البي جي دي اتاهم الأحرار بتسخير السماسرية فالانتخابات الجزئية فدائرة فاس الجنوبية وكيطالب بخطة لتكريس الحياد الإيجابي    عملية إحصاء المغاربة اللي يمكن استدعاؤهم للتجنيد قريب تسالي    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    قرصنة شبكات الاتصالات الوطنية ورط شخص فطنجة.. ها اش لقاو عندو    عملية لبوليس أكادير طيحات مروجين ديال الغبرة والحشيش بينهم مراة    البرلماني السابق البوصيري جابوه اليوم من حبس بوركايز لغرفة الجنايات الاستئنافية ففاس بعدما تحكم ابتدائيا ب5 سنين نافذة ديال الحبس    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    صديقي : المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب فرصة للترويج للتجربة المغربية    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        تفاقم "جحيم" المرور في شوارع طنجة يدفع السلطات للتخطيط لفتح مسالك طرقية جديدة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    حيوان غريب يتجول في مدينة مغربية يثير الجدل    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    جماهري يكتب.. 7 مخاوف أمنية تقرب فرنسا من المغرب    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    المنتخب الوطني الأولمبي يخوض تجمعا إعداديا مغلقا استعدادا لأولمبياد باريس 2024    مفوض حقوق الإنسان يشعر "بالذعر" من تقارير المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اتجاه إلى تأجيل كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025 إلى غاية يناير 2026    انتقادات تلاحق المدرب تين هاغ بسبب أمرابط    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    أساتذة جامعة ابن زهر يرفضون إجراءات وزارة التعليم العالي في حق طلبة الطب    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    بنموسى…جميع الأقسام الدراسية سيتم تجهيزها مستقبلا بركن للمطالعة    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطفال يتحدون السرطان بإصرار ومصاريف الأدوية تزيد معاناة الآباء
أطباء قسم أمراض سرطان الأطفال يحاربون الموت
نشر في المساء يوم 05 - 11 - 2009

هم أطفال في عمر الزهور اختار لهم القدر أن يقاسوا مرارة المرض بابتسامة أمل لا تفارق محياهم. يتقاسم أطفال كل الفئات الاجتماعية في قسم الأطفال لأمراض السرطان أسرة الغرف ال 22، وكلهم أمل في أن تتحسن وضعيتهم الصحية ليعودوا مرة أخرى إلى حياتهم الطبيعية..
بابتسامة شاحبة لا تفارق محياها، ترد جهاد على أسئلة والدتها الجالسة منذ ثلاث ساعات إلى جانبها على سرير في جناح أمراض سرطان الطفل بمستشفى 20 غشت بالدار البيضاء.
في شهر يونيو الماضي، تغيرت حياة هذه الطفلة البالغة من العمر 14 سنة إلى الأبد، ولن تعود بعد عطلة الصيف لمتابعة دراستها في التاسعة أساسي بتارودانت. بدأت مأساة جهاد ذات ليلة بالتهاب في اللوزتين مصحوب بحمى شديدة، فأخذها والداها إلى المستشفى، لكن حالتها لم تتحسن رغم تناولها الأدوية. تطور المرض الغريب بشكل مفزع بعد أن تورمت لثتها واختفت الأسنان وسط كتلة من اللحم انتشرت بسرعة في فمها ولم تعد قادرة على الأكل، وبعد إجراء التحليل الطبي أخبر طبيب المستشفى الإقليمي أبوي جهاد بأن عدد الكريات البيضاء في جسم ابنتهما أكبر من عدد الكريات الحمراء. تسترجع نعيمة تلك الذكريات بحزن قائلة: «قصدنا مصحة خاصة بأكادير وهناك سمعنا الخبر المفجع الذي أكده الأطباء لنا: ابنتي مصابة بسرطان الدم، وعلينا نقلها إلى مستشفى 20 غشت لتلقي العلاج، عند ذاك تغيرت حياة أسرتنا».
أصبح السرير وقارورة «السيروم» مرافقين لجهاد التي أجرت أول فحص لها بالأشعة، قبل أن يجري لها طبيب القسم العلاج الكيميائي، لكن جسدها الصغير رفض الاستجابة في الحصتين الأولى والثانية، وهي تنتظر إجراء الحصة الثالثة، وتتناول يوميا عقاري «تيينام» و«فانكوميسين» اللذين يكلف شراءهما ميزانية باهضة.
زينت إدارة جناح المستشفى غرف «الملائكة الصغار» بصور كارتونية لشخصيات أحبوا مشاهدتها في التلفزيون. «أنا أحس بالقنوط والملل هنا وعندما تنخفض مناعتي لا أستطيع الأكل، أريد أن أغادر هذا المكان بسرعة فأنا أحب البحر وأريد أن أتمشى على رمال الشاطئ» تردد جهاد بخفوت. في حال ما لم تستجب هذه الطفلة للعلاج في آخر حصة بالعلاج الكيماوي، ستضطر إلى السفر إلى الخارج لزراعة النسيج العظمي لها. ويؤكد محمد حريف، أستاذ كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، أن العلاج الكيمياوي أدخل ثورة في علاج السرطان، لأنه يدمر الخلايا السرطانية حتى غير الظاهرة منها رغم تواجدها البعيد عن الورم الأصلي، بينما تعد عملية زرع النخاع هي أخطر العمليات لأن المريض يمر بمرحلة حرجة جدا قد تدوم عشرة أيام إلى شهر أو أكثر يكون فيها غير قادر على إنتاج خلايا الدم. وفي انتظار بدء النسيج في إنتاج هذه الخلايا تكون مناعة المريض في أدنى مستوياتها نظرا لنقص الخلايا البيضاء.
لعب وسيروم
توفر قاعة الألعاب فضاء للاستراحة للأطفال المصابين بالسرطان والخاضعين للعلاج، وهو ما جعل هاجر تغادر سريرها لكي تلعب قليلا وقارورة «السيروم» لا تفارقها. «مزاج الأطفال هنا يتغير، فتارة تكون معنوياتهم مرتفعة، وتارة يتسرب الحزن إليهم، يتوقف الأمر على نوعية الأدوية ونوعية حصص العلاج التي يخضعون لها» توضح مونية، إحدى المربيات اللواتي يدرسن بالقاعة. يتابع المرضى الصغار هنا دروسهم التي لم يستطيعوا الاستفادة منها في المدرسة لكي يتفادوا مرور سنة بيضاء في مشوارهم الدراسي. لكن على عكس أقرانهم، سرعان ما يتسلل الملل إليهم أثناء الحصص بعد ساعة من الزمن ويطلبون من المدرسة أن تتوقف عن الشرح لإحساسهم بالتعب. تداوم هاجر التي بدأت العلاج قبل أشهر على التردد على القاعة بشكل منتظم لقراءة قصص السندباد ومتابعة دروس السنة الثالثة ابتدائي. بشعرها الخفيف بعد أن تساقط معظمه ونظراتها الهادئة، تحاول هاجر بناء بيت بلاستيكي، وعندما تسألها المدرسة عن أحوالها تقول إن الطبيب يعطيها الدواء كي لا يعود «الولسيس» للظهور من جديد.. لا تخفي المربية سمية أنها تحس بعاطفة تجاه هؤلاء الأطفال المرضى وتريد دائما أن تلبي أي شيء يطلبونه دون أن تفرض عليهم أي قيود.
تكلفة العلاج
يكلف علاج السرطان حسب إحصائيات طبية ما بين 20 ألفا و150 ألف درهم، وتتوقف نسبة من المرضى عن متابعة العلاج بسبب غلاء الأدوية، فيما تقدر النسبة السنوية الحالية للإصابة بالسرطان بالمغرب بما بين 100 و180 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهو ما يناسب 30 ألفا إلى 54 ألف حالة جديدة.
ويستقبل قسم أمراض الدم والأنكولوجيا الخاص بالأطفال بمستشفى 20 غشت في الدار البيضاء 250 حالة سنويا ويعمل به ستة أطباء، وصرح البروفيسور سعيد بنشقرون رئيس القسم أن أربع حالات من أصل ست تُشفى نهائيا من السرطان، ويضيف في تصريح ل«المساء»: «نعالج سنويا ثمانين حالة مصابة باللوسيميا، ومع ازدياد الوعي بخطورة السرطان لدى الأطفال، تأتي الحالات إلى المستشفى بشكل مبكر مما يرفع من نسب الشفاء».
شهد القسم دينامية متجددة بعد تأسيس جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان، التي أشرفت على تجهيز مرافقه. وعلاوة على شراء أدوية مضادة للخلايا السرطانية لفائدة المرضى المحتاجين، توفر الجمعية تكوينا دقيقا في هذا التخصص لفائدة مهنيي قطاع الصحة بالمغرب والخارج.
وبخصوص الآفاق المستقبلية لجمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان، من المقرر إطلاق العديد من المشاريع الهامة خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن توسيع مجال وتعميم المشاريع الحالية، وهي الخطة الوطنية للوقاية ومراقبة داء السرطان، وبناء وتجهيز مركزين للأنكولوجيا بطنجة ومراكش، وبناء وتجهيز دارين للحياة لفائدة الأطفال بالدار البيضاء ومراكش، وإحداث مركز للتكوين المستمر بالرباط.
معاناة
في الصيف الماضي، انتابت الحمى محسن فجأة وانتقلت إلى اللوزتين، ولم تتوقف آلامه رغم تناول الدواء، وبسبب فقر أسرته ظل الجميع ينتظر شفاءه لمدة شهرين، دون جدوى. بعد ذلك تكون لديه ورم في العنق وكشفت التحاليل الطبية عن إصابته بسرطان الدم. ومنذ شتنبر الماضي، انتقل محسن (6 سنوات) إلى مستشفى 20 غشت ليبدأ رحلة العلاج. بدت والدته سعيدة هذا الصباح بعد أن أخبرها الطبيب المشرف على حالة ابنها أنه سيغادر المستشفى هذا اليوم، شريطة إعادته بشكل مستعجل في حالة ما ارتفعت درجة حرارته. «بسبب فقر والده، يتكفل عمه بالعلاج والحمد لله استجاب جسده للعلاج وكنت سأفرح به هذه السنة، (في السنة الأولى بالمدرسة)، لكن الظروف شاءت عكس ذلك» تقول والدته وهي تساعد ابنها برفق على ارتداء ملابسه استعدادا للخروج. لم يصدق محسن أنه سيغادر السرير أخيرا رغم أن علاجه مازال مستمرا، لذا فهو مضطر للبقاء في الدار البيضاء لكي يكون تحت الإشراف الطبي للتأكد من اختفاء المرض. بجانب سرير محسن، يتمدد المراهق رشيد، الذي تقول والدته إن نفسيته منهارة ولا يعلم أصلا أنه مصاب بالمرض «الخايب» وقد أجرى الحصة الأولى من العلاج الكيماوي ولا يقبل بزيارة أحد.
لا يعرف الأطفال معنى السرطان، لذا يخبرهم الأطباء وذووهم أنهم مصابون بمرض أو بميكروب في الدم، والانتهاء من العلاج لا يعني الشفاء التام، فمن خاصية السرطان إمكانية العودة بعد أشهر أو سنين بعد العلاج، لذلك تكون المراقبة ضرورية جدا. من النادر أن يعود المرض بعد خمس سنوات لذلك تهدف المراقبة أساسا إلى البحث عن الآثار البعيدة للعلاج. يصل ثمن ثلاثة أدوية مشتركة، عبارة عن مضادات حيوية تعطى إجباريا للطفل المريض، ألف درهم، وعكس سنوات الثمانينيات، انخفضت نسبة الوفيات بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي..
لم يكن مصطفى يعلم أن آلام القدمين التي كان يشتكي منها ابنه أيوب ستكون بتلك الخطورة التي لم يتوقعها أبدا. كغيره من شباب الحي بدوار أولاد فرج بسيدي بنور، يفضل أيوب (14 سنة) مزاولة هوايته وهي كرة القدم مع أصدقائه بعد أن غادر المدرسة في مستوى السادس ابتدائي. أحس في شهر أبريل الماضي بآلام مبرحة في قدمه اليمنى، واعتقد والده في بداية الأمر أن السبب يعود إلى خشونة تعرض لها أثناء لعبه كرة القدم، لذا لم يعر ذلك أي اهتمام. بعد أن تحولت الآلام إلى القدم الأخرى، بدأت الشكوك تساور بال الأب العاطل عن العمل الذي عرض ابنه على طبيب مختص كشف له بعد إجراء جملة من التحاليل والأشعة عن إصابة ابنه بالسرطان. يرقد أيوب في مستشفى 20 غشت منذ شهر يوليوز الماضي، ومازال تحت الرعاية بعد إنهائه أربع حصص في العلاج الكيماوي. يردد والده في أسى: «أبيت في أي مكان أجده في هذه المدينة لكي أكون إلى جانب ابني، والدته مصابة بمرض نفساني ولا تستطيع القدوم لزيارته. نفسية ابني متقلبة وورقة الاحتياج ساعدتني كثيرا في الحصول على الأدوية، لكن الآن لم يعد لي المال لمتابعة علاجه». بعد أن عاد أيوب ليلة أمس من المرحاض، أحس بدوار مفاجئ وسقط على جانب السرير ليصاب بجرح في الذقن تم رتقه بشكل مستعجل. «يسألني دائما عن إخوته ويخبرني أنه اشتاق إلى رؤيتهم كثيرا». يتابع أيوب حديث والده بنظرات صامتة، ويمضي والده متابعا في وجوم: «ابني لديه قوة صبر كبيرة، واللي جاتنا من عند الله مرحبا بيها..».
تضامن اجتماعي
في السرير المقابل لأيوب، يرقد طفل ضعيف البنية لا يتوقف عن التأوه والألم، فيما ترفع والدته يده اليسرى وتضغط على الكف وهو يتوسل إليها أن تستمر في ذلك. عانى محمد منذ 49 يوما من آلام في كتفيه وفي العمود الفقري، ومنذ ذلك الوقت لا تفارقه آلام أشبه بلسعات كهربائية، لذا لا تفارقه والدته التي تخفي ملامحها الذابلة اللوعة والحزن على مرض ابنها. بعد أن علم الجيران بوضعية محمد، بدؤوا في جمع المال للأسرة التي يعاني معيلها من البطالة، وأعطوا المستشفى مبلغ 4 آلاف درهم لإجراء فحص الراديو والأشعة. بعد ذلك بدأ الزوج في تحضير الوثائق للحصول على شهادة الاحتياج. حاولت الأم دون جدوى مغالبة دموعها وهي تتحدث إلى «المساء» عن حالة ابنها مرددة بخفوت: «لديه بعد ساعات أولى حصص العلاج الكيماوي، ولقد حقنوه أمس بأربع حقن من هذا الدواء (تشير إلى المورفين) وهو لا يستطيع تناول الطعام كما أنه مصاب بالإمساك». يتابع محمد حديث والدته باهتمام ويخبرها أنه لا يستطيع التحكم في أي عضو من جسده المرتعش سوى يده اليسرى، وطلب من والدته أن تساعده في التبول عبر الأنبوب المؤدي إلى القنينة المعدة لهذا الغرض. بكلمات واهنة يقول محمد: «كلما تحركت في السرير أحس بآلام كبيرة، لم أنعم بالنوم طيلة أربع وعشرين يوما قضيتها في البيت قبل مجيئي إلى هنا». تتمنى الأم المبيت إلى جانب ابنها لكي تتابع وضعه الصحي، لكن قوانين المستشفى لا تسمح بالمبيت سوى لآباء الأطفال الذين يقل عمرهم عن خمس سنوات.. يأتي الأب للاطمئنان عن ابنه ويخبرها أنه حصل أخيرا على شهادة الاحتياج..
بإحدى حقول الزيتون ببني ملال، تعمل رشيدة (18 سنة) في جني الزيتون لادخار المال من أجل إعانة أسرتها الفقيرة. تحسست ذات يوم عنقها لتكتشف وجود ورم به، لم تمض أيام حتى بدأ ظهرها يؤلمها، وطلبت من إحدى جاراتها أن تدلكه لها لكي يتوقف الألم، لكن عنقها انتفخ فجأة وظهرت الأورام بجسدها. اكتشفت إصابتها بمرض السرطان في مستشفى بني ملال فأرسلتها الإدارة إلى الدار البيضاء لبدء العلاج. تمسح الدموع من عينيها وهي تتذكر هذه التفاصيل التي مرت عليها أكثر من ستة أشهر. «أنا هنا لوحدي، أركب الحافلة من بني ملال إلى البيضاء للعلاج، والمحسنون يساعدونني في توفير الأدوية التي لا أتوفر على ثمنها. لم يرافقني والدي إلى هنا أبدا وبعد إنهائي حصص العلاج الكيماوي أحس أنني أتماثل للشفاء».
تجد الممرضات والموظفات صعوبة في وصف المعاناة الإنسانية التي يكابدها الأطفال وآباؤهم في قسم أمراض السرطان: من أزواج انفصلوا عن بعض بسبب مرض أحد أطفالهم، إلى طفل لا تأتي والدته لرؤيته أبدا في المستشفى، مرورا بآباء لم يتحملوا المصاريف البالغة للعلاج فانسحبوا في انتظار الرحمة الإلهية... تقول إحداهن: «يقتسم المعاناة هنا الفقير والغني على حد سواء. لكل ظروفه المتباينة لكن الألم واحد. نحن نعيش مظاهر هذه المعاناة وأصبحت جزءا منا تماما مثل فصول السنة».
تقدم الخدمات العلاجية ترفع نسب شفاء الأطفال من السرطان
أصبح شفاء الأطفال من مرض السرطان ونجاتهم منه أكثر تحققا من أي وقت مضى بفضل التطور في الطب خلال السنوات ال 30 الماضية. توجد الآن عقاقير طبية أفضل من الناحية العلاجية وأقل في آثارها الجانبية. كما أن طرق التقليل من الآثار الجانبية تنوعت وزادت فعاليتها، مما ساهم في زيادة نسب نجاح العلاج.
أمراض سرطان الأطفال ليست مثل أمراض السرطان لدى البالغين. كما أن علاجها يختلف أحياناً ونسب النجاح فيها أعلى، وهي قد تحدث فجأة وبدون أعراض مبكرة. لذلك من الضروري عدم المقارنة بين أمراض السرطان لدى الأطفال وبين هذه الأمراض لدى البالغين حتى وإن كانت متشابهة.
بعد أن يفحص الطبيب الطفل المصاب بالسرطان، يجري سلسلة من الفحوصات حتى يستطيع تمييز نوع السرطان عند الطفل، حجم الورم، وإن كان موجودا في الغدد اللمفاوية، وهل انتشر أم لا. في اللوكيميا مثلا يفحص الطبيب نخاع العظم، الكبد، الطحال والعقد اللمفاوية القريبة. ومن الفحوصات التي قد يطلبها الطبيب الأشعة السينية، الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي.
عندما يشخص الطفل المصاب بالسرطان، تُواجه الوالدان حالات صعبة يحتاجان فيها إلى اتخاذ قرار بشأن علاج الطفل. ومن الضروري أن لا يتردد الآباء في طلب رأي طبيب آخر إذا كان ذلك ضرورياً أو أن التشخيص غير واضح. قبل شروع الطفل في العلاج، يضع فريق طبي خطة علاج تلخص نوع العلاج الذي سيستخدم، وبأي طريقه وكم سيدوم ذلك العلاج.
ويعد سرطان الدم أكثر أنواع السرطان انتشارا عند الأطفال، فقد يصيب من 40 إلى 50 في المائة بين كل مليون طفل، أما نسبة إصابة الأطفال بشكل عام بكل أنواع السرطان فتتراوح ما بين 200 و 250 طفلاً بين كل مليون طفل، ونسبة الشفاء من سرطان الدم في حالة إصابته الغدد اللمفاوية تصل إلى 85 في المائة، أما إذا أصاب الغدد العنقودية فلا تتجاوز 50 في المائة، وفي حالة استبدال النخاع العظمي تتراوح بين 41 و 50 في المائة.
يستطيع السرطان أن يصيب كل المراحل العمرية عند الإنسان حتى الأجنة، ولكن تزيد مخاطر الإصابة به كلما تقدم الإنسان في العمر. ويسبب السرطان الوفاة بنسبة 13 في المائة من جميع حالات الوفاة. ويشير مجتمع السرطان الأمريكي ACS إلى موت 7.6 ملايين شخص مريض بالسرطان في العالم في عام 2007. وكما يصيب السرطان الإنسان فإن أشكالا منه تصيب الحيوان والنبات على حد سواء.
في الأغلب، يعزى تحول الخلايا السليمة إلى الخلايا سرطانية إلى حدوث تغييرات في المادة الجينية/المورثة. وقد تسبب هذه التغيرات عوامل مسرطنة مثل التدخين أو الأشعة أو مواد كيميائية أو أمراض مُعدية (كالإصابة بالفيروسات). وهناك أيضا عوامل مشجعة على حدوث السرطان مثل حدوث خطأ عشوائي أو طفرة في نسخة الحمض النووي عند انقسام الخلية أو بسبب توريث هذا الخطأ أو الطفرة في الخلية الأم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.