في ردّ فعل لم يخرج عن المألوف، أعربت الجزائر عن أسفها لموقف المملكة المتحدة التي اعتبرت مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007، أساسًا جديًا وواقعيًا لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية. هذا الأسف الجزائري، الذي بات يتكرر مع كل مكسب دبلوماسي يحققه المغرب، يعيد إلى الواجهة التناقض الكبير بين ما تدّعيه الجزائر من حياد، وما تمارسه فعليًا من انخراط مباشر في ملف الصحراء المغربية. هذا التناقض المتكرر يعيد إلى الواجهة سؤالًا منطقيًا وبسيطًا : إذا لم تكن الجزائر طرفًا، فلماذا تتصرف كأنها كذلك؟ ولماذا تسارع للاحتجاج على كل تطور دبلوماسي لصالح المغرب في هذا الملف؟ ولماذا تدخل في صراعات دبلوماسية مفتوحة مع دولٍ سيادية اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه، كما حصل مع إسبانيا وألمانيا وحتى مع دول إفريقية ولاتينية؟ حياد مُعلن .. وتورط فعلي الجزائر تدّعي منذ عقود أنها مجرد بلد جار وليست طرفا، غير أن الواقع يناقض هذا الخطاب. فهي الممول الأول والمضيف الرسمي لجبهة "البوليساريو" فوق أراضيها، بما في ذلك قياداتها ومخيماتها ومؤتمراتها، والمحرك السياسي والدبلوماسي للملف في المحافل الدولية، من خلال لوبيات ومذكرات رسمية وبيانات صادرة عن وزارة خارجيتها، ولطرف المعرقل لأي حل واقعي أو تفاوضي، عبر رفضها المشاركة في المسلسل السياسي الذي ترعاه الأممالمتحدة إلا بصفة مراقب، رغم أن قرارات مجلس الأمن تُشير بوضوح إلى دورها الأساسي في النزاع. معايير مزدوجة في التعامل مع المنتظم الدولي حينما اعترفت الولاياتالمتحدة، سنة 2020، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، اختارت الجزائر الصمت المطبق، وامتنعت عن مهاجمة القرار الأميركي أو الدخول في أزمة دبلوماسية مع واشنطن، إدراكًا منها لميزان القوة واختلاف المعايير. لكنها بالمقابل، لم تتردد في استدعاء سفرائها وتجميد علاقاتها مع دول أوروبية، بل والدخول في حملات إعلامية عدائية، بسبب مواقف مماثلة أقل وزنًا من قرار واشنطن. هذا السلوك يُظهر أن الجزائر لا تعترض على المواقف في حد ذاتها، بل على هوية من تصدر عنه، فهي تهاجم الدول متى اعتقدت أن بإمكانها التأثير عليها أو الضغط عليها، بينما تلوذ بالصمت أمام قوى كبرى لا تستطيع تحديها. احتجاج دائم على نجاحات المغرب المفارقة الكبرى تكمن في أن الجزائر تدّعي "أنها ليست طرفا"، لكنها لا تُفوّت أي فرصة للاحتجاج كلما حقق المغرب تقدمًا دبلوماسيًا في ملف وحدته الترابية. هذا السلوك الانفعالي المتكرر يطرح تساؤلات جوهرية: هل من الطبيعي أن "يتأسف" بلد غير معني مباشرة بنزاع إقليمي على موقف سيادي لدولة أخرى؟ ولماذا ينزعج النظام الجزائري من الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء إن لم يكن يرى في هذه القضية ملفًا استراتيجيًا داخليًا؟ التناقض الذي يفضح الموقف إن المواقف الجزائرية المتضاربة، بين ادعاء الحياد والسلوك العدائي النشط، تؤكد أن الجزائر ليست فقط طرفًا في النزاع، بل إنها الطرف الأكثر تورطًا في تغذيته وإطالته. فالدبلوماسية الجزائرية لا تتحرك بحيادية، بل تعمل جاهدة على عرقلة أي حل لا يتماشى مع أجندتها الإقليمية. وإذ يمضي المغرب، بثقة، في ترسيخ شرعية سيادته على صحرائه عبر الآليات الأممية والمبادرات الواقعية، تبقى الجزائر أسيرة موقف متصلب تجاوزه الزمن، وتناقضات صارخة لا يمكنها الاستمرار في إخفائها خلف شعارات "الحياد" أو "الدعم الإنساني".