حكاية أحرضان مع المقاومة تخفي وراءها حكايات. فهل يحق لهذا «الزايغ»، الذي لم يكن أبدا متمردا إلا على المسرح الذي يهيئه له المخزن بأدق التفاصيل، أن يشهر بطاقة المقاومة في وجه كل من أخرج من التاريخ سابقة ملوثة من «سوابقه النضالية»؟ الحكاية الأولى، جاءت في أعقاب نفي السلطان محمد الخامس في 20 غشت 1953 ، حين انطلقت الشرارة الأولى للمقاومة بقيادة محمد الزرقطوني وحسن صفي الدين الأعرج وسعيد بونعيلات وابراهيم الروداني وعدد كبير من المناضلين الفدائيين، ثم توسعت لتشمل جل المدن المغربية، حيث تشكلت 12 منظمة مسلحة، وعمل زعماء المقاومة، خاصة هؤلاء الذين فروا إلى مدن الشمال على الاتصال بقادة مكتب المغرب العربي بالقاهرة، مما سهل عليم الاتصال بالزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي اشترط كي يزودهم بالسلاح أن يكون لديهم ضابط في الجيش، فوقع الاختيار على المحجوبي أحرضان، الذي كان ضابطا في الجيش الفرنسي وعلى دراية باستعمال السلاح، وذلك باقتراح من الدكتور الخطيب حيث اتصل به فعلا قادة المقاومة، وضربوا معه موعدا في إحدى مقاهي عين الذئاب (لاريزيرف)، غير أنه تخلف عن الموعد مفضلا الوفاء ل «ماما فرنسا» التي يدوذ عن حوضها بالبنادق والمسدسات. فكان أن لجأ المقاومون إلى ضابط آخر في الجيش الفرنسي (إدريس بن عيسى)- الذي أصبح جنرالا من بعد- غير أن حظهم معه لم يختلف عن زميله أحرضان، مما جعلهم يربطون الاتصال على عجل بضابط سوداني اسمه إبراهيم الذي قبل المهمة عن طيب خاطر وبإحساس عال الانتماء الوطني، عكس ضباط فرنسا الذين كانوا يفضلون خدمة المستعمر والدفاع عن مصاله ب «الروح والدم». وهكذا سهر ضابط سوداني على إيصال الدفعة الأولى ثم الثانية من السلاح إلى المغرب على متن إحدى البواخر، مما يوضح أن «الزايغ» زاغ مبكرا عن المقاومة، وأن لا علاقة له من قريب أو بعيد، رغم أنه لا يتوقف عن حشر أنفه في «رموز المقاومة وجيش التحرير» ! الحكاية الثانية الثانية بدأت حين تآمر أحرضان من أجل إرغام عناصر جيش التحرير على تسليم سلاحها. ويعود السبب، كما يوضح المقاوم محمد بنحمو، إلى أن « أحرضان كان دمية في يد القصر، وبالضبط في يد ولي العهد الأمير مولاي الحسن في ذلك الوقت». مضيفا أن» بيت أحرضان، الذي كان عاملا على الرباط، هو الذي احتضن اللقاء الذي جمع بين ولي العهد وإدريس المحمدي وزير الداخلية آنذاك لتصفية جيش التحرير ، خاصة أن ولي العهد الأمير مولاي الحسن،كان هو من يسير كل شيء، رفقة مولاي حفيظ وكديرة واللوبي الذي لم تكن له مصلحة في أن يستمر جيش التحرير في مخططه التحريري للتراب الوطني، لا سيما أن بلاغ المجلس الوطني للمقاومة في 1956 شرح كل نقط الإصلاح، ومن أبرزها: »الدستور، تشكيل جيش وطني ، الإصلاح الزراعي، جلاء القواعد الأمريكية، جلاء القواعد الفرنسية، محاكمة الخونة، تطبيق شعار من أين لك هذا». الحكاية الثالثة، حين أوعز له الحسن الثاني بتأسيس الحركة الشعبية لتقليم مخالب حزب الاستقلال بعدما ساهم في إعدام جيش التحرير الذي كان مآل قادته التصفية الجسدية أو السجن، حيث أجاد أحرضان اقتناص الفرص، واستغل الصراع الذي «أثارته» بعض الأيادي الآثمة لتحويل المقاومين إلى قبائل متناحرة، فبنى مجده على لعب دور الضحية واستغلال ثقافة الحزب التي ترسخت بقوة الواقع بعد جلاء الفرنسيين، حيث ركب أحرضان على جثة «عباس المساعدي»- الذي اغتاله النظام- وحولها إلى أصل تجاري استعمله لتبرير خدمته العمياء للحسن الثاني الذي كان يدرك جيدا أن الأمر لن يستثب له دون إضعاف حزب الاستقلال، ودون زرع التفرقة في صفوف هؤلاء الذين حملوا استقلال بلادهم على الأكتاب، وساروا به في الجبال والصحارى، حتى خرج المستعمر الفرنسي من الباب، ليدخل من الباب في جلباب أبنائه الذين كانوا ينتمون إلى صفوفه العسكرية. لقد نسي «الزايغ» أنه تم تسليطه على الأمازيغ الأحرار من أجل كسر شوكة الوطنيين، ومن أجل إيقاف المد الجماهيري لحزب الاستقلال. لقد نسي أنه كان مكلفا بمهمة سرقة الاستقلال من الأيادي التي صنعته، ومهمة «تخليد دولة فرنسا» في كل المرافق الحيوية للبلاد، بدءا من الإدارة الترابية، وانتهاء بالجيش الملكي الذي تكون، حسب ما يقوله المقاوم بنحمو، «من مرتزقة شاركوا في الحرب العالمية الثانية بقيادة الجنرال الكتاني والجنرال البوهالي، والجنرال حمو أمحزون الذي كان قائدا في تاونات، والجنرال أمحزون، وأمزيان، والكولونيل الشنة الذي كان خليفة في مدينة وادي زم. وآخرون كأبولحيمص، والغرباوي والجنرال حبيبي وإدريس بنعمر ، كل هؤلاء الأشخاص كانوا في الجيش الفرنسي، وهم الذين شكلوا قيادة الجيش الملكي وهم الذين حصلوا على مناصب قيادية به، كالجنرال أوفقير الذي شارك في الحرب العالمية الثانية وأيضا الكولونيل مولاي حفيظ وبعض الذين أصبحوا من بعد يسيرون الجيش الملكي.. للانقلاب من بعد».