المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    الركراكي يوجه الدعوة لآيت بودلال لتعويض غياب نايف أكرد    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد:الأصوليون استولوا على الدين والإسلام الرسمي إسلام عظيم
نشر في المساء يوم 11 - 04 - 2008

بكل تأكيد تكتسي آراء المفكر الإسلامي الدكتور رضوان السيد طابعا خلافيا، فهو من جهة لا يوفر أحدا من آلته النقدية الحادة، يجهز على الماركسيين والتقدميين ويتهمهم بالانعزالية وبفشل برنامجهم، كما يحاصر الإسلاميين وبالأخص الصلاحيين منهم الذين يرفعون شعارات تلتهم الإسلام الرسمي ومقومات الدولة، كما يولي وجهه شطر من يشتغل معه في نفس الحقل، مكيلا لأركون نقدا لاذعا، متعاطفا مع حسن حنفي، محللا المشغل الفكري الأخير للدكتور محمد عابد الجابري. . وفي كل هذا يرى أن الإسلام الطهراني إذا وصل إلى تدبير الشأن العام واستلم السلطة فإنه لن يكون أرحم من ديكتاتورية النظام العسكري العربي.
حوار يقرأ على تخوم متعددة، وربما يكون فاتحة سجال فكري هنا في المغرب وفي غيره من أقطار «الصحوة الإسلامية».
} التقيت مؤخرا طلبة مغاربة من الجامعة المغربية، كيف وجدت النقاش معهم؟
- بالفعل، ألقيت محاضرة في جامعة المحمدية، والتقيت طلبة مغاربة من جامعتي المحمدية والدار البيضاء، في تخصصات علم الاجتماع والدراسات الإسلامية وفلسفة وآداب، وقد كان النقاش معهم حادا حول الكثير من القضايا الراهنة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي، أغلبية هؤلاء الطلبة كانوا أصوليين. لقد كان النقاش معهم في غاية الجرأة والصراحة.
} أنت نفسك تقول إنك أخطأت الطريق، وبدل أن تدرس الفسلفة، ذهبت في الاتجاه الآخر، وتخصصت في الدراسات الإسلامية، ما هي دوافعك في ذلك؟
- في الحقيقة، كانت رغبتي الدفينة أن أدرس التاريخ أو العلوم الاجتماعية، ولكني تحت وطأة إحساسي بأن هناك مشكلة كبرى في الإسلام، فضلت أن أذهب في اتجاه البحث في كل ما يحيط بهذه المجرة.
} كنت دائما تشدد على أن المثقف العربي هو مثقف هش ولا يمتلك مشروعا، إلى أي حد أنت متشبث بهذا الرأي؟ وهل مازالت هذه المقولة هي التي تؤطر رؤيتك لأداء المثقف في العالم العربي؟
- المسألة الآن من وجهة نظري مختلفة، نعم كنت أقول ذلك، وكنت أقصد بذلك المثقف اليساري في الستينات والسبعينات، ثم تبين لي في الحقيقة أن هذا المثقف أقل تأثيرا مما اعتقدت. كنت أظن أن المثقف هو المسؤول عن انقسام الوعي، والآن صرت أعتبر أن المثقف لا يؤثر لا سلبا ولا إيجابا، والذي أثر هو السلطة السياسية ثم بعد ذلك النهوض الإسلامي أو ما يسمى الصحوة الإسلامية، وهما اللذان أثرا بعمق في الحياة العربية.
فهناك واقع الدولة الحديثة القومية والعسكريين العرب، وبعدهما النهضويين الإسلاميين والصحويين الإسلاميين الذين أسميهم بالإيحيائيين، هؤلاء هم الذين تركوا أبلغ تأثير في الخمسين سنة الأخيرة في الأوساط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وعلى أساس من وجهة نظرهم تكون لدينا وعي معين بالعالم، ولذلك ما عدت أحمل المثقف اليساري الأنتلجنسي إلا مسؤولية هامشية تتعلق بالخطأ في وعيه، لقد كان هؤلاء لا يتجاوزن خمسين أو ستين واحدا في العالم العربي، أخطأوا في تشخيص الوعي الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي للأمة وللدول العربية، وكتبوا دراسات على أساس هذا الوعي وهذا التشخيص سواء كانت دراسات انجلوساكسونية حديثة أو دراسات اجتماعية واقتصادية، وهي دراسات مخطئة، لكن قراءها قليلون، ولا أظن أنهم تركوا تأثيرا سلبيا كبيرا.
تصور كم كانت هامشيتهم، إنك لا تجد، وهم شيوعيون في أغلبيتهم، دراسة واحدة في مسألة الدين في العالم العربي.
} لكن هذا يرتبط بحال ووضع مؤسسات البحث العلمي ولا يرتبط آليا باليساريين؟
_ أنا أقصد اليساريين الجامعيين، وهم اشتغلوا في الجامعة وفي السياسة وفي الرأي العام وفي الأحزاب، وأكثرهم ليسوا مثقفين كبارا، حتى وإن كانوا قد تخرجوا من جامعات أوروبا الشرقية ومن الاتحاد السوفياتي سابقا، هم ليسوا مثقفين كبارا، وتجد المثقفين الكبار منهم ليسوا خريجي الجامعات الشيوعية.
وفي كل الأحوال ليست هناك رؤية حقيقية لمسألة الإسلام لدى هذا المثقف المعارض والمعترض على التراث، وعلى الحاضر وعلى الوعي وما شابه.
} لكن نفس السلوك الشوفيني ينتجه الطرف الآخر، أو ما يسمى بالإسلام الجديد؟
- الإسلام الجديد له تأثير سلبي لسوء الحظ. الإسلام الجديد شكل وعيا سلبيا.. لقد شكلوا نظرة الشباب حول العالم، صورة العالم الآن في الوعي الإسلامي العام أتت من هؤلاء التجديديين الإسلاميين في الخمسينات، وبالتالي تأثرت رؤيتنا للعالم ورؤيتنا لقضايا المرأة وتأثرت رؤيتنا لقضايا الحكم السياسي، وتأثرت رؤيتنا لمسألة الدولة، وكل الملفات الكبرى استلموها، إن لم يستلموا الأجوبة فقد استلموا الأسئلة على الأقل.
الآن السؤال الرئيسي، هو ما مدى تلاؤم الإسلام مع الدولة.
} لكن الإسلاميين في العالم العربي يسعون مثل اليساريين إلى امتلاك الدولة، أي امتلاك السلطة؟
- بالفعل، فهذا هو برنامجهم الحقيقي، وفي أقل الأحوال يسعون إلى المشاركة في السلطة وفي تدبير شؤون الدولة.
وأول خطوة قاموا بها هي السيطرة على الجامعات، لقد أصبحت الجامعات العربية الآن تحت إدارتهم من خلال الطلاب والأساتذة وكل المرافق التابعة لها، وتلك هي الخطوة الأولى لامتلاك الشارع.
} هل تعتقد أن تدبيرهم للفضاء العام يمكن أن يقدم شيئا؟
- لا يمكن لهذا التدبير أن يقدم شيئا على الإطلاق. لقد استولوا مثلا على السلطة في السودان، واستولوا على الكثير من الجامعات العربية، وبقيت سمعتهم نظيفة، أي أنهم لا يسرقون ولا يفسدون، ولكن هذا ليس هو المؤهل الوحيد. الواحد منهم مستعد أن أزوجه ابتني لكنني لست مستعدا لتوليته إدارة الشأن العام، لأنه ليست له رؤية لأي شيء، فلذلك ليسوا مؤهلين لإدارة الشأن العام.
ثم إن أطروحتهم هي دمج الدين في الدولة، أي إعادة الإسلام إلى المجتمع عن طريق الدولة، ومن ثمة الاستيلاء على الدولة من أجل فرض الشريعة.. ما هذا الكلام؟ أصلا هذا إضرار كبير بالإسلام، وأي مكان تقوم فيه الدولة الدينية فإن أول ما يضر ذلك بالدين، مثل نموذج طالبان وإيران.
ومن رأيي أن أي صيغة لدولة دينية ستنتج في نفس الوقت قوى أخرى دينية معارضة لها أيضا الرغبة في السيطرة على الدولة باسم الدين، والسلطة السياسية كانت دائما تشتغل على الإسلام وتقسمه، وتقوم دول باسم الدين وتنهدم باسم الدين، والنظرية الخلدونية تقوم على هذا الأساس، دولة قبلية ودولة دينية، فالدولة الدينية مستحيلة، وكان هناك مصالحة بين الدين والدولة في تاريخنا القديم، لأنه لم يكن هناك صراع حول السلطة بينهما، هناك سلطة دينية وهناك سلطة سياسية، المرجعية فيها للإسلام والإمرة للسلطة السياسية، إنما السلطة الدينية لها مجال تعمل فيه وتؤثر طبعا في المجال العام، لكنها لا تحاول الاستيلاء عليه، كما أن صاحب السلطة السياسية لا يستطيع الاستيلاء على الدين.
الذي يحدث الآن أنه تحاول فئة اجتماعية عريضة أن تستولي على الدولة المدنية، وفي رأيي أنها لم تستول على الدولة لكنها زعزعت الوعي بالدولة المدنية، وأنتجت حالة من الفوضى وعدم الإيمان بالنظام السياسي وبالدولة، طبعا لا تنفرد هي بذلك، بل هي حصيلة عامة للتجربة السياسية العربية.
} لكن أين هي مفاهيم المجتمع المدني وحقوق الإنسان وما يستتبع ذلك في كل هذا؟
- هناك درجات من التلاؤم ومحاولات التلاؤم بين الحركات الإسلامية أو حركات الصحوة وبين هذه القيم العالمية، ومن رأيي أن التلاؤم أحيانا مقبول. ويحاول المتحررون منهم نسبيا إعادة قراءة هذه المفاهيم ويحاولون إعادة التلاؤم معها، لكن أكثر المقاربات، حتى الإيجابي منها، هي مقاربات سطحية، لأنهم عندما يصلون إلى شيء من السلطة يتنكرون لتلك المبادئ.
ويعادلهم في السوء، سوء التجربة السياسية العربية، فالأنظمة السياسية العربية أنظمة ضباط بالذات لم تضرب مثلا صالحا، بل أساءت إلى كل شيء، حتى في العلاقات الإنسانية.
أساؤوا إلى كل شيء، واعتمدوا على أجهزة مخابراتية خلال أربعين سنة في بلدان عربية رئيسية، لقد أفسدوا كل شيء، وجاء الإسلاميون فحصدوا نتيجة هذه الشكوك، ليس لأنهم أفضل، بل لأن هناك فراغا، وأنهم بالفعل ليسوا فاسدين. . فالأنظمة العسكرية العربية ليست ديكتاتورية فقط، بل إنها سارقة وفاسدة وهادرة للحقوق الوطنية وللحقوق القومية وللأخلاق الإنسانية.
هؤلاء الأشخاص ليسوا فاسدين لكنهم ليسوا في نفس الآن أقل استبدادا، وبالأخص أنهم يتكلمون هذه المرة باسم الدين، ولو أنهم وصلوا في أي بلد عربي إلى السلطة لكان ذلك أكبر إساءة لهم لأنهم حينذاك سينكشفون. فليس لهم إلا هذه الطهورية، فالضباط السودانيون عندما وصلوا إلى السلطة سنة 1988 لم يكونوا سارقين ولا نصابين، لكنهم بسبب استبدادهم وهيمنتهم على السلطة كاد السودان يزول.
} هل يبني الإسلاميون قوتهم ونفوذهم على ضعف الإسلام الرسمي؟
- أعتبر الإسلام الرسمي إسلاما عظيما، والمذاهب الفقهية الأربعة التي أرست هذا الإسلام التاريخي تعرضت للإساءة من طرف النظم السياسية والحداثة، ولم تصلح نفسها ولم تطورها واجتمعت لها عشرات الأسباب، ومن بينها ظهور الأصولية الإسلامية وتدخل في هذا الإطار الدول الاستبدادية، باسم التحديث أزالت تلك المذاهب، كل هذه الأسباب جعلت المؤسسة في حالة تخثر وزوال، وليس هناك دين يقوم بدون مؤسسة، ولو لحفظ شؤون العبادات.
المؤسسة الدينية ليست مقدسة ولا ضرورية، وليست هناك كهانة في الدين، لكن للمؤسسة الدينية وظائف، وهذه الوظائف يحاول أن يتبناها الآن الأصوليون، ولذلك عندنا مخاض عظيم، وأعتقد أن هذه المذاهب الفقهية في طريقها إلى الزوال، لكن الأصوليين ليسوا بديلا لها، لأن الأصوليين انقساميون والمؤسسة المالكية أو المؤسسة الحنفية أو المؤسسة الشافعية، هذه المؤسسات هي مؤسسات توحيدية، أما الإسلاميون اليوم فهم انقساميون، لا يستطيعون توحيد الناس حتى في طريقة أداء الفرائض. . السلفيون لا يصلون مع الآخرين، والإخوان المسلمون يصلون وحدهم. .
} هل ينطبق الأمر على المؤسسة الدينية الشيعية؟
- المؤسسة الدينية الشيعية أقوى من المؤسسة الدينية السنية، لأنها تملك سلطات مؤصلة بالدين، فالشيعي لا يستطيع أن يمارس دينه إلا من خلال فقيه مقلد، لا يستطيع أن يصوم أو يحج أو يصلي إلا من خلال فقيه حي يتزعمه دينيا وأيضا سياسيا.
ورأيي أنه لو كانت ولاية الفقيه مقصورة على الجانب السياسي، لكان ذلك قوة للمؤسسة وقوة للمذهب الشيعي، الآن عندما استولت الدولة على الدين حدثت انقسامات هائلة تحطم المؤسسة، حيث تستولي القومية الإيرانية عليه أو الباكستانية، وحين يسيطر أي مذهب ديني على الدولة ففورا سينقسمون عليه باسم المذهب الشافعي أو الحنبلي أو غيره، وبالتالي سيضعف الدين أو سيتشرذم. والمذهب الشيعي الظاهر القوة الآن معرض كثيرا لخطر كبير من خلال هذا الجمع بين الدين والدولة، فالمصالح القومية والوطنية تتوزع من جهة والمصالح الدينية الشيعية من جهة أخرى، ومن رأيي فإن الذي سينتصر هو المصالح الوطنية والقومية طبعا، والمذهب الشيعي سينقسم حول من هو في السلطة ومن هو خارج السلطة ويحاول الدخول إليها.
التجربة الإيرانية تعطينا الدليل على الانقسام الحاصل في المجتمع الإيراني من خلال الصراع القائم بين المحافظين والإصلاحيين. لقد كان بالإمكان تفادي ذلك لكنهما لم يفلحا في ردم الهوة.
لقد أصبح حلم الشباب الإيراني اليوم هو الهجرة إلى الخارج، في ظل الحصار الممارس من قبل الأنظمة السياسية، وأيضا الحصار الداخلي الممارس من قبل الأصوليين المحافظين.
لذلك أرى أن الدولة الشيعية في إيران تواجه خطر الإنقسام الداخلي، بينما لا يواجه المذهب الشيعي خارج إيران نفس خطر الانقسام.
- أريد أن أفهم منك وجهة نظرك في بعض الإسلامولوجيين العرب من مثل محمد أركون، أنت تتحفظ عن الكثير من طروحاته وقراءاته؟
- محمد أركون ليس صحويا وليس زعيما شعبيا، هو ناقد للكلاسيكية الإسلامية وللنصوص التأسيسية في تلك الكلاسيكية والسنة النبوية، وهو أيضا ضد الظواهر الإسلامية الحديثة، وأنا أرى أن النصوص الكلاسيكية الإسلامية لا تقرأ بهذه الطريقة التي قرأها بها محمد أركون.
هناك مناهج غير صالحة للقراءة، وأنا لا أطلب من محمد أركون أن يكون مؤمنا بالوحي وأن القرآن موحى، أطلب أن ينظر إلى القرآن باعتباره نصا تاريخيا كما يقول، وينظر إليه أيضا من دوره في حياة المؤمنين.
يقول لك أركون: تكونت أرستودوكسية سنية وأرستودوكسية شيعية وأسرتا العقل الإسلامي وينبغي تحطيمهما عن طريق تفكيك القرآن لأنه هو الذي يمسك بتلافيف العقل الإسلامي.. هل هذا كلام.. إذا كان القرآن يمسك بتلافيف العقل الإسلامي فينبغي أن يقول لنا لماذا يمسك بتلافيف العقل الإسلامي وكيف، حتى تعرف ما موقع الدين في حياة الناس. لذلك أرى أنه لا يقرأها قراءة ناقدة ولا تاريخية، بل قراءة دوغمائية، مثلما يقرؤها قراءة معاكسة للمتدين المسلم.
فمحمد أركون يعتبر أنه لا يمكن أن ننهض وأن نتقدم إلا بالطريقة التي تقدم بها الغرب، والغربيون بدؤوا تقدمهم على مشارف العصور الحديثة بشرذمة النص وتفكيك نصوصهم المقدسة والخروج من المقدس إلى العالم الدنيوي بدون أوهام وبدون مرجعيات ميتافيزيقية، لذلك أول ما فعله العلماء البروتستانت ثم تبعهم الكاثوليك أن أثبتوا زيف وتراكب وتشابك وعدم إلهية نص العهد القديم، ثم نص العهد الجديد، وهذا لم يلغ الدين، بدليل أن البروتستانت لا يزالون بروتستانت، والكاثوليك لا يزالون كاثوليك، ولكنه حررهم من العقلية الميتافيزيقية، صاروا ينظرون إلى النص نظرة تاريخية، ومحمد أركون يرى أن أكبر عقبات حداثتنا هي هذه البنى الميتافيزيقية التي بناها القرآن أو التي بنتها - كما يقول - الكثرة الإسلامية.
} لكن لماذا تتحفظ مثلا من القراءة التي قام بها نصر حامد أبو زيد؟
- أنا لا أتحفظ على قراءة حامد أبو زيد، ولكني أقول إنها ليست القراءة الأكثر فهما لطبيعة الإسلام ولطبيعة النصر القرآني، وحامد أبو زيد هو في الأصل عالم لغة وعنده إلمام بالألسنية أيضا بالإضافة إلى معرفته بالإسلامية التقليدية اللغوية.
لقد اشتغل أبو زيد بنفس المنهجية التي اشتغل بها على النصوص الكلاسيكية وعلى الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، سواء كان خطاب الإخوان المسلمين أو حركة الجهاد..
أنا لا أرى أن هناك نصا إسلاميا أو نصا ماركسيا يمكن أن يقرأ قراءة بنيوية داخلية، وهو يقرأ كما يقرأ نصا للإمام الشافعي أو للإمام مالك، أنا آخذ عليه تجاوزه للمنهج الاجتماعي، الآن لم يعد يفعل ذلك، بل صار يراعي كل هذه الاعتبارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.