مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - قلتَ، في حلقة أمس، إن محمد بنسعيد آيت يدر، أمين عام منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حينها، كان موافقا على العرض الذي قدمه الحسن الثاني إلى أحزاب الكتلة الديمقراطية في 1993 بتشكيل حكومة تناوب، وهو العرض الذي رفضه بالأساس امحمد بوستة الذي كان المرشح الأول لقيادة الحكومة وقتئذ... هذا ما يبدو لي، لأن أيَّ أحد يفكر بشكل مجرد لا يمكن إلا أن يقبل بذلك العرض. قد تقول لي إن التحليل في السياسة لا قيمة له إذا لم نأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات الذاتية والموضوعية، المتعلقة بالهيئة السياسية وبالشروط الوطنية والدولية... - هل يمكن القول إن هذه المعطيات والعوامل، مجتمعة، هي التي جعلت محمد بنسعيد -الذي كان، في 1992، أقرب إلى قبول الدخول في حكومة تناوب، مفترضة، برئاسة امحمد بوستة- يرفض دخول الحكومة التي قادها اليوسفي في 1998؟ السي محمد بنسعيد لم يرفض، في الواقع، عرض 1998. - لكن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي رفضت المشاركة في حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي في 1998... هذا موضوع آخر، ويمكنكم العودة للتفصيل فيه مع السي محمد بنسعيد. لقد كان هناك إقصاء ممنهج لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي من الكتلة. - من أقصاها بالتحديد؟ الحزبان الأكبران داخل الكتلة (يقصد الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال)، وقد كنا نحن في التقدم والاشتراكية ضد هذا الإقصاء. - يعني أن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي لم تعد تحضر معكم اجتماعات الكتلة بعد 1998؟ نعم، وحتى إذا حضرت، فقد كان حضورها يوضع بين قوسين. - هل كان هذا ردا على رفض المنظمة لدستور 1996 الذي صوتت عليه باقي مكونات الكتلة؟ لهذا الاعتبار، ولاعتبارات أخرى منها التخوف مما تمثله منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من إمكانات التطور، حتى لا أقول إمكانات التطرف. وقد «جاهدنا» نحن في التقدم والاشتراكية حتى لا تُقصى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من الكتلة، لكنها في النهاية أقصيت موضوعيا. - يعني أنه بعد 1998 أصبحت علاقة منظمة العمل الديمقراطي بالكتلة الديمقراطية علاقة مترهلة؟ أصبحت علاقتها بالحزبين الكبيرين داخل الكتلة متوترة. - خصوصا وأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي انشق عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، شارك في حكومة التناوب... نعم. - لنعد إلى الخلف قليلا؛ ففي 1993 تم توسيمك من طرف الحسن الثاني، وكنت ثاني شخصية داخل التقدم والاشتراكية، بعد علي يعتة، تحصل على وسام ملكي، بدون أن يتم إخبارك بالأمر؛ كيف تم ذلك؟ لقد حصل توسيمي في القنيطرة، عقب زيارة الحسن الثاني للمدينة، بحيث استدعي المنتخبون... - حينها كنت برلمانيا، في إطار «الثلث الناجي» بعدما لم تتمكن من الحصول على مقعد في الانتخابات المباشرة عن دائرة سيدي سليمان. بأية صفة تم توسيمك في عاصمة الغرب، القنيطرة؟ لا أدري. لم أعد أذكر ما إن كان قد مرَّ، حينها، ذلك «الثلثُ الناجي» كما تسميه، مع أنني لا أعرف ممَّ يكون قد نجا! المهم أنه في يوم توسيمي، اتصل بي جلال السعيد -الذي كان، حينها، رئيسا للبرلمان- وأخبرني بالأمر في آخر لحظة، قائلا: «سيدنا غادي يوسمك». - في 1996، صوت الحزبان الأكبران داخل الكتلة الديمقراطية على الدستور، بالرغم من أن العديدين، ومنهم أنت، اعتبروا أن دستور 1992، الذي صوَّتُّم لصالحه في حزب التقدم والاشتراكية وقاطعه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، كان متقدما على دستور 1996... هذا صحيح. - بناء عليه، هل يمكننا أن نستنتج أن الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال كانا يعاقبان من يصوت لصالح الدستور الذي يقاطعانه، كما حصل عندما أقصي حزب التقدم والاشتراكية من اجتماعات الكتلة بمبرر أنه قبل بدستور 1992؛ وكما عاقبا منظمة العمل الديمقراطي الشعبي لأنها رفضت دستور 1996. يعني أن حزبا الاتحاد الاشتراكي والاستقلال كانا يعاقبان من لا يساير نهجهما، سواء بالقبول أو بالرفض؟ تماما. وهذا، ربما، يدخل في منطق الهيمنة. الله أعلم. - لنعد إلى دستور 1996 ونقارنه بدستور 1992... السلبي في دستور 1996 هو أنه أفرز لنا غرفتين (مجلس النواب ومجلس المستشارين) لهما نفس السلط.. كان هذا هو الخطير في الأمر. - تم تعويض «الثلث» الناجي»، الذي كان ينتخب بطريقة غير مباشرة، بمجلس المستشارين؟ نعم، عُوِّض «الثلث» الناجي» بغرفة ثانية لها نفس سلط الغرفة الأولى، وهنا أصبح «الحاج موسى» هو «موسى الحاج» (يضحك). - هل ماتزال أنت ضد وجود غرفة ثانية حتى بالتصور والمهام التي أسندها إليها دستور 2011؟ لا، مع دستور 2011 أصبح من الممكن أن يكون للغرفة الثانية (مجلس المستشارين) دور تمثيلي للجهات، وهذا ما نصبو إليه من جهوية متقدمة. لكن وقتها لم تكن ازدواجية الغرف مقبولة، لأنها كانت تؤدي إلى معطيات غريبة. لنتأمل مجلس المستشارين الحالي، والذي بني على دستور 1996، ونرى كيف أن الحزب الذي تصدر الانتخابات الأخيرة (العدالة والتنمية) لا وجود له داخل هذا المجلس، وهذا فيه خلل.