موانئ الواجهة المتوسطية : انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري ب 16 في المائة خلال الفصل الأول من العام الجاري    تعبئة متواصلة لضمان مرور عيد الأضحى في ظروف مثلى بمدن الشمال    معبر سبتة… إحباط محاولة تهريب 14.8 كيلوغرام من مخدر الشيرا    عدد الوجبات المقدمة إلى الحجاج هذا الموسم يبلغ 32 مليون وجبة    الدرهم يرتفع بنسبة 0.55 % أمام اليورو    المغرب يؤكد مجددا عزمه على النهوض بمستقبل رقمي شامل ومنفتح وآمن للجميع بإفريقيا    "الكراهية والحقد" يخرجان عدنان موحجة عن صمته    صديقي يترأس أشغال المجلس الإداري للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لملوية برسم سنة 2024    توقيت صلاة عيد الأضحى بمختلف مدن المملكة    غلاء أسعار الأضاحي بالمغرب يسائل إجراءات وزارة الفلاحة ومراقبة الأسواق    استقالة مدرب المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة    خطبتا عرفة والعيد في مكة خلت من الإشارة إلى غزة.. السديس والمعيقلي يدعوان الحجاج إلى الابتعاد عن الشعارات السياسية (فيديو)    تراجعات طفيفة في أسعار بيع المحروقات عشية عيد الأضحى بالمغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. بايرن ميونيخ يمدد عقد لاعبه بافلوفيتش حتى 2029    الأردن: وفاة 14 حاجا وفقدان 17 آخرين    الحجاج يؤدون "طواف الإفاضة" في أول أيام عيد الأضحى المبارك    الأردن تعلن "عموتة" أسطورة المدربين في تاريخ النشاما    "مكتب الكهرباء والماء" يدعو لاستعمال معقلن للمياه خلال عيد الاضحى    ميناء الحسيمة يستقبل أول باخرة في إطار عملية "مرحبا 2024"    عيد الأضحى بغزة .. صلوات فوق الدمار وسط غياب لأجواء الفرحة ونحر الأضاحي    نقابة تتهم مديرة مستشفى بني ملال ب"حرمان" أطباء من الإجازة السنوية    ميناء الداخلة والمبادرة الأطلسية    صعقة كهربائية تنهي حياة شاب بتاوريرت    سابقة.. الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند يترشح للانتخابات التشريعية    زهير البهاوي يرد على تصريحات إيهاب أمير    "مكاتب متنقلة" لرؤساء جماعات تغضب الداخلية .. ضيعات تتحول إلى مقرات عمل    درجات الحرارة المُرتقبة يوم عيد الأضحى بهذه المناطق من المغرب    "فيفا" يعلن عن الموعد الرسمي لكأس العالم للأندية 2025 في نسخته الجديدة    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟        المغرب يغيب عن مؤتمرين لدعم أوكرانيا ضد روسيا ويواصل دبلوماسية الحياد    الرصاص يلعلع بالفنيدق بتوقيف شخص عرض حياة المواطنين للخطر    إدريس لشكر كابوس يزعج بنكيران وتابعيه في الحلم واليقظة    الوداد البيضاوي يستنكر قرار استبعاده من كأس الكونفدرالية الإفريقية    في عيد الأضحى.. تحضير التوابل المتنوعة تقليد عريق لدى المغاربة    في خطبة العيد.. السديس يدعو للفلسطينيين من الحرم المكي    تقرير: المغرب ليس ضمن أسوأ بلدان العمالة لكنه يشهد انتهاكات مُنتظمة للحقوق الأساسية للعمّال    عطلة عيد الأضحى تملأ مؤسسات فندقية بمراكش بنسبة 100 في المائة    الحزب المغربي الحر يندد بسياسة الحكومة ويحملها مسؤولية ترك المواطنين عرضة لعصابات السمسرة في الأضاحي    مرض "الإنهاك الرقمي" .. مشاكل صحية تستنزف الذهن والعاطفة    منظمة الصحة العالمية تشخص أعراض التسمم بالكافيين    تطبيق "واتسآب" يضيف خصائص جديدة إلى خدمة مكالمة الفيديو    الحجاج يتوافدون على مشعر منى لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي في أول أيام عيد الأضحى    الحجاج يرمون "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    لندن.. خبراء بريطانيون يشيدون بجهود المغرب لحل النزاع حول الصحراء    الجيش الإسرائيلي يعلن "هدنة تكتيكية" في جنوب قطاع غزة    3 أندية تتنافس للظفر بخدمات وليد شديرة    سعد لمجرد وحاتم عمور يثيران حماس جمهورهما ب"محبوبي"    قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج    مَهزَلة محمد زيان.. يَستجدي التضامن من المُتمرنين والمُبتدئين    الأكاديمي شحلان يبعث رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة .. "ما هكذا تؤكل الكتف"    عودة فريق الدفاع الحسني الجديدي للدوري المغربي الاحترافي الأول لكرة القدم : تألق وإصرار يجسدان العزيمة والإرادة    أطروحة بالإنجليزية تناقش موضوع الترجمة    أزيد من مليون و833 ألف حاجا وحاجة ضيوف الرحمن هذا العام    "الجسر الثقافي بين المغرب وإيطاليا"، معرض للصور الفوتوغرافية يحتفي بالخصائص الثقافية بين البلدين    خضع لحصص كيميائية.. تفاصيل جديدة حول وضع الفنان الزعري بعد إصابته بالسرطان    حفلٌ مغربي أردني في أكاديمية المملكة يتوّج دورات تدريبية ل"دار العود"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعب المصري يصنع التاريخ
نشر في المساء يوم 03 - 02 - 2011

الشعوب العربية، ومن ضمنها الشعب المصري العظيم، تنتظر حدوث أمرين أساسيين: الأول هو رحيل الرئيس المصري حسني مبارك لكي ينضم إلى نادي الزعماء المخلوعين، والثاني هو أين ستنفجر الثورة الثانية ومتى، ومن الذي سيلحق به من الزعماء العرب؟
مستقبل الشرق الأوسط برمته سيتقرر في القاهرة، والنظام العربي الجديد قد يتبلور وينهض من ميدان التحرير، لينتشر في مختلف العواصم العربية، المعتدلة منها أو الممانعة، أو في دول تحاول مسك العصا من الوسط بوقوفها بين المعسكرين إيثارا لسلامة وهمية.
إسرائيل تقوم حاليا بنشاط مكثف لحث الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية بالذات، على إنقاذ نظام الرئيس مبارك وتثبيته في الحكم من خلال الكف عن توجيه الانتقادات إليه أو التركيز على فساده وديكتاتوريته وقمعه، مثلما يقوم مستشارون أمنيون إسرائيليون في الوقت نفسه بالاتصال باللواء عمر سليمان، نائب الرئيس المعين، لبحث قضايا أمنية، ربما يكون من بينها تقديم النصائح حول كيفية قمع المتظاهرين وإحباط الثورة الشعبية المباركة.
توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق والشريك الأساسي في قرار غزو العراق واحتلاله وقتل مئات الآلاف من أبنائه وتمزيق وحدته وزرع الفتنة في صفوفه، لم يخف مطلقا صداقته لإسرائيل، ولذلك لم يكن غريبا أو مفاجئا بالنسبة إلينا أن نراه يهرع لتبني التوجهات الإسرائيلية بسرعة فائقة وينزل إلى الميدان الإعلامي مادحا بطريقة غير مباشرة نظام الرئيس حسني مبارك، متغنيا باعتداله، وقول ما معناه إنه ليس صدام حسين، ومطالبا بتغيير منضبط ومسيطر عليه في مصر، بحيث لا تتطور الأمور -حسب زعمه- إلى فوضى تؤدي إلى إيجاد فراغ حكم يملؤه الإسلاميون المتطرفون.
بلير، هذا الذي قدم «استشارات» إلى حكومة نتنياهو حول كيفية مواجهة محاولات نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل، استخدم القوة العسكرية المتوحشة لتغيير أنظمة ديكتاتورية في العراق وأفغانستان، وهو الآن يريد «ترقيع» نظام ديكتاتوري في مصر والحفاظ على استمراريته لأن هذا النظام هو الأكثر خدمة لإسرائيل، وحفاظا على أمنها، وتلبية لجميع إملاءاتها، ودعما لحروبها ضد العرب والمسلمين.
الزمن الذي كانت تقرر فيه إسرائيل وأمريكا شكل الأنظمة العربية ورسم سياساتها ووضع أجندات عملها، هذا الزمن قد ولى في اللحظة التي استشهد فيها محمد البوعزيزي بحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد التونسية، لأن القاع العربي بدأ يتحرك ويثور على الطغيان والهوان، واضعا بتحركه حجر الأساس لمرحلة جديدة تعيد إليه كرامته وريادته وتقرير مصيره بنفسه والانتصار لقضاياه الوطنية.
ما لم تدركه أمريكا، التي تملك مئات معاهد الأبحاث والدراسات و«الخبراء» في شؤون الشرق الأوسط، هو الهوة الواسعة بين الحاكم والمحكومين في منطقة هيمنت عليها لأكثر من ثلاثين عاما، فبينما يبلغ متوسط أعمار معظم الحكام العرب حوالي السبعين عاما، يمثل الشباب تحت سن الخامسة والعشرين أكثر من نصف الشعوب العربية. فكيف يمكن أن يتفهم طاغية في الثمانين من عمره، محاطا برهط من الأطباء ويعاني من السرطان، مطالبَ هؤلاء الشباب واحتياجاتهم الأساسية؟
القيادة المصرية، مثل كل القيادات العربية الأخرى، انعزلت عن شعبها وشكلت لنفسها ولعصابة رجال الأعمال الملتفة حولها دولة داخل الدولة، وظلت تعيش في عليائها في ظل حالة من الغرور والاحتقار لأبناء الشعب، اعتقادا منها أن هذا الشعب سيقبل بهذا الوضع بقوة القمع، ولن يحرك ساكنا.
أُصبت بصدمة كبرى عندما سمعتُ سيدة من طبقة الفساد، التقيتها صدفة، تقول، وعلى مسمع من كثيرين، إنها ترفض التعامل بالجنيه المصري وتفضل الدولار وبطاقات الائتمان الصادرة عن بنوك أجنبية. وعندما سألتها عن السبب، قالت والتقزز مرسوم على وجهها، لأنه -أي الجنيه المصري- «وسخ» ويتداوله أناس «قذرون» و«غير صحي».
نحن لا نعمم هنا، ونعتقد أن هذه السيدة ربما تكون حالة فردية، ولكنها تمثل مجموعة متنفذة، لا تمثل إلا أقل من نصف في المائة من الشعب المصري، ولكنها حفنة مؤثرة تتحكم في مقادير البلاد وتوظف النظام وأدواته في خدمة مصالحها في السلب والنهب وإذكاء نيران جشعها بامتصاص دماء الفقراء والكادحين.
لا نعرف لماذا انسحبت قوات الأمن من الشوارع طوال اليومين الماضيين، ولا نعرف لماذا عادت بالأمس (يقصد الاثنين)، هل هي تعليمات وزير داخلية الربع ساعة الأخير بسحق الاحتجاجات السلمية وارتكاب مجازر جديدة؟ لا نستبعد مثل هذا الاحتمال لأن النظام يتصرف مثل النمر الجريح الذي يعلم بأن نهايته قد اقتربت، فيضرب في كل الاتجاهات، قبل لحظة السقوط المزرية.
الولوغ في دم الثائرين لن يطيل من عمر النظام بل سيعجل برحيله، ولكن ما يجعلنا نشعر بالقلق هو ما نراه من بداية تغيير في المواقف الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، بفعل التدخل الإسرائيلي الذي تصاعد بالأمس (يقصد الاثنين) مركزا على تحذير الحكومات الغربية من خطورة الاستمرار في انتقاداتها للنظام المصري وديكتاتوريته وفساده، وهي الانتقادات التي تبرر الضغوط الشعبية عليه وتعجل في سقوطه، وهو السقوط الذي سيؤدي إلى تهديد الوجود الإسرائيلي وانهيار ما تبقى من عملية السلام وقلب الأوضاع رأسا على عقب في الأراضي العربية المحتلة. فمن الملاحظ أن التغطية الإعلامية للثورة الشعبية المصرية في بعض المؤسسات الصحافية والتلفزيونية بدأت تنحو منحى آخر، من خلال التركيز على الفوضى وعدم الاستقرار ومخاطر سقوط النظام على ارتفاع أسعار النفط والحرب على الارهاب، والاقتصاد العالمي بوجه عام. لقد أثبت الجيش المصري، بانحيازه إلى الثورة، أنه مازال مؤسسة وطنية كما كان دائما، وأنه جزء من الشعب المصري البطل.
إن البيان الذي ألقاه المتحدث باسم وزارة الدفاع، وأعلن فيه أن الجيش يقر بالمطالب الشرعية للمتظاهرين وبحق التظاهر السلمي، يعد انقلابا صامتا على الرئيس مبارك وإشارة واضحة إلى أنه لم يعد يتمتع بأي شرعية.
الجيش المصري، المعروف بتاريخه الوطني الحافل وتضحياته اللامحدودة في الدفاع عن قضايا الأمة والعقيدة، أخذ زمام المبادرة ووقف في خندق الشعب الذي ينتمي إليه ويعتبر مصدر كل السلطات في مواجهة خندق الفساد والتفريط والارتهان للمشروعين الأمريكي والإسرائيلي.
من المفاجئ أن الرئيس حسني مبارك يرفض أن يسلم بالواقع الذي يقول إنه رئيس مخلوع مع وقف التنفيذ، ويتعامل مع الشعب المصري كما لو أنه ما زال يمسك بزمام الأمور، وهذا يتضح من تكليفه للواء عمر سليمان بالتفاوض مع المعارضة وإبداء استعداده لحل مجلس الشعب المزور. هذا الأسلوب المتغطرس مرفوض كليا، فالمعارضة المصرية لم تطالب بحل البرلمان ولا بحل الحكومة ولا حتى بالتفاوض مع الرئيس مبارك، وإنما طالبت بالتفاوض مع الجيش من أجل تأمين خروج آمن للنظام ورئيسه والتنحي عن السلطة. الشعب المصري طالب دائما وما زال بإسقاط الرئيس وليس بإصلاح نظامه، وعلى اللواء عمر سليمان أن يحزم حقائبه وأن يرحل مع رئيسه في أسرع وقت ممكن.
الشعب المصري لن يفرط في ثورته ودماء شهدائه ولن يتراجع من منتصف الطريق، فقد تخلص من عقدة الخوف وقرر أن يضع حدا للطغيان ويستعيد كرامة بلاده ودورها، وسيقدم نموذجا مشرفا في مقاومة الظلم والهوان لمختلف شعوب الأمتين العربية والإسلامية، مثلما قدم نماذج ريادية عديدة على مدى سبعة آلاف عام في الإبداع والعلوم والبناء والثورات أيضا.
مظاهرة اليوم (يقصد الثلاثاء) المليونية قد تشكل علامة فاصلة في تاريخ مصر والمنطقة بأسرها، ولعلها تكون الرسالة الأخيرة لطاغية يتشبث بكرسي الحكم بأظافره وأسنانه، آملين أن يستوعبها هذه المرة ويستجيب لصرخات شعبه في الرحيل إلى غير رجعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.