انتخاب رئيس جديد على رأس الإتحاد الإسباني لكرة القدم    مندوبية السجون تقرر إغلاق السجن المحلي المعروف ب"سات فيلاج"    كأس الكاف .. نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراته أمام اتحاد العاصمة الجزائري    جماهير اتحاد العاصمة تثور على السلطات الجزائرية بسبب المغرب    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك        احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"        تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة الأراضي المنخفضة والملكة ماكسيما بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بعد حوار أخنوش للي أكد فيه بلي مكايناش سنة بيضاء.. طلبة الطب: أجلنا المسيرة الوطنية ومستعدين للحوار    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاجعة منى.. شهادات صادمة عرت سوء التنظيم
نشر في المساء يوم 04 - 10 - 2015

كثير من الحجاج المغاربة الذين عادوا خلال اليومين الماضيين سيتذكرون بمرارة صور إخوانهم الذين قضوا نحبهم في أخطر حادث تعرفه الديار المقدسة منذ أزيد من ربع قرن. هذا الحادث الذي خلف عددا ضخما من الضحايا وضع المملكة العربية السعودية باعتبارها الجهة المشرفة على تنظيم هذه الشعيرة في موقف محرج أمام السؤال الحارق الذي ظل يؤرق الجميع بخصوص الأسباب التي أدت إلى الحادث المفجع، الذي ظل لأيام الموضوع الرئيس لكبريات القنوات العالمية.
إن عدد الضحايا الذين سقطوا في يوم واحد خلال حادث منى لا يسجل حتى في أشد الحروب ضراوة ومن تم فعلى المسؤولين السعوديين فتح تحقيق لمعرفة المسؤول عن الحادث، والأكيد أن الإجراءات التي اتخذها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، من خلال إعفاء وزير الحج السعودي بندر بن حجار و5 من مسؤولي الوزارة وجهاز الأمن، على خلفية حادث منى أمر جيد من شأنه يجنب البلاد مثل هذه الحوادث القاتلة.
هذه الإعفاءات تؤكد أن القيادة السعودية لم تكن راضية عن كيفية تدبير مسؤوليها المكلفين بملف الحج لموسم هذا العام الذي عرف حادثين مأساويين الأول تسببت فيه رافعة سقطت على الحجاج الآمنين، والثاني تسبب فيه تدافع الحجاج فيما بينهم بفعل إغلاق المسؤولين للطريق رقم 204 التي كانت تضم آلاف الحجاج الذين اضطروا للوقوف فترة طويلة قبل أن يتم فتحها أمامهم من أجل رمي الحجرات إكمالا للمناسك.
وبخلاف الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية من أجل عدم تكرار ما جرى فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باعتبارها المسؤول الأول عن الحجاج المغاربة بالديار المقدسة من خلال البعثة المغربية، لم تتخذ أي قرار من أجل تحسين ظروف المغاربة الذين اشتكى كثير منهم من عدم فعالية ونجاعة البعثة المغربية وساهمت وسائط التواصل الاجتماعي في نقل الظروف المزرية التي يعيش فيها الحجاج المغاربة الذين يؤدون المناسك مع وزارة الأوقاف.
إن الجميع شاهد الحجاج المغاربة الذين تعالت أصواتهم، بعد أن فضحوا واقعهم المزري من خلال تنظيمهم وقفة احتجاجية أمام الخيام التي كانوا يعيشون فيها، واشتكوا خلالها من ضعف التنظيم وتدني الخدمات وعدم توفير وسائل كافية لنقلهم من مكة إلى منى لأجل الوقوف بعرفات ثم الانتقال إلى مزدلفة، معربين عن أسفهم العميق واضطراهم إلى المبيت في الشارع بدون ماء ولا دواء، بعدما فقد البعض أغراضهم ومنهم مصابون بأمراض السكري والربو على الرغم من كون الوزارة رفعت تكاليف الحج هذه السنة بما يقارب 4 آلاف درهم.
لقد حان الوقت لوقف مسلسل الإهانات التي يتعرض لها الحجاج المغاربة الذين يؤدون المناسك مع وزارة الأوقاف بتحسين ظروف عيشهم خلال أدائهم للمناسك وتقديم جميع الخدمات الأساسية التي يحتاجونها مع التدخل لدى السلطات السعودية من أجل حل جميع المشاكل التي يمكن أن تصادفهم، وهذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال اعتماد استراتيجية جديدة من طرف الوزارة وتغيير المسؤولين عن البعثة الرسمية الذين نراهم كل سنة، والذين أظهروا تقصيرا في خدمة الحجاج المغاربة.
لقد عاشت كثير من الأسر المغربية بعد حادث منى لحظات مرعبة بمجرد أن أعلنت القنوات العالمية عن حادث التزاحم الذي خلف وفاة 769، غير أن جهود كثير من العائلات ظلت سلبية نظرا لعدم نجاحها في التواصل مع الحجاج عبر الهاتف، وكذلك لعدم وجود رقم هاتفي خاص ببعثة الحج المغربية التي تلقت كثيرا من الانتقادات بسبب ما اعتبر تقصيرا من جانبها في رعاية مصالح الحجاج المغاربة داخل المملكة العربية السعودية وعدم العمل بالسرعة والنجاعة المناسبتين من أجل إبلاغ العائلات بمصير الحجاج الذين قتلوا أو أصيبوا أو اعتبروا مفقودين خلال حادث منى.

قصص وشهادات صادمة لمفجوعين مغاربة فقدوا ذويهم في الحج
مغربية وزوجها ماتا تحت الأقدام وآخر اختناقا وحجاج خرجوا من مستودع الأموات
في الوقت الذي كتبت فيه هذه السطور لجرد معاناة يصعب وصفها بجرة قلم لحجاج مغاربة فقدوا في مأساة منى، كان عدد من الحجاج اليائسين مازالوا يبحثون عن أقاربهم وأصدقائهم في أقسام المستشفيات أو في المشرحة في منى، بعد أيام من كارثة تدافع الحجاج، لكنهم لا يعثرون عليهم، كما لم يتم بعد التعرف على هوية الحجاج الذين قضوا في حادث التدافع في منى قرب مكة المكرمة، خلال شعيرة رمي الجمرات في موسم الحج لهذا العام. الأخبار التي تصل من الحج عن جثث الموتى بمستشفى منى ليست كالحكايات التي يقصها من تجرعوا مرارة الإفلات من الموت أو حتى الخروج من مستودع الأموات بعد أن وضعوا في المكان المخصص للصناديق الحديدية التي عادة يجري الاحتفاظ فيها بالموتى.
جلال رفيق
الشهادات التي نقلها حجاج مغاربة أفلتوا من الموت بأعجوبة بعد مأساة التدافع في منى لها قاسم مشترك بعد أن أجمع أصحابها بأن الصور البشعة التي التقطوها يصعب تحويلها إلى كتابة كيفما كان تطويع اللغة لوصف الصورة بتفصيل، القصص الكثيرة تجتمع لوصف معاناة العجائز والنساء الذين كانوا أول الضحايا، حيث سقطوا وداسهم آخرون تحت أقدامهم، وتنتقل لتصف كيف اختنق الرجال بعد تدافع وسط حرارة تجاوزت ال50 درجة، ثم عرجوا نحو أسباب الحادثة وتعامل السلطات السعودية مع المغاربة وباقي الحجاج من مختلف الجنسيات فقط بلغة الإشارات.
هكذا رحلت لغدايش وزوجها
فاطمة لغدايش التي لم تتجاوز عقدها الرابع اختارت رفقة زوجها ابوبكر بوفتاس التوجه نحو إحدى وكالات الأسفار المعروفة بالدار البيضاء دون أن تعلم ما يخفي لها القدر ودون أن تدرك أن الطائرة التي ستقلها رفقة زوجها لن تعود على متنها، بل ستصل صورتها فقط رفقة زوجها لتدرج في مواعيد نشرات الأخبار وتعلن أنهما من بين الحجاج المغاربة الذين فارقوا الحياة بعد حادث تدافع الحجاج في مشعر منى، والذي ذهب ضحيته 717 حاجا.
مأساة فاطمة يحكيها والدها الحاج قاسم لغدايش البالغ من العمر 75 سنة، والموجود رهن الاعتقال الاحتياطي بالمركب السجني عكاشة لثلاث سنوات بعد متابعته باستعمال وثيقة عرفية مزورة، إذ يوضح حسب ما نقل إليه من شهادة أحد أصهاره الذي كان رفقة ابنته وزوجها والذي قال ل»المساء» «أثناء السير في اتجاه الجمرات، فوجئت بتوقف سير الحجاج بشكل غريب، وما هي إلا دقائق حتى قدمت دفعات من الحجيج من الخلف وحصل تدافع شديد.
ويتابع روايته موضحا ما حدث بعد ذلك، قائلا أخذ الجميع يصرخ بصوت عال، وكبار السن سقطوا على الأرض، وظلت الحادثة قائمة حتى تدخلت الجهات المختصة من فرق طبية وأمنية لإنقاذنا، وتعرضت لضربة في الرأس فقدت بعدها الوعي. ثم رفع الحاج يديه إلى الله يحمده على أنه نجا من هذه الحادثة، غير أن صدمته كانت كبيرة حين علم أن شقيقه وزوجته فارقا الحياة في أوضاع أقل ما يمكن أن توصف به أنها كارثية.
الحاج قاسم لغدايش والد فاطمة التي توفت بمستشفى منى رفقة زوجها بالسعودية يحكي بمرارة عن اللحظات الأخيرة لابنته وزوجها حين جرى إخبارهم من طرف الأمن السعودي رفقة مئات الحجاج بأنهم ملزمون بالتوقف نظرا لمرور موكب رسمي، غير أنهم فوجؤوا بأفواج من الحجاج قادمة نحوهم دون توقف، إذ أشار إلى أن الكثافة كانت عالية جدا ما جعل حركات الجسد تحول القوة إلى الأجساد الأخرى لتتراكم هذه القوى لتخلف تحركات داخل الحشد لا يمكن السيطرة عليها، وقال نتيجة لذلك سقط أناس على الأرض وسحقهم الآخرون. ومات المئات اختناقا بعدما سقط آخرون فوقهم.
قاسم لغدايش الذي يوجد وراء القضبان بسجن عكاشة وجه نداء استغاثة إلى الديوان الملكي لإطلاق سراحه بشروط الضمانات ومحاكمته في حالة سراح فقط لرعاية 3 أيتام أصغرهم سنا يبلغ من العمر تسعة أشهر فقط، في حين كبيرهم لم يتجاوز سبع سنوات، وهو الأمر الذي حز في نفسه بعد أن فقد ابنته وزوجها، دون أن يحضر حتى مراسيم الجنازة في بيتهما بالحي الحسني بالدار البيضاء.
جميع أقارب الضحية لغدايش التي فارقت الحياة إثر مأساة التدافع يؤكدون أن عدد المغاربة المتوفين يتجاوز العشرات نظرا لاتصالهم بأكثر من وكالة أسفار تبين أن أغلبها فقدت أكثر من عشرة حجاج، فعلى سبيل المثال وكالة الأسفار التي سافر عن طريقها الضحية بو بكر بوفتاس وزوجته لغدايش فقدت لوحدها 11 حاجا علما أنها تكلفت بإجراءات سفر 60 حاجا مغربيا فقط.
لوعة الفراق والحرمان أربكت الحاج لغدايش الذي تمنى الموت قبل ابنته وهو القابع وراء القضبان، كلامة مرتبك وجمله غير متسلسلة جعلت الدموع تغالبه وهو يدعو لابنته بالرحمة رفقة زوجها لينقطع اتصاله مع «المساء» في صورة درامية حزينة لا تتكرر.
قرعة ثم احتفال
ثم موت تحت الأقدام
كانت فرحة الحاج محمد كبيرة حين شاءت الأقدار أن يصعد اسمه صمن المرشحين لقرعة الحج، الأمر الذي جعله يختار أن يحتفل بتنظيم حفل ببرشيد جمع فيه أصحابه من الحجاج وبعض أفراد عائلته دون أن يعلم أنه حفل وداع أخير، لأن المعروف بلقب «الحريزي» كانت رحلته الأخيرة إلى بيت الله.
يقول صديق الحاج محمد الذي فارق الحياة بدوره بعد 6 أيام من رحلة البحث عليه لأنه كان من ضمن المفقودين، يقول صديق عمره الذي عاد في أول رحلة للحجاج المغاربة «لم أستسغ بعد خبر رحيله، في بداية الأمر بدا علي التوتر والقلق بعد جدل حاد مع موظفي الاستقبال في مستشفى منى للطوارئ: «يقولون إن اسمه ليس مسجلا».
ويضيف الحاج، أنه بحث عن صديق عمره البالغ من العمر 66 عاما، موضحا: «لقد زرت جميع المستشفيات ولم أتمكن من العثور عليه، قالوا لي اذهب إلى المشرحة ولم نجده لا بين الجرحى ولا بين الموتى».
وفي الطابق العلوي، للمستشفى التقيت مغاربة كانوا يتنقلون من غرفة إلى أخرى بحثا عن زوجاتهم، وكان هناك حجاج في حالات هستيرية لأنهم لم يصدقوا أنهم فقدوا أقاربهم في رمشة عين، مشيرا إلى حالة مغربي كان يصعد وينزل السلالم باستمرار بحثا عن والدة صديقه البالغة من العمر 60 عاما لكن دون جدوى، ولم يعد بالإمكان الاتصال بها بعد أن أغلق هاتفها منذ الكارثة.
وقال «أول ما فعلناه هو التحقق مما إذا كانت بين الموتى في مشرحة المعيصم (في منى)، لكننا لم نعثر عليها، وبعد ذلك بدأنا التوجه من مستشفى إلى آخر».
وأثناء ذلك، كان الشاب المغربي يعرض صورة المرأة المفقودة على هاتفه المحمول، وقال: «لدي اسمها وصورتها، وذهبت إلى مكتب المعلومات، وقالوا إنها ليست هنا، وذهبت للبحث عنها في وحدة العناية المركزة وغيرها من الغرف».
وعند مكتب المعلومات يضيف صديق الحاج محمد، وقفت امرأة مغربية وبصحبتها زوجها تسأل عن شقيقها البالغ من العمر 43 عاما، وبحث الزوجان المتعبان في جميع المستشفيات طابقا طابقا للعثور عليه.
وأحالهم المسؤولون إلى مشرحة المعيصم، إلا أنهم لم يعثروا على جثته، وكان زوج المرأة يبكي لبشاعة ما شاهده في المشرحة.
ويضيف صديق الضحية «الحريزي» لم ننم ولم نأكل لأزيد من ثلاثة أيام لهول ما شاهدناه من صور بشعة في المشرحة وحجم المأساة التي لا يمكن وصفها بالكلام فقط.
مفقود بمكة ومفجوعون بالمغرب
قسمت المعاناة إلى قسمين بين من يوجد في أرض الله الحرام، ومن هم في المغرب من يوجدون هناك بعيدا يفتك بهم هول ما وقع، بين من سقط جريحا أو متوفى، أو من انقطعت به السبل في ظل فوضى عارمة، ومن يوجدون هنا في المغرب حيارى ويتعقبون الأخبار بعد أن انقطع الاتصال بذويهم.
قصة عارضة الأزياء المغربية ليلى الحديوي كانت مثالا لقصص توليد اليأس والضياع لذوي الحجاج في المغرب، فبعد أن تناقلت العديد من المنابر الإعلامية نبأ وفاة والد عارضة الأزياء المغربية ليلى الحديوي، التي مازالت وعائلتها لم يتوصلوا بالخبر اليقين حول مصير والدها المختفي في مكة المكرمة، لم تجد الأخيرة بدا من الانتفاض في وجه كل شخص يعزيها في والدها وهي لا تعرف حتى إن كان فارق الحياة أو مازال ضمن المفقودين، الأمر الذي جعلها تكتب بالحرف على حائطها بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك «توقفوا عن كتابة رسائل التعازي لي فهي تؤذيني أبي لم يمت طالما لا يوجد شيء رسمي، يوجد أمل».
قلة المعلومات الموثوقة ساهمت في توليد اليأس والضياع لذوي الحجاج في المغرب، عشرات آلاف الأسر بقيت معلقة تترقب أي جديد، دون أن تحصل على خبر موثوق، إلى أن مر يوم عيدها مأساويا وحزينا.

تدبير أزمة «فاجعة منى» الذي تجاوز «الأوقاف» و«الخارجية»
يوسف منصف
في وقت الأزمات يشتد الطلب على المعلومة والأخبار، حيث تظهر الأهمية القصوى للفعل التواصلي لأجل تنوير الرأي العام ومتابعة أطوار فصول الأزمة بطرق احترافية..وليس عبر بيانات متشظية ومعطيات ناقصة.
تلك كانت معالم الحملة التواصلية التي قادتها كل من وزارتي الأوقاف والشؤون الإسلامية والخارجية، على ضوء الأحداث التراجيدية لمشعر منى التي ذهب ضحيتها مئات زوار بيت الله، منهم مغاربة لازال يجهل لحد الساعة عددهم الحقيقي أو وضعياتهم الصحية بدقة. حيث أظهرت المواكبة الرسمية للفاجعة ضعف الجانب التواصلي لدى مؤسسات قطاعية كان المفروض أن تكون متمرسة على إدارة «حملات تواصل» في هكذا ظروف استثنائية.
وقع الحادث يوم الخميس الماضي، وأوضحت سفارة المملكة، في بيان صحفي أن بعثة الحج المغربية بادرت إلى التنسيق مع مصالح السفارة والقنصلية العامة بجدة لتتبع الوضع وإيفاد مندوبيها لزيارة المستشفيات ومستودع الأموات في كل من منى ومكة المكرمة، للتأكد من سلامة الحجاج المغاربة. وتأخرت السفارة المغربية كثيرا قبل الإعلان عن الحصيلة الأولية لضحايا مغاربة سقطوا في الحادث.
فقبل بلاغ الديوان الملكي، الذي صدر يوم السبت وأكد وفاة ثلاثة مغاربة في الحادث، صدر عن السفارة المغربية في الرياض، بلاغان فقط يؤكدان أنه لم يتم تسجيل وفيات في الحادث، وأن عملية البحث لازالت مستمرة.
على ضوء تأخر إعلان لائحة المتوفين والمصابين بفاجعة منى، سادت حالة من الحيرة والتوجس في صفوف عائلات وذوي الحجاج المغاربة، سيما وأن الحادث وقع في بداية ثلاثة أيام «رمي الجمرات» الذي يصادف إقامة الحجاج بمخيمات منى التي يصعب منها الاتصال المباشر للحجاج مع ذويهم..
حالة الحيرة والتوجس التي تعيشها عائلات الحجاج، وخلفهم الرأي العام المغربي، وانتشار الإشاعات حول وفاة حجاج من مختلف مناطق المملكة، بقيت هي السائدة، إلى أن أصدرت وزارة الخارجية والتعاون بلاغا تسرد فيه لائحة أولية للوفيات والجرحى، وكذا المفقودين في الحادث الذي أودى بحياة أكثر من 700 شخص.
تقاطر الأخبار الشحيحة عن الفاجعة وتداول صور الضحايا والجرحى للتعرف عليهم من طرف ذويهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي ناب عن القطاعات الوصية. ويضع الاستراتيجيات التواصلية لمؤسسات الدولة محط تساؤل وانتقاد، خاصة في فترات الأزمات..على غرار سوابق الفواجع السابقة الطبيعية التي–عادة- ما يقع تضارب في المعطيات المتعلقة بها ومواكبتها بطريقة تواصلية مرتجلة.
فبالنسبة لوزارة الأوقاف، لم يكن أحمد التوفيق، موفقا البتة في تعاطي وزارته أكثر من مرة مع الأحداث المفجعة التي شهدتها الديار المقدسة، حيث لزمت وزارته المشرفة على تنظيم الحجاج المغاربة وشؤونهم، صمتا مريبا ومطبقا، أمام حادثتين مؤلمتين تجاورتا في الزمن، واتحدتا في المكان، سقوط الرافعة التي أودت بحياة عشرات الحجاج، منهم حاج مغربي، ثم كارثة التدافع في منى، والتي أزهقت فيها أرواح المئات من الحجيج.
وركنت وزارة التوفيق إلى الصمت إزاء عدد الضحايا المفترضين للحجاج المغاربة في فاجعة منى يوم عيد الأضحى المبارك، تاركة الأمر على عواهنه بيد سفارة المغرب في الرياض، دون أن تكلف نفسها عناء التواصل مع المغاربة، واتخاذ التدابير اللازمة لطمأنة العديد من الأسر بشأن ذويهم الذين ذهبوا لأداء الفريضة بمكة المكرمة.
الأزمة تجاوزت القطاعات الوصية
بالمقابل، يؤكد الخبير في التواصل محمد العلالي أن الدولة المغربية لم تكن غائبة، أو لا مبالية اتجاه أزمة الحجاج فرغم خصوصية الواقعة المأساوية التي جرت على بعد آلاف الكيلومترات من البلاد ووجود عنصر آخر متعلق بالدولة المستقبلة للحجاج، إضافة إلى ترابط الحادث مع جنسيات العديد من الحجاج.. يقول العلالي: «رأينا أن الهيئات المعنية نشرت المعلومات المتوفرة في بداية الأزمة ومدت الناس بالمعلومات المتوفرة، كما خاطبت الرأي العام الوطني من أعلى المستويات في ظرف خاص لوقف حد تأثير المعلومات المتأتية من شبكة وسائط التواصل الاجتماعي التي تميل إلى الإثارة أكثر منه إلى توفير معطيات دقيقة».
ويواصل العلالي، «لكن إدارة العملية التواصلية في زمن الأزمات كهذا، يسائل كذلك وسائل الإعلام الكبرى التي كان من المفروض عليها التواجد بعين المكان، لأجل تغطية أوضاع الحجاج المغاربة وطمأنة ذويهم على أحوالهم، ومثل هذا الحادث يطرح مهمات جديدة للإعلاميين في الأنشطة ذات الحشود الكبيرة..».
وبالنسبة لوزارة الأوقاف، -يواصل المتدخل ذاته- فقد تجاوزها الأمر حيث اتخذت المسألة بعدا وطنيا كبيرا مما جعل الديوان الملكي يقوم بمبادرة تواصلية بقصد توفير المعطيات الأولية التي رشحت عن الحادث بصفة دقيقة، ما يعني أن المسألة تهم جميع المغاربة قاطبة وليست ذات طبيعة قطاعية..
وعن المسؤولية التواصلية للهيئات الوصية، يؤكد الخبير العلالي على أنه بالفعل هناك عدة قطاعات معنية بمسألة التواصل مع المغاربة وذوي الحجاج، إلا أن الظروف المتعلقة بكون الأزمة موجودة خارج البلاد، ووجود علاقات بين الدولة المستقبلة للحجيج ربما تكون قد شكلت عامل تأخير على نشر المعلومات، وبثها على نحو سريع من طرف بعض الهيئات الوصية على الحج، مثل وزارة الخارجية ووزارة الأوقاف.
خبير آخر وأستاذ في التواصل، أكد بأن الانطباع الذي انتابه هو نفسه الذي اعترى باقي المغاربة، الذين بقوا تائهين بين معطيات شحيحة وصمت الجهات الوصية..
فعندما «تدخل الديوان الملكي ببلاغه يوم السبت، اتضح أن الأمر تجاوز القطاعات الوصية-يؤكد المتدخل- ، وأصبحت المؤسسة الملكية تضطلع بمسؤولية التواصل المباشر مع الرأي العام..لأن أول بلاغ أخبر بالعدد الأولي للمتوفين والجرحى هو بلاغ الديوان الملكي يوم السبت الماضي، مما يعطي الانطباع على أن المسؤول الفعلي عن الملف هو الديوان الملكي، أما مسؤولية وزارة الأوقاف على ضعف الأداء التواصلي فتبقى قائمة بحكم إشرافها العام على شعيرة الحج».

من يتحمل مسؤولية الفاجعة؟
بعد أن أخذت القضية بعدا سياسيا دخل على خطه بان كيمون
أحمد امشكح
على الرغم من أن أحداث مشعر منى بالديار المقدسة قد مر عليها اليوم أكثر من أسبوع، إلا أن كل الروايات لا تزال متضاربة في إيجاد جواب شاف كيف حدثت المأساة، ومن يتحمل مسؤولية ما حدث، وهل للأمر علاقة بتقصير في عملية التنظيم، أم أن ذلك حدث بسبب عدم احترام بعض الحجاج للضوابط التنظيمية التي وضعتها السلطات السعودية؟
لم تصدر إلى اليوم أية رواية حقيقية تحكي ما حصل بالضبط وسط مدينة الخِيام البيضاء التي يقيم فيها الحجاج في منى، حيث يجتمع مئات الآلاف عند جسر الجمرات المؤلف من خمسة طوابق لرمي الجمرات.
البعض اتهم العربية السعودية بسوء تنظيم موسم الحج هذه السنة، خصوصا وأن حادثة التدافع صنفت أسوأ كارثة يشهدها موسم الحج منذ ربع قرن. ولأنها أتت بعد أسابيع قليلة على حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي التي راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل.
المؤكد هو أن حادثة مشعر منى، حدثت عندما اصطدمت مجموعتان كبيرتان من الحجاج في تقاطع طرق في منى على بعد كيلومترات شرق مكة المكرمة وهم في طريقهم إلى رمي الجمرات. لكن، لماذا اصطدمت المجموعتان؟ هذا هو السؤال المستفز الذي لا يزال الكثيرون يبحثون له عن جواب.
بعض الشهادات التي أدلى بها حجاج تابعوا ما حدث، تؤكد أن الجهة المنظمة أغلقت الطرق المؤدية إلى موقع الرجم في منى، خصوصا وأنه لم يكن هناك مدخل واحد فقط. في الوقت الذي كان فيه حجاج آخرون قادمون في الاتجاه المعاكس. وهو ما اضطر رجال الأمن إلى فتح بوابة لسياج حديدي احتشدت خلفها جموع كبيرة من الحجاج، والتي تدفقت بشكل كبير. هنا وقع التدافع وسقط بعض الحجاج ليتم رفسهم. ومع اشتداد درجة الحرارة، اختنق الذين سقطوا ليلقى بعضهم حتفه، ويصاب البعض الآخر بإصابات بليغة.
هذه واحدة. أما الثانية فقد تردد أن الجهات المنظمة قامت بإغلاق الطرقات لتسمح لشخصيات بارزة بأداء المناسك. وهو ما تسبب في احتشاد الحجاج ووقوع الكارثة. ومن الأدلة التي يقدمها أصحاب هذه الرواية، صور فيديو تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مسؤولا سعوديا يقوم برمي الجمرات وهو جالس أمام مقود سيارته الفارهة. وصورة مسؤول آخر يطوف بالكعبة المشرفة بدون إحرام، تحت حماية أمنية وعسكرية مبالغ فيها. غير أنها صور تطرح السؤال حول حقيقتها وعلاقتها بموسم هذا الحج، وبما وقع في مشعر منى.
لم تنجح السلطات السعودية حينما وقعت كارثة مشعر منى، في التعاطي معها بما يلزم من الجدية والحكمة. لقد دخلت في «بوليميك» مجاني حول من تسبب في الأحداث، بدلا من أن تقوم أولا بإحصاء القتلى وتحديد هوياتهم، خصوصا وأن أسرهم ظلت تنتظر أن يصلها الخبر اليقين. ومنها أسر حجاجنا المغاربة الذين إما أنهم سقطوا قتلى، أو أنهم يوجدون في المستشفيات أو هم في عداد المفقودين. والحصيلة هي أنه بعد مرور قرابة أسبوع على الحادثة، كانت أرقام الضحايا تتضارب. أما تحديد الهوية، فقد تطلب من السلطات السعودية الكثير من الوقت.
كان لا بد للصراع السعودي الإيراني أن يطفو على السطح على الرغم من أن للقضية بعدا آخر هو سقوط قتلى أثناء أدائهم مناسك الحج. فقد قالت صحف سعودية إن السبب الجوهري فيما حدث تسبب فيه حجاج إيرانيون، ذلك أن قرابة 300 حاج إيراني خالفوا ما سمتها هذه الصحف بالتعليمات في عمليات التفويج المحددة من قبل الجهات المشرفة على الحج، حينما تحركت هذه المجموعة من مزدلفة صباح الخميس مباشرة لرمي الجمرات، ولم تنزل في المخيمات المخصصة لها كما هو معمول لعموم الحجاج لوضع أمتعتهم والانتظار لموعد التفويج. وهذا هو ما يفسر، بحسب الرواية السعودية، ارتفاع عدد القتلى الإيرانيين في الحادث.
أما الناجون منهم فقد اعتبروا رد الفعل السعودي ضعيفا جدا ومتأخرا جدا، مؤكدين على أن عمال الإنقاذ وصلوا إلى موقع التدافع بعد ساعتين من الحادثة، وبدأوا بجمع الجثث بدلا من إسعاف الجرحى. لذلك لم تتردد السلطات الإيرانية في شخص المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، في دعوة المملكة العربية السعودية للاعتذار للشعب الإيراني على ما حدث. بل إن أصواتا أخرى من داخل إيران ومن خارجها، طالبت بضرورة الاشتراك في عملية تنظيم مناسك الحج بعد أن تبين أن السلطات السعودية فشلت في المهمة.
أما سلطات السعودية فقد ردت من خلال مفتي المملكة الذي قال «إن التدافع كان أمرا لا يمكن للبشر السيطرة عليه». قبل أن يضيف في إشارة للمشرفين عن التنظيم، «أنتم غير مسؤولين عما حصل، لأنكم بذلتم الأسباب النافعة التي في أيديكم وقدرتكم.. وأما الأمور التي لا يستطيع البشر عليها، فلا تلامون عليها، والقدر والقضاء إذا نفذا لا بد منهما».
ولأن الحادث كان مأساويا بكل المقاييس، فقد وصلت تداعياته إلى مقر الأمم المتحدة حينما اشتكى الرئيس الإيراني سلطات السعودية بالتقصير في التعاطي مع ما حدث، للأمين العام «بان كيمون»، على الرغم من أن العربية السعودية لا تتردد في التنبيه في كل مناسبة من عدم تسييس القضية واعتبار ما حدث قدرا وقضاء حدث أثناء أداء مناسك الحج، كأعظم ركن من أركان الإسلام.
مغربيا، كان لا بد للحادث أن يترك خلفة الكثير من الأسئلة من يتحمل المسؤولية ليس فقط في أسبابه، والتي يمكن توزيعها بين الذاتي حينما لم يحترم بعض الحجاج الضوابط المرسومة لهم وهم يؤدون المناسك، خصوصا حينما يتعلق الأمر برمي الجمرات والتي كانت تتسبب في حوادث سقط فيها قتلى. وبين الموضوعي حيث لم تبادر الجهات المسؤولة عن التنظيم لفرض هذا الانضباط، والبحث عن صيغ جديدة لحماية أرواح الحجاج، خصوصا إذا علمنا أن العربية السعودية تحقق مكاسب مالية جد محترمة وهي تشرف سنويا على الحج.
أما ما حدث بعد الكارثة، خصوصا ما يتعلق بتحديد هويات القتلى والمصابين والمفقودين، فقد كان وصمة عار على السلطات السعودية التي عجزت عن التعاطي مع الكارثة التي أودت بحياة قرابة الأربعة آلاف حاج، ولم تنجح في تحديد هويتهم إلا بعد جهد جهيد. وهو العتاب نفسه الذي طال الخارجية المغربية، ومسؤولو الوفد الرسمي الذي رافق الحجاج المغاربة سواء من وزارة الخارجية، أو من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو من غيرها من المصالح. وقد تبين أن حكاية الوفد الرسمي إلى الحج، والإشراف الديني للحجاج المغاربة، ليس إلا درا للرماد في العيون. فما حدث في مشعر منى أسقط عن هؤلاء كل الأقنعة.

حجاج أنفقوا الملايين ووجدوا أنفسهم يبيتون في العراء
هيام بحراوي
بدأ الحجاج المغاربة يعودون أدراجهم إلى مسقط رأسهم، بعدما عاشوا أحلك أيامهم في الحج هذا العام بسبب الأحداث المتوالية التي عرفتها السعودية والتي كان آخرها حادث تدافع الحجاج بمنى الذي أسفر عن عدد كبير من وفيات من ضمنهم حجاج مغاربة لقوا مصرعهم تحت الأقدام.
الحجاج المغاربة الذين تعالت أصواتهم، فضحوا واقعهم بتنظيمهم وقفة احتجاجية أمام الخيام التي كانوا يعيشون فيها، اشتكوا خلالها من ضعف التنظيم وتدني الخدمات وعدم توفير وسائل كافية لنقلهم من مكة إلى منى لأجل الوقوف بعرفات ثم الانتقال إلى مزدلفة، معربين عن أسفهم العميق واضطراهم إلى المبيت في الشارع بدون ماء ولا دواء، بعدما فقد البعض أغراضهم ومنهم مصابون بأمراض السكري والربو..
فقد ندد مجموعة من الحجاج في تصريحاتهم المصورة التي عمموها على «الفايسبوك» بما وصفوه سوء التنظيم بعرفات ومنى، خاصة بعد تخلي المسؤولين عنهم واضطراهم إلى العودة إلى مكة مشيا على الأقدام.
ورفع الحجاج العلم المغربي، معربين عن تذمرهم من المعاملة التي تعاملت بها معهم السلطات السعودية، بعدما تركوا معزولين دون وسائل نقل تقلهم لاستكمال الشعائر الدينية، حيث شعروا بمرارة «الحكرة».
الفيديوات التي تم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي، أبرزت المعاناة الحقيقية التي تكبدها الحجاج في الديار السعودية هذا العام، حيث أظهرت مغاربة يفترشون الأرض ويتلحفون السماء، بالقرب من حاويات الأزبال، أو يعيشون في خيام تفتقد لأبسط شروط الراحة والكرامة.
وفي تصريحاتهم أبرز الحجاج المغاربة، مشكلتهم مع انقطاع الماء والإنارة وتوقف أجهزة التكييف بالمخيمات، في ظل ارتفاع مهول في درجات الحرارة لم يتحمله كبار السن، فضلا عن تكدس الحجاج في المخيم الواحد، جعل البعض يتركها وينام في العراء خوفا من انتقال الأمراض كوباء «كرونا».
وحمل الحجاج المسؤولية في تردي أوضاعهم لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولموظفي البعثة، الذين بحسب ما صرح به الحجاج تنكروا لهم ولم يسعفوهم في وقت الحاجة.
وأظهرت أشرطة الفيديو، حجاجا يناموا في الممرات، وأزبالا متراكمة بشكل فاضح بالقرب من المخيمات، وبالقرب من مكتب شؤون الحجاج المغاربة، في منظر أدخل المرارة في القلوب والأسى في النفوس.
مشاعر الحجاج ازدادت حسرة، بعدما دفعوا أموالهم لوكالات الأسفار لأداء فريضة الحج، علما أنهم يؤكدون أن التكاليف جد مرتفعة هذا العام والمساطر والإجراءات جد معقدة، فقد شرحوا كيف أن مظاهر الطبقية والتمييز تتواجد حتى بين الحجاج الذين لا يميزهم سوى لونهم الأبيض الذي يلتحفون به.
وبحسب أحد الحجاج فقد دفع ما قيمته 43900 درهم ليجد نفسه يسكن في مكان مخصص للتبريد، في الوقت الذي يضيف دفع حاج آخر المبلغ نفسه لكن وجد نفسه في فندق مطل على الحرم المكي والسبب بحسبه هو الجهة التي ينتمي إليها في المغرب.
وكشف الحاج أن معاملة ضيوف الرحمان يجب أن تتميز بالمساواة والشفافية، لأن أغلب الحجاج الذين يذهبون في الإطار الرسمي هم فقراء يمضون سنوات طويلة يوفرون مبلغ الحج.
أما فيما يخض الجانب المتعلق بارتفاع الأسعار فقد ازداد الوضع سوءا هذا العام بعدما أثار قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تخفيض المبلغ المتبقي للحجاج إلى 2856 درهما، بسبب ارتفاع سعر صرف الريال، مقارنة بمبلغ السنة الماضية 6902 درهم، حيث عم الغضب صفوف مجموعة من الحجاج قبل سفرهم إلى الديار المقدسة.
وبحسب تصريحات الحجاج ل»المساء» فإن الوزارة من خلال قيامها بتخفيض المبلغ المتبقي للحجاج إلى حوالي الثلثين دفعت بعض الحجاج المغاربة إلى التسول بالديار المقدسة. وبقرار الوزارة يضيف الحجاج تكون قد خالفت الوعود التي سبق أن قطعتها، من خلال تأكيدها على أن مصاريف الحج لهذه السنة لن تعرف أي تغيير رغم ارتفاع سعر الريال السعودي مقابل الدرهم، خاصة أنها تلقت المبلغ المالي الخاص بالحجاج منذ شهر يناير الماضي.
وأوضح عدد من الحجاج أنه رغم ارتفاع تكاليف الحج لهذه السنة بحوالي 4 آلاف درهم بسبب ارتفاع سعر صرف الريال السعودي مقارنة بالدرهم،(الذي وصل إلى 2.55 درهم لكل ريال سعودي، حيث كشفت الوزارة أن مجموع مصاريف الحج برسم هذا العام ستبلغ 30 ألفا و342 درهما و45 سنتيما، أي ما يعادل 11 ألفا و899 ريالا سعوديا) فإنهم لم يحصلوا على الخدمات التي تليق بهم وبالمبالغ التي دفعوها للوزارة.

هكذا ردت السعودية على الانتقادات الموجهة إليها حول سوء تنظيم الحج
المساء
ردت المملكة العربية السعودية على الانتقادات الموجهة إليها بعد حادث تدافع منى بقوة، حيث اعتبرت أنها لم تأل جهدا في توفير الإمكانيات البشرية والمادية من تجهيزات وتنظيم لتسهيل مسارات الحجيج في مختلف المشاعر المقدسة، فالملك سلمان بن عبد العزيز يشرف بنفسه على كل الإجراءات والترتيبات المتعلقة بالحج لضمان سلامة وراحة ضيوف الرحمان.
وأكدت المملكة أنها وضعت، وبشكل مكثف، كافة أجهزة الدولة الأمنية ومرافقها الصحية واتخذت جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أمن وسلامة ما يفوق مليوني حاج هذا العام.
السعودية ترى أن ما وقع من تدافع في مشعر منى بين الحجاج حادث مؤسف وأليم، وهو وإن كان قضاء وقدرا، فإنه مع ذلك لا يجب أن يكون مدعاة لحجب الجهود الكبيرة الواضحة التي تبذلها بكافة مؤسساتها لضمان أداء مناسك الحج بيسر وأمان، وهو ما يتضح من خلال قيامها بتوسعة المشاعر المقدسة لكي تستوعب المزيد من الحجاج، وكذلك إنشاء مسارات الطواف العلوية حول الكعبة المشرفة، وتعزيز نقل الحجاج في المشاعر المقدسة بقطار الحرمين وغيرها من الوسائل، وتكثيف إجراءات السلامة من خلال توفير كافة الإمكانات لضمان راحة الحجيج وتأمين سلامتهم.
وتعتبر المملكة أنه لمن المؤسف أن يلجأ البعض إلى لومها واتهامها بالتقصير وتحميلها مسؤولية ما حدث، لأن في ذلك كثيرا من عدم الإنصاف، خصوصا في ظل ما تقوم به من جهود واضحة للعيان، كما أن فيه أيضا نوعا من التسرع واستباق الأحداث، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه حال وقوع هذا الحادث المؤسف، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الأمر بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث لكي تصل إلى مسبباته، وبالتالي لابد من انتظار جلاء الأمور والوصول إلى النتائج الموضوعية لأسباب وقوع هذا الحادث المؤسف.
ويعتبر مشروع التطوير الجديد الذي أنهت هيئة تطوير مكة الدراسات الخاصة بالتطوير والإعمار في المناطق المقدسة، أحد أهم وأكبر المشاريع في تاريخ المشاعر المقدسة، إذ يهدف إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة على مراحل وفي حدود (7) ملايين حاج. بتكلفة 200 مليار ريال.
وتعتمد الدراسة حسب المهندس خالد بن عبد الحفيظ فدا مساعد الأمين العام لهيئة تطوير مكة على 3 محاور رئيسة (الإسكان، الحركة، الخدمات)، لرفع مستوى الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام وزيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة على مراحل، وصولا إلى 7 ملايين حاج في سنة الهدف (1465ه)، وذلك باستغلال ما يمكن من سفوح الجبال وفق المعايير المحددة من هيئة كبار العلماء.
وأوضحت الدراسة التي أعدتها الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أن التوجهات العامة لخطة تطوير المشاعر المقدسة تقوم على تحقيق 6 توجهات رئيسة شاملة لجميع محاور الخدمات، ويمكن العمل عليها كمشروعات تفصيلية، وفصلت الدراسة تلك التوجهات بزيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة على مراحل وفي حدود 7 ملايين حاج، وذلك باستغلال ما يمكن من سفوح الجبال وبمستويات متعددة دون الإضرار بالبيئة وبتفريغ الجزء الأكبر من وادي منى والدور الأرضي من المسطحات البنائية لتكون متاحة لمن سبق من الحجاج، بالإضافة إلى مراعاة عدم التفاوت الطبقي في الخدمات تحقيقا للمقصد الشرعي للحج، وتقديم خدمة النقل والحركة بأنماط متعددة (الحافلات المفصلية، القطارات، المشاة، والنقل المعلق) بما يضمن انسيابية الحركة على أساس منهجية النقل الترددي المطور، وبما يحقق فصل حركة المشاة عن الأنماط الأخرى، والتفويج الآمن للحشود والمركبات.
وأشارت الدراسة إلى تنفيذ نفق للخدمة والطوارئ تحت الأرض يغطي جميع المشاعر المقدسة ويربطها بمجمع الدوائر الحكومية خارج المشاعر المقدسة، وكذلك بشبكة طرق مكة المكرمة الرئيسة. وشملت الدراسة إمكانية تطوير مشعر مزدلفة واعتباره محطة نقل وانتظار لاستيعاب ما لا يقل عن 40 % من أعداد الحجاج بكفاءة عالية وبأمن وسلامة، وتوفير مواقع الخدمات والمرافق المقدمة من القطاعين الحكومي والأهلي في كل مستوى من مستويات الإسكان بحجم كاف يضمن تقديم خدمة ذات جودة وكفاءة للحجاج، مع تخصيص الأدوار الأرضية كمساحات مشاعة للحجاج وللخدمات والمرافق وحركة المشاة، واستخدام التقنية المعلوماتية الرقمية بما يضمن التحكم في انسيابية حركة الحجاج وإدارة وتشغيل الإسكان والخدمات في المشاعر المقدسة بمفهوم المدن الذكية.
وحددت هيئة كبار العلماء معايير للبناء على سفوح الجبال في المشاعر، منها أن تكون البنايات مرفقا عاما وأن تتولى الدولة بناءها والإشراف عليها، وتلافي الملحوظات السلبية على العمائر ال6 من الجهات ذات العلاقة، واختيار المواقع المناسبة للبناء بعيدا عن أماكن الازدحام وفي أماكن متعددة من سفوح جبال منى، وأن تكون للمباني طرق خلفية خارج المشاعر المقدسة، وأن يكون الدور الأرضي متاحا لمن سبق لهم الحج، ومراعاة خصوصية المكان عند التخطيط والتصميم بحيث يتناسب عدد الأدوار ومظهرها مع طبيعة الموقع ومكانته، وأن يراعى في تصميم البنايات عوامل التيسير على الحجاج، ومشاركة لجنة المشاعر بهيئة كبار العلماء في اختيار المواقع المخصصة للبناء ومتطلباتها.

منتصر حمادة *: التدخل المغربي خلال الفاجعة كان كارثيا بكل المقاييس
قال إن العوائد المالية الفلكية التي تحصدها السعودية من موسم الحج لا تظهر في عملية تدبيره
حاورته – سمية واعزيز
– برأيكم ما هي العوامل المتداخلة في الأحداث المأساوية بديار الحج المقدسة؟
في غياب رواية مُجمع عليها، وهذا أمر مُحال، بسبب الخلافات السياسية التي ظهرت لاحقاً، وخاصة الخلافات السعودية الإيرانية، وأمام تضارب الأنباء والشهادات، بين روايات تنتقد خللاً تنظيمياً، تسبّب فيه حادث طارئ، وبين روايات توجه اللوم للحجاج، وروايات من هذه الطينة، ولو أن تضارب الروايات السعودية الرسمية بخصوص حقيقة ما جرى، يصب بشكل أو بآخر، في التأكيد على المسؤولية النسبية للهيئات المنظمة، وفي مقدمتها وزارة الحج.
في حشد جماهري مثل الحج، تصب المخاوف في التقليل من عدد الضحايا عندما تندلع مثل هذه الأحداث المأساوية، وواضح أن تقاطع خلل أصاب أداء المسؤولين، مع مزالق «العقل الجماعاتي» أو «عقل الحشود الذي يصعب السيطرة عليه، ساهما في سقوط هذه الأرواح.
– البعض يتحدث عن أشخاص ووفود مسؤولة عن نتائج التدافعات التي وقعت في منى، بماذا تفسر ذلك؟
لا توجد رواية مؤكد منها بشكل حاسم في هذا الصدد، وحتى الشريط الذي تم ترويجه في عز الأحداث، والذي يُظهر زيارة موكب رسمي في منى، اتضح أنه يعود لعام 2012، دون الحديث عن أشرطة أخرى لا علاقة لها بحادث هذه السنة.
نحن إزاء تخمينات ومزايدات والبحث عن شماعات أو الانخراط في تصفية حسابات، أو ترويج خطاب المؤامرة، كما هو معمول به مع العقل الجمعي للعديد من مسلمي اليوم، في زمن التيه والبحث عن البوصلة. بل وصل الأمر بإعلامي فلسطيني شهير إلى اتهام الدولة السعودية بالوقوف وراء الحدث (كذا) رغبة في تصفية مسؤولين إيرانيين (كذا)، وترهات من هذه الطينة.
– هل تعتقد أن السعودية قامت بالمجهودات المطلوبة لتنظيم وتسيير موسم الحج وتدارك تأزم الأوضاع القائمة، أم أن هناك إهمالا وتماطلا في العملية؟
مبدئياً، لا يمكن التشكيك قط في العمل الجبار الذي تقوم به السعودية من أجل إنجاح سنوي لأحد أكبر التجمعات البشرية في العالم، ولكن الإشادة المبدئية بالتنظيم، لا يعفي المسؤولين في السعودية من ممارسة النقد الذاتي والتفكير العاجل في الاستفادة من تجارب أجنبية ذات سمعة طيبة في تدبير مثل هذه الأحداث.
ثمة تنديد صادر في بعض الشهادات التي صدرت عن حجاج نجوا من الحادثة، بخصوص التقصير الجلي الذي ميّز هذه الأحداث، وإلا ما معنى وضع حاج حي في ثلاجة الأموات، قبل أن يتأكد أن الرجل كان في غيبوبة لمدة يومين،(وهو حاج مغربي بالمناسبة)، وما معنى ألا تنشر السلطات السعودية اللائحة الكاملة لجميع الحجاج المعنيين المباشرين بهذا الحدث الأليم، من الموتى والمصابين والمفقودين، بل ما معنى الحديث عن حاج مفقود أساساً، فنحن لسنا في صحراء قاحلة أو في بحار شاسعة، حتى نتحدث عن عشرات أو مئات من الحجاج المفقودين.
لقد تأكد بالملموس في هذه الأحداث، أن السعودية، وإن كانت تتوفر على خطط طوارئ، فإن هذه الخطط ليست في المستوى. والمسألة ليست مسألة غياب طاقات بشرية مؤهلة، وإنما مسألة تدبير إداري وتفكير عملي، والعوائد المالية الفلكية التي تحصدها السعودية من أداء الملايين من المسلمين لهذه الفريضة، تخول لها إحضار أحسن المنظمين من ربوع العالم الإسلامي إذا افترضنا أن السعودية تعاني من خصاص تنظيمي.
– الأحداث المأساوية لم تتوقف عن تدافعات فقط بل لحد الساعة هناك أخبار تتحدث عن اختطافات ومفقودين من شتى بلدان العالم، ما تفسيرك لهذا الأمر؟
صعب التأكد من وجود حالات اختطافات، اللهم إن تعلق الأمر بحالة شاذة، ولكن موضوع المفقودين يصب في توجيه اللوم الجماعي، لمسلمي العالمي، إلى السعودية على التقصير الكبير في هذه الجزئية بالذات.
معلوم أننا نتحدث عن المفقودين في أحداث جسام، من قبيل الزلازل، البراكين، الفيضانات، الغرق.. إلخ، ولكن الحديث عن مفقودين في بقعة جغرافية محددة، لم تتعرض للزلزال أو الفيضان أو البركان أو الغرق أو شيء من هذا القبيل، أمر يصعب التصديق به، مع أنه واقع لا يرتفع، ومرد ذلك، على الأرجح، إلى أن أغلب المفقودين يتواجدون في المستشفيات، للعلاج أساساً، أو في ثلاجة الأموات بالنسبة للذين تأكدت وفاتهم، ولكن بسبب سوء التنظيم، وغياب خطة طوارئ عملية صارمة، سقطنا في هذا المطب الذي جعل العالم يتفرج علينا ويسمع عن وجود مفقودين في هذه المناسك المقدسة.
– ما تقييمكم للتدخلات التي قام بها المغرب بخصوص مصير الحجاج المغاربة؟
التدخل المغربي في بدايته، كان كارثياُ بكل المقاييس، حتى لا نتحدث عن مواقف تعادي المغربي وتعادي الدين والإنسان والأخلاق، وأخص بالذكر مواقف الصمت المطبق الذي ميز أداء الحكومة الحالية، في شخص رئيس الحكومة، ووزير الخارجية، والناطق الرسمي باسم الحكومة، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبالنتيجة كانت مستجدات الحدث في بدايتها، تأتي عبر ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن نسمع عن أولى التصريحات الرسمية عن وزير الخارجية، وليس رئيس الحكومة، وكان على الرأي العام انتظار صدور بلاغ رسمي عن الديوان الملكي، يضع أولى النقاط على الحروف بخصوص الأوضاع هناك.
في مثل هذه الحالات، نعطي هدايا مجانية للذين يسعون إلى نشر الفتنة في المغرب، من التيار الديني أو المادي، ولو أن الواقعة هنا تهم الشأن الديني، حيث عاينا انخراط بعض الفاعلين الإسلاميين (من التيار السلفي المتشدد)، تصب في شيطنة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتمرير اتهامات أقرب إلى صكوك الغفران، ولا تختلف كثيراً عما يصدر عن تنظيم «داعش»، مقابل صمت أغلب الرموز السلفية الوهابية، المحسوبة على الخيار «التقليدي/ العلمي»، بسبب ولائها العقدي والمذهبي للسعودية.
– هناك بعض الدول تقوم بتكوين مسبق لمواطنيها الراغبين في أداء فريضة الحج بغية تيسير العملية وتسهيلها أثناء القيام بها، هل تجد في تعميم هذه التداريب أمر واجب لتفادي مثل هذه الحوادث، أم أن الأمر لا يتعلق بالتكوين والتدريب؟
هذا أمر لا مفر منه، بل تحصيل حاصل، ولكن هناك ما هو أهم، ويهم الواقع العام للمسلمين، وليس واقعة الحج سوى تطبيق نموذجي على استفحال هذا الأمر، ويتعلق بمقتضى الحديث/ الأثر النبوي الشهير الذي جاء فيه أن «الدين المعاملة».
غياب مقتضى هذا الحديث النبوي الشريف، يُفسر، في حالة الحج مثلاً، حالات التدافع الرهيب الذي نعاينها في الحج، وذلك بالرغم من المجهودات التنظيمية الكبيرة التي تحققت على أرض الواقع كما سلف الذكر، ويُفسر إصرار بعض الحجاج على أداء الفريضة من أجل الوجاهة الاجتماعية أو الدينية، عبر الظفر بلقب «الحاج»، أو «الحاجة»، ويُفسر وجود الحج درجة أولى ودرجة ثانية وحج VIP، ويُفسر سخرية بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي من حداثة منى، وغيرها من المزالق والآفاق.
في موضوع تكوين وتدريب الحجاج، بما أن الحكمة ضالة المؤمن، فما الذي يمنع مسلمي اليوم، وأخصّ بالذكر، مسلمي المنطقة العربية (شمال إفريقيا والخليج العربي) من الاستفادة العملية، لا أقول من انضباط الألمان واليابانيين والكوريين، لأن هؤلاء خارج المجال التداولي الإسلامي، ولكن، الاستفادة من الانضباط الخاص بالماليزيين، هناك في الحج.
– ما هي الخطوات التي برأيكم على البلد المنظم لموسم الحج اتخاذها لتفادي مثل هذه الاختلالات، وكيف لبلدان العالم مساعدتها؟
نعتقد أنه موازاة مع المراجعات الشاملة التي من المفروض أن تقوم بها السعودية في تدبير هذا الحدث الديني الضخم، وهو أكبر تجمع إسلامي عند المسلمين، وسيبقى كذلك، لأن الأمر يتعلق بفريضة دينية، لمن استطاع إليها سبيلا، هناك مجهودات يجب القيام بها من طرف أغلب الحجاج، وهذه مسؤولية الحكومات الإسلامية.
لا بد من نقد ذاتي صارم، يقوم به الجميع. السعودية مثلا، لم تعلن عن حالة حداد على هامش هذه الأحداث الأليمة، ليس هذا وحسب، صحيفة «اليوم» السعودية، نشرت مادة بالبند العريض يوم الثلاثاء الماضي بعنوان: «خادم الحرمين الشريفين يشكر ولي العهد على نجاح موسم الحج».
خطاب الطمأنة لا ينفع في مثل هذه الأحداث. نحن نعيش زمن الثورة الرقمية وسطوة الصورة، والعالم يتفرج علينا، ولا يليق بنا تغليب خطاب طمأنة الذات على حساب النقد الذاتي المطلوب والحتمي، اليوم أكثر من أي وقت مضى.
* أستاذ باحث في الشؤون الدينية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.