المغرب: الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني يستقبل وزير دفاع جمهورية رواندا    برادة يستعرض مقتضيات مشروع قانون تطوير منظومة التعليم المدرسي    المغرب يستقبل 7.2 مليون سائح في 5 أشهر فقط    مزور : شركة طيران تمتلك وحدات إنتاج بالمغرب تحقق رقم معاملات سنوي يفوق 2,5 مليار يورو    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    شابة في قبضة الأمن.. ضبطوها ب3000 قرص مخدر في محطة قطار    نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    وهبي: آن الأوان للاعتراف القانوني بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    طقس حار وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    رحيمي وحركاس وعبيد ضمن أغلى عشرة لاعبين في صفوف الفرق العربية المشاركة في كأس العالم للأندية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    القناة الناقلة لمباراة الوداد ومانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    وهبي: آن الأوان للإقرار التشريعي بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    على بعد أشهر قليلة من الطي النهائي لملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية...    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المغرب ‬خامس ‬قوة ‬اقتصادية ‬في ‬إفريقيا: ‬مسار ‬تحول ‬ونموذج ‬إقليمي ‬صاعد    بعد أزمة القطيع.. مطالب لمجلس الحسابات بافتحاص أموال وبرامج جمعية مربي الأغنام والماعز    شكوك حول مشاركة مبابي في مباراة ريال مدريد الافتتاحية بكأس العالم للأندية    لقجع: 85% من أنشطة المغاربة تشتغل خارج القانون    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    إضراب مفتوح ووقفة احتجاجية لعمال النظافة بشركة أوزون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر الأجور    مسؤولو حسنية أكادير يفشلون في الحفاظ على الركائز بعد رحيل الشماخ    الشرعي يدرب "لويسترلو" البلجيكي    مجازر الاحتلال تتواصل.. إسرائيل تقتل 32 فلسطينيا بغزة بينهم 11 من منتظري المساعدات    ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية    الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثرثرة في القطار
نشر في المساء يوم 20 - 10 - 2009

كنت في القطار أطالع حوارا مطولا من عشرين صفحة ملونة أجرته إحدى المجلات المغربية مع كريم غلاب، وزير النقل والتجهيز، عندما سمعت بعض المسافرين يحتجون على مراقب التذاكر بسبب الاتجاهات الخاطئة التي تعلن عنها سيدة الميكروفون في محطات القطار. فعندما يرتفع صوتها لكي تعلن عن قرب دخول القطار إلى المحطة، وتقول لك إن مقصورة الدرجة الأولى توجد في مؤخرة القطار (حاشاكم، لأن الصحيح هو آخر القطار وليس مؤخرته)، فعليك أن تعرف بحسدك المغربي أن مقصورة الدرجة الأولى التي تتحدث عنها صاحبة الصوت الرخيم توجد في المقدمة. وإذا سمعتها تقول إن مقصورة الدرجة الأولى توجد في المقدمة، فما عليك سوى أن تنتظر هذه المقصورة في الوسط.
والمثير في الأمر أن أخطاء الاتجاهات التي ترتكبها صاحبة ميكروفون القطارات لا تنحصر فقط في المحطات، وإنما ترتكب حتى داخل القطار. وكم من مرة كنا ذاهبين نحو الدار البيضاء وفجأة، عندما يقترب القطار من محطة المحمدية، نسمع صاحبة الصوت الرخيم تنبه السادة المسافرين إلى أنهم داخلون إلى محطة سلا المدينة. فتلاحظ كيف يلتفت المسافرون في وجوه بعضهم البعض مستغربين متسائلين هل هم الذين أخطؤوا القطار أم إن القطار هو الذي أخطأ المحطة. آخر مرة حضرت فيها لمثل هذه المواقف كانت قبل يومين عندما كنا قادمين من محطة الدار البيضاء الميناء نحو محطة المحمدية. وبمجرد ما اقترب القطار من المحمدية، قفز صوت صاحبة الميكروفون لكي ينبه المسافرين إلى أنهم داخلون إلى محطة القنيطرة. فتململ أحد المسافرين، يظهر من قسمات وجهه أنه «شابع هضور»، وقال لها:
- الله يمسخك أبنتي...
المهم أن المسافرين الغاضبين الذين كانوا يحتجون على مراقب التذاكر البريء بسبب تأخر القطار وأخطاء مذيعته المتكررة، كان أحدهم يطالب بوضع دفتر الشكايات داخل القطارات حتى يتمكن المسافرون من كتابة احتجاجاتهم على متنه وليس أخذ الصف وإضاعة نصف ساعة أخرى في البحث عنه في المحطات. فيما قال آخر إن إدارة السكك الحديدية تتعامل مع المسافرين كالبهائم. في هذه اللحظة بالضبط، كنت قد وصلت في قراءتي للحوار الطويل مع وزير النقل والتجهيز إلى ذلك السؤال الذي قالت فيه الصحافية الفرنسية للوزير:
- لماذا اخترتم مهنة مهندس؟
فكان جواب الوزير كالتالي:
- في عائلتي هناك الكثير من الأطباء، وأول رد فعل تولد لدي هو ألا أقلد الآخرين، ولذلك كان حلمي في لحظة ما هو أن أصبح طبيبا بيطريا. لكن النقط التي حصلت عليها شجعتني على متابعة دراستي كمهندس.
وبسرعة، ربطت بين حلم وزير النقل القديم في أن يصبح طبيبا بيطريا يتعامل مع البهائم عوض بني البشر وبين حلمه الثاني كمهندس طرق وقناطر. قلت مع نفسي إن كريم غلاب ولد محظوظ، فقد ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة استطاع أن يشتري قطارات تتعامل فيها إدارته مع المسافرين كالبهائم، ومن جهة أخرى استطاع أن يحقق حلم الهندسة الذي قاده إلى كرسي الوزارة. «شكون بحالو».
انتهت المشادة الكلامية بنزول المسافرين في محطاتهم وتابعت قراءة الحوار الطويل في المجلة مع وزير النقل والتجهيز، حيث تختلط أمور الوزارة بحياته الشخصية وزواجه من إيطالية. سألته الصحافية إن كان زواجه من امرأة إيطالية قد أغناه، فقال إن اختلاف الثقافات يغني الأفراد. وشجع المغاربة على الزواج من أجنبيات إذا ما وجدوا فيهن ما يكمل نصفهم الثاني. وقال إنه بفضل هذا الزواج أصبح يجيد اللغة الإيطالية وأصبح لديه أصدقاء كثيرون في إيطاليا التي يزورها كل سنة. وربما بسبب هذه «الربطة الزغبية» في إيطاليا وثقافتها اختار كريم غلاب أن يبرم سنة 2006 صفقة مع شركة «أنسالدوبريدا» الإيطالية، ويشتري منها 24 قطارا بغلاف مالي وصل إلى ملياري درهم (188 مليون أورو). وهذه القطارات «المزغوبة» التي اشتراها غلاب من عند أصدقائه الإيطاليين هي نفسها القطارات التي «تتعكس» أبوابها فجأة إلى درجة أنها أحيانا «تقرم» على أيدي وأرجل المسافرين إذا لم يسرعوا في النزول أو الصعود. وهذه القطارات التي اشتراها غلاب من عند أصدقائه الإيطاليين هي نفسها التي تتعطل مكيفات هوائها في عز الصيف و«تتعطل» في الوصول باستمرار، وأحيانا بالساعات الطوال.
لكن وزير النقل لديه جواب عن إشكالية «التعطل» هذه. فقد قال في معرض جوابه عن سؤال حول مشاكل التكييف داخل القطار الرابط بين الدار البيضاء ومراكش، خصوصا في هذه السنة نظرا إلى ما عرفته من ارتفاع كبير في درجات الحرارة. فكان جواب الوزير عجيبا وغريبا في آن واحد، لأنه بدأ يكيل الانتقادات للصفقة التي عقدها بنفسه مع الإيطاليين، وقال للصحافية:
- «علينا أن نفهم أن القطارات صناعة، فلسنا نحن من يصنع القطارات، بل الأوربيون. وهناك في أوربا، الحرارة لا تصل إلى خمسين أو خمس وخمسين درجة تحت الشمس. وبالنسبة إلى القطارات التي اشتريناها من إيطاليا، فقد صرفنا مبالغ على خدمات إضافية وطورنا أداءها لكي تتحمل الحرارة. لكن عندما تصل الحرارة إلى مستوى معين، فإن القطارات «تطيح أونبان»».
سعادة وزير النقل والتجهيز يعتقد أننا على مستوى من الغباء بحيث سنصدق أن الحرارة هي المسؤول الوحيد عن «تعطل» القطارات التي اشتراها من عند أصدقائه الإيطاليين، وكأن سعادة الوزير الذي عاش ودرس في أوربا لا يعرف أن درجة الحرارة في الجنوب الإسباني، مثلا، تصل إلى خمس وخمسين درجة أحيانا. ومع ذلك، فقطاراتهم لا «تتعطل» عن مواعيدها ولا تتوقف بالمسافرين في الخلاء. والواقع أن الحر لا يتحمل وحده المسؤولية في الجحيم اليومي الذي يعيشه المسافرون على متن القطارات المغربية، وإنما الذي يتحمل المسؤولية هو الصفقة الفاشلة التي عقدها غلاب مع أصدقائه الإيطاليين الذين باعوه خردة شبيهة بلعب الأطفال. وقد شاهدت قطارات كثيرة في دول أوربية مختلفة، ولم أشاهد في حياتي قطارات كتلك التي اشتراها غلاب تُقتلع كراسيها من مكانها بسهولة، وعندما يصعد المسافرون بأحذيتهم المبللة بمياه الأمطار وتمتصها أرضية مقصورات الدرجة الأولى المفروشة بالموكيط تضربك رائحة «الغمال» التي «تعطعط» بمجرد ما تصعد سلالم المقصورة. باختصار، قطارات «خانزة» ومتسخة لا تستحق نصف الثمن الذي يدفعه المسافرون من أجل ركوبها.
ولأن وزير التجهيز لا يركب القطارات التي اشتراها من إيطاليا، فإنه يعتقد أن هذه الأخيرة «تتعطل» فقط عندما تصل درجة الحرارة إلى خمسين. وأستطيع، كمستعمل يومي لقطاراته، أن أؤكد له أن الخردة التي اشتراها تتوقف في عز الشتاء أيضا، بل إن الأمطار تتمكن من النفاذ إلى داخل المقصورات لكي تقطر على رؤوس المسافرين، فهل هناك «شوهة» أكبر من هذه؟ نعم هناك شوهة أكبر من هذه، وهي «شوهة» نزول القطرة من سقف المحطة الجديدة في مطار محمد الخامس على رؤوس المسافرين كلما هطلت الأمطار. وطبعا، طيلة العشرين صفحة التي خصصتها المجلة للسيد وزير التجهيز، المسؤول عن المكتب الوطني للمطارات، لم تفكر الصحافية في طرح سؤال صغير على السيد الوزير بخصوص كل هذه «القطرة» التي تنزل من سقف مشاريعه التجهيزية الكبرى، سواء كانت طرقا أو قناطر أو محطات.
لكن أهم شيء في الحوار هو أن وزير النقل يدعو المواطنين ضحايا حوادث السير إلى مقاضاته شخصيا عندما تكون التجهيزات السيئة هي السبب المباشر في ذلك أو مقاضاة العامل أو الوالي إذا وقعت الحادثة داخل المدينة وكانت البنية التحتية السيئة للطرق هي السبب فيها.
وهنا أيضا يتصور وزير التجهيز والنقل أن المغاربة أغبياء بما يكفي لكي يصدقوه، «بحال إلى غير جي ودعي وزير وعامل ووالي فالمغرب».
المغاربة لا يجب أن يطالبوا فقط بمحاسبة وزير التجهيز على حوادث السير التي يتعرضون لها بسبب طرقه وقناطره، وإنما الأهم من ذلك هو أن يحاسبوه، عبر ممثليهم في البرلمان، على الصفقات الضخمة التي يبرمها مع الشركات الأوربية والتي تخرج تكاليفها من ضرائبنا.
لكن أين هم الممثلون الذين سيقومون بهذه المهمة؟ فهم لم يتحركوا حتى عندما قال لهم عبد الهادي خيرات، مدير «الاتحاد الاشتراكي»، إن ثلثهم من تجار المخدرات. «هادو ما دافعو حتى على روسهم عاد يدافعو على المغاربة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.