يبدو أن خونجة الفضاء العمومي المغربي عملية ممنهجة يسهر على تنفيذها بعض من فوضهم المغاربة تدبير شؤونهم… فبعد اكادير اقبل المجلس الجماعي لتمارة على استبدال أسماء شوارع وأزقة بأسماء أخرى لدعاة من الشرق اشتهروا بخطابهم المتطرف وولائهم للفكر الإخواني. إن الإقدام عل استيراد مثل هذه الأسماء للتعريف بشوارع المغرب وأزقته، ليس عملية بريئة، وإنما هو بكل تأكيد عملية تستهدف منح فضائنا المغربي هوية بصرية مستوحاة من التراث الاخواني، وفي ذلك ترويج لمرجعيات دعوية غريبة عن المرجعية الدينية للمغاربة، وتنكر للتراث الوطني تاريخا وحضارة وعلما وأدبا وكفاحا وتصوفا. إن إطلاق اسم علم على شارع أو زقاق أو ساحة يحمل أكثر من دلالة، ولا بد أن تخضع لمعايير، أولها أن تكون لشخصية وطنية أبلت البلاء الحسن قي خدمة الوطن وأسدت عملا جليلا للشعب في مجال من المجالات، فصارت جديرة بالتكريم والتخليد الرمزي باعتبارها معلما من معالم التاريخ الوطني والحضارة المغربية. وقد يكون اسم شخصيات عالمية ناصرت المغرب، فكان ذلك من باب الاعتراف بالجميل وتجسيد أواصر الصداقة بين بلدنا وبلد ذاك الزعيم الذي اخترنا اسمه عنوانا لشارع من شوارعنا… نكروما، نهرو، بورقيبة، عبد الناصر، ليوبود سيغار سنغور، مودي بوكيتا، هي اسماء عمالقة صنعوا التاريخ وربطتهم بمحمد الخامس والحسن الثاني معارك التحرر الوطني وحركة عدم الانحياز…شوارع محمد الخامس والحسن الثاني وعلال الفاسي والمختار السوسي والروداني وعبد الرحيم بوعبيد وبنبركة والحنصالي والخطيب وكنون وغيرها هي أسماء أعلام مغربية تسكن ذاكرة شعب وتاريخ وطن. بغض النظر عن الانتماءات السياسية والمرجعيات المذهبية. أما أن يؤثث فضاءنا المشتركة بأسماء غريبة عن تاريخنا وثقافتنا، فهو اعتداء على الهوية الثقافية المغربية الغنية برموزها السياسية والعلمية والفنية والجهادية والدينية، وتحقير لها، وهو انحياز واع ل»مرجعيات» دينية ليست على انسجام مع هويتنا الثقافية في كل أبعادها. زمن الاستعمار، عملت سلطات الحماية على مسخ فضائنا العمومي بأسماء فرنسية أو اسبانية، منها من كان ذا صيت عالمي في العلوم والآداب ومنها من كان لضباط أو ضباط صف قتلوا في معارك « التهدئة» على يد المقاومة المسلحة للغزو الاستعماري،، أو بعد ذلك أثناء المقاومة وجيش التحرير قبيل الاستقلال. وإذا كانت السلطات المغربية والمجالس الجماعية قد حافظت على الأسماء الأجنبية ذات الحمولة الفكرية والأدبية الإنسانية أو أسماء شخصيات عالمية، فإنها عملت على تحرير شوارعنا من أسماء كل من اساؤوا للشعب المغربي، واستبدلوها بأسماء الشهداء والعلماء ورواد الحركة الوطنية ومعالم النبوغ المغربي. لا اعتراض لنا على الانفتاح على أسماء من الشرق والغرب، لكن وفق معايير موضوعية، وفي حدود معينة، ودون اعتبارات مذهبية ضيقة. وكما حررنا شوارع مدننا وأزقتها من رموز الاستعمار، سياتي يوم نحرر فيه فضاءاتنا المشتركة من دهاقنة الفكر الاخواني الذين اختار المجلس الجماعي لتمارة أن يجعلهم عناوين ماسخة ومستفزة للهوية المغربية.