الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي حاملا رسالة من عاهل المملكة العربية السعودية    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية بجهة الشمال    أخنوش دار مباحثات مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية وها فاش هضرو    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    دبابات الجيش الإسرائيلي تدخل إلى معبر رفح وتوقف دخول المساعدات الإنسانية    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    باريس سان جيرمان يفكر في التعاقد مع بونو    بنموسى: الوزارة تواصل تنزيل النظام الأساسي وتنهي العمل بالتعاقد بشكل نهائي    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    شبكة كتنشط فالتلاعب فامتحانات الحصول على بيرمي طاحو فيها 10 بتنسيق بين بوليس وجدة والديستي    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    خمس سنوات نافذة لضابط أمن في ملف وفاة مواطن بمفوضية بن جرير    نشرة نذارية…موجة حر مرتقبة من اليوم الثلاثاء إلى غاية الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    مراسم تنصيب مهيبة في روسيا بمناسبة بدأ ولاية جديدة ل"بوتين"    رابطة الأندية الإفريقية لكرة القدم تقرر نقل مقرها إلى المغرب    شركات نقل دولي تستغل "ثغرات قانونية" لتهريب المخدرات نحو أوروبا    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    سان جيرمان يستهدف رقما تاريخيا ضد دورتموند في دوري أبطال أوروبا    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ يزور الولايات المتحدة    أمازون: سنستثمر 9 مليارات دولار فسنغافورة    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    صعود أسعار الذهب من جديد    "فريق نجم طرفاية: قصة نجاح وتألق في عالم كرة القدم"    إبراز فرص الاستثمار بالمغرب خلال مائدة مستديرة بالولايات المتحدة    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يريد رأس الصحافة ؟
نشر في المساء يوم 07 - 07 - 2009

تتزايد، يوما بعد آخر، الأحكام القاسية ضد الصحافة في المغرب لتؤشر على استمرار التراجع عن بعض المكتسبات الهشة، وتواصل التضييق على صحافة ناشئة تتلمس طريقها نحو مهنية تخدم البلاد والعباد وتبحث عن تمثل وظيفتها بصفتها سلطة موازية للسلطات الثلاث.
مناسبة هذا الكلام هي الحكم الغريب الذي صدر يوم 29 يونيو2009 ضد ثلاث جرائد، هي «المساء» و«الجريدة الأولى» و«الأحداث المغربية»، لفائدة القذافي.
غرابة الدعوى تكمن في طريقة رفعها، ومطالب رافعها، والحكم الصادر فيها، وتعامل السلطات المغربية معها. فالدعوى رفعها القذافي، المتربع على عرش ليبيا منذ أزيد من 40 سنة، مستندا إلى الفصل ال52 من قانون الصحافة الذي يحصر الصفة في رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الشؤون الخارجية للدول الأجنبية، والعقيد لم يقدم نفسه، ولو مرة، رئيسا لدولة ولكنه يصف نفسه بكونه القائد الثائر المعارض الخادم لشعبه، ويكره أن ينعت بكونه رئيسا وإن كان لا يجد حرجا في أن يلقب نفسه ب«ملك الملوك»!! ومطالب القذافي كانت تعويضا ماليا قدره تسعة ملايير سنتيم، وهو مبلغ لا علاقة له بجبر الضرر ولا يتناسب مع الإمكانيات المالية لهذه الجرائد التي تصارع في سوق غير مساعدة على الاستمرار فبالأحرى على تحقيق فائض أرباح بهذه القيمة الضخمة. ولذلك، فالمبلغ المطلوب ينطوي على نية إعدام هذه الجرائد والإثراء على حسابها، وربما اكتشف العقيد الثائر في هذه الدعوى متنفسا يغطي به جزءا من مبالغ التعويض الباهظة - المقدرة ب1.8 مليار دولار- التي صرفها لعائلات ضحايا حادث لوكربي أو للمساعدة في تمويل الهبات التي يغدقها على بعض دول القارة الفقيرة ليحظى بالزعامة.
والحكم الصادر فيها ينضاف إلى سلسلة الأحكام المتواترة ضد الجرائد، والتي كلها إدانة وتغريم يعكسان عداوة خفية بين القضاء والصحافة، مما يؤشر على فصام نكد لا يخدمهما معا، ويؤكد عدم استيعاب بعض القضاة للأثر السلبي المترتب عن هذه الأحكام على هذه الجرائد والجسم الصحفي والمواطنين، ويوضح عدم قدرتهم على الانفتاح على حلول أخرى تكون أكثر فائدة وأقل ضررا، وهي حلول كثيرة يمكن الاستفادة فيها من القضاء المقارن لدول مرت بمثل تجاربنا وخطتها بنجاح حقق جبر ضرر المشتكين وحافظ على استمرارية وحرية الإعلام. أما تعامل السلطات المغربية فقد كان صم الآذان والخضوع لضغوط العقيد الثائر الذي لا نعرف، إلى حد الآن، ما يهدد به هؤلاء المسؤولين.
إن هذه الأحكام يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، قاسمها المشترك هو تكاملها لخدمة هدف واحد هو الإجهاز على حرية الصحافة، وإجهاض بعض الجرائد التي باتت تشكل مصدر إزعاج لبعض المسؤولين الحكوميين الذين لا يستسيغون صحافة حرة تقوم بوظيفتها في الإخبار والتقصي والتحقيق وإطلاع المواطن على نقائصهم رغم أن الجرائد لا تزال محدودة الانتشار ومعدل مبيعاتها لا يتجاوز 350 ألف نسخة يوميا، ولنا أن نتصور رد فعل هؤلاء المسؤولين لو أصبح العدد يقدر بالملايين.
فإذا نظرنا إلى هذه الأحكام من الشق الذي يعني القضاء نستنتج بسهولة أن هذا الجهاز غير مستقل، وأن بعض أعضائه، للأسف، انخرطوا في هذه الحرب ضد الصحافة. وهذا مؤشر خطير يضر بمستقبل البلاد وسمعتها، لأن القضاء هو الملاذ الأخير للمتخاصمين، ونزاهته وحياده هما الضمانة الوحيدة لرضى المتحاكمين بنتيجة الحكم كيفما كانت؛ كما أن هذه الأحكام تبين حاجة البلاد إلى قضاء متخصص في هذا النوع من القضايا، يفهم تفاصيلها ودقائقها ويستوعب خلفيات بعض الذين تخصصوا في هذه الدعاوى لأسباب لا علاقة لها برد الاعتبار وإنما بخدمة جهات خفية أو تصفية حسابات خاصة أو إجهاض تجربة فتية، قضاء يفهم أن الخطأ وارد في هذه المهنة، ولذا يجب عليه التمييز بين الخطأ بحسن نية والخطأ الناتج عن سوء نية، وفي الحالة الأولى فإن الاعتراف ونشر الاعتذار كاف وزيادة.
وإذا نظرنا إلى هذه الأحكام من الشق الذي يعني المسؤولين الحكوميين فسنرى ضيق صدرهم وعدم استعدادهم للمراقبة، وهذه خصال قادحة في حق من يقدم نفسه ليكون شخصية عمومية تدبر شأنا عاما، ورحم الله عمر بن الخطاب الذي ما منعه المنصب ولا السلطة ولا هيبة الدولة من أن يسمع النقد، بل بادر إلى طلبه حين قال «رحم الله امرؤا أهدى إلي عيوبي». وإذا نظرنا إلى هذه الأحكام من زاوية حقوقية سنخلص إلى حياد سلبي تقف عليه بعض المؤسسات، وفي مقدمتها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يناصب رئيسه الصحافة العداء، ولذلك فالصحافة المسكينة لا نَصيرَ لها في هذا المجال إلا جمعيات حقوقية تقوم بمبادرات تبقى محتشمة ولا تتناسب مع شراسة هذه الحملة. أما إذا نظرنا إلى هذه الأحكام من زاوية مهنية ترتبط بالجسم الصحافي، فسنستغرب التجاوب البارد لبعض مكونات هذا الحقل مع هذه الحملة وطغيان التشتت والحسابات الضيقة على المواقف المبدئية، بل إن الأمر يفوق ذلك إلى حد الشماتة أحيانا!! وإذا نظرنا إلى هذه الأحكام من الشق الذي يهم المواطن -أي المتلقي- فإن الأمر سيكون أخطر لأن تنفيذ هذه الأحكام سيقود إلى إعدام هذه الجرائد، مما يعني حرمانه من صحافة جريئة تشكل قناته الوحيدة لمعرفة الحقائق كما هي، وخاصة في ظل الضعف والرداءة اللذين يميزان الإعلام العمومي المكتوب والمسموع والمرئي والتضييق الذي يطال الإعلام الأجنبي. وفي المحصلة، فإن هذه الأحكام لا تخدم البلد ولا تساعد على انفتاحه وتطوره، بل تساهم في تشويه صورته والنيل من سمعته، ولذلك يجب تدارك الأمر قبل فوات الأوان وعدم الانجرار وراء بعض الذين تحركهم دوافع انتقامية ضد الصحافة، تُعمي أبصارهم فلا يرون مآلات مثل هذه التصرفات. ونتمنى ألا تعدم البلاد حكماء ومتبصرين يستشرفون الأفق الذي يمكن أن تنتهي إليه هذه المحاكمات، فيتدخلون لإرجاع الأمور إلى نصابها، منتصرين لمبدأ العدالة والحرية والانفتاح. إن التدخل في القضاء واستهداف حرية الصحافة مؤشران على غياب حد أدنى من إرادة الإصلاح والتغيير، وهذا يعتبر مقدمة لتراجعات أخطر، لا قدر الله، لأن السلطة ستصبح الخصم والحكم وسيفقد المواطن من يعبر عن رأيه، ولذلك فنحن، اليوم، بحاجة إلى جبهة وطنية موسعة تضم الصحافيين والحقوقيين والمبدعين والغيورين للتحسيس بخطورة هذا المسلسل الانحداري والدفاع عن حرية الصحافة والعمل على إصدار قانون صحافة جيد وقانون ينظم الوصول إلى المعلومة، وتأسيس هيئة مستقلة للدفاع عن أخلاقيات المهنة تتولى النظر تأديبيا في هذه القضايا وتعطاها الصبغة القانونية لذلك، وتقنين الاستفادة من عائدات الإشهار ودعم الدولة على أسس مهنية وموضوعية.
نحن، اليوم، بحاجة إلى التفاف القراء حول هذه الجرائد المستهدفة من خلال تأسيس جمعيات قراء تنتصب للدفاع عن قناتها الوحيدة التي تؤمن لها الخبر كما هو وليس كما يسوقه البعض أو يخفيه أو يدلس عليه، وتمكنها من معرفة ما يجري في البلاد ضدا على بعض من يعتقد أن استمراره في المسؤولية رهين بالعمل في الظلام.
حينها، سنحقق احتضانا مجتمعيا حاميا لهذه المنابر المستهدفة وزاجرا لهؤلاء الذين يتصيدون مثل هذه الفرص؛ وإن لم نفعل فسيسقط الصحافيون الواحد تلو الآخر، وستتهاوى الصحف كأوراق الشجر في الخريف.
لنعد الشريط بسرعة وسنعي أن الكل مستهدف ومتضرر: علي المرابط أُدخل السجن ومُنع من ممارسة المهنة لعشر سنوات، وأريري وحرمة الله أدخلا المعتقل في ظروف غير إنسانية، وبوبكر الجامعي غادر المغرب وطال غيابه وتناسى الكل دوره في تطوير المهنية والجرأة داخل الصحافة في المغرب، ورشيد نيني كثرت الدعاوى ضده، وكل واحدة تطالب بمبالغ خيالية وكأنه خازندار المملكة، و«الأيام» حوصرت بعشرات الأمنيين وكأنها مقر عصابة، والقائمة ما تزال مفتوحة، ولن تغلق إلا إن تداركنا الأمر. فمن يعلق الجرس؟! أتمنى أن نتمعن جيدا في قصة هذا المثل وعبره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.