المشاركون في مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء يقومون بزيارة لميناء الداخلة الأطلسي    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    نجاح باهر للنسخة الثامنة من كأس الغولف للصحافيين الرياضيين الاستمرارية عنوان الثقة والمصداقية لتظاهرة تراهن على التكوين والتعريف بالمؤهلات الرياضية والسياحية لمدينة أكادير    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. وهبي: "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية ورياح عاتية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    الدولي المغربي طارق تيسودالي ضمن المرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في الدوري الاماراتي لشهر أبريل    تأخيرات الرحلات الجوية.. قيوح يعزو 88% من الحالات لعوامل مرتبطة بمطارات المصدر    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    هذه كتبي .. هذه اعترافاتي    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    المغرب ينخرط في تحالف استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    تجديد المكتب المحلي للحزب بمدينة عين العودة    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النموذج الأخلاقي الكامل
نشر في ميثاق الرابطة يوم 24 - 02 - 2012

اجتمع في النبي صلى الله عليه وسلم من خصال الكمال ما لا يحيط به حد، ولا يحصره عد، أثنى الله عليه في كتابه الكريم فقال: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" [القلم، 4]. وكلمة على للاستعلاء، فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الأخلاق ومستول عليها، فروحه فيما بين الأرواح البشرية عظيمة عالية الدرجة، وإنما وصف خلقه بالعظم مع أن الغالب وصف الخلق بالكرم؛ لأن كرم الخلق يراد به السماحة والدماثة، ولم يكن خلقه صلى الله عليه وسلم مقصورا على ذلك، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم مجبولا على الأخلاق الكريمة في أصل خلقته الزكية النقية لم يحصل له ذلك برياضة نفس، بل بجود إلهي، وخصوصية ربانية، ولهذا لم تزل تشرق أنوار المعارف في قلبه حتى وصل إلى الغاية العليا، والمقام الأسنى، قد أدب بأدب القرآن، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن"[1]. قال الجنيد: "وإنما كان خلقه صلى الله عليه وآله وسلم عظيما لأنه لم يكن له همّة سوى الله تعالى"[2]. فاجتمعت فيه صلى الله عليه وآله وسلم مكارم الأخلاق، "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[3]. فعاشر الخلق بخلقه، وباينهم بقلبه، ووسعت أخلاقه الكائنات كلها.
1. كمال عقله صلى الله عليه وآله وسلم
كان صلى الله عليه وآله وسلم من كمال العقل في الغاية القصوى التي لم يبلغها بشر سواه، ولهذا كانت معارفه عظيمة، وخصائصه جسيمة، حارت العقول في بعض فيض ما أفاضه من غيبه لديه، وكلت الأفكار في معرفة بعض ما أطلعه الله عليه، قال تعالى: "وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا" [النساء، 112]. وقال وهب بن منبّه: "قرأت في واحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس في بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وآله وسلم إلا كحبة رملة بين رمل من جميع رمال الدنيا، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا"[4]. ومن تتبع مجاري أحواله صلى الله عليه وآله وسلم تحقق عنده أن عقله صلى الله عليه وآله وسلم أوسع العقول، ولا جرم أن تتسع أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء، فمن ذلك اتساع خلقه العظيم في الحلم والعفو مع المقدرة، وصبره عليه السلام على الأذى وعلى ما يكره، واحتمال جفاء قومه، وأخذه لهم بحسن التدبير حتى انقادوا إليه[5]؛
2. خوفه من ربه وشدة عبادته له صلى الله عليه وآله وسلم
اختص صلى الله عليه وآله وسلم بمعارف بصرية وقلبية تدل على مقدار معرفته بربه، وعلى قدر علمه ومعرفته كان خوفه وخشيته لربه، وطاعته له، وشدة عبادته له، واستحضار وشهود العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره، ولذا قال: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية"[6]. فهو خوف مقرون بمعرفة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"[7]. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا"[8]. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل"[9]؛
3. الحياء والإغضاء
وأما حياؤه صلى الله عليه وآله وسلم فكان أشد الناس حياء، وأكثرهم من العورات إغضاء، قال الله سبحانه وتعالى: "اِنَّ ذَلِكُمْ كانَ يُوذِى النَّبىءَ فَيَستَحْىِ مِنكمْ وَ اللَّهُ لا يَستَحْىِ مِنَ الْحَقِّ" [الاَحزاب، 53]، وحكى عنه الصحابة رضوان الله عليهم أنه كان أشد حياء من العذراء في خذرها[10]، ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس، وأنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد، وأنه كان يكني عما اضطره الكلام إليه ما يكره، فكان إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون، أو يقولون كذا؟ ينهى عنه ولا يسمي فاعله[11]؛
4. حسن العشرة والأدب وبسط الخلق
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وسع بأخلاقه أصناف الخلق، وأنزل كل واحد منزلته، وعامل كل صنف بما يستحقه، يؤلف الناس ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، وكان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، يمازح أصحابه، ويخلطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، يعود المرضى ويقبل عذر المعتذر، يكرم من يدخل عليه، وكان أكثر الناس تبسما، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قال الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" [اَل عمران، 159] وقال تعالى: "اَدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [المومنون، 97]، وقال علي رضي الله عنه في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة[12]. وقال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟[13] وعن أنس قال: كان خدم المدينة يأتون رسول الله إذا صلى الغداة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بآنية إلا غمس يده فيها، وربما كان ذلك في الغداة الباردة –يريدون التبرك-[14]؛
5. الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم
وأخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب كثيرة، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتي بهدية قال: "اذهبوا بها إلى بيت فلانة؛ فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تحب خديجة"[15]. وعن أبي قتادة: وفد وفد للنجاشي، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك. فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أحب أن أكافئهم[16]. وصفته السيدة خديجة رضي الله عنها في مبدأ نزول الوحي بقولها: أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقبي الضيف، وتعين على نوائب الحق[17]. ولما جيء بأخته من الرضاعة الشيماء في سبايا هوازن، وتعرفت له بسط لها رداءه، وقال لها: إن أحببت أقمت عندي مكرمة محبة، أو متعتك ورجعت إلى قومك. فاختارت قومها فمتعها. وقال أبو الطفيل: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا غلام إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه، فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته[18]؛
6. الشفقة والرحمة لجميع الخلائق
أثنى القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووصفه بخلق الرحمة والشفقة على المؤمنين، وأن رسالته رحمة للعالمين، قال تعالى: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ اَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُومِنِينَ رَءَوفٌ رَّحِيمٌ" [التوبة، 129]، وقال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الاَنبياء، 106]، ومن شفقته على أمته تخفيفه وتسهيله عليهم مخافة أن تفرض عليهم، كقوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء"[19]. وكان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته[20]. ولما كذبه قومه أتاه جبريل عليه السلام، فقال له: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال وسلم عليه، وقال: مرني بما شئت وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا"[21]؛
7. الحلم والعفو والصفح
الحلم والعفو مع القدرة والصبر على ما يكره من الآداب التي أدبه بها الله سبحانه وتعالى، فقال: "خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" [الاَعراف، 199]، وقال له: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُور" [لقمان، 16]. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها[22]. وفي شمائله العطرة مواقف كثيرة تدل على خلقه العظيم في الصبر، فلا تزيده شدة الجهل إلا حلما، وحسن خلق وكرم نفس، ومما يروى أنه حين كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شديدا، وقالوا: لو دعوت عليه. فقال: "إني لم أبعث لعانا، ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"[23]. وحين أظفره الله بقريش وحكمه فيهم، قال: "ما تقولون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: "قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" [يوسف، 92]، اذهبوا فأنتم الطلقاء[24]؛
8. الجود والكرم
وأما الخبر بجوده وكرمه وسماحته وسخائه فأمر معلوم متواتر جرت بذكره الركبان والقبائل والأقوام ممن عاشره أو التقى به، فهو صلى الله عليه وآله وسلم ما سئل عن شيء فقال لا[25]. وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر[26]. وهو صلى الله عليه وآله وسلم كان أجود الناس بالخير، وأجود ما كان في شهر رمضان، وكان إذا لقيه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة[27]؛
9. زهده في الدنيا
وزهده في الدنيا، وتقلله منها، وإعراضه عن زهرتها مما بهر العقول وحارت فيه الأفهام، فقد سيقت إليه الدنيا بحذافيرها، وتوالت عليه فتوحاتها، ومع ذلك كان لا يشبع. عن عائشة قالت: "ما شبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله"[28]. وكان يدعو ويقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"[29]. ومات صلى الله عليه وآله وسلم وما ترك دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا[30]. ما ترك إلا سلاحه وبغلته وأرضا جعلها صدقة[31].
10. تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم
رغم علو منصبه فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد الناس تواضعا، كان يركب الحمار، ويردف خلفه، ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم، حيثما انتهى به المجلس جلس، وكان في بيته في مهنة أهله، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويقم البيت، ويعقل البعير، ويعلف ناضحه، ويأكل مع الخادم، ويحمل بضاعته إلى السوق وغير ذلك مما تواترت الأخبار والحكايات فيه[32]. فقد خير صلى الله عليه وآله وسلم بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فاختار أن يكون عبدا نبيا، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق الأرض عنه، وأول شافع[33]. ومن تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لا تفضلوني على يونس بن متى، ولا تفضلوا بين الأنبياء، ولا تخيروني على موسى، ونحن أحق بالشك من إبراهيم، ولو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي"[34]. وفي حديث آخر: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"[35]. ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة، فقال له: "هون عليك؛ فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد"[36].
وبعد فالكلام حول شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخلقية والخلقية، صفات الكمال والجمال، قد حاز جميعها بمنحة إلاهية، وأحاط بمحاسنها، وشرفت بنسبتها إليه، فهو معدنها، فأخلاقه تقف دونها العقول، ويحار دون إدراكها الفهم والوهم، اجتمعت فيه كل خصال الكمال والجمال إلى "ما لا يأخذه عد، ولا يعبر عنه مقال، ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال، من فضيلة النبوة والرسالة، والخلة والمحبة، والاصطفاء والإسراء، والرؤية والقرب، والدنو، والوحي والشفاعة، والوسيلة، والفضيلة والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والبراق والمعراج، والبعث إلى الأحمر والأسود، والصلاة بالأنبياء، والشهادة بين الأنبياء والأمم، وسيادة ولد آدم، ولواء الحمد، والبشارة، والنذارة والمكانة عند ذي العرش والطاعة، والأمانة والهداية ورحمة للعالمين، وإعطاء الرضا والسؤل، والكوثر، وسمع القول، وإتمام النعمة، والعفو عما تقدم وما تأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وعزة النصر، ونزول السكينة، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني والقرآن العظيم، وتزكية الأمة والدعاء إلى الله، وصلاة الله تعالى والملائكة، والحكم بين الناس بما أراه، ووضع الإصر والأغلال عنهم، والقسم باسمه، وإجابة دعوته، وتكليم الجمادات والعجم، وإحياء الموتى، وإسماع الصم، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير القليل، وانشقاق القمر، ورد الشمس، وقلب الأعيان، والنصر بالرعب، والاطلاع على الغيب، وظل الغمام، وتسبيح الحصى، وإبراء الآلام، والعصمة من الناس، إلى ما لا يحويه محتفل، ولا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك ومفضله به، لا إله غيره، إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة، ودرجات القدس، ومراتب السعادة والحسنى"[37].
---------------------------------------------------------------------
1. أخرجه مسلم من قول عائشة رضي الله عنها، رقم: 746.
2. الزهور الندية، ص: 99. والشفا، ج1، ص:71.
3. أخرجه أحمد ج 2، ص: 381 بلفظ: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق بسند حسن، وفي رواية البزار مكارم الأخلاق. ذكرها الحافظ في الفتح، والحديث صححه ابن عبد البر في التمهيد، ج 24، ص: 334، والعجلوني في كشف الخفاء، ج 1، ص: 245.
4. رواه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر.
5. انظر الكثير من هذه المواقف في الشفا، ج 1، ص: 70 وما بعدها. –والزهور الندية ص: 101.
6. أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.
7. أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم: 1044. ومسلم حديث رقم: 426.
8. أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم: 2819.
9. أخرجه أحمد ج 4، ص: 25، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم: 900، والنسائي حديث رقم: 1214، والطبراني في الكبير ج2، ص: 156، والبيهقي في الشعب ج 2، ص: 155.
10. أخرجه مسلم، حديث رقم: 3562. ومسلم حديث رقم: 2320.
11. أخرجه أبو داود، حديث رقم: 4788.
12. الشفا، ج1، ص: 82 .
13. أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم: 2309.
14. أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم: 2324، - وانظر الشفا، ج1، ص: 82.
15. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ص: 232، والحاكم في المستدرك، ج 4، ص: 193.
16. أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق: 367. والصيداوي في معجم الشيوخ: 43.
17. أخرجه البخاري، حديث رقم: 2298، ومسلم، حديث رقم: 160.
18. الشفا، ج 1، ص: 87.
19. أخرجه البخاري، حديث رقم: 887، ومسلم، حديث رقم: 252.
20. أخرجه البخاري، حديث رقم: 710، ومسلم، حديث رقم: 470.
21. أخرجه البخاري، حديث رقم: 3231، ومسلم، حديث رقم: 2594. وانظر الشفا، ج 1، ص: 84.
22. أخرجه البخاري، حديث رقم: 6786، ومسلم، حديث رقم: 2327.
23. أخرجه مسلم، حديث رقم: 2599.
24. تاريخ الطبري، ج 2، ص:161.
25. أخرجه البخاري، حديث رقم: 6034، ومسلم، حديث رقم: 2311.
26. أخرجه مسلم، حديث رقم: 2312.
27. أخرجه البخاري، حديث رقم: 1902، ومسلم، حديث رقم: 2308.
28. أخرجه مسلم في صحيحه، الحديث رقم: 2970.
29. أخرجه البخاري، حديث رقم: 6460، ومسلم، حديث رقم: 1055.
30. أخرجه مسلم، حديث رقم: 1635.
31. أخرجه البخاري، حديث رقم: 2739.
32. انظر الشفا، ج1، ص: 88.
33. أخرجه مسلم، حديث رقم: 302.
34. أخرجه البخاري، حديث رقم: 2411، ومسلم، حديث رقم: 2373.
35. أخرجه البخاري، حديث رقم: 3445.
36. أخرجه ابن ماجة، حديث رقم: 3312. والحاكم ج 3، ص: 50.
37. الشفا، ج1، ص: 50.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.