لم أكن ارغب في الرد على بعض التافهين، وعلى تدويناتهم البذيئة حول ملتمس الرقابة الذي تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي ضد سير عمل الحكومة ، لولا تمادي البعض منهم، وزيغهم عن حدود اللياقة التي يفرضها النقاش السياسي عادة . ولكل هؤلاء أقول : إن الاتحاد الاشتراكي حينما تقدم بملتمس الرقابة قد مارس حقه السياسي الذي منحه له دستور المملكة في الفصل 105 . وكان الغرض من ذك تنبيه الحكومة، وتذكير الرأي العام المغربي بأن المعارضة ليست هي ترك الأغلبية تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب . ومن جهة أخرى، وبالنظر إلى تاريخ الممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي نجد أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يمارس فيها الحزب هذه الرقابة، بل فعل ذلك سنة 1964 حينما كان يحمل اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم مارسها بمعية حزب الاستقلال سنة 1972 حينما كان الصراع قويا بين القصر وأحزاب الحركة الوطنية، وكان في كل مرة يحدد الدوافع والأسباب ويدقق في الأهداف والنتائج . إن الاتحاد الاشتراكي حزب سياسي بامتياز ، نابع من داخل المجتمع، ومن حاجياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ونابع بالخصوص من داخل الحركة الوطنية، حزب له كل مقومات العمل الحزبي: من الجانب التنظيمي إلى الجانب الإيديولوجي إلى الجانب المنهجي، حزب ناضل من أجل استقلال المغرب سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ومن أجل بناء الدولة الوطنية ، حزب يؤمن بالحداثة وبالتطور المستمر، ويتأقلم مع تطور الواقع، حزب يعيش داخل التاريخ وليس خارجه، حزب يؤمن بالتعددية والاختلاف ولا يلغي الآخر، اللهم إلا إذا كان موقفه يعود على الوطن بالسلب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا .حزب يمارس السياسة عن اقتناع لأنه منسجم مع مبادئه وتصوراته، ولذلك فهو حزب نشيط سواء كان في التسيير أو في المعارضة . من هنا شاهدناه يقوم بدور المعارضة في شكلها الإيجابي البناء ، منبها الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها تجاه المغاربة من الوعود التي وعدتهم بها خلال الحملة الانتخابية، خاصة وقد مضى وقت مهم من عمرها. هكذا ولإعطاء مبادرته قوة، حاول الاتحاد الاشتراكي إشراك باقي أطياف المعارضة، على اختلاف خطهم السياسي، في تبني هذا الملتمس، لأن الهدف كان هو المصلحة العليا للبلاد، وليس مصلحة هذا الحزب أو ذاك . لكن المشكلة خلقتها الحسابات الضيقة لبعض أطياف المعارضة الذين لا تربطهم بالاتحاد أية علاقة على المستوى الإيديولوجي ، والذين كانوا يبحثون فقط عن موقع للظهور والبروز، الشيء الذي دفع بالحزب إلى سحب المبادرة، مفضلا تنزيلها داخل المجتمع، وبقرار من داخل المجلس الوطني للحزب المنعقد يوم السبت 17/5 0 /2025 نعم لقد قرر الحزب ممارسة ما سماه بالمعارضة الشعبية بواسطة ملتمس رقابة شعبي . وإذا كان هذا المفهوم في نظر البعض غير موجود داخل النظريات السياسية، فيمكن الرد عليهم بأن الممارسة المباشرة للفعل السياسي في الواقع هي التي تنتج المفاهيم السياسية الحقيقية وليست النظريات . نعم سيمارس حزب الاتحاد الاشتراكي المعارضة الشعبية، سيشرح للناس حيثيات وملابسات ملتمس الرقابة ،محتوياته، أسبابه، وسيعدد أخطاء الحكومة وضعف عملها ، وعدم التزامها بالوعود التي تقدمت بها في برامجها الانتخابية. حكومة فشلت في تنزيل المشاريع الملكية على الرغم من وصفها بحكومة الكفاءات، لكن الكفاءة العلمية وحدها ليست كافية لممارسة العمل السياسي، وتسيير مجتمع معقد في تركيبته الاجتماعية والطبقية والثقافية، مجتمع أناسه أذكياء يحبون وطنهم ويفضلون مصلحته على مصلحة الذات، ولذلك لا يمكن أن يموهه أحد بالأكاذيب الضالة. كما أن الاعتماد على الخطاب الديني لاستمالة الناس أمر فطن له المغاربة وخبروه ولمدة عشر سنوات عجاف دون فائدة، ولذلك لا مجال الآن لإعادة استعماله، لأن المغاربة عقلاء يميزون بين الحقيقي والزائف، وكما يقول المثل ( لا يلذع المؤمن من الجحر مرتين ). لقد انتهى سيناريو الاتجار بالدين ودفن إلى الأبد، كما انتهى عهد الشعبوية وحل محله زمن العلم والتقنية، وكل من تنكر لذلك سيسقط في الوحل وينتهي إلى الأبد، وستدفنه السياسة في قبو عميق لا قاعدة له .