ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    المغربي الزلزولي يصدم برشلونة    بنموسي يراهن على القراءة لمواجهة تدني التعلمات    الجيش الإسباني يدرب الحرس المدني على "الدرونات" قرب الناظور    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    بطولة العرب لكرة اليد.. الجزائر تنسحب أمام المغرب بسبب خريطة المملكة    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    منتخب الهوند الجزائري ما جاش لدونور يلعب مع المغرب بسبب خريطة المملكة وخوفو من الكابرانات    خريطة المغرب تزعج الجزائر بالبيضاء    أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي يكثف هجماته في مختلف أنحاء القطاع    الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن "تمجيد الإرهاب" إثر بيان حول حماس    الانتخابات الجزئية بفاس... "البيجيدي" يشتكي من "ممارسات فاسدة" و"طغيان المال الحرام"    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير فلسطيني : المغرب تحت قيادة جلالة الملك من الدول العربية والإسلامية الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. المدرب الإسباني أوناي إيمري يجدد عقده مع أستون فيلا حتى 2027    وزير : تقنيات الجينوم الجديدة أداة رئيسية للتكيف مع التغيرات المناخية    آيت الطالب: الحوار الاجتماعي في القطاع الصحي حقق العديد من مطالب النقابات    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    التعليم رجع كيغلي فوق صفيح ساخن. ملف الأساتذة الموقفين غادي بالقطاع لأزمة جديدة وسط رفض نقابي لتوقيع عقوبات ضدهم    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات صحافي أمريكي استقصائي .. خفايا وأسرار التمييز العنصري ضد السود وحرب الفيتنام

يتناول المؤلف في كتابه هذا الذي يحمل العنوان التالي: «مذكرات صحفي استقصائي»، ويقع في 478 صفحة من القطع الكبير، مقسمة إلى 19 فصلآ ومقدمة، أهم القضايا المحلية والعالمية، كاشفًا وفاضحًا فيها السياسات والأكاذيب التي اقترفتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءًا من حرب فيتنام ومجزرة ماي لاي وجرائم الإطاحة بالحكومات الشرعية في أمريكا الوسطى ودور كيسنجر فيها، ومرورًا بفضيحة ووترغيت، ووصولاً إلى أحداث 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001 وحرب أفغانستان.
البداية في مناصرة الحقوق المدنية للسود في أمريكا
نشأ سيمون هيرش في الجانب الجنوبي من مدينة شيكاغو، ولم تكن له إطلاقًا معرفة بأي شخص في ميدان الصحافة الأمريكية. غير أنّ «لعبته الكبرى في ميدان الصحافة» كما وصفها، جاء وقتها حين كتب مقالة عن سكان أمريكا الأصليين. فاستطاع بفعل أحد المواضيع التي تناولها أن يُحْدِثَ فرقًا يتعلق بوظيفته كصحفي استقصائي، رغم أنّه لم يكن يعلم أنّ الموضوع نشر بشكل واسع في ولاية داكوتا الجنوبية. أبدى اهتمامًا بتاريخ بعض القبائل الأصليين في تلك الولاية، التي كانت الموطن الأصلي لحوالي تسع قبائل من سكان أمريكا الأصليين.
يقول سيمورهيرش حول هذا الموضوع: «كانت القبائل التي هاجرت من أوراسيا إلى أمريكا الشمالية وكندا قبل ألاف السنين تسمى قبائل أوننداجو وموهوك وجيروكي. كما كانوا يعرفون جميعًا باسم الهنود الأمريكيين أو الهنود الحمر في كندا كان يطلق عليهم عادة شعب أبورجينال. حين وصل كريستوف كولومبس عام 1492 أرضهم، كان عددهم يقدر ما بين 40 إلى 90 مليونا. وحين جاء الأسبان وجدوا 50 قبيلة هندية في الغرب، بما فيها شعب بيبلو وكومانجي وبيمان ويمان، وكانت لهم لغاتهم المتنوعة…
يفترض نموذج هجرات العالم الجديد أنّ نزوح سكان أمريكا الأصليين اليها كان من أوراسيا عبر جسر بيرنكيا الذي كان يربط شمال غرب أمريكا الشمالية، ألاسكا الحالية بشمال شرق آسيا، سايبيريا عبر ما يعرف الآن خليج بيرنكَ، بدأ قبل 16500 إلى 40000 عاما تقريبًا، وقت كان منسوب سطح البحر منخفضًا أثناء العصر الجليدي. استمر هذا النزوح لفترة غير معلومة المدى. كما تفترض النظريات أنّ السكان الأصليين نزحوا إمّا سيرًا على الأقدام أو باستخدام قوارب بدائية على طول الساحل الجنوبي الغربي للمحيط الهادىء إلى أمريكا الجنوبية. فانتشر الأمريكيون القدماء في الأمريكيتين واستوطنوهما ليؤسسوا المئات من الأمم والقبائل ذات الثقافات المتباينة، وذلك قبل لآلاف السنين من بدء الاستعمار الأوروبيين للعالم الجديد في القرن الخامس عشر الميلادي»(ص 12 من الكتاب).
في الفصل الرابع من الكتاب، يذكر سيمورهيرش كيف تم تعيينه مراسلاً في وكالة الأسيوشيتد برس لتغطية قضايا المظاهرات المطالبة بالحقوق المدنية في شيكاغو، التي كان يقودها المناضل القس مارتن لوثر كنك. وكان هيرش معجبًا بشخصية مارتن لوثر كنك، ويرسل الأخبار عن حركة الحقوق المدنية للسود أمريكا، التي باتت تحتل واجهات العديد من الصحف الهامة، لا سيما في المدن التي يوجد فيها توتر عنصري.
وبما أنّ سيمور هيرش يعيش في شيكاغو في تلك المرحلة العاصفة من تاريخ أمريكا، كان يحضر اجتماعات مارتن لوثر كنك، حيث أشار إليه في ليلة متوترة الأجواء في شيكاغو بإصبعه لإعطائه مزيدا من المعلومات عن حركته، نظرًا لمعرفة كنك أنّ تقارير كثيرة عن مسيرة تلك الليلة ستظهر في صحف صباح اليوم التالي. وفي الحقيقة بدأت الصحف تنشر نسخاً أخرى لفترة ما بعد الظهر.
ذكرسيمور هيرش، «وبعد حوالي عشر دقائق انتحى بي جانباً وأعطاني المزيد من المعلومات. ومن بعض تلك الاقتباسات اللاذعة، كان حول خيبة أمله بإدارة جونسن لجعل شعلة القضية تتقد ليوم آخر».
ويضيف هيرش: «عندما يذكر موضوع حركة الحقوق المدنية الأمريكية، يخطر على البال مباشرة اسم قائد حركة الحقوق المدنية الأمريكية مارتن لوثر كينك، الذي يُعتبر بطلاً قومياً لدى غالبية الأمريكيين. إلا أنه نفى عن نفسه دائماً صفة البطولة وكان يذكر دائماً أن الجماهير هي المحرك الأساسي لحركة الحقوق المدنية، الشباب والطلاب الذين خرجوا للشوارع، وعملوا بلا توقف بدون عنف وبلا انقطاع هم الذين صنعوا الظروف التي أتي فيها وصار بطلاً أمريكياً» (ص 99 من الكتاب).
فقد شهدت الحركة مساراً جديداً في عام 1954 بقيادة كنك. وكان إعلان الرئيس تيودور روزفلت ينصّ على ضمان الحريات المدنية المتمثلة في حرية التعبير وحرية العبادة وحرية التحرر من الخوف وحرية التحرر من الحاجة. واستطاعت الحركة في اقل من 14 عاماً بدء من عام 1954 حتى 1968، أن توجه الضربة القاضية لنظام الفصل العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت البداية مع تحدي نظام ركوب حافلات النقل العام عندما رفضت امرأة سوداء اسمها روزا باركز الانصياع لتعليمات سائق حافلة عامة بالنهوض ليجلس مكانها أحد الركاب من البيض، وتبع ذلك أن استدعى السائق رجال الشرطة بعد إصرار باركز على عدم ترك مقعدها، وتم إلقاء القبض عليها بتهمة مخالفة القانون. كان للحادث أثر كبير في تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والتمييز العنصري، فقاطع السود حافلات الركاب لمدة سنة. كما قام الطلاب باعتصامات في عام 1960 ، بالإضافة إلى مسيرة واشنطن الكبرى التي ساهم فيها نصف مليون أمريكي أسود عام 1963 كانت من المؤشرات لبداية الفصل العنصري في الولايات المتحدة.
الصدام مع المؤسسة العسكرية الأمريكية بسبب حرب فيتنام
يطالعنا المؤلف في فصله الخامس بشرح بداية صدامه مع المؤسسة العسكرية، التي تكذب وتموه وتغطي وتبرر ما تقوم به آلتها المدمرة في فيتنام. حدثت الزمة الجديرة بالذكر في يوم 12 ديسمبر من عام 1966، حين أشار تحديداً إلى وزير الدفاع روبرت مكنمارا ونائبه سيروس فانس ومساعده الصحفي آرثر سلفستر. فقد وصل هاريسُن سولزبري من مجلة تايم إلى هانوي عاصمة فيتنام الشمالي آنذاك، فكان أوّل صحفي أمريكي يُمنح تأشيرة دخول للبلاد منذ غزو رجال البحرية لفيتنام. وكتب بعد يومين عن مشاهداته لأدلة عن قصف أمريكي واسع لهانوي، استهدف بشكل واضح المدنيين. وكان ردّ البنتاغون مباشراً وقاطعاً بالإنكار التام لأي قصف داخل حدود مدينة هانوي، وانطلقت إشاعات كررتها العديد من الصحف مفادها أن سولزبري ومجلة تايم يقومان بدور العمالة الإعلامية للعدو.
يقول سيمور هيرش: «كنت في طريقي إلى مؤتمر صحفي لمسؤولين أمريكيين في العادة شخص أو إثنان من رفيعي المستوى ذكرا في جهلهما بما تحدث عنه سولزبري، وأنّة الضرر الذي أصاب المنشآت المدنية ناجم عن سقوط الصواريخ المضادة للطائرات التي تطلقها دفاعات فيتنام الشمالية لاستهداف القاصفات الأمريكية. وهذه بطبيعة الحال كذبة يصعب «هضمها»(ص114 من الكتاب)..
كشف له ضابط كبير في البنتغون اسمه كليرنس هل سراً عن معركة خاسرة وأن الجنرال، الذي قادها قد فُصل بشكل سريع لأنه رفض أن يفهم موضوع إمكانية إيقاع الفيتناميين لوحدة أمريكية في شرك. كان ذلك بحد ذاته مشكلة، وهو الذي جعله يتخذ قراراً عقيماً للإيعاز لوحدة ثانية بالتقدم نحو أرض المعركة على أمل التخفيف من حدة المذبحة، لتقع هذه في نفس الفخ وتتعرض لخسائر فادحة أخبره هل بأن التغطية على الكارثة تضمنت ترقية الجنرال الفورية ونقله إلى قاعدة عسكرية خارج فيتنام وفصله بعد ذلك ورأى هيرش أن تلك الإجراءات كانت مهزلة محزنة.
ثم يمضي المؤلف ليخبرنا أنه اعتمد في كتابة تقاريره على مصادر المخابرات، التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة لديها صور التقطت من الجو تظهر الدمار الشاسع للمنشآت المدنية في فيتنام الشمالية. كما أخبر بشكل محدد أن ما يقرب من 59 منشأة مدنية قريبة من خطوط سكك الحديد في نواحي هانوي قد تم قصفها، مع توفر الأدلة بأن العديد من القنابل لم تضرب أهدافها المرسومة. أظهرت الصور أن ثلاث قنابل فقط قد سقطت داخل محيط محطة قطارات هانوي، لكن الصور كشفت أيضاً وجود ما يقارب الأربعين حفرة خارج تلك المحطة. الاستنتاج الواضح هو أن أقل من 10 بالمئة من القنابل قد أصابت أهدافها المرسومة.
استخدام الأسلحة الكيمياوية والجرثومية في الحرب ضد فيتنام
يتناول هيرش في الفصل السادس اهتمامه بموضوع تطوير بحوث الأسلحة الكيمياوية والجرثومية من قبل البنتاغون، الذي زِيدَتْ ميزانينه بنسبة 300 بالمئة بين الأعوام 1961 1964. وقد عُهِدَ للجيش بهذا البرنامج وكان مسؤولاً خلال إدارة كندي عن الاستعمال المتزايد للمواد الكيمياوية التي تقتل الزرع وتجرد النباتات والأشجار من أوراقها في فيتنام الجنوبية. وكانت بعض وحدات القوة الجوية، التي رشت تلك المواد على الأحراش والغابات ومناطق الاشتباكات تردد بفخر شعار» نحن فقط نستطيع منع وجود الغابات»!
كتب سيمور هيرش يقول، «لم يمضِ وقت طويل حتى عرفت أن أمريكا ليست فقط تعد أبحاثاً دفاعية في حالة هجوم روسي، كما يتكرر الادعاء لإعداد اللقاحات المضادة وإلى غير ذلك، بل أنه توجد دوافع قوية لتطوير الأسلحة الكيمياوية والجرثومية، التي يمكن أن تحدث تدميراً شاملاً» نشر مقالة ضمنها قائمة تحتوي على أسماء 52 جامعة ومركز بحوث وأساتذة وعلماء ممن حصلوا على عقود عسكرية ارتبطت بحرب فيتنام. تحدث عن إمكانية وقوع كارثة في حالة حدوث شيء ما قرب مراكز تطوير وإنتاج تلك الأسلحة الفتاكة. حركت مقالتي المشاعر فانطلقت تظاهرات الطلاب داخل الحرام الجامعية للتنديد بذلك التعاون المخزي» (ص 130 من الكتاب).
استقال من عمله احتجاجا على حرب فيتنام
استقال هيرش من وكالة أنباء الأسيوشييتد برس احتجاجاً على عدم نشر تقاريره حول حرب الفيتنام، وأعد كتاباً أصبح محتواه مادة للتحريض على مقاومة الحرب في فيتنام، لا سيما أن أمريكا أنفقت مع بداية الستينيات من القرن العشرين ما يقرب من 230 مليون دولار خصصتها لبرنامج بحوث الأسلحة الكيماوية والجرثومية.
بعد مرور خمسة عقود تقريباً على نهاية تلك الحرب، لا بد من تذكير القارئ بحقيقة وجود ملايين الفيتناميين وآلاف المحاربين الأمريكيين القدامى وأسرهم، ممن يعانون آثار الحرب الكيماوية التي شنتها الولايات المتحدة في فيتنام. لم تكترث قيادة أمريكا بمستقبل من سينجو من حربها في تلك البلاد، ولكي تمنع الثوار من الاستفادة من كثافة الأشجار كغطاء، ألقت القوات الأمريكية مواد كيماوية لتعرية الغابات وكشف تحركات الثوار والجنود الفيتناميين.
إن العنصر الكيماوي المعروف باسم العامل البرتقالي يمثل أحد أكثر التحركات خزياً وعاراً للحرب ضد فيتنام، حيث إنه ما زال حتى الآن يُسَمِّمُ الفيتناميين الذين تعرضوا له وأبناؤهم يولدون بتشوهات خلقية، إضافة إلى عشرات آلاف الجنود الأمريكيين. ورغم مرور هذه المدة الزمنية، فإن ثلاثة ملايين فيتنامي لا يزالون يعانون تأثيرات ذلك السلاح الكيماوي، ولعل نتائج تلك الحرب لا يمكن حصرها. نظراً لأن الولايات المتحدة لم تُعاقب على جريمة قصفها هيروشيما ونكازاكي بالسلاح النووي، فمن الطبيعي أن تستخدم الأسلحة الكيماوية والنابالم في فيتنام، وإذ لم تعاقب، فإنها كررت أفعالها في العراق، بل وأدخلت، قبل ذلك، الأسلحة الكيماوية في الحرب العراقية الإيرانية.
الأسلحة الجرثومية والكيماوية
وفي الفصل الثامن سلط المؤلف الضوء على الأسلحة الكيماوية والجرثومية، حيث أمضى أسابيع عديدة وهو يلقي المحاضرات عن كتابه حول الأسلحة الجرثومية والكيماوية CBW، في المكتبات وفي مراكز البحث الأكاديمية متحدثًا عن البحوث التي تجرى حول تلك الأسلحة.
يقول سيمور هيرش: «انضمت مجلة نيويورك تايمز للحملة. طلب مني محرر هناك، لا يحضرني اسمه الآن، أن أكتب مقالة حول الأسلحة الجرثومية والكيماوية لزيادة معرفة القراء بهذا النوع من الأسلحة. تملكني العجب أنّه منذ ذلك التاريخ لم تهتم التايمز اليومية بالموضوع ولا بكتاباتي. لا بُد من أنه يوجد سبب وجيه للصحف العامة كي تهتم بأي موضوع. في منتصف شهر مارس جرت حادثة غامضة أدت إلى نفوق 6400 رأس من الأغنام في شمال ولاية نيفادا، التي تضم ما يقرب من المليون هكتار من الأراضي المخصصة لاختبارات الأسلحة الكيماوية والجرثومية في صحراء نيفادا.. أصر القائد العسكري لحامية دكوي مبدئيا أمام الصحفيين على عدم إجراء أي اختبار في ذلك الأسبوع، وأنّ الجيش لا يتحمل مسؤولية نفوق تلك الأغنام».
وأضاف: «كان ذلك موقفًا منافيًا للعقل، لكن القليل من رجال الإعلام، ممن ليسوا ضمن العاملين في صحيفتي صولت ليك سيتي الصباحيتين، بدأوا يهتمون بالموضوع ومتابعته. وهكذا بدأت بكتابة مقالتي للمجلة حول نفوق الأغنام، وكيف أنّ الأمر تطلب شهرًا كاملاً قبل أن يعترف الجيش بمسؤوليته عن تلك الحادثة المروعة. لقد غير موقفه هذا بعد أن قدمت قائمة بالحقائق لأحد ممثلي ولاية يوتا في مجلس الشيوخ، وقام أحد العاملين في مكتبه بتسريب تلك الوثيقة لأجهزة الإعلام» (ص 160- 161 من الكتاب).
شرع سيمور هيرش بحثه الاستقصائي عن موضوع رش الغازات السامة والمواد الكيمياوية الحارقة خلال حرب الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، وساعده في ذلك أصدقاؤه الجدد من داخل عالم CBW لفهم ما عرضه برنامج 60 دقيقة التابع لمحطة تلفزيون «سي بي أس»، الذي يتابعه الملايين من المشاهدين الأمريكيين، حيث عرضت المحطة حلقين عن الجراثيم والغازات في نهاية شهر تشرين أول (أكتوبر) من عام 1968. فكتب مقالة لمجلة بروكريف.
لم تذكر محطة التلفزيون من صور المواقع ولا أماكن تواجدها، لكنني ذكرت أن جزءا من الفيديو قد تم تصويره من قبل الجيش في مخزن العتاد في بابن بلف، وهو مبنى سري في ولاية آركنسا. لم تشر محطة التلفزيون أنه يوجد على الأقل 251 نفقا تحت الأرض للتجميد، وتُسمى هذه الأنفاق «أكواخ» تقع في محيط منطقة بابن بلف، وتستعمل هذه الأكواخ لخزن العناصر الجرثومية وتجميدها. لم تذكر المحطة كذلك أنّه توجد أماكن لتجميع مئات القنابل زنة 750 باوند خلال ساعات فقط لنشر الآفات المرضية حول العالم. كما أنّها لم تورد شيئاً عن حدوث 3300 طارئا خلال فترة ثماني سنوات في قاعدة فورت دترك، نجم عنها حالة عدوى أصابت أكثر من 500 رجل، توفي ثلاثة منهم، إثنان بمرض الجمرة الخبيثة، كما ورد على لسانه (ص 163 من الكتاب).
يمضي المؤلف فيخبرنا عن عرض فيلم أشد انتقاداً في مطلع شهر شباط (فبراير) عام 1969 اسمه الثلاثاء الأول من إعداد محطة «أن بي سي». اعترف معدوه بقيمة برنامج 60 دقيقة، وأخبر المشاهدين سلفاً وبشكل مباشر أن هذا البرنامج لم يُعدّ بالتشاور مع البنتاغون.
عرض البرنامج شريطاً يزيد القلب خفقانا عن مختبرات تُستعمل فيها الأرانب والفئران للتجريب. كما أظهر جرافات تدفع أغناماً نافقة إلى حفر كبيرة لدفنها قرب حامية دكوي بروفنك. الأكثر أهمية، أن برنامج الثلاثاء الأول كشف أن وزارة الدفاع الأمريكية قد دفعت ملايين الدولارات خلال فترة 6 سنوات إلى معهد سمشونيان في واشنطن، لإجراء بحث حول نماذج هجرة الطيور إلى جزيرة بيكر، التي تمتلكها الولايات المتحدة. وهي جزيرة مساحتها حوالي الميل المربع تبعد مسافة 1700 ميلا إلى الجنوب الغربي من هَنَلُولُو. كان الهدف واضحاً، وهو أن أمريكا تبحث عن مكان آمن في المحيط الهادئ كي تستعمله ميداناً لاختبار فاعلية الأسلحة الجرثومية، حسب قوله.
توصل هيرش إلى حقيقة اكتمال البحوث عن هذه الأسلحة في مختبرات في ماليزيا واليابان وإنكلترا وأيرلندا وكندا والسويد وقبرص وأستراليا وألمانيا وتايوان. كانت قاعدة فورت درك هي المركز الأساسي لبحوث الأسلحة الجرثومية، حيث عمل ما يقارب من 120 عالماً من حملة الدكتوراه في عام 1968، إضافة إلى 400 شخص آخر بدرجات علمية أقل. كما كانت توجد وفرة من العلماء الشباب الراغبين في الحصول على منح من أكاديمية العلوم الوطنية للعمل في مشاريع بحوث غربية في قاعدة درك. وهذه أكبر قاعدة فيها مختبرات تستعمل الكثير من الحيوانات وتقتلها اثناء التحري.
مقتل 720 ألفا من الحيوانات كل سنة
وأظهرت الإحصائيات أنّ «720 ألفا من الحيوانات التي تتفاوت بين خنازير غينيا والقرود قد قتلت خلال عمليات التجريب كل سنة». كما عرفت أنّ «الآلاف من الجنود والمتطوعين قد خضعوا للتجارب رَميا في الهواء. وهي عملية أطلق عليها المعطف الأبيض، وكما علمت بشكل شخصي فإنّ بعض المتطوعين لم تكن لديهم فكرة عن سبب تطوعهم ولم يوقعوا وثائق لذلك الغرض، وأنّهم أخبروا بعد فوات الآوان أنّهم تعرضوا لشيء ما. أتيح لبعض المتطوعين خيار للتدريب الأساسي قبل الذهاب إلى فيتنام باعتبارهم مساعدين للخدمات الصحية والإسعاف، أو الانضمام لبرنامج المعطف الأبيض.الجراثيم التي تعرضوا لها شملت تولارَميا والحمى الصفراء وحمى وادي رَفت والطاعون (ص 167 من الكتاب).
قالوا للشعب الأمريكي إن حفنة من الجنود جُنَّ جنونهم في قرية فيتنامية تدعى ماي لاي وراحوا يقتلون أهلها بوحشية مريعة بتاريخ 16 مارس من عام 1968، انتهى الأمر بسقوط ما بين 347 ضحية و504 ضحايا من النساء والأطفال .
من المعروف أنّ التورط الأمريكي في حرب فيتنام بدأ قبل الإعلان الرسمي لأوّل مرة عن وصول لجان التدريب والاستشارة العسكري في عهد إدارة كندي واستمر في إدارة دجونسُن وبلغ أوجه في إدارة نكسُن، حين امتد القتال إلى لاوس. لنتأمل لحظة تلك الحرب التي بدأت حقيقة بتاريخ 1 تشرين ثاني (نوفمبر) 1955، وانتهت بتاريخ 30 أبريل عام 1975، بانسحاب القوات الأمريكية. بلغت خسائر الفيتناميين خلال سنوات الحرب الثماني: مليون قتيل، 3 ملايين جريح، ما يناهز ال12 مليون لاجئ.
أما الأمريكيون فقدرت خسائرهم ب: 57 ألف قتيل، و15330 جريحا، و587 أسيرا بين مدني وعسكري تم إطلاق سراحهم بعد الانسحاب الأمريكي عام 1975.
فرنسا قاتلت بأبناء مستعمراتها
وكان جيرالد فورد هو الرئيس في ذلك الحين. لقد أرادت أمريكا أن تحتل الفراغ الذي تركته قوات فرنسا المهزومة في معركة ديان بيان فو عام 1954، قاتلت فرنسا معارك شرسة كان وقودها أبناء مستعمراتها في شمال أفريقيا من الجزائر والمغرب وتونس ومن وسط غرب أفريقيا، خاصة من غينيا وبنين والسنغال وساحل العاج. فعلى سبيل الحصر ساهمت الوحدات العربية التالية في تلك المعركة:
الكتيبة الأولى، الفوج الأول المشاة الجزائرية، الكتيبة الثالثة، الفوج الثالث المشاة الجزائري، الكتيبة الخامسة، أفواج السابع المشاة الجزائرية، الكتيبة الأولى، الفوج الرابع المشاة المغربي.
يُعَدُّ سيمور هيرش ثاني صحفي غربي حصل على تأشيرة دخول إلى فيتنام الشمالية، وأمضى سنة تقريباً وهو يكتب تقاريره ويبعثها من هانوي. زار المناطق التي تعرضت للقصف الشديد وقابل عدداً من المسؤولين الكبار في حكومة فيتنام الشمالية، خاصة ممّن شاركوا في مباحثات السلام في باريس. كما قابل بعض الأسرى من الطيارين الأمريكيين وعددا من الدبلوماسيين الأجانب في العاصمة. كان شديد الحذر فيما كتب ولم يعطِ فرصة لأحد أن يستغل وجوده لأغراض الدعاية. لقد رفض مراراً أن يكون ضيفاً على إذاعة هَانوي واكتفى بمقابلاته وملاحظاته وأسئلته ومناقشاته مع المسؤولين الحكوميين.
يذكر أنه في إحدى المرات أمضى 15 ساعة «وأنا أناقش هافان لو وهوانك تونك، محرر صحيفة الشمال الرسمية والذي انضم إلى صفوف الثوار وهو في سن 17 عاماً، وجهة نظر هَانوي حول محادثات السلام في باريس. لم يكن هناك تظاهر بأنهما زوداني باقتراح جديد للسلام، بل حقيقة أعطياني معلومات مباشرة. كان هافان لو ضمن الوفد لتلك المفاوضات وذهب وعاد ليشترك في المفاوضات مباشرة مع الوفد الأمريكي برئاسة هنري كيسنجر. فحوى ما علمته هو أن الحكومة الفيتنامية في الجنوب، التي ترأسها في حينه نكون فان ثو، يجب أن تسقط قبل الشروع بأية مفاوضات جادة حول السلام. أعطتني المناقشة فهما ممتازا لطلبات الجانب الآخر الأساسية».
بعد كشف مجزرة ماي لاي وفضح التستر عليها وعلى التحقيقات العسكرية بشأنها، تحدث الكاتب في الفصل الثاني عشر عن تكوين الغيوم برش المواد الكيمياوية في الجو لإحداث العواصف لعرقلة تحركات الثوار الفيتناميين، وعدم كشف الطائرات الأمريكية المغيرة حتى لا تراها بطاريات المدفعية وتستهدفها بصواريخ أرض جو. كما بدأ يتابع التقارير عن قيام وكالة المخابرات المركزية بتأسيس شبكات لتهريب المخدرات في جنوب شرق آسيا. وتابع أيضاً الغارات الجوية لتدمير السدود في فيتنام الشمالية وانطلاق تلك الغارات من مطارات سرية في لاوس. واستطاع إجراء مقابلة مع ثلاثة أسرى ممن أفرجت عنهم هانوي لدواع سياسية محض.
خلافات داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
أضف إلى ذلك أنه تبين له وجود ثلاث قضايا خلقت خلافات داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي كان على رأسها رجرد هلمز، الذكي المعروف الذي دخل شبكة المؤسسة الحكومية في واشنطن. القضية الأولى هي معرفة هيرش بموضوع رفع الغواصة السوفييتية الغارقة وهي تحمل ثلاثة رؤوس نووية المستقرة في قاع المحيط الهادئ، في عملية خُصص لها مبلغ 750 مليون دولار، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تستقطع من ميزانيتها المبالغ المخصصة لتوفير الحليب لطلبة المدارس العامة. والمسألة الثانية كانت عن وجود عملية أسمها عملية الفوضى، وهي مشروع سري وافقت على تنفيذه الحكومة الأمريكية عام 1967 لجمع المعلومات الشخصية عن المتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام، وغيرهم من المنشقين.
مثل هذا النشاط يتعارض مباشرة مع مهمة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «السي.أي.إيه:CIA وميثاقها، الذي يمنع بشكل واضح تدخلها في الشؤون الداخلية أو ممارسة أي نشاط لها داخل الولايات المتحدة. المسألة الثالثة هي جهود وكالة المخابرات المركزية الحثيثة لتقويض حكومة سلفادور ألندي في شيلي ، وهو اشتراكي لم يخف أو يخفف من نقد سياسات واشنطن الخارجية.
المخابرات الأمريكية في تشيلي
وعن الموضوع الثالث ضمن اهتمامات هيرش المشار لها أعلاه، علقت احدى المجلات العربية بالقول إن سلفادور ألندي المرشح الرئاسي عن الحزب الاشتراكي في تشيلي، انتخب بالأغلبية عام 1970، مما تسبب في قلق بالغ في واشنطن بسبب سياساته الاشتراكية العلنية والموالية لكوبا. فوضت إدارة نيكسُن، بإيعاز من الرئيس نفسه، المخابرات المركزية بأن تشجع قيام انقلاب عسكري، ليحول دون تنصيب ألندي، لكن الخطة لم تنجح.
ظلت العلاقات الأمريكية التشيلية شبه متجمدة أثناء حكم ألندي، بعد التأميم الكامل لكل مناجم النحاس المملوكة جزئياً للولايات المتحدة وللفرع الشيلي لشركة ITT الأمريكية، وعدد من المصالح الأمريكية الأخرى. زعمت الولايات المتحدة أن الحكومة الشيلية بخست قيمة تلك المصالح حين قيمتها للتعويض عن التأميم بخصم ما رأته تلك الحكومة «أرباحا زائدة عن الحد» ولذلك، طبقت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضد تشيلي. وقامت وكالة المخابرات المركزية بتمويل إضرابات مناهضة للحكومة التشيلية خلال عامي 1972 و 1973، وحملة دعاية مضادة سوداء في صحيفة «إل مركيوريو».
وفي 11 سبتمبر 1973، لقي ألندي مصرعه أثناء انقلاب عسكري دموي قام به القائد الأعلى للجيش أوغوستو بينوشيه، الذي أصبح رئيساً للبلد. وثمة وثيقة كشفت عنها المخابرات المركزية الأمريكية في عام 2000 بعنوان «أنشطة ال CIT في تشيلي» أوضحت أن الولايات المتحدة عملت، من خلال وكالة المخابرات، على الدعم النشط لطغمة عسكرية بعد الإطاحة بالرئيس الشرعي وأنها جعلت من العديد من ضباط بينوشيه عملاء بمرتبات لدى المخابرات أو القوات المسلحة.
فضيحة ووترغيت
سجلت «واشنطن بوست» ورئيسها بن برادلي سبقا صحفياً حين قام مراسلاها الشابان بوب وودورد وكارل برنستين بالكشف عن فضيحة ووترغيت وبالتالي إسقاط الرئيس رتشارد نيكسُن. شعرت «نيويورك تايمز»، التي تعد نفسها الصحيفة الأولى في البلاد، بالإحراج، وطلب رئيسها أيب روزنثال من مراسله في مكتب واشنطن، سيمور هيرش، أن يضع حرب فيتنام وهوسه بها جانباً وينصرف لمتابعة موضوع الفضيحة. قبل الأخير المهمة صاغراً وبدأ بحثه الاستقصائي وكتب العديد من المقالات، التي نشرت التايمز 40 منها. ادعى هيرش، «أن تلك المقالات قربت مؤشر الاتهامات نحو نيكسُن»، لكنه عرف جيداً أن مفاتيح الفضيحة كانت حقاً في أيدي وودورد وبرنستين.
بدأت فضيحة ووترغيت بعد إعادة انتخاب المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسُن رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية في عام 1972، وفوزه على منافسه الديمقراطي هيوبرت همفري. بتاريخ 17 حزيران (يونيو) 1972 تم اعتقال أشخاص اتهموا بالسطو ووضع أجهزة تنصت سرية في مكاتب الحزب الديمقراطي داخل مبنى ووترغيت بواشنطن، وتسجيل 65 مكالمة لأعضاء الحزب.
في البداية أدين خمسة أشخاص حين اتهموا بأن لهم علاقة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، كما أدين شخصان آخران في القضية بتهمة «التجسس والشروع في السرقة» ثم توسع التحقيق لاحقاً بعد كشف صحفيَي جريدة «واشنطن بوست» بوب وودورد وكارل برنستين عن وجود علاقة بين قضية السطو والتجسس والشروع في السرقة ومحاولة التغطية عليها من قبل جهات رسمية كوزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية والبيت الأبيض.
وقد جوبهت ضغوطات الكونغرس من أجل إصلاح الوكالة بعناد حاد من قبل إدغرة جيرالد فورد التي قادها مكتب الرئيس دونالد رامسفيلد ونائبه ديك تشيني، اللذين عملا ما بوسعهما لحماية الوكالة، التي مهمتها ممارسة نشاطاتها السرية للتجسس وجمع المعلومات حول العالم، منذ تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية».
الوكالة تحمي مجرمي
الحرب النازيين
في 15 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من سنة 1949 أصدرت فرنسا طلبا لإيقاف كلاوس باربي Klaus Barbie، المتهم من قبل المحكمة العسكرية في مدينة ليون الفرنسية ب»ارتكاب جرائم حرب». ولكن هذا الشخص ثبت أنه يشتغل مع فرع مستقل عن المخابرات الأمريكية على الرغم من ماضيه، وهو مكلف بالصراع السري ضد الشيوعيين تحت أوامر فرانك فيسنير، وهو فرع سيتم إدماجه سنة 1952 في إدارة عمليات وكالة الاستخبارات الأمريكية.
يقول الكاتب إنه من الصعب تصديق قيام الأمريكيين عشية الانتصار على النازية، أي سنة 1945، بتجنيد قدامى المجرمين النازيين. لكن المعادلة مع كل هذا بسيطة جدا وهي أن الأمريكيين انتصروا على النازيين بدعم من السوفييت، ويمكن لهم الآن هزيمة السوفييت بمساعدة من قبل قدامى النازيين. «من هو الأفضل من هؤلاء، الذين هم في غالب الأحيان لا وظيفة لهم ولا مصدر عيش، من يُراكِم تجارب مهنية صلبة عن المعلومات الاستخبارية ويُراكم أيضاً حقدا شرسا على الشيوعية؟».
ويرى الكاتب أنه في نظر كبار المسؤولين الأمريكيين الذين لا يتقنون اللغة الألمانية ويجهلون التاريخ الأوروبي، ولا يعرفون كيف يمكن التعامل مع الامبراطورية السوفييتية. صحيح أن الرئيس ترومان وضع سنة 1945 قواعد لهذا التعامل مع النازيين السابقين، إذْ إنه استثنى المتحزبين العاديين واكتفى بمقاطعة «مجرمي الحرب الكبار». وهو موقف ضبابي فيما يبدو من أول وهلة، ولكنه يسمح، وهنا مربط الفرس، ب «تجنيد عدد كبير من العلماء والمهندسين الألمان لوضعهم في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
الوكالة تعيد استعمار الكونغو
الكونغو البلد الإفريقي الصاخب مصدر كل الأطماع، تعرض لكل الجرائم التي يمكن للاستعمار، أي استعمار، أن يقترفها في مسيرته الظافرة. وقد كتب السّير أرثير كونان دُويْل، وهو مؤلفّ كتاب هجائي غير معروف بشكل كبير، حول الجرائم والفظاعات التي اقترفتْ ما بين سنتي 1885 و1908 في «دولة الكونغو المستقلة»، المِلْكية الشخصية لملك بلجيكا والغنية بالثروات الطبيعية، ما يلي: «إن استغلال الكونغو هو أكبر جريمة ضد الإنسانية تمّ ارتكابها في تاريخ البشرية». قبل أن يحصل هذا البلد على استقلاله سنة 1960 أزهقت أرواح الملايين من سكانه. وما إن حصل الاستقلال حتى بدأت مختلف الفصائل الوطنية في التناحر ومن بينها الحركة الوطنية الكونجولية التي كان يقودها الزعيم الراحل باتريس لومومبا.
الكونغو بلد مُحاط بتسع دول وهو ما جعل منه مسرحا للحرب الباردة ما بين أمريكا والاتحاد السوفييتي. وفي هذه الفترة، أي سنة 1960 كان الأمريكيون متواجدين بل وسيستغلون مناجم الكوبالت (أي 75 في المائة من مؤونتهم) وأيضا الزنك والحديد والبوكسيت وهي معادن مهمة في ما يخص صناعتهم.إن البلجيكيين ظلوا حاضرين على الرغم من استقلال البلد وذلك من خلال العديد من الشركات. «لقد حرصوا على ألا يفككوا استعمارهم وعلى ألاّ يُكوّنوا نُخَباً محلية قادرة على أخذ زمام الأمر، وهذا من أجل تأمين محافظتهم الفعلية على البلد».
بدأ الصراع ما بين القبائل يوم الثاني من تموز / يوليو، وفي الأيام القليلة التي تلت، قام قسم من الجيش بالتمرد على الضباط البلجيكيين. فقامت بلجيكا القلقة على مصالحها من تفجر الوضع بالضغط على رئيس الوزراء لومومبا للسماح لها بالتدخل عسكريا لحماية رعاياها ومصالحها الاقتصادية، وكجواب قرّر لومومبا إقالة رئيس أركان الجيش.
وفي الثامن من تموز (يوليو) ساعد الذعر في العاصمة التي كانت تسمى آنذاك ليوبولدفيل، فاضطرت السفارتان الفرنسية والبريطانية إلى إجلاء رعاياهما. وقررت بلجيكا تجاوز موقف لومومبا وأرسلت قواتها في العاشر من نفس الشهر. وفي 11 تموز أعلن إقليم كاتانغا الغني استقلاله تحت حكم موويز تشومبي بإيعاز من بلجيكا. أما الأمم المتحدة فقد طالبت البلجيكيين بالانسحاب. وقام رئيس الوزراء بزيارة إلى الولايات المتحدة كليا للتدخل لوقف التدخل البلجيكي، ولكن الاستقبال الأمريكي كان فاترا خصوصا حينما هدد الأمريكيين بطلب المساعدة من السوفييت إذا رفض الأمريكيون.
ويرى المؤلف أن ملف باتريس لومومبا كان قد حُسِم أمريكيّا، إذْ إنّ «ألين دالاس، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية كان يرى أن باتريس لومومبا «اشتراه الشيوعيون»، في حين طالب الرئيس ايزنهاور ب «عمل صارم» ضده. وفي السادس والعشرين من آب (أغسطس) أعطى كولس الأمر لمجموعته في العاصمة ليوبولدفيل» بتخليص الكونغو من رئيس وزرائها الأول.
تم التفكير في إطلاق مشروع تسميم رئيس الوزراء: تم إرسال الدكتور سيدني غوتلييب وهو خبير كيماوي من وكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى الكونغو لإيصال فيروس خاص بإفريقيا الوسطى، موجه لباتريس لومومبا. لكن السمّ لم يستخدم لأن الطاقم الأمريكي الموجود في عين المكان ارتأى أنه توجد وسائل أخرى لتصفية الرجل. وعثر ألان دالاس على الرجل القادر على الحلول محل لومومبا، وهو أحد مسؤولي الجيش: جوزيف موبوتو، «الرجل الوحيد في الكونغو القادر على إظهار نوع من الصرامة».
موبوتو وقصة إعدام لومومبا
موبوتو كان صحافيا سابقا يتحدث اللغة الفرنسية جيدا (وهو تفصيل مهم بالنسبة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، إذ لم يكن يوجد من أعضائها من يتحدث اللغة المحلية)، وأصبح مع حكم لومومبا كولونيلا. ومن بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) بدأت الاستخبارات الأمريكية تحول له الأموال: 250000 دولار وأسلحة. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) خسر لومومبا السلطة بعد صراع سياسي مع الرئيس الكونغولي كازافابو وموبوتو. فالتجأ إلى حماية القوات الدولية ثم اعتقلته قوات موبوتو في الثاني من كانون أول (ديسمبر)، وفي 17 كانون ثاني (يناير) تم إعدامه. وجرى تذويب جثمانه بالحامض.
يقول الكاتب: إنه «من الناحية التقنية لا دخل لوكالة المخابرات الأمريكية في اغتياله، ولكنها هي التي سلمت موبوتو المعلومات التي أتاحت له اعتقاله. بعد يوم فقط من هذه المؤامرة أصبح جون فيتزجيرالد كينيدي الرئيس 53 للولايات المتحدة الأمريكية. وقام موبوتو بتغيير اسم الكونغو إلى الزائير سنة 1971، حيث أصبح البلد قاعدة مهمة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في حين تميّز موبوتو عن غيره من القادة باعتباره من أكثر الديكتاتوريين فسادا وأكثرهم دموية في القارة الإفريقية، إذْ إنه اختلس عدة مليارات من عائدات المناجم، كما قام بتصفية العديد من المعارضين. وكأن الأمريكيون عبروا عن بعض الندم من تعاملهم مع الرجل، إذ ها هو ألان دالاس يقول في حوار تلفزيوني: «إن الأمريكيين بَالَغُوا في تقدير تورّط الروس في الكونغو».
الحقيقة هي أن سجل العمليات السرية القذرة للوكالة المذكورة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم يكن يدعو إلى الفخر. لقد دبرت وكالة المخابرات المركزية انقلابات واغتيالات في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. لكن ضمير الكونغرس لم يستيقظ إلا بعد أن طالت العمليات القذرة نابا منه في فضيحة ووتركيت، التي أطاحت بالرئيس الأمريكي رجردنكسُن في عام 1974.
بعد تلك الألفية المدوية التي تجسس فيها الرئيس على خصومه السياسيين، كثف الكونغرس تحقيقاته حول العالم الخفي لعمليات البيت الأبيض السرية تحت إشراف لجنة جورج، التي سميت باسم السيناتور فرانك جورج. حققت اللجنة في مجموعة واسعة من الانتهاكات التي ارتكبتها السلطة التنفيذية بما في ذلك عمليات التجسس الداخلي ضد مواطني الولايات المتحدة، ورسمت اللجنة صورة غير قانونية عن أنشطة نفذت دون رقابة من المحاكم أو الكونغرس.
أمام سيل الفضائح، التي هزت العالم كله، أصدر الرئيس جيرلد فورد في عام 1976 الأمر الرئاسي رقم 11905 الذي منع فيه الولايات المتحدة من تنفيذ اغتيالات أو انقلابات سياسية، وكلفت لجان الكونكرس بالإشراف على عمليات المخابرات الأمريكية وعلى رأسها العمليات السرية. مهد ذلك لقانون عام 1980 الذي أقره الكونغرس وأجبر به البيت الأبيض على تقديم تقارير عن جميع برامج التجسس إلى لجنة الاستخبارات الجديدة التي أنشئت للمراقبة والمتابعة والمحاسبة. تعقد هذه اللجنة اجتماعاتها في الغرفة S407 ، وهي غرفة بلا نوافذ تقع في القسم العلوي من مبني الكونغرس ولا يمكن الوصول إليها إلا بمصعد واحد أو سلم ضيق وجهزت الغرفة بأجهزة متطورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.