من بين مقالات الرأي النادرة في الصحافة الغربية التي تقف إلى صف حركة حماس، مقالة الصحفي «سوماس مايلن» التي نشرها يوم أمس الثلاثاء بصحيفة «غارديان» البريطانية. والخلاصة التي يصل إليها الصحفي هي أن المحاولة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا لدفع حماس إلى الرضوخ تحت ضغط القوة الفائقة ، لن تؤدي في الواقع إلا إلى تقوية الحركة الإسلامية. قرار إسرائيل شن هجومها الكاسح على غزة يوم السبت شكل «ضربة معلم» ،إلى درجة أن صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الأكثر مبيعا في إسرائيل كتبت بزهو: «لقد زاد عنصر المفاجأة من عدد القتلى»، بينما قالت صحيفة «معاريف» اليومية: «لقد تركناهم تحت وطأة الصدمة والفزع».. حول وحشية الهجوم الذي تعرض له واحد من أكثر أركان الأرض كثافة، فليس هناك أي سؤال. ففي هذا الاكتساح الأكثر دموية منذ أن تم احتلال غزة قبل 41 عاما، لقي 310 على الأقل مصرعهم وأصيب ما يناهز الألف بجروح خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى فقط. فإلى جانب عدد كبير من ضباط الشرطة الذين قتلوا أثناء موكب استعراضي لهم، لقي 56 مدنيا على الأقل حتفهم بواسطة طائرات «إف 16» و«أباتشي» الأمريكية التي هاجمت عددا من الأهداف المدنية قيل إنها مرتبطة بحماس ، بما في ذلك أحد المساجد وبعض المنازل الخاصة والجامعة الإسلامية.... وكما كتب الصحفي الإسرائيلي «آموس هاريل» في جريدة «هاإرتز» في نهاية الأسبوع: «لم يتم الالتفات إلا قليلا للضرر الذي لحق بالمدنيين الأبرياء» وذلك على غرار ما وقع في العمليات العسكرية بالعراق. فمن ضمن أولئك الذين قُتلوا في الموجة الأولى من الغارات، هناك ثمانية تلاميذ كانوا ينتظرون الحافلة للعودة من المدرسة وهناك أربع فتيات من نفس العائلة في مخيم جباليا ولم يكن يتعدى سن أكبرهن 12 عاما. أي واحد يشك في تأثير هذه الفظاعات على العرب والمسلمين عبر العالم، ما عليه سوى أن يتتبع المحطات التلفزية التي يتابعها الناس بتعطش في الشرق الأوسط والتي -عكس نظيراتها الغربية- لا تنقي المشاهد الفظيعة والقاسية قبل عرضها. هكذا، وبعد أن نشاهد طفلا يموت بالمباشر في ذراعي والديه، لنتصور الرد الغربي على هذا الحدث لو أن هذا الهجوم تعرضت له إسرائيل أو الولاياتالمتحدة أو بريطانيا، وخلف 300 قتيل في يومين فقط. لاشك أنه كان سيلقى أكبر الإدانات، ولن يكتفي الرئيس الامريكي المنتخب ب«متابعة» التطورات كما أن رئيس الوزراء البريطاني لن يتوقف عند دعوة الطرفين إلى «التعقل». لكن الواقع أن هذا هو كل ما فعلاه، ولم نسمع أية إدانة أو استنكار للمجزرة الإسرائيلية. وفي المُقابل اعتُبِر فلسطينيو غزة وحماس مسؤولين عما وقع لهم، إذ كيف يمكن لأية حكومة أن لا ترد بكل قوة على الصواريخ التي تسقط داخل أرضها، وهذا ما تقوله إسرائيل وما يردد صداه الإعلام الرسمي الغربي. ولكن هذا معناه إيقاف الواقع على رأسه. فمثلها مثل الضفة الغربية، يوجد قطاع غزة تحت الاحتلال منذ 1967، وبالرغم من سحب القوات والمستوطنات من القطاع قبل ثلاث سنوات من الآن، فإن إسرائيل تحكم حصارها عليه بحرا وبرا و جوا. ومنذ فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية في 2006 قامت إسرائيل بمعاقبة مليون ونصف مليون غزاوي بحصار لا إنساني مدعوم، أمريكيا أوربيا.. ومثل أي شعب محتل، فإن للفلسطينيين حق مقاومة الاحتلال، سواء استعملوا هذا الحق أم لا. و لكن لا يوجد أي حق للدفاع عن الاحتلال اللامشروع. وطيلة السنوات السبع الماضية، لقي 14 إسرائيليا مصرعهم نتيجة لصواريخ محلية الصنع تم إطلاقها من قطاع غزة، بينما قتلت إسرائيل أكثر من 5000 فلسطيني بأسلحة أمريكية من بين الأكثر تقدما في العالم. وفيما لم يتم إطلاق أية قذيفة من الضفة الغربية، فإن 45 فلسطينيا قتلوا على يد إسرائيل خلال السنة الجارية وحدها. فالقضية ليست فقط هي الهوة الكبيرة بين القوتين، ولكنها تكمن في كون أحد الطرفين محتل لأرض غيره بينما الطرف الآخر يخضع للاحتلال. ينحو البعض باللائمة لكون حماس لم تجدد «التهدئة» مع إسرائيل.لكن الواقع أن إسرائيل قد خرقت هذه التهدئة باغتيالها ستة من مقاتلي حماس في غزة يوم 5 نونبر الماضي، وبرفضها رفع الحصار عن القطاع كما تم الاتفاق عليه بوساطة مصرية.والحقيقة أن إسرائيل قد بذلت الجهد السياسي والمالي من أجل إسقاط الخيار الفلسطيني الديمقراطي. وقد أدى الفشل الكامل لهذه المقاربة إلى ما يجري حاليا من فظاعات. فالزعماء الإسرائيليون يعتقدون أنهم بضربهم حماس يدفعونها إلى الخضوع، مما سيخلق «بيئة أمنية جديدة» تحد من جماهيريتها وذلك قبل مجىء أوباما إلى البيت الأبيض. ولكن، كما حصل مع الهجوم الإسرائيلي على لبنان قبل سنتين من الآن، أو مع محاصرتها لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1982، فإن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح. بل إن جماهيرية حماس لدى الفلسطينيين وغيرهم ستزداد ، ليس بسبب التعاطف مع بنيتها التحتية التي تحطمت ولا بسبب إيديولوجيتها الإسلامية، ولكن بفضل روح المقاومة ضد الظلم. وطالما ظلت حماس واقفة في وجه المجزرة، فإن نفوذها سيتقوى أكثر. وإذا لم تنتقم بالصواريخ، فإن الرد لدى حماس سيتخذ أشكالا أخرى، كما قال ذلك بوضوح زعيمها خالد مشعل هذا الأسبوع.