ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد البيئي والدستور

حان الوقت ليبتعد الفاعل السياسي والاجتماعي على الاستثمار المادي في السياسة، لان هذا النوع من الاستثمار صفقة خاسرة عبر الزمان والمكان بكل أبعادهما الممكنة، الصحيح أن نستثمر في الفكر والمبادئ والقيم.
الحاجة أيضا من خلال هذا المشروع الإصلاحي الكبير، هي إعادة النظر في الخطاب السياسي وتطويره حتى نتمكن من خلاله بلورة النص الدستوري على أرض الواقع و القطع مع الخطاب السياسي الخشبي الذي يبتعد كل البعد على كل مظاهر الحياة و الواقع اليومي للمواطن المغربي، لأن اليوم هناك هوة عميقة بين الطبقة السياسية والمجتمع و ذلك بشهادة الجميع.
فالذي يملك ذكاء استراتيجيا في هذه البلاد، عليه أن يراهن على فكر المؤسسة، و على دعم العمل السياسي الحقيقي بدون إقصاء أو إلغاء و بكل التوافق الممكن لنصل في نهاية المطاف إلى تنمية يختلط فيها السياسي والتنموي والثقافي وهذا هو رهان الجميع و يكون الرابح الأكبر هي الأمة المغربية بكل تلاوينها وتفاصيلها وأطيافها.
يسوقنا هذا الحراك السياسي والنقاش الساخن و العميق إلى طرح السؤال : من هو الفاعل السياسي الجديد؟ وما علاقته بالمؤسسة التي تحتضنه؟ وإلى أي حد يتمكنا معا من تحويل النص الدستوري من مادته الجامدة، إلى مادة حية، يتماشى بشكل توافقي مع كل الفئات الاجتماعية ؟
ينص الفصل الثالث من دستور المغرب لسنة 1996 على ما يلي:
الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والجماعات المحلية، و الغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين و تمثيلهم.
أما بالنسبة للدستور الفرنسي لسنة 1958 في فصله الرابع ينص على أن الأحزاب والتنظيمات السياسية، تساهم في التعبير عن الاقتراع، و تقوم بالإنتاج الإيديولوجي وتساهم في تحديد السياسة الوطنية.
من خلال هذه المقارنة بين الدستورين يبقى دور الأحزاب المغربية في ظل النص الدستوري الحالي بعيد كل البعد عن الدور الحزبي الحقيقي المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، و بالتالي يشكل عثرة دستورية وسياسية حقيقية أمام دمقرطة البلاد وتطورها، لأن الفاعل السياسي في الدول الديمقراطية مرتبط بالوصول إلى السلطة من اجل إنتاج ثروة تنافسية، ومتجددة، ومستدامة، والعمل على توزيعها توزيعا عادلا.
لقد حان الوقت للفاعل السياسي الجديد بالمغرب أن ينتمي إلى مؤسسة حزبية حقيقية حاملة لمشروع مجتمعي وخط سياسي وإيديولوجي واضح، والأهم أن يكون فاعلنا السياسي هذا هو أيضا يحمل مشروع مجتمعي حقيقي وواقعي يستمد شرعيته من مشروع حزبه، ومن خلال النص الدستوري وباقي القواعد القانونية المتوافق عليها. وفي المقابل ألا تكون الأحزاب المحتضنة للفاعل السياسي مجرد تنظيمات فئوية، أو إقصائية، أو انتهازية بل أن تعم الديمقراطية في تنظيماتها، وأن يلتزم الكل بقوانينها ومساطرها الداخلية، وأن تعطى الفرصة لكل الكفاءات والنخب الحزبية القادرة على بلورة المشروع المجتمعي الحزبي على أرض الواقع .
كما أن الأحزاب و خاصة منها التقدمية، مطالبة بإعادة الاتصال بالحركات الاجتماعية وبامتلاك الخطاب الاجتماعي إلى جانب الخطاب السياسي طبعا، لذا يجب أن تعود لقواعدها التنظيمية، وأن تقوم بنقد ذاتي، بل بثورة هادئة و حقيقية داخلية.
ثم أن تكون طموحاتها أبعد من الديمقراطية التمثيلية، و ذلك من خلال البحث عن آليات جديدة، ووضع مبادئ الديمقراطية التشاركية كآلية للعمل، وللأنشطة اليومية، ولاستقطاب كافة شرائح المجتمع، للاهتمام بالمجال السياسي، وبالتالي ضمانهم لحقوقهم الكاملة.
من خلال حركة 20 فبراير الشبابية والحراك السياسي، والاجتماعي لمختلف الفئات، أصبحنا أمام فاعل جديد مرتبط أساسا بما هو اجتماعي، يمتلك الفضاءات العامة، ويقدم خطابا جديدا، لا علاقة له بالخطاب السياسي والاجتماعي الكلاسيكي. يطرح مطالب واضحة وشرعية، ولا يفكر أبدا في التوافقات أو التوازنات. فنحن أمام مرحلة جديدة ومجهولة، وبالتالي نحن محتاجون إلى ثقافة تنظيمية جديدة، و خطاب سياسي جديد، و خاصة بعد أن التحقت أخيرا بهذه الحركة فئات مختلفة، كالسلفيين، وعائلات المعتقلين، ومتقاعدي الجيش، وصغار الفلاحين وغيرهم من أطياف المجتمع المغربي.
ولأكون اقرب إلى الواقع، ولتجسيد كل الأفكار التي وردت سابقا، سأسلط الأضواء على فاعل سياسي جديد يمزج بين البعد المحلي و الكوني و له القدرة و الرغبة و القوة للمساهمة في تحويل الخطاب السياسي الجامد، إلى خطاب سياسي حي، و بالتالي التمكن من تفكيك جدلية الفكر و الحياة.
انه الفاعل السياسي البيئي. إذا من هو هذا الفاعل؟ و ما علاقته بالتحولات السوسيو ثقافية التي يعيشها المغرب و العالم؟ و عن أي مشروع يتحدث؟
تطرق الخطاب الملكي الإصلاحي الأخير في أحد نقطه إلى توسيع مجال الحريات الفردية، و الجماعية، و ضمان ممارستها وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والتنموية و الثقافية والبيئية.
إذا فالبعد البيئي حاضر في مشروع النص الدستوري المرتقب، بعدما كان غائبا في الدساتير السابقة،
وهذا جد ايجابي، إلا أن البعد البيئي ظل مرتبطا بحقوق الإنسان، بعيدا عن حقوق مختلف الكائنات المكونة للمنظومة البيئية، وبالتالي فهو يفتقد للكونية. كيف ذلك هذا ما سوف نتطرق إليه في السطور التالية:
نشأت الايكولوجيا، وهي علم البيئة في أواخر القرن 19،وهي مشتقة من الكلمة اليونانية أي منزل الأسرة .-oikos- تعرف حاليا بأنها العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها.
و قد ارتبط علم الايكولوجيا بنشوء و تطور نظرية المنظومات العامة، والتي يتلخص مبدؤها الأساسي في المقولة الشهيرة:
«الكل أكثر من مجموع أجزائه المكونة له»
لان الميزة الأساسية للكل مقارنة مع مجموع أجزائه هي علاقات التفاعل بين مكوناته المختلفة.
يتضح من هذا أن علم الايكولوجيا يرتكز أساسا على العلاقات بين مكونات المنظومة البيئية. ويكاد يكون إجماع من طرف الباحثين اليوم، على أن خلل المنظومة البيئية يعود بالدرجة الأولى إلى الإنسان، الذي بلغت تأثيراته و ضغوطاته على النطاق الايكولوجي، حد تحوله إلى قوة جيولوجية هائلة وفق تعبير العالم الايكولوجي» ادوارد ولسون».
ولحل وفهم هذا الخلل البيئي ظهرت فروع علمية جديدة تعرف بالعلوم الخضراء، كما هو الشأن بالنسبة للكيمياء البيئية، والكيمياء الحيوية البيئية، والزراعة الحيوية، والهندسة البيئية...
كما ظهرت العلوم الإنسانية الخضراء، كعلم النفس البيئي والاقتصاد البيئي والتاريخي والنقد الايكولوجي.
إن الأزمة البيئية الحالية مرتبطة بالنظرة الحديثة إلى العالم الذي نشأت فيه، أي الغرب الأوروبي، وكذلك عبر امتدادها على بقية أنحاء العالم، وشكلت في الوقت نفسه نواة الحضارة الحديثة، وأسست لمختلف أنماط الحياة والاجتماع والتمدن.
إن فهم أصول الأزمة البيئية الراهنة يمر عبر نقذ هذه النظرة، وهذا يتطلب العودة إلى اللحظة الفلسفية التأسيسية للعصور الحديثة أي بالضبط إلى «ديكارت» والقسمة الثنائية التي أقامها بين جوهرين:
- الأنا المفكر.
- المادة الممتدة.
وتطورت هذه النظرية و بالتالي ظهرت ثنائيات جديدة كما هو الشأن بالنسبة:
- العالم و الإنسان مقابل الطبيعة.
- الذات مقابل الموضوع.
إذا فإثبات الأنا لوجوده كجوهر مفكر،متقدم يعني في الوقت نفسه انفصاله واستقلاله عن العالم/ الطبيعة. و هذا ما شكل الخروج الثاني للإنسان على الطبيعة بعد الخروج الأول الذي دفعته إليه قواه البيولوجية التي اكتسبها في سياق التطور.
وهكذا تحولت الطبيعة إلى آلة ضخمة هائلة و تحولت أسرارها و أرواحها إلى قوانين و قوى ميكانيكية من خلال الأنا كذات عارفة، قادرة على التوجيه إلى معرفتها و حيازتها، و التعرف و التلاعب بها، مما يؤدي بنا نحن البشر إلى أن نصبح سادة و مهيمنين على الطبيعة، وفق التعبير الديكارتي الشهير.
وأولى خطوات هذه المعرفة و السيادة امتلاك المنهج الذي يضمن اليقين، و أولى خطوات المنهج هي التحليل. و في حين أن الموضوع العالم/الطبيعة آلة ضخمة معقدة يمكن فهمها بتفكيكها إلى أجزائها و البحث في كل جزء على حدا، و هذا يعني أن الكل (الطبيعة) ما هو إلا تجمع من الأجزاء المتراصفة المرتبطة آليا، و ليس كليّة لها خصائصها، التي لا يمكن اختزالها إلى خصائص أجزائها.
إضافة إلى الفكر الديكارتي هناك نظريات و أفكار أخرى ساهمت إلى حد كبير في هيمنة و سيادة الإنسان على الطبيعة و تسخيرها لنزواته و غرائزه اللامنتهية كما هو الشأن بالنسبة لنظرية» داروين» و نظرية علم الوراثة لصاحبها «مانديل» إضافة إلى مفكرين آخرين « كفيورباخ»
و» نيتش».
إن انتقاد العقل الغربي و الحضارة الحديثة لا يعني أن الفلسفة البيئية معادية للعقلانية، بحيث نعرف ما حققته البشرية عموما بفضلها، و بالتالي فهذا النقد إنما هو خطوة أولى إذا ما أردنا بناء عقلانية جديدة متنورة بالمعرفة الايكولوجية.
كل هذا يدفعنا إلى فتح حوار و نقاش وازن من خلال مجموعة من الاستفهامات و الأفكار:
- هل الكائنات الغير بشرية مجرد مواد خام مركونة لإشباع الحاجيات و الرغبات البشرية؟
- هل أيضا الطبقات البشرية الضعيفة الغير المحضوضة مجرد مواد خام مركونة في فقرها و بؤسها لإشباع حاجيات و رغبات الطبقات البشرية الميسورة؟
- هل النساء مجرد مواد خام مركونة في ضعفها، في جهلها، في أميتها و فقرها لإشباع حاجيات و رغبات المجتمع الرجولي المستبد، المهيمن، الممارس للسيادة؟
- هل دول الجنوب مجرد مواد خام مركونة، مغلوبة على حالها، بكل مكوناتها و منظوماتها البيئية و بكل أشكال فقرها و جهلها و يأسها و بؤسها و تخلفها، كمادة خام لإشباع حاجيات و رغبات دول الشمال المهيمنة، المسيطرة الجائرة؟
- هل بإمكاننا نحن البشر، جعل كل الكائنات المنتمية إلى المنظومة البيئية متساوية في الحقوق و الواجبات؟ و إذا تم ذلك أين تبدأ حقوق وواجبات كل كائن؟
- هل القاعدة الأخلاقية البيئية المستقبلية، إذا تم التوافق من اجل إخراجها، موجهة للأجزاء المكونة للمنظومة البيئية أم موجهة إلى كل أجزائه المكونة له و المتفاعلة فيما بينها، أي المقاربة الكلية للأخلاق البيئية؟
- هل المجتمع العالمي مطالب بإيجاد قواعد أخلاقية بيئية تؤدي لمرحلة جديدة و نادرة تتمثل في أخلاق مشتركة كونية، لجميع الكائنات المنتمية للمنظومة البيئية، و بالتالي السير نحو بناء ما
يسمى بالدولة الكونية؟
لكن قبل التأسيس لهذه القواعد الأخلاقية البيئية الجديدة أليس من البديهي طي صفحة التأسيس النهائي و الشمولي لأخلاق بشرية مشتركة أي ما يعرف بحقوق الإنسان؟
و بالتالي التأسيس لمجتمع بشري يكون كل مواطنيه متساوون في الحقوق و الواجبات؟ و تحقيق ما يسمى بالمواطنة العالمية.
يقودنا هذا إلى الحديث عن مدى تأثير البعد البيئي على المدى القصير أو البعيد على الخطاب السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي من جهة، و كذلك على العلاقة بين الفكر و كل مظاهر الحياة، لأن البعد البيئي ليس فقط الاهتمام بالظواهر الطبيعية كالاحتباس الحراري و التلوث، بالإضافة إلى تدبير المياه و حماية الغابات...، بل هو بمثابة قوة جيولوجية هائلة سوف لا محالة يكون تأثيرها عميق على البشر و الشجر و الحجر. بل هو بمثابة الثورة الفكرية و العلمية التي أسس لها عصر الأنوار. و لن يتم تفكيك هذه العلاقة الجدلية بين الفكر و كل مظاهر الحياة إلا بإعادة الإنسان لحقيقة ذاته، و لن يدرك ذلك إلا بصهرها ضمن الطبيعة في شبه تواصل عميق معها، و تناغم تام، مع جميع العناصر المركبة لها صغرت أم كبرت. إلا أن الغاية المنشودة من معرفة الإنسان لذاته، ليست هي فصل الإنسان عن الطبيعة، بقدر ما هي التعرية عن الطبيعة الحقيقية في الإنسان، و تنقيتها مما علق بها من جراء التاريخ و الثقافة و المجتمع كما قال روسو في كتابه « أصل التفاوت بين البشر».
و في هذا دعوة إلى التخلي عن المواقف الانسناوية التي تطمس حقيقة الإنسان لشدة ما تعظم من شانه، واضعة إياه فوق كل الكائنات،و المبتغى انه على العلوم الإنسانية اليوم أن تضم جهودها إلى جهود العلوم الطبيعية لغاية دمج الثقافة في الطبيعة من جديد و الحياة في مجموع الشروط الفيزيائية و الكيميائية اللازمة لها.
ومن بين النظريات التي تترجم هذا التحول نظرية التفاعلات؛ و معناها أن كل العناصر المكونة للمنظومة البيئية سواء كانت إنسان، حيوان، نبات، أو جماد، أو سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو غير مرئية، لها قيمة خاصة و قيمتها هذه في وجودها، ووجودها مرتبط بعلاقاتها التفاعلية بين مختلف المكونات.
وتزامن هذا مع التخلي الرسمي من طرف المؤسسات الدولية المعنية بالأمر على مجموعة من النظريات كان لها دور رائد في عالمنا الحديث و في مختلف المجالات- كما اشرنا سالفا- كما هو الشأن بالنسبة لنظرية « داروين»، و القسمة الثنائية «لديكارت» و نظرية الوراثة «لمانديل» و من خلال هذا سوف يعرف الخطاب السياسي تحولا جذريا في العقود المقبلة.
يرتكز البعد البيئي على الرأسمال الطبيعي الغير المادي الذي لا يرتبط بعملية الربح و الخسارة المتعارف عليها في اقتصاد السوق الليبرالي، و بالتالي فالفكر اليساري في نظري هو الأقرب إلى هذا البعد، و بإمكانه جمع شتاته و تحقيق وحدته، و كذلك بإمكانه أن يكون نقطة التقاء مع مختلف المؤسسات السياسية أو المدنية، سواء منها الوطنية أو الدولية التي تتبنى البعد نفسه.
كما يمكن تسويق كل الاختيارات الإستراتيجية التي تبناها المغرب من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، و التعريف بورش الإصلاحات السياسية و الدستورية التي تعيشها بلادنا حاليا، عبر انفتاح مؤسساتنا على مختلف المؤسسات الدولية التي تتبنى البعد البيئي في سياستها. و أن تكون هذه الآلية أيضا وسيلة للتعريف بمشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية، و للدفاع عن وحدتنا الترابية.
وكذلك بإمكان البعد البيئي أن يكون وسيلة لاستقطاب فاعلين سياسيين جدد إلى مختلف مؤسساتنا الحزبية، سواء منهم الشباب أو الرافدين لمعانقة الفعل السياسي أصلا.
وكنتيجة لتطور المعارف البيئية و غيرها ستظهر علوم و معارف لا محال سوف تفرض نفسها في المستقبل القريب، كعلم الوراثة و علم الفيزياء الكمية وعلم الكيمياء البيئية و علم تكنولوجيا الأجسام المصغرة (النانو تكنولوجي و علوم النانو)،و هي معارف تستعمل أجسام صغيرة بأقل طاقة و أكثر فعالية. و من خلال هذه الثورة العلمية و التكنولوجية سوف يعرف العالم تطورا سريعا و باهرا ينعكس على الفكر و الحياة و كذلك في العلاقة التفاعلية بينهما و بين كل عناصر المنظومة الكونية.
سيظهر أيضا اقتصاد جديد بدت ملامحه تتبادر و هو ما يعرف بالاقتصاد الأخضر، و نجده في عدة ميادين : الطب، الصيدلة، الهندسة، الفيزياء، الكيمياء، و نراه بالعين المجردة في مشاريع الطاقة البديلة ، الفلاحة الخضراء، صناعة السيارات، السياحة الثقافية و غيرها و بالتالي المساهمة في التأسيس لاقتصاد تضامني منتج، و العمل على خلق فرص شغل جديدة حقيقية و منتجة تتماشى مع الملفات المطلبية المشروعة لشبابنا، و كل أفراد المجتمع.
فما أحوجنا أن يكون البعد البيئي حاضرا في النص الدستوري المرتقب بشكله الشمولي، و بأبعاده الكونية التي تحترم حقوق وواجبات كل الكائنات المكونة للمنظومة الايكولوجية، و أن يكون مصاحبا بآليات و مراسيم سلسة تكون أجرأتها ممكنة انطلاقا من الذاكرة الجماعية و الخصوصية المحلية،
و أن يكون البعد الجهوي وعاء حقيقيا و واقعيا للنص الدستوري .
نحن محتاجون أيضا إلى تشجيع البحث العلمي البيئي و تثمين نتائجه، و تشجيع التكنولوجيا الملائمة للمحافظة على البيئة، و تحقيق التنمية المستدامة. الحاجة كذلك إلى القيام بدراسات و تحاليل علمية عميقة، نظرية و ميدانية لكل الكائنات والظواهر المكونة للمنظومة البيئية، إضافة إلى تسهيل آليات الوصول للمعلومة البيئية.
نحن محتاجون في الأفق إلى قضاء بيئي، و مؤسسات تشريعية، و تنفيذية بيئية، إضافة إلى خلق ضرائب خضراء سواء كانت مادية أو معنوية أو تأديبية، للحد من المآسي التي تتعرض لها المنظومة البيئية بما فيها الإنسان، و مؤسسات مدنية أو حكومية، لتأطير المواطن على المواطنة البيئية، لأنها هي المستقبل. الحاجة أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا في خطاباتنا السياسية و الاجتماعية، وأن يكون حاضرا في النقاشات الحزبية التنظيمية، و كنقطة أساسية في مؤتمراتها الوطنية، وأن تتبناه الأحزاب مستقبلا كخيارات استراتيجيه.
الحاجة أيضا إلى التأسيس إلى فكر ديمقراطي بيئي تشاركي حقيقي ينطلق من مؤسسة الأسرة و المؤسسات التعليمية وباقي المؤسسات سواء منها المدنية أو السياسية.
ولتقريب القارئ من أمثلة حية لحماية المنظومة البيئية، تبنتها بعض النصوص الدستورية لبعض الدول؛ نأخذ على سبيل المثال حقوق المياه بالنسبة لجنوب إفريقيا، و الحق في التغذية السليمة و المتوازنة بالنسبة للبرازيل. هذا جد مهم و ايجابي، و كم سنكون سعداء إذا كانت هذه الحقوق منصوص عليها في مشروع وثيقتنا الدستورية، و لكن هذا لا يكفي في نظري لأن وجود الماء و باقي المواد الغذائية بطريقة مستدامة هو مرتبط بالحفاظ على التوازنات البيئية و حماية كل مكوناتها، لأن الأزمات التي يعرفها العالم و المتعلقة بنذرة المياه أو بنذرة المواد الغذائية هي ليست فقط نتيجة للضغط الديمغرافي، بل هي أساسا نتيجة اختلالات ايكولوجية كان للإنسان نصيب الأسد فيها.
هناك مثال آخر يتعلق بحشرة صغيرة في حجمها، و كبيرة في عطائها، الأمر يتعلق بالنحل.
فهي كائنات اجتماعية بطبعها، تقوم بوظائف جد مهمة سواء داخل الخلية أو خارجها، تلعب إلى حد كبير دورا طلائعيا في التوازنات البيئية، منها:
-المساهمة في عملية التلقيح و بالتالي الرفع من المنتوج الزراعي بحوالي أربعين في المائة، و يؤدي هذا إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
-المساهمة في التنوع البيولوجي.
-المساهمة في الرفع من كمية الأوكسجين و التقليص من ثاني أكسيد الكربون، و بالتالي التقليص من ظاهرة الاحتباس الحراري، انطلاقا من دورها الأساسي في عملية التلقيح والتنوع البيولوجي.
-المساهمة في التنمية المحلية المستدامة و الرفع من دخل الفلاح الصغير وبالتالي محاربة الفقر و الهشاشة والتهميش وذلك من خلال منتوجها، ودورها في الرفع من المنتوج الفلاحي.
-المساهمة من خلال منتوج الخلية في العلاج و الوقاية من مجموعة من الأمراض المختلفة.
-كما أن سلوك الحيوان و منه النحل، أصبحت تتبناه بعض الجامعات الدولية في أبحاثها العلمية لفهم مكونات المنظومة البيئية المختلفة، و ليتمكن الإنسان من خلالها فهم ذاته و دمجها في الطبيعة.
من خلال هذا يتبين الدور الفعال لهذه الحشرة في الحفاظ على المنظومة البيئية، و لهذا يتطلب حمايتها و الحفاظ عليها من الانقراض و ذلك بمأسسة قطاع تربية النحل و منتوج الخلية في إطار مؤسسات تستمد مشروعيتها من النص الدستوري و باقي القوانين الوطنية و الدولية كما هو الشأن بالنسبة لنصوص و قوانين مجموعة من الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و روسيا و الصين و كوبا و البرازيل...
إذا فما أحوج أحزابنا السياسية إلى هذا الفاعل البيئي الجديد، و ما أحوجنا أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا بقوة في روح النص الدستوري المرتقب و في مبادئه الأساسية، و ذلك لأهميته الآنية و المستقبلية. و كذلك لارتباط المغرب و التزامه بمجموعة من المعاهدات، و الاتفاقيات الدولية التي تنص على المحافظة على المنظومة البيئية.
كما أود أن أشير في الأخير أن الشعوب و الدول التي تبنت الخيار الديمقراطي و أبدعت فيه منذ زمن بعيد، تبحث حاليا على مجال أوسع لتطوير خيارها هذا، ومن بين الخيارات المطروحة:
التأسيس لما يسمى ب»الدولة الكونية»، يكون خلالها حضور قوي للبعد البيئي كما تطرقنا له سابقا، و ذلك طيلة القرن الحالي.
والدولة الكونية في حد ذاتها مرحلة حاسمة للوصول إلى تحقيق حلم ما يسمى ب»الدولة الفضائية» و ذلك في غضون القرن الثاني و العشرون (وكل هذا يبقى نسبيا). و هذه قصة أخرى سنعود إليها لاحقا بكل تفاصيلها الممكنة.
إذا فالطريق أمامنا لازال طويلا و شاقا، لتدارك ما فاتنا و الانطلاق نحو خيارات المستقبل، بكل أبعاده الاستراتيجية. و كما يقول المثل «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة».
* عضو المجلس الوطني للحزب
دكتور صيدلي، باحث و مختص في علوم الحياة و الأرض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.