يجب على الإسرائيليين إغراق الشوارع لمنع عملية رفح – هآرتس    يهم نهضة بركان.. الزمالك المصري ينهزم قبل مباراة نهائي كأس "الكاف"    الاتحاد السعودي يعاقب عبد الرزاق حمد الله    بطولة اسبانيا: بيتيس يعزز حظوظه بالمشاركة القارية    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    طلبة الطب في مسيرة وطنية اليوم بالرباط ردا على إغلاق وزير التعليم العالي باب الحوار    هذا ما قررته المحكمة في قضية كريمة غيث    الدوري الإسباني.. النصيري يواصل تألقه    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    "الجزيرة" ترد ببيان ناري على قرار إغلاق مكاتبها في إسرائيل    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    الأرشيف المستدام    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)        فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    حماس تقول إنها "حريصة على التوصل لاتفاق شامل" بغزة وإسرائيل ترفض وقفا دائما للحرب    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما نقرأ لجون بول سارتر
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 09 - 2022

عندما أقرأ كتابي المفضل «المتخيل» لجون بول سارتر، أحس أن الخيال ذاتي، وأنه جزء لا يتجزأ عن البسيكولوجيا. فما كان أمام هذا الوجودي إلا أن يشرح لتلامذته، في الباكالوريا، أن الإدراك والمعرفة والفهم والشعور والذاكرة، جميعها تحتل مناطق غامضة من الذات الإنسانية. فكان الاهتمام بالصورة، التي زلزلت العالم اليوم ، منبعا يفيض حيوية ونشاطا ، فمهما اشتد حبل الإبهام والغموض من حولها ، كلما عنت لنا أشياء جديدة تزيد من تعلقنا بأهذاب هذا المتخيل الفاني .
ففي سنة 1927 دشن سارتر مساره العلمي، ووضعه على المحك من خلال بحثه لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع «الصورة في علم النفس»، والذي حدد فيه العلاقة التي تربط بين الشعور والصور الذهنية . فالإحالة والتأويل عنصران يشتغل بهما العقل الباطني عند الإنسان ، فاستحداث التمثيل الذهني لابد أن يعود إلى مرجع مادي لا إلى معنى يخيط به الوجود . بهذا كان سارتر من السباقين إلى عقد قران بين التفكير والصورة الذهنية ، وجعل من القدرات، التي يتمتع بها الانسان، محط تأمل .
ف» الخيال» عنوان كتاب صغير ألفه سارتر سنة 1936، ولم يعرف طريقه إلى القراء إلا بعد مرور أربع سنوات بعد ذلك، غير أن التفكير السارتري تأثر كثيرا بفلاسفة سبقوه إلى إزالة أطودة الجليد، التي تراكمت على الفكر النفسي منذ نهاية القرن التاسع عشر، وفي مقدمتهم نجد الفيلسوف هنري برجسون، بما هو أعطى أهمية قصوى للتجربة الملموسة والحدس، ليشكلا في ما بعد دعامته الأساسية في وضع أسس اشتغال علم النفس والخيال. فالدور الذي قام به هذا الفيلسوف هو أنه منح لسارتر التذوق الفلسفي للأشياء، التي تسكن الوعي ، من خلال كتابه « المادة والذاكرة « الذي ألفه نهاية القرن التاسع عشر، وبالضبط سنة 1897 .
إن بركسون من منظور جون بول سارتر بمثابة الفيء والأشنة والغياض، الذي تمتح فيها أهم نظرياته المعرفية حول الخيال والمتخيل، وأن الفكر الفرنسي لايزال مدينا له إلى حدود الثلاثينيات من القرن الماضي . ومن هذا المنظور المعرفي المحض، يرى سارتر أن الخيال هو عبارة عن تحليل مفصل للمتناقضات التي يعج بها الفكر الفلسفي، وبالتالي فهو ينقلب على الخط الذي رسمه بركسون أو الذي رسمه الحس البركسوني .
بالموازاة مع ذلك، فإن النظرة الفلسفية لبركسون، حسب سارتر، تأسست من خلال الكتاب المنعط ، والذي عنونه ب « الضحك « ؛ كتاب في دلالات الهزل . ظهر هذا الأخير في فاتح ماي من سنة 1900، وأعيد طبعه سنة بعد ذلك. ففي تقديم الكتاب سنة 1924 ، قال بركسون إن الضحك يكون نتيجة وضعيات تتسم بالهزل والفكاهة ، كما أنه أي الضحك يعتبر عقابا من المجتمع، يطبق على الذين تناسوا زهو الحياة وطيبها. فلولا التخييل ما تمكنا من إنشاء تصورات حول الوظيفة التي يقوم بها الهزل، ومن ثم كان منطلق التعبير الجمالي، الذي يطفح جمالا وأناقة .
لعل الهزل والضحك، حسب جون بول سارتر، كان عنوانا كبيرا للحضارة التي ينعم بها الغرب جراء السياسات الاستعمارية التي كان ينتهجها، وشن حروبا إعلامية غنية تضع الانسان على المحك . فكانت الفرجة إحدى العلامات المميزة للتقدم والتميز الحضاري، من خلال الحضور المكثف للمسرح الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ؛ مسرحيات شكسبير على سبيل المثال . فكتاب « الضحك « لبركسون يقتفي أثر السلوكات الصادرة عن الإنسان ، والتي تبعث على استغلال الفرص من أجل الترويح عن النفس . فسقوط الرجل، أمام أعين الناس، مثير للضحك لأنه كان إجباريا وليس فيه أي اختيار .
فالنقطة المثيرة للضحك أن هذا الرجل أُقعد بالرغم منه جراء السقطة التي تعرض لها. فبركسون يعتبر أن التكرار التلقائي و العفوي يكون باعثا للضحك . فاللقاء الأول مع صديق ، مثلا ، طال به الأمد في الفراق لا يكون مصدرا للفكاهة، بيد أنه إذا تكرر العمل بصفة عفوية يكون كذلك. فمن هذا المنطلق يعرف بركسون الكوميديا بصفة عامة أنها « عبارة عن تقليد للحياة « أو عبارة عن فانوس يخبو ضوؤه كلما ابتعدنا عن مرحلة الطفولة في اتجاه الكهولة فما فوق .
إن الخيط الناظم ما بين هذين العملاقين هو إصرارهما الدؤوب على ممارسة الحياة بكل تجلياتها، فالعشق والحب لم يفارقهما أبدا، فجون بول سارتر تعلق بسيمون ديبوفوار من خلال عملها المضني والشاق في سبيل اكتشاف المعارف، وما تقدمه للإنسانية إلى درجة أن اسمها ارتبط باسم الحيوان « كاستور» ، الذي يرمز إلى العمل والطاقة . بينما هنري بركسون ارتبط بلويس نومبيرك التي تفنن في وصفها في كثير من أعماله .
يبدو أن أشخاصا كثر لعبوا أدوارا هامة في حياة سارتر، ولهم الأثر البليغ في مساره العلمي. فإلى جانب هنري بركسون، كما سبق أن تعرضنا إليه، نجد كتابا وفلاسفة وروائيين آخرين بصموا حياته العلمية والأدبية، وفي مقدمتهم بول نيزان ، ومريس مارلو، والروائي الكبير ألبير كامو . إن الفعل الحقيقي والوجودي عند جون بول سارتر لا يتحقق إلا بحب العمل، والسعي نحو تحقيقه. بهذا المعطى كان سارتر من بين الذين باعوا جريدة « التحرير « في شوارع باريس بهدف الدعاية ، ونشر حب القراءة في المقاهي والأماكن العمومية .
فعندما نقرأ لسارتر، إذن، نحس أننا نقاوم السلطة والاستعمار معا، بما هما وجهان لعملة واحدة ، يتعايش معهما وبهما الإنسان على مدى وجوده في هذه الحياة . ففعل الاختراق الزمني، لهذين المكونين، حاضر جعل لسارتر منظارا جديدا يرى به وجوده ووجود الآخرين من حوله ؛ لأن الحياة لا تستقيم إلا في ظل هذا الصراع الذي دب في كل أنحاء المعمور . بيد أن ما كانت تعانيه فرنسا جراء احتلال ألماني قاهر، تحول بفعل المفكرين والفلاسفة والروائيين ، وبسند روحي لديغول إلى ملحمة نصر آت وواعد لمعانقة الحرية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.