استيقظت المدينة، غير الفاضلة، على وقع فاجعة، بالرغم من أنها معتادة على ذلك، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة، أشد السوداويين والمتشائمين لم يتوقع يوما أن يحل بها ما حل، لقد فقد المنطق السبيل المؤدي إليها، واختلت موازين الحياة فيها. خرج الجميع من بيوتهم، ولولة النساء صاخبة كموسيقى روك رديئة، جُرحتْ الأصوات الأنثوية بالنحيب، الرجال يبكون في صمت بكاء ناي مهجور في موشحة أندلسية ليلة العيد، لا يجرؤون حتى على إنزال دمعة بسبب الخجل والالم. الأطفال يركضون في كل اتجاه كنرد ثمل، لم يستوعبوا بعد حالة الحزن التي خيمت على المدينة فجأة، هم أصغر من أن يشعروا بذلك، الملائكة هجرت التحليق فوق المدينة، ودخلت الشياطين جحورها خوفا من هول اللعنة. صعد المؤذن إلى صومعته، لم يقو على الآذان، تجمد خلف مكبر الصوت كجثة سليمان، أنسته الصدمة نداء الصلاة، وضع يده فوق رأسه، بعد عدة دقائق، تنفس بعمق وصرخ: لقد حلت بنا اللعنة. ترددت الجملة في جميع أنحاء المدينة لتوقظ من لم يسمع بعد بالكارثة، أجاب الجبل المطل عليها المؤذن بلسان الصدى: «اللعنة، اللعنة، اللعنة». استيقظ «التعالوكس» مفزوعا، منهكا بعد ليلة متعبة، استنزف دقائقها يلوم نفسه على خصام مع أمه، أيقظه صوت القطط، فوق السقف القصديري،أرعبها صوت الجبل، والبكاء الصاخب القادم من الخارج، وحركة النمل أسفل وسادته يتحرك خائفا. خرج نصف عار، والنوم يستر نصفه السفلي، سأل أحد أبناء الجيران: هيييي، سعيد، ما الذي وقع ؟ انها الكارثة، الطامة الكبرى يا تعالوكس… هل قامت الساعة وأنا مبلل بمياه السخط؟ أكثر من ذلك…لقد فقدت النساء أثداءهن… لم يصدقه بالرغم من أن نبرة صوته تبدو صادقة، إلا أن الصراحة تبدو أقرب إلى الخيال، لا منطقية، كيف تفقد نساء المدينة أثداءهن؟ من يرضع الأطفال إذن؟ لنقل أن الحليب في الدكان كاف، لكن من سيرضع الكبار؟ إن كان الأمر كذلك…لقد حلت بنا اللعنة. أي ذنب اقترفه الفقراء؟ بلل وجهه النحيف ببعض الماء، اتجه صوب مركز المدينة كالسهم، يطوي الطريق طيا. المركز عاج بالساكنة، الفوضى تعم المكان، تتطاير الجمل هنا وهناك، كل واحد يحاول أن يعبر عن رأيه دون أن يهتم لمن يسمعه. «إنها كارثة» إنها اللعنة» «إنها نهاية التاريخ» «إنه غضب الله»…تساءل: هل يغضب الله من جمال كوره بيديه؟ التفت إلى الجهة الأخرى، تفاجأ بالمشهد أمامه، كان مشهدا غريبا حتى التقزز، نسوة المدينة يقفن مسطحات مثل بطاريات النشاط العلمي؟ نساء بدون اثداء، يا له من فيلم رعب. عبث ما بعده عبث، لقد جنت السماء، كيف تسمح لنفسها بإنزال لعنة مميتة بشعب يحتضر؟ هل استطاع كامو القيام بانقلاب في الهناك وتقلد مناصب السلطة وبدأ في ممارسة هواياته؟ جاء حكيم المدينة، أقدمهم و أعقلهم، أكثرهم احتكاكا بالوجود. صعد فوق نصب تذكاري يتوسط المدينة، لسيدة عجوز تمثل رمز المدينة وسبب تسميتها «أمي الهرنونية»، طلب من الجميع الهدوء كي يستطيع يتحدث: إن الكارثة التي أصابت المدينة تبدو لي من خلال خبرتي أنها لعنة. لابد من التعقل كي نعرف سبب اللعنة ومصدرها، غالبا ما تلعن الأقوام بسبب حادثة مست فردا واحدا داخلها، فتلعن الجماعة باعتبارها المسؤولة عن تنشئة الفرد. بدأت تتراقص في ذهن التعالوكس فكرةٌ تورطه حتى أخمص القدمين، هل من المعقول أن يكون هو السبب في اللعنة؟ حاول تذكر ما حدث في المنزل في الليلة السابقة لعله يجد فيه ذرة يقين تبدد شكوكه. كان بوده أن يستشير الحكيم، لكن خوفه من «الشوهة» وغضب الساكنة نهره، فاختار الصمت والاكتفاء بتقمص دور البريء المندهش. لم يجد حكيم المدينة من حل إلا أن يرسل في طلب المرأة الملعونة، الشمطاء التي يحكى أنها طردت بسبب علاقتها مع المؤذن السابق في صومعة المسجد، لعلها تستخدم شياطينها لمعرفة الفاعل. تراجع تعالوكسْ عندما علم بالأمر، هو يعرف قدرات «شعشع» التنجيمية، لطالما استشارها في كيفية إسقاط جميلات الحي في شباكه. خرج من الجمع، واتجه راكضا نحو منزل أمه قبل أن تصل الملعونة «شعشع». شعشع بالرغم من أنها المكروهة الأولى في المدينة، إلا أنها المرأة التي استطاعت أن تلمس كنه التعالوكس، هي تعرفه كما تعرف الأم أبناءها. في الطريق نحو البيت، عاد شريط الليلة الماضية للاشتغال داخل رأسه. دخل البيت متأخرا كعادته، باعتباره شابا عازبا يؤجل حتمية معانقة الوسادة، كانت والدته تنتظره، استقبلته بلومها النابع من خوف وحب بيولوجي، وهو الأمر الذي لم يتقبله وانفجر في وجهها كالبركان، اغرورقت عيناها المقدستان بالدموع، رفعت أكفها إلى السماء مجروحة الوجدان وصرخت بصوت خافت سمع دويه كالرعد في أذنه: «هاد البزازل لي رضعتيهم بغيت ربي يقطعهم من فوق الأرض» اكفهر وجه السماء، فتحت مسامها، واستعدت للإنتقام، صعدت الأمنية بدون حجاب إلى السماء السابعة. فحلت اللعنة بالمدينة تضامنا من السماء مع أم بُدل حبها وخوفها الفطري بتسونامي غضب. كان شكه في محله، اللعنة أنزلت بالمدينة بسبب دعاء أمه. دخل المنزل، اتجه إلى رأس والدته، قبله، وسجد عند أقدامها يطلب الصفح، نزلت على قفاه دمعة باردة مبشرة إياه أن الأم مخلوق قد يكره نفسه ولن يقوى على كره أبنائه، سامحته أمه حتى قبل أن يطلب ذلك. أفرجت السماء عن مطر غزير، خرج التعالوكس بالرغم من ذلك ليتحقق من صدق شكوكه، عندما اقترب من الساحة حيث الجمع، تغير لون السماء إلى أبيض حليبي، اشرأبت الرؤوس، وتلونت الوجوه بالحيرة. صرخ أحدهم بصوت قوي: «اركضوا…السماء ستمطر صخورا» فرغت الساحة من الناس، اتجه الجميع ليحتمي تحت سقف المنازل. لم تمطر السماء حجارة بل كان الأمر مفاجئا: «السماء تمطر أثداء» امتلأت الساحة بسرعة، ودخل الناس في حرب حول الأثداء، حمو زوج فاطمة، المسطحة الصدر، وضع يده على صدر زوجة»العربي»، «يامنة» صاحبة الصدر الأعظم في الحي، يوسف العازب يريد نصيبه متحججا أنها هدية من السماء لا علاقة لها باللعنة، حكيم الحي العاقل جن جنونه ويريد استرجاع ثدي زوجته الميتة، أو على الأقل أن يحصل على واحد هدية لعمله الجبار، محمد المثلي الجنسي يريد استغلال الفرصة ليحصل على جسد أنثوي يخفي به معالم الذكورة، نزار يريد الاستمتاع بثدي حبيبته التي رفضته بسبب الفقر، التعالوكس يريد استرجاع ثدي أمه فقط، ولما لا الحصول على ثدي مجاني بما أن الفرصة مواتية…وانتشرت الفوضى مرة أخرى. صعدت شعشع مكان الحكيم فوق تمثال أمي الهرنونية، ولوحت بصولجانها نحو السماء كأنها ستحدث عاصفة، تلبد الجميع في مكانه، صرخت العجوز فيهم: «يا معشر البغال، أين هو تعالوكس؟» نطق التعالوكس من بين ركام من البشر المتنازع: «أنا هنا» صعد التعالوكس بجانبها متأبطا ثديي أمه، أمرته شعشع أن يفرق الأثداء على أصحابها باعتباره المتحرش رقم واحد في المدينة، لم يكن يعتقد يوما أن بليته الغريبة في مراقبة الأثداء ستكون ذات أهمية، هو يعرف صاحبة الثدي من خلال خياله فقط. حمل تعالوكس أول زوج، لوح بهما نحو العربي: «بلغ سلامي ليامنة اسي العربي».