ادا سألتني عن معنى الحرية و مختلف تلويناتها التطبيقية سواء على مستوى الزمان أو المكان، أقول لك هي الانطلاق و التعبير الحر عما يختلج الذات من هموم و ما يبدو لنا في الفضاء الفسيح من غيوم. هي تكسير للطابوهات التي عصفت بتاريخنا، و سترهن مستقبلنا إن لم نستيقظ، هي تمرد على مفهوم القداسات لكل الشخصيات السياسية التي أرادت الخلود، و نسيت أن كل من عليها فان و يبقى وجه ربك دو الجلال و الإكرام. إن الألفية الثالثة مليئة بالدروس و العبر لمن أراد الاعتبار، لقد قالها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في يوم من الأيام ) ما أكثر العبر و ما أقل الاعتبار(. فهل قادتنا و سياسيونا وصل بهم النضج الفكري و السياسي لكي يقرؤوا التاريخ جيدا و يستمدوا من دلالاته العبر القمينة بتأمين المسار جنبا إلى جنب مع الشعب الذي هو مصدر السلطة و مانحها، لا أن يتم القفز على طموحاته وآماله بالقليل من الحرية و الكثير من الاستبداد. إن تاريخ الأمة العربية و الإسلامية عرف الكثير من الهزات و العديد من الكوارث السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، ودائما كان الشعب هو الضحية في مواجهة جلاديه. لكن دوام الحال من المحال، و ما أن يكثر الضغط حتى يتولد الانفجار الذي قد يعصف بالأخضر و اليابس. إن الشعوب هي التي تبلور التجليات الأساسية لتاريخها، و هي القادرة على صياغة مستقبلها ادا توفر الوعي الكافي لدى مكونات هدا الشعب لخلق إجماع حول أهداف سياسية معينة. و ما حصل في تونس من انتفاضة ثورية على ديكتاتور من الديكتاتوريات التي يحفل بها العالم العربي و الإسلامي يعطينا الدليل القاطع على قدرة الشعوب على صياغة حاضرها و استباق الزمان لبناء مستقبلها، و نفس الشيء وقع في ليبيا و مصر و اليمن وسوريا. فكل العالم عاين الرئيس التونسي الفار و هو يستجدي شعبه و يطلب منه التهدئة، و أنه مستعد إلى أن يوفر كل ما يطلبه الشعب، و بدى بنعلي ضعيفا و خائفا و طيبا إلى أقصى الحدود، ايوا سبحان مبدل الأحوال. لكن الخوف كل الخوف من أن يذهب الديكتاتور و تبقى الديكتاتورية جاثمة على رقاب العباد في هده البلدان العربية، لا سيما و أن رموز العهد القديم لا زال جلهم يفترشون أرض هده الدول قصد تصميم مخططات جديدة لعهد جديد، ربما يكون شبيها بعهد بن علي و مبارك و القدافي ....... و ما حصل في مصر م انقلاب على الشرعية لأكبر دليل على هدا الانزلاق الخطير، و كل ما نتمناه كشعوب عربية و كفعاليات سياسية و اجتماعية أن لا يتم الالتفاف حول هده الثورات الشعبية التي حركها الشعب بكل تلقائية بعد أن سئم الظلم و الطغيان، و أراد الانعتاق من النظام المستبد الذي سرق سنوات من آماله و أحلامه، و أن لا يتم إفراغ هده الانتفاضة المباركة من مضمونها الساعي إلى الحرية و الديمقراطية. فالأحداث المتتالية أبانت لنا بأن هناك العديد من الترتيبات السياسية المضادة لمنطق الثورة العربية ذات الطابع السلمي، و للأهداف النبيلة التي قامت عليها، و أن هناك بعض القوى الإقليمية و الدولية التي لا تنظر بعين الارتياح لما وقع من تغيير، لأن من شأن نجاح هده الثورة ووصولها إلى مبتغاها و خلق جو ديمقراطي يحترم فيه المواطن أن يهدد هده الأنظمة في وجودها، مما دفعها مند الأيام الأولى للثورة إلى وضع العديد من العراقيل، و تجييش العديد من الأقلام و الأصوات الإعلامية للإجهاز على هده المكتسبات. فليبيا و مصر و اليمن و الجزائر و غيرها من الأنظمة العربية الاستبدادية وجدت نفسها أمام مستجد خطير من شأنه أن يبعث الحماس في صفوف شعب عربي مقهور يريد الانعتاق و الحرية التي افتقدها مند أن حصل على استقلال شكلي من الاستعمار الفرنسي و الانجليزي و حلت محله أنظمة ديكتاتورية حولت واقع الشعب العربي إلى جحيم. إن ما ينقص العالم العربي داخل منظومته التكوينية التي أسست لثقافة سائدة و متغلغلة هي تنامي العقليات الاستبدادية التي أقنعت نفسها بأن شعوبها هي عبارة عن قطيع يسهل اقتياده، و تركيع هاماته الشامخة، لكن دوام الحال من المحال. فتنامي الوعي الشعبي بضرورة التغيير جعل الانتفاضات تتكاثر لتطالب بحقها في العيش الكريم و المزيد من الديمقراطية في مختلف المجالات. إن العالم العربي هو في حاجة ماسة لإعادة صياغة مفهوم العقد الاجتماعي الذي يربط الشعب مع الحاكم على أسس واضحة و صريحة يكون فيها الشعب هو مصدر السلطة ومانحها فهل من مستجيب؟ إلى اللقاء و تصبحون على أمل.