أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    قطارات "يوروستار" تستأنف الخدمة    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    الحماس يغمر تدريبات "أسود الأطلس"    دياز يتصدر العناوين في الصحف الإسبانية    أسود الأطلس يتعرفون على منافسهم في موقعة يوم الأحد برسم ثمن نهائي الكان    السنغال تتصدر والكونغو الديمقراطية وبنين تعبران إلى ثمن نهائي "الكان"    وفاة مهاجر سري من دول إفريقيا جنوب الصحراء غرقا قرب سواحل سبتة المحتلة،        أحكام في حق متهمين من "جيل زد"        أمطار جديدة تغرق خيام النازحين في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية        15 قتيلا و2559 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    في آخر مباريات الدور الأول .. السودان يرصد فوزه الثاني تواليا وصراع إيفواري – كاميروني على الصدارة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري تعلن افتتاح الموسم الشتوي لصيد الأخطبوط    تخفيضات في أسعار المحروقات بالمغرب قبيل دخول السنة الميلادية الجديدة    كان المغرب 2025 : تشيكينيو كوندي يدعو إلى الهدوء والانضباط قبل مواجهة الكاميرون    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    مدرب بوركينا فاسو: عازمون على خوض مواجهة السودان بروح جماعية عالية    الإمارات تعلن سحب "ما تبقى" من قواتها في اليمن "بمحض إرادتها"    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    ميتا تستحوذ على أداة الذكاء الاصطناعي مانوس المطورة في الصين    أكادير.. شكوى جامعيين تكشف ضغوطا غير قانونية لإنجاح طلبة غير مستوفين لشروط النجاح    من أشقاء إلى خصوم.. محطات رئيسية في العلاقات السعودية الإماراتية    تسجيل ما مجموعه 1770 مليون متر مكعب من الواردات المائية منذ فاتح شتنبر 2025    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية        أثمان الصناعات التحويلية تزيد في نونبر    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ثلاث نقابات بوزارة التجهيز ترفض "تجميد" النظام الأساسي بدعوى الأولويات    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد في حوار خاص مع “أخبار اليوم”: كتاباتي اعتراف ومصالحة وليس هناك مسافة بين ما عشته وما أكتبه
نشر في اليوم 24 يوم 18 - 05 - 2019

1- كيف تتابع “الحملة” الحالية حول روايتك “رواء مكة” قبل أن تتسع لتشمل كل إنتاجك الروائي؟
لست وراء هذا الحدث، لكني تعاملت معه بموضوعية انطلاقا من فكرة راسخة لديّ، مفادها أن كل عمل مكتوب لأي كاتب، حين يصدر يصبح ملكا للجمهور، ومن حق الجمهور حينها، بمختلف فئاته من باحثين أو نقاد أو مهتمين أو قراء، أن يقرؤوه كما شاؤوا. هم أحرار. ولست ممن يحضنون على إنتاجهم، لأنني لا أريد في نهاية المطاف أن أختزل حياتي في إنتاجي الفكر والأدبي، كما لا أريد أن يؤثر إنتاجي في حياتي، لأن الإنسان بنية حية. على مستوى ذاتي، لا يمكنني إلا أن أكون مسرورا لهذا التعريف الواسع بكتابي، بغض النظر عمن قام بذلك، وكيف، ولماذا. سأكون مجانبا للحقيقة إن قلت عكس ذلك.
2- مقاطعا.. ألا تخشى أن يكون وراء هذه الحملة احتفاء بأوريد “التائب”، وليس احتفاء بأوريد الأديب والروائي؟
أنا خارج هذه المصطلحات، سواء أكانت التوبة أو غيرها، ولكل أن يستعملها أو يستعمل غيرها كما يشاء. لكن لو طُلب مني تحديد قالب معين لما كتبته، لاخترت مصطلح “الاعتراف”، وهو أسلوب في الأدب مقتضاه أن يتجرد الإنسان من كل شيء ليظهر كما هو، بدون روتوشات، ويمكنني أن أقترح أيضا مصطلح “مصالحة”، وأنا لا أخفي ذلك، بل عبّرت عنه غير ما مرة، وفي أكثر من مناسبة. لقد كنت ممن يرون التراث الإسلامي عبئا، ثم تخليت عن هذا الرأي، وأصبحت أعتقد بأهمية استعادة التراث حتى لا ينقلب علينا.
3- قصدت من سؤالي أن المحتفين إنما يحتفون بمن تاب وآب إليهم بعد “ضلالة”، وليس احتفاء بمنتوجه الروائي في حد ذاته؟
المحتفون أحرار، وهم جزء من مجتمع حي، له أن يعبر كما يشاء، وبالأسلوب الذي يريد. ما كتبته هو مني وإليّ، ولا أتنكر له، بل هو جزء من مساري، وكإنسان مؤمن بالحرية أقول من حق أي كان أن يقرأ هذا العمل كما يشاء.
4- هناك من خلص من وراء هذا الحدث إلى أن القاعدة القارئة اليوم في المغرب هي قاعدة محافظة، هل تشاطر هذا الرأي؟
هذا الذي قيل وتردد، ولربما ما حدث مع عملي “رواء مكة” يرسّخ أن القاعدة القارئة محافظة، وربما لأن عملي يكتسي جدة، وأن طريقة عرضه لقضايا معينة تمت بأسلوب ينطوي على جرأة. وعلى كل حال، هناك أشخاص أكثر دراية مني فيما يخص الكتاب وما يُقرأ، خلصوا إلى الملاحظة عينها التي تفضلت بها في السؤال، أي إن القاعدة القارئة اليوم محافظة، وقد كنت في حديث مع ناشر عملي فأكد لي هذا المنحى. ومن جهتي لا يمكنني إلا أن أبتهج للنزوع نحو القراءة في حد ذاتها، لأن القراءة ليست من أجل الحصول على المعرفة فقط، بل هي قولبة ذهنية. القراءة تمرين على التجريد.
5- لكن هناك ملاحظة أخرى، مفادها أن الاحتفاء من طرف قاعدة محافظة بكاتب تاب وآب إليها معناه أنها لا تشعر بأن المثقف المهيمن في السوق يمثلها ويعبّر عن قيمها وتطلعاتها، هل تشاطر هذا الرأي؟
أريد أن أقول شيئا وهو أن المثقف هو من يفكر خارج القوالب المنمطة، وليس حول ما هو كائن، بل حول ما يجب أن يكون، ولذلك فهو نقدي بالضرورة، أي خارج عن البراديغمات الجاهزة. يجب أن نتفق حول هذا أولا، وإلا لن يكون هناك فاعل اسمه مثقف، هذه خلاصة ما يقدمه لنا الفكر الغربي الذي هو المرجع، المثقف يجب أن يكون نقديا بالأساس.
6- هل تقصد أن المثقف فوق التصنيفات؟
ليس فوق أو تحت، بل هو خارج المنظومة السائدة، وذلك ما يعطيه حرية أكبر في ممارسة دوره النقدي. قد يثيبه التاريخ وقد لا يثيبه. المسألة الثانية، وهي أنه لا يوجد كاتب بدون جمهور، لا بد للكاتب من جمهور وإلا فهو ليس بكاتب. لهذا أرى أن أي شيء يمنح الكاتب جمهورا، هو شيء إيجابي، وأي شيء يجعل من الكاتب مرجعية أو حاملا لفكر بالنسبة إلى قاعدة جماهيرية يعد إيجابيا..
7- هل أنت مسرور لأنك صرت منارة لقاعدة محافظة؟
لا أعتقد أني منارة، ولا أني منارة لقاعدة محافظة. أنا مسرور لأن هناك حركية، ولا أزعم أني رمز لأي كان، خصوصا وأن هناك أعمالا أخرى قد لا يُنظر إليها بأنها محافظة. أعمالي الفكرية والأدبية هي بمثابة أبنائي، ولا يمكنني أن أميز بينهم. طبعا، هناك سياق تاريخي مؤثر، لأن الإنسان بنية حية تتفاعل مع المحيط الداخلي والخارجي. أدرك أن البعض قد يتأذى مما قد يعتبره تناقضا. التناقض مرتبط بالحياة. التناقض تعبير عن غنى. الحيوات المنمطة هي التي تكون في منأى من التناقض. تعرف قصة فريد الدين العطار لعُمُي يصادفون فيلا. يتحسسونه بأيديهم ولا يرون إلا جانبا منه. من يبصر بعينيه هو من يرى الفيل في كل مكوناته.
8- مادمت قد أشرت إلى بقية أعمالك الأدبية، البعض يمكنه التمييز في رواياتك بين صنفين؛ فالقارئ لرواية “سنترا” سيخرج بخلاصات، ربما، تناقض الخلاصات التي سيخرج بها القارئ لرواية “رواء مكة”، هل هما مساران متوازيان؟
بدون “رواء مكة” ما كانت لتكون هناك رواية “سنترا”، المسألة هي من أي زاوية ننظر إلى الأشياء. لا بد أن ننطلق من شيء، وهو أن الواقع معقد، لكننا – للأسف- نريد أن نختزله ونحصره في جانب واحد. من الطبيعي أن تختلف الرؤى، وهذا قد يزعج البعض، وقد يرى في ذلك تناقضا. التراث ما لم نستوعبه فقد يتحول في صورة لا نضبطها. ينبغي أن نستعيد التراث حتى لا ينقلب علينا في صورة هوجاء. هذه الفكرة أظنها تسكن أعمالي، بحيث قد تكون في رواية “سنترا” بصيغة معينة، وقد تكون في “رواء مكة” بصيغة أخرى. في “سنترا” أتحدث عن أشخاص يعيشون أزمنة متعددة. في “رواء مكة”، أزمنة متعددة تسكن الراوي.
9- في هذا الإطار، أيضا، نلمس حضورا وازنا لقضية الهوية، على اعتبار أنها “ما يتبقى لنا بعدما نفقد كل شيء”، كما جاء في رواية “الموريسكي”، لكنك في سياق آخر تقول إن الهوية مأزق وقد تكون قاتلة، ألن يُفهم من هذا أنه تضارب؟
لقد قلت غير ما مرة أنني كنت مهووسا لفترة من حياتي بخطابات الهوية، وبالأخص أن هذه الخطابات كانت مطروحة بقوة وبزخم كبير بعد سقوط جدار برلين، وطُرحت في محيطنا المغاربي والعربي، وأفضت إلى صراعات، بل إلى حروب أهلية، كما حدث في لبنان أو”العشرية السوداء” في الجزائر، ولذلك كنت أُولي أهمية لخطابات الهوية. لكن بعد ذلك، تبين لي أن الهوية هي بناء، إذ ليست هناك هوية مطلقة، بل بناء يقوم به مفكرون ومثقفون بناء على معطيات موضوعية، وغالبا ما تنجم
خطابات الهوية عن عدم الاعتراف، ولذا أقول عوض التركيز على العرَض ينبغي أن نهتم بالسبب. ولهذا السبب أركز في كتاباتي على قيمة الاعتراف، وهو شيء أساسي انتبه إليه “هيغل”، لأنه من دون اعتراف قد تبرز اتجاهات متشنجة قد تفضي إلى التصادم. أنت أشرت إلى رواية “الموريسكي”، ستجد أن شهاب الدين ينتفض كلما تم المساس بهويته، وهي في العمل دينه، أي الإسلام، لكنه هو نفسه يقول لو إن إسبانيا اعترفت به، ومنحت له الحق في الوجود كما هو، لفضل البقاء في الأندلس، ولم يكن ليُبرز إسلامه، وإنما إيبريته، أي انتماءه إلى إيبريا.
10– حضور الهوية في رواياتك قد يُربط بهويتك أنت ككاتب أيضا، له جذور أمازيغية، ففي رواية “الموريسكي” مثلا يجري حوار/صراع بين شخصية “أنتاتي”، التي تتسم بالعقلانية والتشبث بالهوية، في مقابل “الشاوي” الذي هو شخصية متلونة، أحد مجالاته البعد الأمازيغي في هوية “أنتاتي”. أليس كذلك؟
هذا وارد، لكن انظر ماذا يقول “أنتاتي” لشهاب الدين أفوقاي: أنا أمازيغي للذي يقول أنا عربي، ثم يضيف بأن الأنساب لا يعرف حقيقتها إلا الله. كان “أنتاتي” في هذا السياق يتكلم بناء على خطاب، في مقابل خطاب مضاد يراه إقصائيا. طبعا، حينما طرحت هذه القضايا، فعلت ذلك من أجل أن نتجاوزها، إذ لا معنى في نهاية المطاف أن يقتصر دورنا على الرصد فقط، وهذا فعلته في بعض أعمالي مثل أطروحة الدكتوراه. في كتابات أخرى أقول ينبغي تجاوز الرصد، لأنه لا معنى للمثقف إذا ظل مجرد صدى للواقع، المطلوب أن يتجاوز الواقع والقضايا المعقدة التي قد تبرز في المجتمع الذي يعيش فيه.
11- هل بهذا المعنى نلمس حضور البعد الإنساني في رواياتك؟ في “سيرة حمار” تدور الأحدث حول فكرة مركزية، وهي أن “الإنسان قد يفقد إنسانيته، لكنه قد يستعيدها”؟
هذا هو المهم بالفعل، في أسئلتك أثرت سيرة شهاب الدين أفوقاي في رواية “الموريسكي”، وهو الذي ولد وكبر وتربى وفق منظور هوياتي معين، لكنه وقع في مرحلة من حياته في حب فتاة مسيحية. سنلاحظ أنه تجاوز الهوية وانتصر للحب، أي للبعد الإنساني، وللطبيعة الإنسانية. الأهم في مسار الأفراد كما المجتمعات ليست نقطة الانطلاق، بل نقطة المآل. ولطالما حبذت مقولة ل”جون جوريس” أسردها غير ما مرة جاء فيها: “النهر يظل وفيا للنبع، حينما يصب في البحر”.
12- لكن أحيانا يلاحظ القارئ نوعا من التقابل بين البعد الإنساني والسلطة التي تنتصر دائما، ورد هذا في رواية “ربيع قرطبة”، إلى حد أنك تقول على لسان الخليفة الحكم وهو على سرير الموت:”هي الدولة، أنا من لا يقوى على قتل ذبابة، أمرت بحز الرؤوس”. ما رأيك؟
هذه قراءة وتأويل، ما قصدته أن منطق الدولة ليس هو منطق الفرد. لقد حاولت في رواية “ربيع قرطبة” أن أعكس تمزق شخصية الخليفة الحَكم، وكيف أنه لما آلت إليه الخلافة اتخذ قرارات لا توافق طبعه، فهو كان ينتقد والده الخليفة فيما يخص مقتله لأخيه الثائر، ولكن حينما آلت إليه الأمور اقترف قرارات مماثلة. وهذا لأن منطق الدولة ليس هو منطق الفرد. وعلينا أن نستوعب جيدا أن ليس هناك مجتمعات بدون سلطة، وأن ندرك أن السلطة ليست سيئة في حد ذاتها، لكن قد تكون، كذلك، حينما يكون مبرر وجودها هو الرغبة في الاستمرارية فقط. إذا كانت السلطة كما في التراث الإسلامي غايتها إصلاح البلاد والعباد، فهي إذاك تكون جيدة. تماما مثلما إذا كانت غايتها “حسن تدبير الشأن العام” Res Publica، كما في التراث الروماني، أو الصالح العام مع أدبيات فلسفة الأنوار، فهي تكون إيجابية. السلطة ليست سلبية في حد ذاتها.
13- هناك ملاحظة أخرى في رواياتك وهي أن الشخصيات التي تضفي عليها طابع المثقف مثل “باشكوال” في “ربيع قرطبة”، يكون تأثيرها في الأحداث هامشيا أمام أصحاب السلطة. لماذا؟
لأن منطق المثقف ليس هو منطق السلطة، وهذا واضح. حينما تقرأ كتاب “خيانة المثقف” للكاتب “جوليان بندا” تكتشف أن منطق المثقف ليس هو منطق رجل السياسة، فهما يصدران عن مرجعيتين مختلفتين، بحيث لا يمكن تدبير السلطة بمنطق المثقف، كما أن المثقف لا يمكنه أن يعالج قضايا ثقافية بمنطق رجل السلطة، نحن أمام منطقين مختلفين.
14- على ذكر هامشية حضور المثقف، يستنتج القارئ انطلاقا من رواياتك أنه أمام سيرة ذاتية للأستاذ حسن أوريد موزعة على أكثر من رواية، هذا الاستنتاج وجدته لدى قراء كثر، هل تتفق معه؟
وما العمل إذا كانت حياة الإنسان رواية؟ لأننا في نهاية المطاف نعيد كتابة ما عشناه، وما يسكننا، ولا نحسن التعبير إلا عما يضطرب في جوانحنا. عندما تقرأ “الاعترافات” لريلكي تجده يقول إن: “النبع الذي نمتح منه هو الطفولة”، وليس فقط الحياة، يقصد أن الإنسان في نهاية المطاف يرتبط بالنبع الأول الذي رضع منه، أي بطفولته. الكتابة ليست تقنيات، وإنما التعبير عما ينضح عن حياة، أو ما يسميه أديب ألماني بTrop plein . ليس هناك مسافة بين ما عشته وما أكتبه. وأرى من الطبيعي أن تعكس إنتاجات الكتّاب حيواتهم، أرى أن ذلك أمرا طبيعيا وعاديا.
15- هل لهذا السبب نستشف أيضا وفي أكثر من رواية أن بعض الشخصيات تكاد تكون مطابقة لشخصيات سياسية في الواقع، تعيش بيننا وتتقلد مسؤوليات في نظام الحكم؟
هي شخصيات مركبة. لكن لا شيء يمنع، في رأيي، من الكتابة عن شخصيات موجودة في الواقع الفعلي، وتعيش بيننا. ويمكنني الإشارة إلى أن هناك بعض الروائيين الكبار ممن سلكوا هذا المسلك، وأنا هنا لا أزعم أني من طينتهم، لكن أذكر منهم دوستويفسكي، الذي كان يكتب عن شخصيات حقيقية، كما أن نجيب محفوظ كتب عن شخصيات حقيقية أيضا. لكن القارئ لا يعرف سوى الشخصيات الروائية. الروائي يكتب في النهاية عن واقعه المعيش، وليس هناك أي عيب في ذلك. المهم هو الاتساق بين ما يمتح من الواقع، وما يصطبغ بالخيال.
16- في رواية “رباط المتنبي” تقول: “الأمم التي تقدمت تعقبت الأشباح وأزاحتها، الروس قالوا قولتهم: من يخدم القيصر لا يخدم بلده(..) البلدان ليست ضيعات شخصية لحاكم أو أمير، يفعل فيها وبأهلها ما يشاء ثم يورثها أهله”، ماذا تريد أن تقول من وراء هذه العبارة؟
ينبغي أن نميّز بين ما تقوله الشخصيات في الرواية وبين ما يقوله الكاتب، ولو أن ذلك لا ينفي وجود تطابق أحيانا، لكنه ليس آليا أو ميكانيكيا. طبعا، ما ورد على لسان الشخصية المحورية في “رباط المتنبي” ليس غريبا عن واقعنا، فهو مما يلهج به الشباب اليوم في العالم العربي. ألم تُكتب على اللافتات وفي المظاهرات مؤخرا عبارات مثل “بلداننا ليست مزرعات”، ثم ما العيب إذا استشفت الشخصية المحورية في رواية “رباط المتنبي”، ما يجري في واقعها، وأَعَدْتّ صياغته في متن الرواية.
17- هذه العبارة أعادتني إلى عبارة أخرى وردت في رواية الموريسكي تقول فيها “الموريسكي، في نحو من الأنحاء، هو نحن “المرحلون” من ثقافتنا الأصلية، ومن دفعنا إلى ثقافة “المهجر” وتوزعنا بين الاثنين.. آهة الموريسكي هو انتفاضه ضد وضع جامد، يتكرر بوجوه جديدة”، سوى أن الموريسكي لا يستكين لهكذا وضع، بل يبسط سجادته عقب كل صلاة فجر ينتظر شيئا ما في الأفق، وقد صادف كتابة هذه العبارات اندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011، هل هو نسق متصل رغم تباعد الروايتين زمنيا؟
نعم، بالنسبة إليّ ينبغي التمييز بين “الموريسكي التاريخي” و”الموريسكي الإجرائي”، هذا الأخير هو كل حالة تعاني من التمزق، ومن كل ضروب الاضطهاد والاحتقار. وهنا أحيل على كتاب لأستاذ جامعي أمريكي من أصل مغربي، أنور مجيد، بعنوان: “كلنا موريسكيون”، we are all Moors، الذي يؤكد أن الموريسكي اليوم، هو كل من يعيش هذا التمزق بين ثقافتين وحضارتين.
18– ونحن نعيش على إيقاع “حملة” لأجل قراءة رواياتك، وفي شهر رمضان المتميز بأجوائه الروحانية، ماذا يمكنك أن تقول لقرائك؟
نحن نعيش فترة صعبة، ليس في المغرب، بل في المنطقة ككل، نحتاج فيها إلى أصحاب الرأي، لأنهم إن نجحوا كان نجاحا لهم ولمجتمعاتهم، وإن فشلوا فهذا لا ينطلي إلا عليهم. فأصحاب الرأي هم بمثابة نازعي ألغام. لربما غلّبنا، لفترة، التكنوقراطيين والخبراء وأغفلنا الأشخاص الذين يطرحون أسئلة، ولهم نظرة عامة للشيء العام، وليس لديهم مجال تخصص معين، وهذا لأن المثقف هو هاوي في أشياء عدة، كما يقول إدوارد سعيد. نظرته العامة هي التي تسمح له بالنظر إلى الكل عوض التيهان في الجزء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.