لجنة القيادة المكلفة ب "عرض المغرب" في قطاع الهيدروجين الأخضر تصادق على مجموعة من التدابير وتقف على استكمال المرحلة التمهيدية لمشروع "شبيكة 1"    المغرب يخطو نحو عصر الغواصات الحربية... قوة بحرية صاعدة في المتوسط والمحيط    عداؤو الأمن الوطني يتألقون في بطولة الشرطة العربية لسباق الضاحية ببغداد    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات    استطلاع يكشف أن نحو ثلث المغاربة لم يسبق لهم التصويت في أي انتخابات    المغرب يرفع العبء الضريبي عن المتقاعدين بحلول 2026    تاريخ جديد .. إسحاق ناظر يتوج بذهبية 1500 متر في بطولة العالم لألعاب القوى بطوكيو    وزير الصحة يتفقد مشاريع صحية جديدة بالناظور والدريوش    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديرا لنجاح مبادرات ثقافية    سانتوس يعلن عن تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو" المرتقب        ناصر بوريطة في زيارة رسمية إلى الصين يومي 19 و 20 شتنبر    أسطول الصمود .. "عقبات تقنية" تعرقل انطلاق سفينة مغربية نحو غزة        "همم": الحكم على سعيدة العلمي يثير مجدّدا إشكالية تقييد حرية الرأي في المغرب    ميناء المضيق يحقق ارتفاعا قياسيا في مفرغات الصيد        مورينيو يُرشح لتعويض لاجي ببنفيكا    عدد مغادري إسرائيل يسجل الارتفاع    معدل التضخم يثبت في منطقة اليورو    قفزة غير مسبوقة في واردات المغرب من اللوز الأمريكي    طائرة طبية تتدخل لنقل طفل مريض    "حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    الاتحاد الاشتراكي يحذر من "تغول الذكاء الاصطناعي" في الانتخابات ويدعو إلى تنظيم استعماله    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    الاتحاد الأوروبي يقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحرب على غزة    مبرزو التربية الوطنية يضربون من أجل المطالبة بإنصافهم        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ترشيد "الروشيرش"... النيابة العامة توجه دورية لعدم الالتجاء لبرقيات البحث إلا عند الضرورة القصوى    الأمن يكشف حصيلة حوادث السير بالمدن المغربية    الرجاء يوضح قواعد حضور جماهير مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    والي بنك المغرب يشدد على أهمية التعاون العربي في المجال النقدي    تحذير للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات بوجود ثغرات في أنظمة إلكترونية    التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    تصفيات مونديال 2026.. جيبوتي يختار ملعب العربي الزاولي بالدار البيضاء لمواجهة مصر    زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    السيارات الكهربائية: المغرب يحتضن أكبر مصنع للبطاريات        الجيش الإسرائيلي يعلن قصف "أكثر من 150 هدفا" في مدينة غزة منذ الثلاثاء    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    بوبريك: 24 مليون مستفيد من التغطية الصحية و4 ملايين أسرة تحصل على الدعم المباشر    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    15 ألف عداء مرتقب في سباق 10 كلم بالدار البيضاء    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات عائلات مغربية تطرق أبواب الأطباء والعرافين بحثا عن علاج لأبنائها المجانين
من أجل شفاء مريضها النفسي أو العقلي أو مدمن المخدرات
نشر في المساء يوم 09 - 04 - 2009

من اتهام دركي متقاعد بالرباط بقتل جارته، إلى المجزرة التي حدثت بالرباط وراح ضحيتها ثلاثة أشخاص، إلى الممرض المقتول ليلة زفاف ابنته على يد مختل عقلي في مستشفى الرازي بسلا، تتعدد الجرائم التي يرتكبها مختلون يهددون أمن المجتمع.
و تنقلب حياة الأسرة المغربية رأسا على عقب عندما يصاب أحد أفرادها بمرض نفسي أو عقلي أو يصبح مدمن مخدرات، فتبدأ رحلة معاناة ومشاق لا تنتهي إلا بشفاء العليل شفاء كليا أو برحيله إلى دار البقاء. تسعى الأسرة بكل ما تملك من إمكانيات ووسائل إلى أن يشفى مريضها، فتطرق كل الأبواب سواء كان باب عيادة طبيب أو باب فقيه أو مشعوذ وكل حسب إيمانه وثقافته ومعتقداته.
ليس من السهل أن تقنع أسرة مغربية لتسرد قصة مريضها النفسي أو العقلي أو مدمن المخدرات، أو تحكي جزءا مما تقاسيه يوميا من جراء مصابها، لأنها تخشى الكشف عن هويتها، لأن الاعتقاد السائد هو أن هذه الأمراض سبة ووصمة عار على جبين الأسرة، لكن هناك من لا يجد أدنى حرج في أن ينشر اسمه وقصة قريبه لأن هذا واقع لا يمكن حجبه.
أسر كثيرة تعيش حياة غير عادية مع المرضى الظاهر مرضهم، أما المرضى النفسانيون المصابون «إصابة خفيفة» والذين يصعب حصرهم فتتوزع المعاناة بين أسرهم وزملائهم وأصدقائهم لأن أمثال هؤلاء لا يعترفون أبدا بأنهم مرضى وأن الحمقى هم الذين يشككون في حالتهم الصحية.
ضحايا الخيانة
كان حلم حنان.ح (30 سنة) تأسيس أسرة مستقرة ملؤها الحب والسعادة، فأنشأت مقاولة صغيرة بعد حصولها على الإجازة في اللغة الانجليزية، تعرفت على شاب لمست فيه كل مواصفات الرجل المناسب فتقدم لخطبتها، ولأنه لا يتوفر على عمل مناسب منحته حصيلة ادخار خمس سنوات من العمل دون علم أسرتها، وعوض أن يقيم حفل زفاف لها تزوج بفتاة أخرى، فكان وقع الخبر شديدا عليها، لم تخبر الأسرة بما حدث خوفا من التأنيب، لم تصمد حنان كثيرا فأصيبت بانهيار عصبي لتصاب بعده بخلل نفسي.
تقول، والدة حنان «لم نعرف بقصة المال إلا بعد مرضها حيث أصبحت تتحدث عن الخيانة والغدر، وتسب كل الرجال بألفاظ نابية، وبعد متابعتنا لحالتها الصحية عند طبيب نفساني خاص تحسنت أحوالها، لكن زيارة أخت خطيبها السابق، التي كانت تربطها بها علاقة صداقة، فاقم حالتها الصحية فأضحت عنيفة».
لم تتحمل الأم أن يقوم شقيق حنان بتصفيد يدي أخته بعدما أصبحت تؤذي نفسها وتؤذي والدتها، فأدخلتها إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية وأصبحت تزورها بين الفينة والأخرى.
ظنت أم حنان أن السحر والعين وراء إصابة ابنتها، فكلما انتهى إلى علمها أن فقيها أو وليا أو «شوافة» سيساهم في تحسين حالة ابنتها إلا وزارته ، ما كلفها الكثير من المال، تقول بحسرة «إن الأم هي التي تتحمل القسط الأكبر من معاناة الأسرة عند إصابة أحد أفرادها بمرض نفسي أو عقلي».
ضحايا العواطف والخيانة كثر، فأحمد الذي كان يعمل أستاذا تقدم لخطبة فتاة كان يحبها وفق التقاليد المغربية، وعندما كان يستعد لإقامة حفل زفاف ضبطها في حالة تلبس رفقة صديق له بعدما وشى له صديق ثالث بذلك، فأصيب بعدها بخلل نفسي، فحاولت أسرته جاهدة لكي يسترجع توازنه النفسي وكلفها ذلك بيع عقار من أجل العلاج عند طبيب خاص، لكن دون جدوى، تقول قريبة أحمد.
ابتزاز يومي
يجبر مصطفى (32 سنة) والدته صباح كل يوم على منحه خمسين درهما لشراء المخدرات، وإلا سيكون مصير الآواني البيت القمامة.
أدمن هذا الشاب المخدرات بعد إدمانه الخمر و«الماحيا»، ما انعكس سلبا على حالته النفسية، فأصيب بخلل نفسي يتمثل في دخوله في «جدبة» لا تنتهي إلا بحلول فجر اليوم الموالي.
«توجهنا إلى طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية فوصف لنا دواء، غير أن ابني يرفض تناوله»، تقول والدته بحزن وأسى.
فضلت أسرة مصطفى عدم ولوجه إلى المستشفى، خوفا من تفاقم حالته لأنها تعتقد أن مكان الاستشفاء العمومي تقدم فيه المهدئات لا غير ولا تعقد جلسات استماع للمرضى كوسيلة للعلاج.
شساعة منزل مصطفى ضيقت الخناق عليه، فطلب من أسرته أن تقوم ببناء «براكة» بسطح المنزل فحمل إليها أمتعته واستقر بها.
يمضي مصطفى يومه في كوخه، ويخرج لاقتناء «الحشيش» و»القرقوبي» لتدخينه.
تصف والدته حياتها ب«الجحيم والعذاب»، لأن وحيد أخواته، الذي يعتمد عليه كرجل داخل الأسرة بعد وفاة والده أصبح مدمن «المخدرات» و«القرقوبي» و»الخمر»، ولا تجد الأم طاقة لتتبع حالته النفسية، ما دفعها إلى أن تفكر مؤخرا في عرضه على فقيه بمدينة الصخيرات قيل إنه يذهب الجن والسحر.
ترجع الأم سبب إدمان ابنها واختلال توازنه النفسي إلى احتمال إصابته بعجز جنسي أو تعرضه لسحر «الثقاف» من قبل صديقته لأنه لا يتوقف عن الحديث عن انقطاع أمله في أن يرزق بأبناء، ويدخل بعدها في نوبة بكاء.
وحول ما إذا كان مصطفى يلجأ إلى العنف تقول والدته «إذا لم أقدم له المال فإنه يطرق الأبواب بشدة، ويكسر الأواني، كما أنه تشاجر مؤخرا مع شاب من شباب الحي فعاد إلى البيت مصابا بجروح».
وتظل حالة مصطفى في بدايتها، لأنه لم تمض سوى ثلاثة أشهر على إصابته، غير أن حالات عديدة داخل المجتمع المغربي أصبحت أخطر بكثير مثل حالة أبناء الحاجة السعدية التي لم ترغب في الحديث عن وضعها بتفصيل، واكتفت بالقول «إن الواقع الذي أعيشه لا يحتاج إلى تعليق، رزقت بأربعة أبناء ذكور، ثلاثة منهم أدمنوا المخدرات و«القرقوبي» وأصيبوا جميعهم بخلل نفسي فقام أحدهم بقتل أخيه المعافى، وانتحر ابن آخر، وبقيت أكابد الألم مع اثنين»
تائه إلى حين
تغالب محجوبة الدموع وهي تتحدث عن زوجها عبد الحفيظ، التي تغيب عن المنزل منذ 17 يوما دون العثور عليه، قائلة «إنه هادئ ومسالم، أحيانا يكون عاديا وطبيعيا، وتارة لا يتوقف عن الحديث لمدة ثلاث أيام بليلها ونهارها».
كانا يعيشان معا بشقة مستقلة، بعدما تزوجت به رغم علمها بمرضه النفسي، منذ 17 سنة، ويساعدها في مصاريف البيت حموها، الذي لم يأل جهدا في البحث عن أخيه الذي يعتبره بمثابة الأب الذي ساعده كثيرا منذ صباه.
دأبت محجوبة على اصطحاب زوجها كل شهرين إلى مستشفى الرازي بسلا، لعرضه على الطبيب، فتتحسن حالته أحيانا وتتفاقم أخرى.
«خلال الأيام الأخيرة تفاقمت حالته بشكل سيء فأخذ يغيب عن المنزل طوال اليوم وأحيانا يبيت خارجه، ويعود في حالة يرثى لها فأسهر على نظافته»، تقول زوجة المتغيب، التي لم ترغب في وضعه بالمستشفى لأنه ليس عنيفا كما أنها تفضل أن تسهر على حالته النفسية.
وتعود بداية إصابة عبد الحفيظ بخلل نفسي ليتطور بعدها إلى خلل عقلي، إلى زلزال أكادير سنة 1960، حيث كان يعمل رجل أمن بالمدينة، ولم يظهر له أثر لمدة 15 يوما واعتقدت الأسرة أنه في عداد الموتى، لكن عثرت عليه بالمستشفى العسكري بمدينة الرباط بمصلحة الأمراض النفسية، حيث كان يخضع للعلاج.
لم يتحمل عبد الحفيظ المشاهد المؤلمة لضحايا الزلزال فاختل توازنه النفسي ليستعيد عافيته سنة 1965 ويعود إلى عمله لكنه بين الفينة والأخرى يصاب بنوبة يدخل على إثرها للمستشفى لمدة أسبوع ويعود إلى عمله وهكذا، إلى حين طرده من العمل دون الحصول على حقوقه، يقول شقيقه.
اشتغل بعدها رجل الأمن السابق مستخدما في فندق بارباط لسنوات، وكانت حالته النفسية لا بأس بها، غير أن سجن شقيقه الذي كان يعتبره مثل ابنه تسبب في ارتفاع حدة مرضه، خاصة خلال زيارته له سنة 1976 وأفرج حينها عن 105 من المعتقلين السياسيين وتم استثناء شقيقه، فبعدها أخذ يهلوس دون انقطاع، فتفاقم وضعه الصحي.
هذا جزء مما تكابده بعض الأسر المغربية مع المرضى الذين أظهر بحث منجز من طرف وزارة الصحة سنة 2003 أن 26،5 بالمائة من المستجوبين مصابون بالاضطرابات العصبية و9 في المائة مصابون بالحيرة و5،6 بالمائة مصابون بالاضطرابات الذهنية.
غياب شعب تكوين الأطباء والأخصائيين النفسيين
يبدو أن جريمة معتوه الرباط وباقي المرضى النفسيين بمختلف المناطق، الذين ارتكبوا جرائم بشعة طوال الشهور الأخيرة لم تلفت انتباه المسؤولين إلى مسألة أساسية لا تزال تغفلها الجهات الوصية على قطاع الصحة النفسية والعقلية, والمتعلقة بمجال التكوين في علم النفس والأمراض العقلية.
فمنذ ما يزيد على 30 سنة والمغرب لا يتوفر إلا على شعبتين لتكوين الأطباء النفسانيين في الرباط والدار البيضاء، ومنذ نفس المدة لا توجد إلا شعبتين لعلم النفس في الرباط أيضا و فاس.
فهل من المعقول أن يظل التكوين حكرا على هذين المركزين.
ولماذا لم يتم فتح هذه التخصصات بالمدن الأخرى، مع العلم أن كليات الآداب أصبحت أكثر من عشرين، وكليات الطب وصلت إلى خمس.
مع العلم أن ما حدث في الرباط خلال الأيام الأخيرة، تحدث مسبباته كل يوم نتيجة غياب هذه التخصصات الحيوية من: تدني المستوى الدراسي ليس للأطفال فقط بل حتى لدى بعض المدرسين، من انتشار لتعاطي المخدرات، وانتشار المشاكل الاجتماعية،الانتحار،اليأس ثم النقص الحاد في هذه التخصصات بالمستشفيات، والمؤسسات التعليمية، والسجون،...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.