بمجرد ما تطأ قدماك سوق بني إدرار، الذي يبعد عن مدينة وجدة بحوالي 20 كيلومترا، لا ترى سوى قارورات زيت المائدة المهرب من الحدود الجزائرية، عرضت على قارعة الطريق دون احترام معايير الصحة والسلامة. رغم غلاء ثمن قارورة زيت المائدة من حجم 1 لتر، التي تتراوح ما بين 55 و 60 درهم ، إلا أن هناك إقبالا كبيرا على هذه المادة من طرف الزبناء. تقول عائشة، 60 سنة، "منذ سنين وأنا أقتني زيت المائدة المهربة والحمد لله لم يتعرض أي فرد من عائلتي لأي حالة تسمم"، الشيء ذاته أكدته رقية ربة بيت. وأكدت الزبونتان المذكورتان أن الزيت المهربة تتميز بجودة عالية تفوق جودة زيت المائدة من صنع مغربي". حديث هؤلاء النساء أجج غضب عبد السلام مواطن ستيني يتحدر من مدينة فاس، وقال " أن زيت المائدة المغربي أحسن بكثير من زيت يجهل مصدره". وأردف قائلا "أين هي الجهات المختصة التي تسمح بعرض مثل هذه المنتوجات المجهولة المصدر والمنتهية الصلاحية". وتساءل عبد السلام أيضا "استمرار دخول مثل هذه المواد يشكل خطرا على صحة المواطنين بالجهة الشرقية". زيوت من مختلف الأحجام عرضت لدى محلات تجارية داخل سوق بني إدرار، وتجار ينادون الزبناء بصوت مرتفع مرددين عبارات من قبيل "الجودة والراخا"، "زيت لي عجين مختلف أنواع الحلويات والخبز والمسمن..."، بمجرد ما يعلو صوت التجار حتى تتهافت النساء على اقتناء تلك المادة. وفي هذا السياق قال الدكتور بوعزة كراطي، عضو الجمعية المغربية لحماية المستهلك ل "المغربية"، إن تلك الزيوت المهربة تكون مجهولة المصدر وتركيبتها غير معروفة وتشكل خطرا على صحة المواطنين. ووصف كراطي المواد المهربة من الجزائر بغول ينخر الاقتصاد المغربي وتنتشر في باقي الأسواق المغربية، مشيرا إلى أن الزيوت المهربة وصلت إلى مدينة قلعة السراغنة. وعن تدخل حماية المستهلك لمكافحة الزيوت المهربة، قال إن جمعية حماية المستهلك تساهم إلى جانب المكتب الوطني للسلامة الصحية بعملية مراقبة تلك المواد داخل الأسواق وإنجاز تقارير في الموضوع وعرضها على الجهات المختصة من أجل التدخل لحجزها وإتلافها. وأضاف عضو الجمعية المغربية لحماية المستهلك أن أول شيء تقوم به الجمعية عند معاينة المواد المهربة الاتصال هاتفيا بالمكتب الوطني للسلامة الصحية، التي مهمتها تتجلى في حماية الصحة والسلامة للمواطنين. صيادلة متنقلون "واش خاصك شي دواء"، و" كلشي موجود"، " أش من نوع بغيتي"، هذه أول الكلمات التي يمكنك أن تسمعها وأنت تلج سوق الفلاح بوجدة. شباب وقاصرون يستقطبون زبناءهم عند مدخل السوق ويرددون عبارات من قبيل " لا تخافي الدواء موجود"، "ياله معايا راه ما كيانش هنا"، طريقة حديث هؤلاء الباعة الملقبين بالصيادلة المتنقلين، جعلت "المغربية" تريد كشف أغوار هذا العالم الغريب. رافقنا صيدلي متنقل إلى أحد المنازل القريبة من السوق، وطلبنا منا الصعود، لكن شكل المنزل كان مرعبا وسلمنا ثلاث علب "دولبران" بمبلغ 10 دراهم. وتبين ل "المغربية" أن الأدوية مخزنة في منازل هؤلاء الباعة أو بأحد المحلات التجارية وفي الوقت الذي يرغب الزبون في اقتناء بعض الأدوية المهربة يرافقه البائع إلى مكان الدواء، وبعد تسلم المبلغ المالي يمنحه الدواء في كيس بلاستيكي حتى لا يلفت النظر. وبعد سوق الفلاح، كانت الوجهة إلى سوق "بني ادرار" الذي تنشط فيه أيضا ظاهرة بيع الأدوية المهربة بشكل غريب وأمام الملأ، إذ قبل أن تلج السوق يلفت نظر شباب يردون عبارات من قبيل "الدواء الممتاز موجود هنا" خوذ دوليبران حارب آلام الرأس". والغريب في الأمر أن أغلب الزبناء الذين التقتهم "المغربية" بسوق "بني إدرار"، أكدوا أن تلك الأدوية لها مفعول جيد، وثمنها في متناول الجميع مقارنة مع الأدوية التي تباع في الصيدليات المحلية. ليس زبناء بائعي الأدوية من الفئات العادية، بل وجدنا أساتذة جامعيين وموظفين يفضلون اقتناء تلك الأدوية، ومردهم في ذلك أن ثمنها بخس مقارنة مع الأدوية التي تباع في الصيدليات. تقول شامة (30) سنة " لم أفكر يوما في اقتناء الدواء من الصيدلية، بل اعتدت على شراء الأدوية لجميع أفراد عائلتي من السوق لأن ثمنها في متناول إمكانياتي المادية. أما علي العطار فقال "أنا لست الوحيد الذي يقتني الأدوية المهربة من الجزائر، بل أغلب الوجديين يقصدون باعة الأدوية المهربة لأن ثمنها منخفض مقارنة مع أثمنة الصيدليات. ومن جهته، أكد منتخب جماعي تجار الأدوية المهربة تأتي من الجارة الجزائر، عن طريق تجار متخصصين في جلب تلك الأدوية إما من دولة الجزائر أو الحدود المغربية الجزائرية، في حينأفاد مرافقه أن بعض الأدوية تدخل الجهة الشرقية عن طريق بعض أفراد الجالية المغربية الذين يجلبونها لأفراد عائلاتهم، لكن يفاجأون بغالب الأحيان أنها تباع في الأسواق . ويعتبر أغلب بائعي الأدوية المهربة أن هذه الأخيرة مصدرا للرزق يجنون من ورائها أرباحا طائلة تتراوح ما بين 500 و 600 درهم في اليوم. ووصف طبيب بالمستشفى الإقليمي بالحسيمة أن الأدوية المهربة تهدد صحة وحياة المواطنين، لأنها غير خاضعة لشروط السلامة والصحة الضرورية خلال عملية إدخالها إلى مدينة وجدة. وأضاف الطبيب أن تلك الأدوية لا تخزن في مبردات "ثلاجات" متنقلة خاصة بالأدوية من أجل حمايتها من الرطوبة وأشعة الشمس. وحسب إحصاء سابق لغرفة التجارة والصناعة بوجدة، في تقرير لها، فإن أكثر من 79 اسما لأدوية مهربة تروج بالمدينة وتشمل جميع الأمراض المعروفة. ورغم أن الصيادلة ضد عملية بيع الأدوية المهربة في الأسواق، إلا أن الباعة يفضلون هذه المهنة، بدعوى أن امتهانهم لبيع الأدوية بشكل عشوائي يخفف من نسبة البطالة، وأفادت مصادر بأن هؤلاء الشباب هم سماسرة يستقطبون الزبناء ويتمتعون بخبرة عالية في مجال التسويق. انخفاض أثمنة المواد المهربة مادة الأنسولين تباع بثمن يتراوح ما بين 60 و 70 درهما، فيما الأدوية الخاصة بأمراض السرطان والأمراض المزمنة فهي تباع في الصيدليات ما بين 400 و600 درهم، بينما تباع في الأسواق بمبلغ 150 درهما. إذا كان الدواء ثمنه 200 درهم فإن يباع في سوق الفلاح وبني إدرار ب 100 درهم، وبالتالي فإن المريض سيفضل اقتناءه من السوق بدل الصيدلية ليوفر مبلغ 100 درهم على حساب صحته، حسب تصريح طبيب؟. صرح الدكتور عبد العزيز عيشان، أخصائي في أمراض الحساسية بمستشفى 20 غشت، ل "المغربية"، أن الأدوية المهربة من الجارة الجزائر تشكل خطورة على صحة الإنسان، لأننا لا نعرف الحالة التقنية لتلك الأدوية هل هي منتهية الصلاحية أم لا. وطالب عيشان المواطنين باقتناء الأدوية الجنيسة من الصيدليات التي تصنع في مختبرات مغربية، علما، إن أثمنة المواد الجنيسة تساوي أثمنة الأدوية المهربة من الجزائر. وحذر الأخصائي في أمراض الحساسية المواطنين من خطورة المواد المهربة، بدعوى أن الظروف التي تنقل فيها تلك الأدوية غير صحية، خاصة الأدوية المتعلقة بأمراض الجهاز التنفسي، التي يتطلب نقلها درجة حرارة معينة، وعدم الالتزام بها يؤثر سلبيا على صحة هذه الأدوية. وقدم عيشان نصائح لمستعملي الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة مثل الربو وارتفاع الضغط الدموي، لأن المواد المهربة يمكنها أن تحدث مضاعفات لهؤلاء المرضى.