في إنتاج مجرم.
o طرح القضايا من خلال فن معين أدبا كان أو تشكيلا أو مسرحا...، يختلف عن طرحها سينمائيا، ذلك أن السينما كما هو معروف فن جامع لكل الفنون، تمتاز بخصوصيتها اللغوية المركبة.. ما وسيلتك الجمالية إذن، التي اعتمدتها لطرح قضية فيلمك حتى يصل إلى عموم الجمهور، وإلا فما الفرق على مستوى الخطاب بين فيلم وقصيدة أو لوحة تشكيلة أو خطبة سياسية؟
n بعد مساري الأكاديمي عملت كمصور في البداية، الشيء الذي ساعدني فيما بعد أن أكون حريصا للغاية على اختياري الدقيق لمحاور الكاميرا أثناء التصوير، لا أعتبر نفسي مديرا للتصوير حقيقة، بل أؤمن أن لدي اختيارا مميزا للقطات الكاميرا ومحاورها، وهو توجه يختلف نوعا ما عن السائد مما نشهده في السينما المغربية.
لو كنت مثلا تشكيليا، فلن أستطيع أن أخمن شكل اللوحة النهائي .. فالرسم إبداع مستمر تماما كما الفيلم، هناك عناصر كثيرة تُكَوِّنه بدءا بالسيناريو، اختيار الممثلين، الملابس، بالإضافة إلى التقنية المعتمدة.
o فيلم «مسافة ميل بحذائي» هو محكيات صغرى تصب في المحكي الأكبر أو ما يعرف بالانشطار المرآوي الفيلمي (La mise en abyme filmique) ، ذلك أن المحكي الفيلمي مسرود في الحاضر من خلال «سعيد» و»علية»، وفي الماضي من خلال الاسترجاع (الحكاية الأساس بدء من طفولة «سعيد» ومساره) والمشاهد المسرحية التي تمهدنا من حين لآخر إلى الحكاية الأساس. لماذا هذا الاختيار في السرد؟
n حاولت من خلال المشاهد المسرحية، أن أسرد قصة سعيد تماما كما تخيلتها عُلية وهي تصغي لسعيد، فحين يحكي لها تفاصيلا من حياته أحاول بدوري أن أترجم بؤس تلك التفاصيل وسلبيتها فوق الخشبة الشاحبة.
بدأ الحوار الدائر بين علية وسعيد نهارا من داخل غرفة بسيطة بروفيلميا، ثم امتد هذا البوح إلى المسرح، إلى حين انتهاء الفيلم ليلا في نفس الغرفة.. ذلك أن «علية» تأثرت بحكاية «سعيد» إلى درجة تفاعلها المندمج، وانتقالها إلى الخشبة.
اخترت ديكورا معتما محيطا ب»سعيد» حتى يكون هو محور المشهد بعيدا عن الديكور المحيط به، وهي تقنية استمدتها من الديكورات البسيطة التي يعتمدها مخرجو البرامج الحوارية التلفزيونية، حتى يدعون المُشاهد إلى التركيز على ما يقول الضيف بدل الانتباه للديكور المؤثِّث.
من بين الأشياء التي لاقت تنويها، في المشاهد المسرحية، مشهد خذلان الزوج لزوجته أم «سعيد» مباشرة بعد طلبه يدها، وهو مشهد سريع لم يعتمد – عمدا- تسلسل الأحداث.. أحسست بحرية كبيرة أثناء تصور هذا المشهد وتصويره.
بالرغم من إيماني العميق بالفيلم، أذكر أن خوفا كان يلازمني باستمرار طيلة مراحل صنعه، جراء شدة حرصي على نجاح هذا الفيلم، وهو ما فسر حذفي لمشاهد وإضافة أخرى، مثلا نهاية الفيلم كانت لقطة لسعيد وهو يردد متوجها لنا بالقول: «أنا تربية إديكم»، يقولها وهو يتأمل عدسة الكاميرا برهة ..ثم يظهر الجينيريك... نضجت هذه الفكرة في ذهني منذ 2003 وتغيرت.
صحيح أن فيلم «مسافة ميل بحذائي» في مجمله فيلم قاتم دراميا، لكنه ينطبق على أي مجتمع يعج بأطفال الشوارع.. لذا فكرت في نهاية بطعم الأمل الكبير، حتى تكون رسالة الفيلم أوضح وأعمق، تخاطب المُشاهِد وتجعله يدرك أن الأطفال يولدون متساوين في درجة الذكاء والبراءة وكل شيء، إلا أن الظروف عادة هي التي تصنع الإنسان في النهاية.. وهو حال سعيد الذي اضطر للسرقة من أجل العيش..
من خلال هذا الفيلم، خلُصت إلى أن العدالة مفهوم صعب التحقيق، وهو الأمر الذي جعلني لم أعاقب المجرم في فيلمي، لأنه إنسان قد يخطئ وقد يصيب.
رسالتي في الأخير، لكل من اعترضته ظروف قاهرة أن يصمد في وجه القهر هذا، لأن الأمل محيط بنا لا محالة.
o لقد حاز فيلمك على جوائز عديدة من خلال مشاركته في مجموعة من المهرجانات خارج وداخل المغرب. من خلال مشاركتك في الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنحة، ما تقييمك للأفلام المغربية المشاركة؟
n هناك مخرجون أكفاء في الساحة السينمائية المغربية، في نظري أن السينما المغربية سائرة في طريق التطور، رغم التأخر الواضح الذي تشهده مقارنة بسينمات أخرى.. بفضل الدعم الممنوح للسينمائيين، كان من المفترض علينا كدولة منتجة للسينما أن تتأهل بأفلامها إلى مهرجانات عالمية كبرلين وكان...
أتظن أننا نفتقر للأفكار؟ أتظن أننا لا نتوفر على أدباء وكتاب وقاصين نقتبس أعمالهم ونحولها إلى أفلام؟ في نظري الخلل هو أن يُمنح المُنتج الدعم السينمائي، لينتج فيلمه بأقل ميزانية ممكنة !! وهي مسألة تضيق الرؤية الفنية والجمالية، خصوصا وأن عددا كبيرا من المخرجين هو منتجون لأفلامهم.
صحيح أن المال لا يصنع الأفكار، وأستحضر هنا، المخرج الشاب هشام أمل الذي أكن له كل التقدير لصموده حتى النهاية من أجل إخراج فيلمه «ميلوديا المورفين» من ماله الخاص. لكني أعيب على من يحصلون على الدعم ولا يستثمرونه جملة، بل يعوضون الفنان المقتدر ذو التجربة بآخر أقل كفاءة حتى يوفرون المال قدر المستطاع.
o في نظرك، لم يرجع هذا اللا تواطؤ مع المخرجين والكتاب المغاربة في اقتباس أعمالهم؟ وما رأيك في الذين يرجعون أزمة السينما المغربية إلى خلل في الخيال، بمعنى أن المخرجين المغاربة يفتقدون إلى الخيال، ويختارون السهولة من أجل «الاغتناء اللامشروع»؟
n لاحظت على مخرجينا، ذوي التكوين الأكاديمي خارج المغرب، أنهم متشبعون بكُتَّابَ أجانب وليس لهم إلمام بالكُتَاب المغاربة.. وهو ما يعلل في نظري ابتعاد مخرجينا عن الأدب المغربي..
بصراحة، ودون أعمم، نحن نعاني من مشكل عويص، يتمثل في احتكار المخرج المؤلف لحصة السيناريست، المنتج والمخرج.. إلا أنه في شق آخر من هذا الموضوع، عوض تشجيع كتاب السيناريو، ورد الاعتبار لهم، يحدث أن يكتب السيناريست نصه ليجده مخالفا لما يراه على الشاشة، هذا فضلا عن مقابل مادي هزيل مقسم إلى دفعات.. حتى الأجور لا تشجع امتهان السيناريو في المغرب، فهي تختلف اختلافا واضحا مقارنة مع مصر الشقيقة مثلا..
في الأخير، أقول إن أزمة السينما ببلادنا لا أظنها أزمة خيال، إذ لدينا مخرجون ذوو تجارب واعدة وهم كُتاب لنصوصهم أمثال كمال كمال.. وآخرين. الأزمة في نظري مركبة، وينبغي معالجتها مؤسساتيا..
بخصوص الموسيقى، كيف كان اختيارها في المقاطع الفيلمية بمعية المؤلف الموسيقي محمد أسامة؟
بعد هجرتي إلى الديار الكندية، حدث أن تغير ذوقي الموسيقي، وأصبحت أكثر حنينية للون الكناوي المغربي، أجد فيه أصالة وعمقا، اقترحت على أسامة قاعدة موسيقية كناوية في الفيلم، أقنعني بلون آخر يعتمد تقاسيم على البيانو ممزوجة ببياض صوتي هادئ.. لقد كونت وأسامة ثنائيا فنيا وتقنيا رائعا، لنا أذواق متشابهة، أقبل اقتراحاته وانتقاداته بصدر رحب، كما يشاطرني الرأي في وضع الموسيقى في هاته المقاطع دون تلك، حتى يكون الفيلم أكثر تعبيرية. كنت مستمتعا وأنا أعمل معه. الآن هو صديقي، ونكاد لا نفترق، ولدينا مشاريع مشتركة، ولا أظن بأنني سأجد مؤلفا موسيقيا أفضل منه على مستوى التفاهم وتقارب الأفكار..
o ما معايير الفيلم الناجح بالنسبة لك؟
n الفيلم الناجح بالنسبة لي هو وجهة نظر ذاتية، وتجربتي في فيلم "مسافة ميل بحذائي" هي تجربة ناجحة، بالرغم من تأسفي على بعض الأشياء داخل الفيلم، لو فقط أخذت مسافة أكبر إزاءها لكان الأمر أجمل.. هذا الفيلم لاقى إعجاب العديد من النقاد وأهل الاختصاص، إذ تلقيت تنويهات شجعتني على المضي قدما في تجربة قادمة أكثر نضجا وفنية.. في النهاية، كل ما هو تتويج بالنسبة لي هو تكليف أكثر منه تشريفا.
إن نجاح الفيلم حقيقة، هو نجاح في اختيار الممثلين أولا، إذ يمثل الكاستينغ 90 بالمائة من نجاح الفيلم، هذا فضلا عن القصة الهادفة طبعا.. ولأني أولي أهمية قصوى لمرحلة الكاستينغ فقد تطلب مني هذا الأمر، تريثا كبيرا دام سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.