في ظل الجدل، الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية عقب تكبده لخسارة كبيرة في انتخابات 8 شتنبر، منهيا ولايتين من رئاسته للائتلاف الحكومي، يسعى قياديون من الحزب إلى تقديم تفسير للنكسة، التي عاشها التنظيم، محاولين، في الوقت ذاته، رسم صورة لما يمكن أن يصبح عليه الحزب بعد ما عاشه خلال هذه الاستحقاقات الأخيرة. وفي السياق ذاته، عبر عبد العالي حامي الدين، القيادي في الحزب، والعضو السابق في مجلس المستشارين، عن رفضه لعودة تولي الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، للحزب، موجها دعوة إلى إخوانه، من أجل التطبيع مع النظام السياسي. وقال حامي الدين، في مقال، كتبه تحت عنوان "العدالة والتنمية ونكسة 8 شتنبر: مداخل لأطروحة نظرية جديدة"، إنه بعد هذه المحطة الانتخابية، ينبغي التحلي بفضيلة النقد الذاتي، والوضوح، والصراحة، والجرأة في التعبير، دون التورط في القراءة التآمرية للشروط، التي أحاطت بالانتخابات. وفي الوقت الذي تطالب فيه عدد من الأصوات داخل الحزب بعودة ابن كيران إلى سدة القيادة، يحمل حامي الدين، رأيا، مخالفا، معتبرا أن الخروج من مرحلة "الإسلام السياسي" إلى مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي" تبقى ضرورة حتمية لتحقيق الاندماج، وهو ما لا يمكن تحقيقه، حسب قوله، عن طريق التناوب من داخل جيل التأسيس. واعتبر حامي الدين أن"استدعاء شخصية من الجيل المؤسس قصد الجواب عن نكسة 8 شتنبر، هو جواب عاطفي محكوم بذكريات انتصارات 2015 و2016، وهو جواب قاصر عن فهم السياق السياسي الداخلي، والخارجي، الذي وفر البيئة المناسبة لنكسة 8 شتنبر". وقال حامي الدين إن مفهومي النضال الديمقراطي، والبناء الديمقراطي المنصوص عليهما في أطروحتي المؤتمرين السابقين، افتقدا إلى القيادة السياسية القادرة على تملكهما، وتوظيفهما في خطاب سياسي واضح، وهو ما جعل خطاب الحزب، خصوصا في الولاية الأخيرة حسب قوله، خطابا تدبيريا صرفا يمتح من الحصيلة الرقمية لأداء الوزراء، ورؤساء الجهات، والجماعات، ومفتقرا للمضمون السياسي، والديمقراطي الضروري. وعاتب حامي الدين إخوانه في الحكومة على عدم تكريس تيمة حقوق الإنسان في الفعل العمومي بالشكل، الذي يجعلها مدخلا حاسما في تحصين مكاسب الانفراج الحقوقي، الذي تأسس عليه مفهوم العهد الجديد، والذي جعل من الحريات، وحقوق المواطنة أولوية في إصلاح بنيات الدولة. وأنهى حامي الدين مقاله بالدعوة إلى تبني رؤية واضحة في الانتقال الديمقراطي المغربي، وذلك في إطار مقاربة تفاهمية مع جميع الفاعلين، تؤدي إلى بناء ديمقراطية توافقية، وحدها تبدو قادرة على تجسير العلاقات بين القوى السياسية المختلفة، وتحقيق الاعتراف المتبادل بين الجميع، والخروج من لحظة الانتخابات، باعتبارها لحظة لإعادة توزيع الاعتراف ونزعه، حسب ما تسمح به الظروف المحلية، والدولية.