يلتزم المغرب، في كل تعاملاته الرسمية، بخصوص قضاياه، لغة الحق، والتي تقول ما لنا وما هو من حقنا، دون أن تسقط في لغة «انتصارية» .. مفرطة. لأن المغرب تعود أن ما بعد إحقاق الحق: هو الجهاد الأكبر.. نحن هكذا مع الحق، كما عرَّفه محمد الخامس طيب لله ثراه.. «إننا رجعنا من الجهاد الأصغر لخوض الجهاد الأكبر» فكان المنفى والاستعمار، جهادا أصغر في حين كان البناء هو الجهاد الأكبر .. وهكذا سيعرِّفه محمد السادس. بأن البناء أكبر وأكبر من كل معارك الوحدة والتوحيد.. ليس في ذلك أي تشاؤم أو تفاؤل أو أية استباقية، بل إن اللغة الحذرة هي من صميم الأسلوب المغربي في التعامل مع حقائق الواقع ولأن المغرب اختار معادلة: لا غالب ولا مغلوب. والكل منتصر في السلام ولا أحد منتصر مع الحرب. وهكذا يكون موقفنا في القضية الوطنية، ونحن ننتظر قرارا حاسما من مجلس الأمن.. لقد رافقت، تأخير التصويت، بعض التوجسات، ومنها قوة الخصوم في الضغط أو التقديرات الذاتية لكل دولة تمثل صوتا في المجلس .. وقد يكون، ولكن حقيقة الوضع هو أن السنة الفارطة عرفت تأخيرا من قبيل ما يحدث اليوم.. كما أن السنة التي قبلها كان التصويت في 27 أكتوبر، أي قبل الموعد بأربعة أيام.. كما يقول الشاعر:إن جاءت قبل موعدها انتظرها وإن جاءت بعد موعدها انتظرها. نحن نتوخى أن تتحول الحقائق الموضوعية على الأرض، والزخم الدولي والمساندة العالمية للحكم الذاتي، إلى حقيقة قانونية عن طريق التصويت اليوم، ولكن في نفس الوقت نتعامل مع حقائق الديبلوماسية الدولية، ولسنا نملك مفاتيحها كلها .. أمامنا زخم دولي، غيَّر من معطيات الواقع في الأرض ومن الواقع الدولي والواقع في المنطقة. ونقدر أن كل قرار سيستحضر هذا البعد، وآفاق السلام وآفاق التعايش، كما يستحضر الحق المغربي وحق الدول مثله في الوحدة الترابية .. ننتظر، كما كتبنا مرارا، أن ينتقل الزخم الدولي من حقيقة الواقع إلى حقيقة القانون.. ويغلق الملف في الأممالمتحدة نهائيا، وننظر بعدها إلى التفاصيل الموالية: سحبه من اللجنة الرابعة، تعليق عضوية جمهورية البوليساريو في الاتحاد الإفريقي،.. والشروع في المفاوضات السياسية على قاعدة حكم ذاتي في الصحراء، بما يتطلبه ذلك. من مجلس انتقالي واستفتاء دستوري لتضمينه في النص الأسمى في المملكة … إلخ. وقبل هذا وذاك نزع فتيل يلغم العلاقات بين الدول المغاربية ويخلق أسباب التناحر بينها. من باب الحكمة أن ننتظر. الصيغة النهائية للقرار الأممي، وتفاصيله التي قد تقف عند عبارة أو كلمة أو عند تركيب لغوي مطاط أو مرن أكبر من الحل المطلوب.. ومن باب الحكمة أن ننتظر الحسابات الخاصة بكل دولة في التصويت ولنا خارطة واضحة: المجموعة الدولية المساندة بلا قيد أو شرط، وتضم أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. الكتلة غير المستعجلة في التصويت، بينها روسيا والصين، وقد استطاع المغرب أن يحرر تدبيره للملف من التوزيع الدولي للعمل أو المواقف لدى هذا الطرف أو ذاك على أساس الحسابات الجيوسياسية الكبرى .. وفي هذا السياق لا يبدو، لحد الساعة، أن موسكو تلجأ إلى معارضة المقترح الأمريكي بالفيتو، بما هو السقف الذي لا يمكن بعده توقع الموافقة على القرار الأمريكي.. ويبقي أمامنا الحياد الروسي. ولعل ما نطمح إليه هو ألا تنتظر موسكو أن يتحقق التوافق حول الحكم الذاتي لكي ترحب به، بل أن تكون فاعلا فيه.. وأن تحضر في ما بعد التصويت عليه والشروع في تنفيذه.. بالنسبة للصين، فقد قطعت العلاقات معها أشواطا غير مسبوقة، كما أن لها ثوابت في الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية وآخرها البيان المشترك بينها وبين المغرب، والذي أعلنت فيه بالواضح أنها ضد النيل من الوحدة الترابية للبلدان وضد الانفصال، والانفصال معروف في القضية المغربية، وننتظر أن تتصرف على أساسه.. أما بالنسبة للدول غير الدائمة العضوية، يمكن أن نقسمها إلى 3 أقسام: 1 الدول التي ذهبت بعيدا في مساندة المغرب، والتي فتحت قنصلياتها كما هو حال الصومال والسيراليون. 2 . الدول التي أعلنت صراحة دعمها للحكم الذاتي والتوافق حوله، والتي لن تعاند التصويت عليه ومنها الدانمارك، التي اعتبرته في شتنبر 2024 أساسا جيدا للحل، وكوريا الجنوبية التي اعتبرته في ماي الماضي مبادرة جادة، وقد تكون مدفوعة بموجة العمق الأوروبية من بين 23 دولة في القارة العجوز.. وسلوفينيا التي اعتبرته أساسا جيدا للحل كما هو حال باناما التي سحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية وأعلنت دعمها للحكم الذاتي، 3 في وقت اكتفت غويانا التعاونية بسحب اعترافها بجمهورية تندوف ولم تعلن بصريح العبارة مساندتها للحكم الذاتي، وما زالت في طور الدفاع عن توافق دولي برعاية الأممالمتحدة.. ومثلها باكستان التي طال انتظار تحولها الذي أعلن عنه سفيرها في وقت سابق. أما الشقيقة الجزائر فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها لا تتردد في مد يدها إلى عنق المغرب بالسكين.. وكيفما كان الحل فقد ربحنا، كما كتبنا سابقا، المسافات في العقل الدولي وفي ذهنية الدول والأمم، بأن المقاربة المغربية هي الأرجح والأقرب إلى الواقع.. هي عندنا ترجمة للحق وهي عند الآخرين ترجمة للواقع .. والانتظار الذي يحرك المغاربة، هو شعورهم بأن صمودهم قد بدأ في إعطاء ثماره وأنهم قاوموا بكل ما تأتى لهم من أجل استرجاع أرضهم المغتصبة والحفاظ عليها.. وهم يدركون أننا في لحظة مفصلية: رابع لحظة مصيرية، بعد اللحظة الأولي، عند صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرار المسيرة، ثم لحظة القرار 690 ووقف إطلاق النار وتشكيل «المينورسو» في 1991، ثم في 2007 عندما وضع المغرب مقترح الحكم الذاتي لدى الأممالمتحدة، تقديرا منه أنه يضمن سيادته الترابية ويضمن مبدأ تقرير المصير الذي تحول إلى عقيدة أممية في ملفه ثم.. اللحظة الحالية، 31 أكتوبر 2025، ونحن نقفل نصف قرن من النزاع حول وحدتنا الترابية .. نصف قرن من الصمود والمواجهة .. بالعرق والدم والدموع!