التأكيد ‬على ‬الإنصات ‬للمطالب ‬الاجتماعية ‬وتفهمها ‬والاستعداد ‬للتجاوب ‬الإيجابي ‬معها    ‮«‬فوكس‮» ‬ ‬يهاجم ‬المغرب    انفلات أمني خطير بمدينة سلا..    تأهل تاريخي لأشبال الأطلس إلى ثمن نهائي المونديال على حساب البرازيل    قتلى وإصابات خلال محاولة اقتحام مركز للدرك بالقليعة ضواحي إنزكان    متابعة حوالي 193 شخصا على إثر مظاهر العنف والتخريب ببعض مدن المملكة    وزارة الداخلية تكشف بالأرقام: احتجاجات جيل Z تنزلق إلى العنف وتخريب الممتلكات    الدار البيضاء-سطات: الملك يعطي انطلاقة أشغال إنجاز مشروع تضامني لاستقبال وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للأشخاص ذوي الأمراض العقلية    إنريكي: "حكيمي ومينديز أفضل ظهيرين في العالم"    دوري أبطال أوروبا.. الصيباري يدرك التعادل لآيندهوفن أمام ليفركوزن (1-1)    المندوبية السامية للتخطيط: انخفاض أسعار الواردات والصادرات في الفصل الثاني من 2025    إسبانيا تستدعي القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في مدريد بعد اعتراض قوات البحرية الإسرائيلية لأسطول الصمود    المخطط الخفي: كيف توظف المخابرات الجزائرية الفضاء الرقمي لزعزعة استقرار المغرب؟    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. وهبي: لدينا من المؤهلات ما يجعلنا نذهب بعيدا في المنافسة    تيزنيت، بيوكرى، القليعة،ايت عميرة.. بؤر البؤس التي صنعت الانفجار الاجتماعي                            إسرائيل تمهد لترحيل "نشطاء الصمود"    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    مونديال الشباب: المنتخب المغربي إلى ثمن النهائي بانتصاره على البرازيل        أشبال الأطلس يهزمون البرازيل ويعبرون إلى ثمن نهائي مونديال الشيلي    النيابة العامة تهدد مثيري الشغب والمخربين بعقوبات تتراوح بين 20 سنة سجناً والسجن المؤبد    الاحتلال الإسرائيلي يعترض "أسطول الصمود" وتركيا تصف الحادث ب"العمل الإرهابي"    قطر ترحّب بمرسوم الرئيس الأمريكي    اضطرابات في الطريق السيار للبيضاء        السؤالان: من صاحب المبادرة؟ وما دلالة التوقيت؟    بلاغ‮ ‬الأغلبية‮: ‬حكومة في‮ ‬مغرب‮ «حليبي»!‬    ليلى بنعلي: الهيدروجين الأخضر رهان واعد تعول عليه المملكة لتحقيق انتقال طاقي مستدام    صادرات الفوسفاط تصل إلى 64,98 مليار درهم بنمو 21,1%    قرصنة المكالمات الهاتفية تطيح بصيني بمطار محمد الخامس    المراقبة ترصد عدم تطابق "ثروات مهندسين" مع التصريحات الضريبية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    تفجير انتحاري يخلف قتلى بباكستان    ترامب يمهل حماس 4 أيام للرد على خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة    الكوكب المراكشي ينهي تعاقده مع رشيد الطاوسي بالتراضي    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    حقوق الإنسان عند الله وعند النسخ الرديئة للإله..    عائدات السياحة المغربية تصل إلى 87.6 مليار درهم في أول 8 أشهر من 2025    الولايات المتحدة تدخل رسميا في حالة شلل فدرالي    الخطابي في المنفى من منظور روائي.. أنثروبولوجيا وتصوف وديكولونيالية    حقيقة الجزء الخامس من "بابا علي"    "الباريار" يبث الأمل في سجناء    حول الدورة 18 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين    أطباء يحذرون من أخطار بسبب اتساع محيط العنق    فريال الزياري: العيون.. مدينة الكرم والجمال الصحراوي الأصيل    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد جليد يكتب: عودة الاستبداد وراهنية إدوارد سعيد!
نشر في اليوم 24 يوم 30 - 09 - 2020

لم يرتبط قط المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، ولا راهنية كتاباته، بذكرى ميلاده (فاتح نونبر) أو وفاته (التي أحيى ذكراها عالم الفكر والأدب يوم السبت الماضي، وهي السابعة عشرة إلى حدود اليوم).
قد يعود الأمر في هذا -وخلافا لمفكرين عرب كثيرين- إلى أن الرجل أبدع فكرا كونيا حيا ومنفتحا على القراءة والتأويل المتجددين، وإلى كونه انتصر للحق والعدل، ضد الاستغلال والهيمنة، ليس فقط في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، وإنما بقضايا شعوب العالم المقهورة، خاصة داخل ما يسمى ب«الشرق» الذي عانى ويلات الاحتلال والاستعمار تحت غطاء «المهمة التحضيرية».
مازالت كتب إدوارد سعيد، خاصة «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية» و«تغطية الإسلام» و«مسألة فلسطين»، تمثل الوجهة المفضلة للدارسين والطلاب، على حد سواء، في العالم أجمع. ولا شك في أن أهميتها العلمية وقيمتها المرجعية ستزداد، وستتسع رقعة انتشارها، بعدما تراجع دهاقنة السياسة في العالم «المتقدم» عن الديمقراطية بوصفها «تعاقدا اجتماعيا» عالميا اختارته الإنسانية لتدبير شؤونها المحلية والإقليمية والدولية، وبعدما أعلن جبابرة المال والأعمال المتحكمون في الصناديق والأبناك الكبرى العودة إلى استعمار العالم من جديد، لاستنزاف خيراته وتركيع شعوبه.
لم تعد هذه الانتكاسة خافية على أحد، بعدما فرضت أمريكا، منذ مدة، جزيات مفضوحة على الكيانات البترولية الخليجية، وبات رئيسها العصابي يلزمها بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم؛ وبعدما حملت روسيا، التي عادت مع «بوتين» إلى عصر القياصرة، طائراتها ودباباتها إلى سوريا وليبيا، للاستحواذ على كعكة الشرق الأوسط، أو اقتسامها على الأقل مع الإمبرياليين الأوربيين والأمريكيين الجدد، وبعدما بات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوجه إملاءاته، بلا حياء من قصره في الإليزي بباريس، إلى اللبنانيين بلغة الاستعماريين القدامى أمثال «بونابرات» و«لاموريسيير» و«ليوطي» و«غورو» وغيرهم، فضلا عن أطماع فرنسا القديمة الجديدة في شمال إفريقيا.
وحتى أردوغان، هذا الدكتاتور التركي الصغير، الذي يحتفظ به حلف الناتو ضمن احتياطاته العسكرية لضرورة مستقبلية ما، لم يعد يخفي، هو الآخر، حلمه وطموحه إلى استخراج الإمبراطورية العثمانية من تحت خرابات الحرب العالمية الأولى، وبعث الروح فيها لاستعادة «أمجاد» خلافتها التي لم تختلف عن الاستعمار المقيت.
سيقول البعض: وما علاقة إدوارد سعيد، الناقد والمنظر الأدبي، بالأحداث الجارية الآن؟ وسيقول البعض الآخر: وما علاقة النقد الأدبي والدراسات الثقافية عند الراحل بالحروب والصراعات المحلية والإقليمية؟ الإجابة بسيطة للغاية، قوامها أن سعيد ناقد ومنظر وجامعي يدرس الأدب والنظرية الأدبية، وهو في الآن ذاته ناشط سياسي وحقوقي ومناضل كوني، لكن فرادته تكمن في أنه عالج الأدب على ضوء السياسة الاجتماعية والثقافية، حيث لم يغفل، وهو يدرس روايات «جوزيف كونراد» أو «راديرد كيبلينغ» أو «مورغان فورستر» أو «جاين أوستن» أو غيرها من الكتابات، كالرحلات والمؤلفات الأنثروبولوجية، عن كشف العلاقة الكامنة بين السياسة والثقافة. إذ نجح في تفكيك هذا التبادل القائم بين «كتاب فرديين والمشاريع السياسية الكبرى التي شكلتها الإمبراطوريات الثلاث الكبرى (فرنسا، بريطانيا، أمريكا). ذلك أنه يرى أن مؤسسة الاستعمار قامت وتوسعت انطلاقا من المعلومات النفيسة في بطون كتب المستشرقين، الذين كانت تظنهم الشعوب مجرد «علماء»، قبل أن تستفيق على الحقيقة المرة؛ الهيمنة الغربية المطلقة على دواليب الحكم في الدول الأخرى وخيرات شعوبها.
فعلى صعيد السياسة، «يساعدنا إدوارد سعيد على أن نفهم من نحن، وما ينبغي أن نفعله إذا كنا نطمح إلى أن نصبح فاعلين أخلاقيين، لا عبيدا للسلطة»، كما يقول المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي. سنجد في كتابات سعيد العديد من المقالات والمؤلفات التي تدعم، مثلا، القضية الفلسطينية والقضايا العربية وقضايا المستضعفين عبر العالم كله، وهي كتابات تتسم بالنقد اللاذع لسياسات أمريكية سابقة تسير على نهجها اليوم سياسات ترامبية، وموقفه الرافض للخطابات المنحازة، بل والمحرضة على الكراهية والعداء والعنصرية، مثل تلك التي مازال ينفثها صهاينة، أمثال «برنارد لويس» و«جويل روزنبورغ» وغيرهما. وأمام الضغوط الأمريكية لفرض التطبيع، تحتاج الأقلام المدافعة عن القضية الفلسطينية إلى كتاباته في الموضوع، وخاصة انتقاداته لاتفاقات أسلو، التي رأى فيها خطوة خاطئة أضاعت القضية، ربما إلى الأبد. في هذا السياق، تكتسي كتبه «مسألة فلسطين» و«سياسة التجريد» و«نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها» أهمية خاصة، لما تتسم به من قوة وعمق في النظرة إلى التحولات المأساوية للقضية عموما. وعلى النحو ذاته، تتأتى بعض المنظورات المهمة إلى معضلات الشرق الأوسط برمته، من خلال كتبه «تغطية الإسلام» و«مقالات عن فلسطين وعملية السلام في الشرق الأوسط» و«من أوسلو إلى العراق وخريطة الطريق».
في هذه المؤلفات كلها، يمكن القارئ أن ينتهي إلى خلاصة واحدة تؤطر جميع كتابات إدوارد سعيد السياسية والنظرية والنقدية، قوامها أن الغرب لا يهتم بشعوب «الشرق»، ولا بعقلها وإرثها الحضاري والثقافي وطموحاتها المستقبلية، بل بثرواتها فقط. من هنا، فالوجود الأمريكي في الخليج والشام هو وجود من أجل البترول، ومساندته الاحتلال الصهيوني لفلسطين هي مساندة من أجل أرض تكون محطة انطلاق لكل شيء.
ما لم تكن الشعوب على وعي بهذا، فإن أي تحرر من ربقة الإمبريالية الغربية الآخذة اليوم في التجدد بأشكال مختلفة لن يتحقق. وهو الوعي الذي تكسبه مؤلفات إدوارد سعيد، بما تضمنه من راهنية نابعة من قابليتها للقراءة والتأويل المتجددين، كما سبق القول، وبما تقدمه من آليات ومناهج لفهم الهيمنة، بما هي وسيلة الإمبريالية وغايتها في الآن ذاته؛ ومن ثمة، القدرة على تفكيك وهدم خطاباتها القديمة الجديدة، وبناء مقاومة فعالة ضدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.