حل فبراير. ست سنوات مرت على أضخم حراك شعبي، طالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، كذا ثقافية، شهده مغرب ما بعد 1999. تغيرت أشياء كثيرة ما بعد العام 2011. أصبح للاحتجاجات وقع وصوت مسموع وإن اختلفت درجات رد فعل الآمرين بتصريف المواقف إلى إجراءات. غدت مواقع التواصل الاجتماعي قوة موازية، ضاغطة، قادرة على حلحلة المواقف، وانتزاع مكاسب وقرارات لصالح الفئات المطالبة بها. انتزعت حركة 20 فبراير، وإن بشكل غير مباشر وفاعل من الداخل، دستوراً قطع مع الواقع السياسي لحقبة تلت 1996، وما قبلها. جلعت من المؤسسات الدستورية قادرة على المقاومة، وإن غاب عنها الفعل المباشر في مصير قضايا كثيرة. أمام كل هذا، يجب طرح تساؤلات حول أين أخطأت حركة 20 فبراير؟ الجواب هنا، حرك هاجسه عشرات اللقاءات مع باحثين وأكاديميين، مغاربة وأجانب، التقيتهم داخل خارج المغرب، من بين أول الأسئلة التي يطرحونها: "ما شكل النظام الذي كانت تناضل لأجله الحركة؟ هل وضعت مسودة مقترح دستور لتدافع عنها؟ ما هو سقف شكل الحكم وطبيعته في شعاراتها أيام الحراك؟ وهل تركت إرثاً موثقاً يمكن الاعتماد عليه كمراجع لمقارنة جل ما يصاغ اليوم من قوانين ومراسيم؟" كان الجواب الذي أصيغ لهؤلاء في الغلاب: "للأسف لا". مع الإشارة لعدد من المحطات التي أخطأت فيها الحركة العنوان، أو الشكل، حين كانت تنادي ب"اسقاط الفساد والاستبداد". دستور بديل للتاريخ حين جاءت دعوة لجنة صياغة الدستور التي أشرف على قيادتها المستشار الملكي الحالي، عبد اللطيف المنوني، كنت من بين الأسماء التي اتصل بها للساهمة في ابداء الرأي حول الوثيقة الدستورية التي تسطر قواعد سير مؤسسات الدولة منذ فاتح يوليوز 2011. دعوة توصل به عدد من رفاق الحركة حينها، وكان الرأي "الفروض" حينها، عدم التفاعل مع أي شكل من أشكال تحديد سقف سياسة للحركة. طبعاً كانت لمكونات 20 فبراير السياسية دور فاعل في رفض الرد بالإيجاب على دعوة المنوني. حينها في مكان ما قرب مدار "مرس السلطان" بالدارالبيضاء، قلت بالحرف لمن كان يفاوض، أو يحاول الاقناع بضرورة عدم المساهمة بوثيقة دستورية نتاج لحراك 20 فبراير: "سوف يأتي زمن تخفت فيه الاحتجاجات في الشارع ولن نجد ما نجابه به الرافضين لمطالب الحركة على سبيل المقارنة وهذا أضعف الإيمان". مرت ست سنوات اليوم. هل يتذكر أحدهم أنه كان يوماً ل20 فبراير موقف سياسي مكتوب من الدستور واضح تترافع به ولأجله أجيال الغد. الجواب بحكم الواقع "لا". وباستثناء بيان "تأسيس" الحركة، التي حملت في الأول اسم "حرية ديمقراطية الآن"، لا وثيقة للتاريخ تتحدث صراحة عن المغرب البديل الذي كانت تنشده. قتل "رمز مكان الاحتجاج" في مصر "ميدان التحرير". بتونس "شارع بورقيبة". خلال حراك اليمن "ساحة التغيير". حتى البحرين فطنت يوماً أن ميدان "اللؤلؤة" يجب أن يدك كي لا يستقطب المزيد من الرافضين لسياسيات الدولة. في الدارالبيضاء، على سبيل الذكر لا حصر، انطلقت احتجاجات 20 فبراير بساحة "محمد الخامس" وسط المدينة، واختارت الحركة بعد قمع وقفتها يوم 13 مارس، خط مسيرات الحركات العمالية التاريخية، انطلاقاً من ساحة "النصر"، نحو وسط المدينة، تحديداً عند ساحة "الحمام" (محمد الخامس). هذا الخيار، وإن ظهر بسيطاً وسطحياً عند البعض، مكن من استقطاب الفئات المنتمية للطبقة الوسطى، والتي كانت تحج بالآلاف، بثقل ما تنتمي إليه من قطاعات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، إلى مسيرات 20 فبراير الأولى. يوماً، وبعد مسيرة 24 فبراير 2011، اختار الجمع العام نقل الاحتجاجات من وسط المدينة، إلى الأحياء الشعبية، وكان للخيار "مبرر" مفاده "استقطاب شرائح واسعة من الطبقات الاجتماعية". لكن هنا، غاب عنا، أن عدد مهماً من الذين شاركوا، انضبطوا تنظيمياً لجماعة العدل والإحسان، وما إن أعلنت الأخيرة انسحابها، غابت "الجماهير" داخل الأحياء الشعبية، في الوقت الذي كان فيه فسيفساء الاحتجاج وسط المدينة أكثر تنوعاً وانضباطاً لشعارات الحركة دون غيرها. معاداة الأحزاب السياسية كان من بين مكونات حركة 20 فبراير أحزاب سياسية محسوبة على أقصى اليسار (الطليعة، الاشتراكي الموحد، المؤتمر الوطني الاتحادي، النهج)، وعدد من شبيبة الاتحاد الاشتراكي (اتحاديو 20 فبراير)، وجماعة العدل والإحسان التي انخرطت بكل مكوناتها في الحراك. هذا التنوع، أغنى وساهم في بروز الحركة، ومنحها دعماً سياسياً، وحضوراً حصنه تواجد عدد من المستقلين والمحسوبين على هيئات جمعوية وسياسية أخرى. لكن ظل هاجس "الخوف" من كل ما هو حزبي سائداً، بل تحركت أصوات مشبوهة أكثر من مرة لقطع التعامل مع والتنسيق مع التنظيمات السياسية، وكأن النضال بدأ مع 20 فبراير وسوف ينتهي معها ! هذا العداء، مع قليل من الفهم لما جرى من قبل، وما يحاك من بعد، يذكر باللازمة التي تحاول أن تقنع المغاربة، أنه "لا جدوى من ممارسة العمل الحزبي، والهيئات السياسية لا حاجة لها، ويمكن تدبير شؤون الدولة بالتكنوقراط فقط". واللبيب بالإشارة يفهم، أن للأحزاب دور، وإن غيبت أو غابت، والعيب في نخبها اليوم، وليس فيها. شعارات مسيرة مراكش الوطنية شاركت شهر ماي من العام 2011 في المسيرة الوطنية التي نظمت بمراكش، وجاءت مباشرة بعد العملية التي شهدتها ساحة "جامع الفنا" واستهدفت مقهى "أركانة". ومن بين الشعارات التي رفعت "لا سلفي لا وهبي المخزن هو الإرهابي"، بالإضافة إلى مشاهد من المسيرة وظفت جيداً ضد حركة 20 فبراير، خاصة في الخارج. ويتذكر العارفون بمسار الحركة، أنه بعد هذا التاريخ، تدخلت القوى الأمنية بعنف لمنع أي مسيرة في أكثر من مدينة وبلدة، في المقابل، خفتت المواقف في الداخل والخارج تجاه ما تعرض له نشطاء الحركة، وكان للوقفة بالقرب من مقر "الديستي" بمدينة تمارة نصيب من الترويج أن ل20 فبراير أهداف أخرى، وإن حملت الوقفة حينها مكسب فتحه أمام حقوقيين بأمر مباشر من الملك محمد السادس. حروب صحافية مجانية باختصار. اختار عدد من نشطاء الحركة، مواقع التواصل الاجتماعي منصة لمعاداة عدد من الصحافيين، والمؤسسات الإعلامية، هنا، حدث ما من مرة، منع البعض منهم من تغطية الجموع العامة للحركة، كذا المسيرات الاحتجاجية، موقف دفع أو أجبر ويمكن أقنع عدد من هؤلاء باتخاذ موقف كان خصوم 20 فبراير في حاجة إليها. بل كان حتى توجيه الملاحظات لكل ما يرتبط بالحركة "محرماً"، ومن "اقترفه" تهمة "مخزني" جاهزة لواجه بها، ما أفقد الحركة حسب ما أتذكر، أصوات كثيرة دافعت عنها، وإن من داخل مؤسسات "صحافية محافظة بالموقف تجاه التغيير". أزمة القيادة أخيراً، وإن لا تتسع المساحة هنا لقول المزيد، عقدة القيادة شكلت الأزمة عند جل مكونات الحركة. لا أحد يود التفويض لعناصر بعينها الحديث باسم 20 فبراير حينها. وبحث الإعلام الوطني والدولي عن الوجوه التي برزت في الاحتجاجات، وقادرة عن ترجمة بعض من المواقف في جمل مفيدة تصلح للنشر، لكن كان لكل من يتحدث نصيبه من "التخوين"، وإن لم يحد قيد أنملة عن "مواقف" الحركة المعلنة. هنا بعض من التاريخ والمواقف التي لم تكتب. لتظل التجربة المستمرة بأشكال أخرى متنوعة، لكنها حبيسة رواية شفهية تأول كيف تشاء تقديرات الفاعلين والمساهمين في خروج 20 فبراير، أو "حرية ديمقراطية الآن" إن صح التعبير، وأبعد من ذلك مجموعة "مغاربة يحاورون الملك" أول النشأة، قبل بزوغ فجر "الربيع العربي".