8 مدن مغربية في قلب تغييرات أمنية جديدة.. تعيين رئيس جديد للفرقة الجنائية بالناظور    المغرب التطواني يتأهل إلى نصف نهائي كأس العرش    نتائج الباكلوريا المرضية بجهة الشرق جاءت نتيجة عدة عوامل..    ترامب ينفتح على وساطة بوتين    الوداد يضم مدافعا برازيليا ويلتقي سفير المغرب بأمريكا    مقتل رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني    نجلاء موزي تمثل المغرب في بكين بعد فوزها بالنسخة ال24 لمسابقة "جسر اللغة الصينية"    أفعى تلدغ شابا بالحسيمة.. حالته خطيرة ونقل على عجل إلى فاس    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تطلق خرائط يومية لتحديد مناطق خطر حرائق الغابات    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    المغرب يحتفي بيوم إفريقيا في لاس بالماس على خلفية التعريف بالتراث    مسافرون يتفاجؤون بفرض 10 كلغ كحد أقصى لحقيبتين يدويتين بمطار العروي    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية وتساقط برد.. الأرصاد تحذر من طقس غير مستقر بعدد من أقاليم المملكة    "العدالة والتنمية" يدق ناقوس الخطر إزاء تفاقم المديونية ويحذر من اختلالات جديدة في إعادة تشكيل القطيع    انتخاب سعاد لبراهمة رئيسة جديدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. وهذه لائحة المكتب المركزي    عزيزة داودة يكتب: موريتانيا في مواجهة التحديات الأمنية والدبلوماسية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الساحل    هزيمة جمال بن صديق امام جزائري في نزال "كلوري 100"    حب الملوك بصفرو : 101 سنة من الاحتفاء بالكرز والتراث المغربي الأصيل    البوجدايني: الداخلة تكرس نفسها كوجهة سينمائية واعدة في القارة الإفريقية    "أرباب كريمات" ينادون بالتصدي لأعطاب قطاع سيارات الأجرة في المغرب    إيران تعلن اعتقال "عميلين للموساد"    المغاربة على موعد مع حر شديد .. والأرصاد الجوية تبسط الأسباب والتدابير    برادة يكشف نتائج "الكفاءة المهنية"    التعادل مع إنتر ميامي يحزن الأهلي    انطلاق كأس العالم للأندية في نسختها الجديدة مواجهة نارية تجمع الأهلي بانتر ميامي    مقتل 7 أشخاص بتحطم مروحية هندية في الهملايا    تسريب بيانات حساسة يفتح عين "دركي البورصة" على اختلالات خطيرة    بعد غيابه لقرن من الزمان.. كزناية تحتضن مهرجان التبوريدة    ريدوان وبيتبول يبدعان في أغنية مونديال الأندية    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    "أزطا أمازيغ" تطالب بترسيم فعلي للأمازيغية ووقف التمييز    روتردام .. إطلاق رصاص على منزل والشرطة تفتح تحقيقًا (صور)    المغرب وكأس إفريقيا: ما الذي ينقص المنتخب الوطني ليحسم اللقب القاري؟    فرينش مونتانا يشعل حفل افتتاح مونديال الأندية بأمريكا بإطلالة بقميص المنتخب المغربي بخريطة المغرب كاملة    الرئيس الصيني يعيد نسج خيوط طريق الحرير: دينامية صينية جديدة في قلب آسيا الوسطى    المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين لجهة الدار البيضاء سطات بالجديدة    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    الدار البيضاء.. توقيف شخص متورط في سرقة بالعنف باستخدام دراجة نارية    المغرب يعزز موقعه في سباق الطاقة النظيفة: اتفاقية استراتيجية مع شركة صينية لإنتاج مكوّنات بطاريات السيارات الكهربائية    ما الأنظمة الدفاعية التي تستخدمها إسرائيل في أي تصعيد؟    الصين تطلق قمرا صناعيا لرصد الكوارث الطبيعية    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما    الحجاج يواصلون رمي الجمرات في أيام التشريق، والسلطات تدعو المتعجّلين للبقاء في المخيمات    فريدة خينتي تطالب وزير الداخلية بإحداث سوق عصري نموذجي بجماعة بني أنصار    الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات    بنهاشم يثمن تحضيرات نادي الوداد    من حكيمي إلى بونو .. 31 أسداً مغربياً يشعلون ملاعب مونديال الأندية    16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"    الولايات المتحدة تُعد قائمة حظر سفر جديدة تشمل 36 دولة بينها ثلاث دول عربية    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقصى درجات التهميش في دوار القرية بسيدي بنور

يقف المرء مندهشا أمام تلك المناظر والمشاهد المؤلمة لساكنة دوار القرية، التي تعيش أوضاعا أقل ما يمكن القول عنها أنها مؤثرة لا تتوفر معها أدنى شروط العيش الكريم ، حيث زاد من تفاقمها الفقر والأمية بالإضافة إلى التهميش واللامبالاة التي عانت وتعاني منها الساكنة، مما فرض عليها واقعا سيئا تتجرع مرارته كل يوم بل كل ساعة.
يوجد دوار القرية الذي تعود أول نواة إنشائه إلى سنة 1925م غرب مدينة سيدي بنور، على بعد كيلومترين تقريبا، يضم أزيد من 30000 نسمة هي عبارة عن خليط من الأسر، ممن نزحوا من القرى المجاورة نتيجة عدة أسباب منها الفقر والجفاف، والبحث عن شغل بالقرب من المدينة ... لتعيش وسط بيوت قصديرية وأخرى بنيت بواسطة الطين، متناثرة هنا وهناك، تشكل تجمعا سكنيا يعيش أهله ظروفا مختلفة تماما عن تلك التي يعيشها الجوار. وقد تم إلحاق هذا الدوار بالمجال الحضري لمدينة سيدي بنور إثر التقسيم الجماعي الأخير، بعدما كان تابعا لتراب جماعة بوحمام سابقا. ومعلوم أن دوار القرية كان قبلة للعلماء والفقهاء، و معبرا قديما للقوافل التجارية، حيث لازالت هناك معالم تؤرخ لتلك الفترة الزمنية قائمة لحد الساعة، تشهد على ذلك، من بينها مجموعة من الأطلال وقطع الزليج والرخام، بالإضافة إلى ضريح سيدي بوسكاون وسيدي حرمة الله، مما يشير إلى أن المنطقة كانت نقطة استراتيجية للرواج التجاري ونشر العلم والسياسة.
جريدة الاتحاد الاشتراكي انتقلت لهذا الدوار قصد تسليط الضوء على بعض ما تعانيه ساكنته، حيث كانت الانطلاقة من أمام الثانوية التأهيلية الإمام الغزالي بسيدي بنور مرورا بالقرب من مؤسسة دار الطالب التي أصبحت جنباتها في وضع مقلق، حيث بدا التصدع واضحا على جدرانها، في إشارة واضحة إلى الحاجة لترميم مرافقها وصيانة واجهتها، مما تتعرض له من طرف منعدمي الضمير ممن لا هم لهم سوى التخريب، عند إطلالتنا على الدوار واجهنا بعض الصعاب في الولوج إليه نتيجة سوء الطريق المؤدية إليه، حيث رسمت عليها الحفر والتصدعات، وتآكلت جنباتها، صورة حقيقية عن مدى الإهمال والتهميش الذي يعاني منهما دوار القرية، حيث ذكرني مرافقي بالمثل القائل " من باب الدار تعرف الأخبار" فالطريق لم تعد تحمل من ذلك سوى الاسم، لذلك قررنا أن نترجل قاطعين بذلك مسافة لا بأس بها قبل أن نعبر القنطرة، لنصل بعدها إلى السقاية المتواجدة بمدخل الدوار، هناك وجدنا مجموعة من النساء والفتيات والأطفال، وحتى بعض الرجال في صف انتظار، قصد ملء «البيدونات» المصففة بالماء الشروب، اقتربنا منهم، وسألنا بعضهم عن ظروف معيشتهم، وما يعانونه من مشاكل، فتكلمت سيدة لتقول:" ها أنت تشوف الحالة للِّي حنا فيها ، فالدوار ما فيه غير سقاية واحدة، الزحام عليها طول النهار، حتى نص الليل، عايشين مكرفسين، البرد فينا والحر فينا، ولا من إشوف لحالنا، وحتى للِّي صوتنا عليه غاب علينا من نهار نجح، الحاصول: القهرة حنا فيها" بينما كنا نتحدث، وبعد أن اطمأن إلينا أفادنا، رجل يبلغ من العمر حوالي 62 سنة، بكون ساكنة الدوار قامت بعدة وقفات، ومسيرة احتجاجية، بشأن انعدام الماء الصالح للشرب، كانت آخرها تلك التي انطلقت في اتجاه مقر الدائرة بسيدي بنور صباح يوم الاثنين 17 نونبر من السنة المنصرمة، شارك فيها مجموعة من ساكنة الدوار.
شيء محزن فعلا أن نرى اليوم بيننا ساكنة تعيش ظروفا قاسية، تعاني معها الجوع والبطالة، فمعظم ساكنة دوار القرية تشتغل في حرف مختلفة كالبناء ونقل البضائع بواسطة العربات المجرورة أو المدفوعة، بينما توجد فئة عريضة بينهم لا شغل لها، وآخرون يشتغلون كمياومين، ومنهم من يقف بالموقف لعدة أيام دون أن يجد عملا، مما جعل حالة الفقر تطغى عليهم، ليزداد على ذلك الإهمال واللامبالاة من طرف الجهات المسؤولة التي بادرت لإرسال عدة لجان في إطار إعادة تهيئة دوار القرية وجعله ينسلخ من تلك المناظر المقززة. غير أن حال الدوار لازال كما كان عليه، ولا شيء تغير، أو غير من الواقع المر لهؤلاء الذين يعيشون في براريك قصديرية أو طينية، وقليل من يستعمل الياجور، محرومين من الكهرباء والماء الصالح للشرب ومجاري الصرف الصحي.
السيد عزوز، يقول في هذا الصدد " قليل من الساكنة من قاموا بإحداث حفر مغطاة داخل منازلهم قصد قضاء الحاجة، بينما هناك عدد كبير من ينتظر قدوم الليل قصد قضاء حاجته في العراء، خصوصا في صفوف النساء ..." ويضيف بصوت يعبر عن مدى إحساسه بالتهميش والإهمال الذي طال الدوار " هذه ليست عيشة»! معاناة النساء في هذا الجانب، وخصوصا في أيام البرد والمطر كثيرة، قد يصبن معها بأمراض مختلفة لا يشعرن بها إلا بعد فوات الأوان، بالإضافة إلى ما يواجهنه من خوف وفزع نتيجة الظلام الدامس، و خطورة المكان، دون الخوض في الأمراض الممكن التقاطها بسبب النفايات والروائح الكريهة المنبعثة من الجيفة وفضلات الحيوانات، وانتشار الكلاب والقطط الضالة، والفئران، وتناسل الحشرات السامة والمضرة، كالعقارب والبعوض ... كما ترتفع درجة الروائح الكريهة، لتصبح مصدر قلق وإزعاج للجميع بالليل، كما هو الحال بالنهار، ناهيك عما تسببه لهم من أضرار صحية على مستوى العيون والجلد والجهاز التنفسي...
وسط هذا الدوار، شاهدنا أطفالا صغارا يلعبون فوق المزابل وآخرين يصنعون العجين بواسطة الطين المبلل بمياه وسخة، مما يبرز غياب الوعي وتفشي الأمية بين الساكنة، في ظل غياب أنشطة اجتماعية تساهم في الحد من هذه الآفة. " لقد طال الإهمال بالفعل ساكنة هذا الدوار" يؤكد لي مرافقي ، لتستمر مع تلك الأوضاع، معاناة ساكنته مع الأزبال التي ملأت وتملأ الممرات، طيلة السنة، أزمة في الصيف و أخرى في الشتاء، تلك حالتهم على مدار السنة، ففي الصيف ترتفع درجة الحرارة لتصبح المساكن القصديرية كالأفران، لا يستطيعون المكوث بداخلها، أما في الشتاء فالمصيبة أكبر، حيث يتحول الدوار، كما هو حاله اليوم إلى برك مائية ذات قطر كبير، مما يجعل الوحل يتكاثر في ألوان مختلفة نتيجة اختلاط وانصهار العديد من المواد فيما بينها، تختلط التربة بالفضلات والأزبال وغائط الإنسان وروث الحيوان ... كما تتكون جداول جارية تختلط فيها مياه الأمطار بالأزبال، حاملة عصارة القاذورات المختمرة التي كثيرا ما داهمت المساكن، خصوصا تلك المتواجدة في المنحدر والقريبة من الوادي الذي تقذف فيه المياه العادمة لمدينة سيدي بنور، مما يجعل الفضاء تطغى عليه رائحة يصعب معها التنفس، كما تصبح الممرات والمسالك شبه منعدمة تماما، مما خلق ويخلق ارتباكا في التحرك والتنقل لدى الكبار قبل الصغار، الذين ورغم تلك الظروف فالبعض منهم يحملون محافظهم على ظهورهم متوجهين إلى المدرس، وبعضهم يركضون ويتسابقون، وآخرون يداعبون القطط والكلاب، وفي جانب آخر، تلهو طفلة وسط الأزبال لوحدها، دون أن يهتم بها أحد أو يحاول منعها من اللعب وسط تلك المخاطر، نظرا لتراكم الازبال وانتشارها على طول عشرات الأمتار، حيث ملأت جانبا كبيرا من فضاء هذا الدوار لدرجة أنه لا مفر لك من خرق هذه الأكوام من الأزبال للانتقال من مكان إلى آخر، وهذا إن دل عن شيء فإنما يدل على كون الأسر تعيش ظروفا قاسية مجردة من أبسط الحقوق في العيش وسط بيئة نظيفة، وتزويد منازلهم بالماء الصالح للشرب والكهرباء، حتى لا يبقى الارتباك في إيقاعات حياتهم المعيشية مستمرا، والتعايش مع الأزبال وحلكة الظلام وعذاب البحث عن الماء الصالح للشرب ونقله وما ينتج عن ذلك من صعاب تؤرق حياتهم قائمة. "راحنا مكرفسين أُ بزاف، إنكم ترون المرأة تحمل مولودها على ظهرها و آخر تجره وراءها وهي تدفع بالعربة وعليها أربعة بيدونات من سعة 50 لترا للواحد مملوءة بالماء لتقطع بها مسافة طويلة وسط الأوحال والحفر حتى تصل منزلها، فأي عيشة هذه؟ لاحنا في راحة ولا عيالاتنا ولا أولادنا ..؟." يعبر أحد الأشخاص للجريدة بصوت كله مرارة واضحة، والكلمات تختنق في حلقه وهو يشير إلى عدة أماكن ومشاهد في إشارة منه إلى مدى إحساسه بالتهميش والإهمال الذي طال الدوار والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها يوميا. يسود الاعتقاد وسط ساكنة دوار القرية بأن مشاكل الماء والكهرباء والنظافة التي يعانون منها سيتم القضاء عليها بعدما أصبح الدوار تابعا للمجال الحضري لمدينة سيدي بنور، دون أن يخفوا تخوفهم من استغلال الوضع في الانتخابات الجماعية المقبلة، كون ساكنة دوار القرية تعد الورقة الرابحة في أيدي سماسرة الانتخابات ولوبيات الفساد، ممن يمارسون الضغط على السكان ليصوتوا لجهة معينة دون سواها: " عند اقتراب الانتخابات نكون محظوظين بزيارات متعددة من طرف قياديين ومسؤولين يتجولون بين الأزقة ويستمعون إلينا بكل إمعان، ويعدوننا بأن كل المشاكل ستحل وأن هناك دراسة لأجل تخصيص ميزانية لهذا الدوار، غير أن الزمان كشف العكس، وسوف نرى ما هي الأسطوانة الجديدة التي سيواجهوننا بها هذه المرة، بعد أن أصبح الدوار تابعا للمجال الحضري لمدينة سيدي بنور؟ " يشرح سعيد، الساكن بالدوار متحسرا، والشيب قد غزا شعر رأسه، في هذه اللحظة يلفت انتباهي ومرافقي صوت سيدة وهي تنادي عن طفلها الذي لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات، حيث كان يتبعها وهو يجر قدميه الصغيرتين وسط الأوحال، يركض ثم ينزلق على ركبتيه، ينظر الطفل إلى أمه وهو يبتسم، ثم يتكئ على يديه ليقف على رجليه من جديد و يتابع لعبه، اتجهت نحوه لتمسكه غير أنه رفض معلنا عصيانه لها واستمراره في الركض وسط الأوحال، هذا هو حال ساكنة دوار القرية اليوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.