الأرصاد الجوية تحذر من تكرار فيضانات آسفي و"تساقطات سلا" السبت المقبل    ساعف: السياق السياسي بالمغرب يعرف انحدارا كبيرا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    عقد اتحاد طنجة لجمعه العام العادي رغم طلب العصبة تأجيله يثير جدلًا    الفنان الروسي بيوتر إكولوف يحيي حفلا موسيقيا ببيت الصحافة بطنجة    مدرب مالي يناشد جماهير الرجاء لدعم نسور مالي أمام المغرب    إطلاق النسخة المغربية الخالصة من مؤلف "إدارة العلامات التجارية بين الشركات : مجموعة دراسات لقصص النجاح المغربية "    من الخميس إلى الأحد.. أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية وطقس بارد    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    حين تفتح سانت بطرسبورغ أبوابها ويخرج المغرب من الضوء    نبأ الجميلي تناقش أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة تركيّة    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    "أسود الأطلس" في اختبار قوي أمام "نسور" مالي لحسم التأهل مبكرا إلى ثمن نهائي "الكان"    رحال المكاوي يحصل شهادة الدكتوراه من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط    وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين تتدارسان جدل القانون المنظم للمهنة    "الكاف" يعاقب الجيش الملكي بحرمان جماهيره من حضور مباراتين في دوري الأبطال    مطار محمد الخامس يكسر حاجز 11 مليون مسافر بفضل كأس إفريقيا    معهد الجيوفيزياء يوضح تفاصيل هزّتَي مكناس وأسباب عودة النشاط الزلزالي    حوض سبو.. السدود تسجل نسبة ملء تبلغ 42,8 في المائة    نتائج الجولة الأولى من دور المجموعات    رئيس النيابة العامة يشكو الخصاص في القضاة والموظفين ويدعو لتطوير التشريعات استجابة للتطورات        إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد حانوكا اليهودي في ملبورن الأسترالية    تهنئة مثيرة لترامب تشمل "حثالة اليسار"    قناة "الحوار التونسية" تعتذر للمغاربة        أنفوغرافيك | حصيلة 2025.. الجرائم المالية والاقتصادية وغسيل الأموال    "الجمعية" تحمّل السلطات مسؤولية تدهور صحة معطلين مضربين عن الطعام في تادلة وتطالب بفتح الحوار معهما    السلطات الأمريكية تحقق في صعوبة فتح أبواب سيارات تيسلا    14 دولة تندد بإقرار إسرائيل إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة    الجزائر تُقرّ قانوناً يجرّم الاستعمار الفرنسي ويطالب باعتذار وتعويضات.. وباريس تندد وتصف الخطوة ب«العدائية»    2025 عام دامٍ للصحافة: غزة تسجل أعلى حصيلة مع 43% من الصحفيين القتلى حول العالم    وزارة العدل الأمريكية تحصل على مليون وثيقة يُحتمل ارتباطها بقضية إبستين    إطلاق خط سككي جديد فائق السرعة يربط مدينتين تاريخيتين في الصين    حادثة سير مروعة تودي بحياة أب وابنته ضواحي برشيد        فوز مثير لبوركينا فاسو وبداية موفقة للجزائر وكوت ديفوار والكاميرون في "كان المغرب"    فيدرالية اليسار الديمقراطي تحذر من حالة الشلّل الذي تعيشه جماعة المحمدية    الصين تكتشف حقلا نفطيا جديدا في بحر بوهاي    بالإجماع.. المستشارين يصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة    معارض إفريقية متنوعة للصناعة التقليدية بأكادير ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025            ندوة علمية بكلية الآداب بن مسيك تناقش فقه السيرة النبوية ورهانات الواقع المعاصر    بالملايين.. لائحة الأفلام المغربية المستفيدة من الدعم الحكومي    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    نص: عصافير محتجزة    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا الحرف اللاتيني هو الأنفع للأمازيغية؟ (الجزء 1)
نشر في أريفينو يوم 07 - 08 - 2011

يعود النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية من جديد بعد أن جرت جولته الماراطونية الأولى عامي 2002 و2003 على صفحات جرائد عديدة مثل “تاويزا” و”العالم الأمازيغي” و”الأحداث المغربية” و”التجديد”، وأيضا داخل عدد من الأحزاب والجمعيات، بالإضافة إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM). وعودة هذا النقاش المُسيّس مرة أخرى إلى الواجهة دليل على أن “خيار تيفيناغ” لم يكن حاسما ولا ضمن أي “إجماع وطني”، وإنما كان فقط تأجيلا سياسيا للمسألة. وها هي أطراف “الإجماع الوطني” (الحزبي) بدأت هي نفسها تنكر وجود أي “إجماع وطني” حول تيفيناغ وبدأت تروج للحرف العربي!
وحتى التجربة المدرسية في تعليم الأمازيغية لا يمكن اعتبارها ناجحة على الإطلاق، حيث لم تتجاوز نسبة تلاميذ الإبتدائي الذين يتعلمون الأمازيغية بتيفيناغ ال15% حسب أرقام وزارة التربية الوطنية، وهي حصيلة هزيلة إذا نظرنا إلى مرور 8 سنوات على دخولها المدرسة، وإلى تعهد الوزارة أمام الرأي العام بالوصول إلى تغطية 100% من التلاميذ قبل نهاية 2012 عبر مجموع المدارس!
ومازالت الأمازيغية غائبة تماما عن أقسام الإعدادي والباكالوريا. ولا يبدو أن المعهد الملكي والوزارة المعنية لديهما أية خطة (أو حتى نية) في تعميم الأمازيغية على المدارس الثانوية. في حين أنه من الأجدر أن يبدأ تدريس الأمازيغية من السنة الأخيرة من الباكالوريا تنازليا وبالتزامن مع الإتجاه التصاعدي في الأقسام الإبتدائية.
ولكن أطرف ما في مسألة الحرف على الإطلاق هو أن الجهات المضادة للأمازيغية هي التي تعود الآن إلى إثارة مسألة الحرف، وكأنها لم تقنع بحرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني، وب”الحل الوسط” الذي يمثله حرف تيفيناغ لدى البعض.
فما العمل مع من يجهلون لغتك ويحتقرونها، ورفضوا دائما مبدأ ترسيمها، ثم فوق ذلك كله يأتون ليخبروك بالحرف الذي يجب عليك أن تستعمله لكتابتها؟!
هناك شيء جوهري يجب ذكره قبل الخوض في الموضوع وهو أنه هناك نوعان من النقاش حول الحرف:
1) نقاش قديم ظهر منذ السبعينات من القرن الماضي بين الناشطين في ميدان الأمازيغية (لغويون، باحثون أكاديميون، كتاب، مناضلون..)، حيث اتفقوا في غالبيتهم على ضرورة كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لأسباب عملية، مع وجود نسبة صغيرة من المساندين لحرف تيفيناغ.
2) نقاش حديث ظهر بعد تأسيس المعهد عام 2001 ومع بداية الإعداد لتدريس الأمازيغية. هذا النقاش كان بين الناشطين في ميدان الأمازيغية من جهة، وسياسيين ومثقفين لا علاقة لهم باللغة الأمازيغية من جهة أخرى. حيث ظهر أن كثيرا من السياسيين والمثقفين غير الناطقين بالأمازيغية كانت لهم آراء وفتاوى جاهزة ومبنية على أساس سياسي وأيديولوجي صرف، دون معرفة ولو سطحية باللغة الأمازيغية.
لماذا يتدخل السياسيون في الشؤون الدقيقة للأمازيغية؟!
إن المرء ليندهش وهو يرى سياسيين يتدخلون بشكل سافر في مسألة الحرف الأمازيغي مثلا ويجعلونه جزءا من برنامجهم السياسي رغم استبعادهم لمسألة ترسيم الأمازيغية من نفس البرنامج السياسي!
هذا طبعا دون أن ننسى أن المكان الطبيعي للسياسيين هو الإنشغال بهموم المواطنين حول الشغل والسكن والصحة وحقوق الإنسان، وليس التدخل في حروف اللغات.
أين ينتهي مجال السياسيين ويبدأ مجال اللغويين المتخصصين والكتاب الممارسين للكتابة باللغة؟ هل يحق للسياسيين التدخل في قاموس اللغة ومنع الكلمات الأجنبية أو “المشبوهة” من التداول؟! هل يحق لهم أن يقننوا عدد كلمات القاموس الأمازيغي منعا ل”التضخم”؟!
أليس تدخل السياسيين في مسألة حرف كتابة الأمازيغية بمثابة التدخل في حرية الأفراد في اللباس أو التدين أو الترفيه أو التجول أو الكتابة باليمنى أو باليسرى؟!
أليس ذلك التدخل في مسألة الحرف بمثابة التدخل في الأدوات التي يستخدمها الطبيب في عمله أو البنّاء في ورشته أو العالِم في مختبره؟!
دعاة الحرف العربي يريدون تركيع الأمازيغية:
من هم دعاة فرض الحرف العربي على الأمازيغية؟ إنهم إسلاميو أو عروبيو الأيديولوجية في غالبيتهم الساحقة. فبعد أن كانوا يرفضون ترسيم الأمازيغية رفضا قاطعا، وبعد أن كان كثيرون منهم ينكرون وجود الأمازيغية كلغة ويعتبرونها مجرد لهجات أو مجرد لغة مختبرية اصطناعية أو مؤامرة صهيونية فرنكوفونية؛ وجدوا أن تلك الآراء المتطرفة أصبحت اليوم غير قابلة للترويج في الأوساط الشعبية بسبب بروز الأمازيغية أكثر فأكثر إلى الواجهة. وهكذا “تنازلوا” (مكره أخوك لا بطل) فأقروا بأن الأمازيغية لغة كغيرها من اللغات. وأقروا ضمنيا بأنها ليست مجرد لهجات بدائية وبأنها ليست مؤامرة صهيونية فرنكوفونية. إلا أنهم الآن يصرون على رسم مستقبل الأمازيغية بشكل لا يشوش على توجهاتهم وبرامجهم السياسية والأيديولوجية ولا يلحق أي “ضرر” بالوضع القائم.
ومادام أن الأمازيغية عصية على الإخماد والتصفية فقد انتقلوا الآن من معارضة الترسيم في حد ذاته إلى محاولة التحكم في شروط وظروف الترسيم (المنقوص)، عملا بالمبدإ المعروف “ما لا يُدرَك كله لا يُترَك جله”.
فاليوم يريدون فرض الحرف العربي على الأمازيغية، وغدا سيتدخلون في عدد ساعات تدريسها وكيفية استخدامها في الإدارات وجوازات السفر واللوحات الطرقية، وبعد غد سيجادلون فيما إذا كان من حق البرلمانيين والمحامين المداخلة والمرافعة بالأمازيغية أم لا، أو ما إذا كانت هناك حاجة لإدماجها في الأكاديمية العسكرية أو في المعهد الملكي للشرطة!
إن المنادين باعتماد الحرف العربي لا يتقنون، في أغلبيتهم الساحقة، الكلام بالأمازيغية ولا قراءتها ولا كتابتها بذلك الحرف الذي يروجون له. ولم يكلفوا أنفسهم يوما عناء دراسة نحوها ومعاجمها وأدبها وشعرها. إنهم سياسيون بأجندات سياسية أو هم مثقفون ذوو أيديولوجيات. وكل ما يريدونه هو تحييد Neutralization الأمازيغية وفرض وصايتهم عليها لتخفيف أثرها المحتمل على مشاريعهم السياسية أو الأيديولوجية. إن فرض الحرف العربي على الأمازيغية هو تركيع لها غرضه هو إبقاؤها تحت السيطرة والمراقبة.
الحرف اللاتيني حلال على الفرنسية وحرام على الأمازيغية!
يبدو أن الهاجس الجوهري الذي يحرك الإسلاميين والعروبيين الرافضين لكتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني هو خليط من خوفهم أن تنافس الأمازيغية العربية أو تتساوى معها في الحضور والتأثير الإعلامي والسياسي، مع تخوفهم من تراجع أنماط الفكر الإسلامي والعربي المشرقي التقليدي وشيوع الأفكار العلمانية والغربية في المحيط الثقافي الأمازيغي. كما أن هناك تيمة التنصير والتغريب والإستعمار والمؤامرة الصهيونية وخرافة “الظهير البربري” التي تتكرر في خطاباتهم بشكل مكشوف أو مقنّع، يربطون فيها بين الحرف اللاتيني والمسيحية والإستعمار الفرنسي والإختراق الأجنبي مثلا.
العجيب هو أن الإسلاميين والعروبيين لا يرون بأن وجود الفرنسية والحرف الفرنسي اللاتيني في كل مناحي الحياة الرسمية والعامة بالمغرب يشكل أي خطر على الإسلام أو على العربية أو على عقيدة المغاربة أو على أمن ووحدة المغرب. وعتابهم الخفيف لسياسة الدولة المغربية المعتنقة للفرنكوفونية لا يرقى إلى ذلك التهويل والتجييش والتعبئة الجهنمية ضد كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
وهكذا فالأطفال المغاربة حينما يتعلمون الفرنسية والإنجليزية والإسبانية في المدارس المغربية ويكتبونها وينشدون بها الأناشيد، وحينما يشاهدون الرسوم المتحركة بالفرنسية على 2M والرابعة والثالثة والأولى، هم في أمن وأمان من التنصير والإلحاد والفرنسة والأمركة والتغريب والعلمنة!
ولكن إذا تعلم الأطفال المغاربة قراءة وكتابة لغتهم الأمازيغية باستخدام الحرف اللاتيني، فالمغرب سيكون حينئذ في خطر داهم أمام “الهجمة اللاتينية الفرنكوفونية التنصيرية العلمانية الإلحادية الأوروبية المضادة للإسلام والعربية”!
هل هناك عبث واستخفاف بالعقول أكثر من هذا؟!
لماذا الحرف اللاتيني حلال على الفرنسية والإنجليزية والإسبانية في المدارس والجامعات والإدارات المغربية، بينما هو حرام على الأمازيغية؟!
ماهي الحروف المستخدمة في لغات الشعوب المسلمة؟
يحلو لكثير من دعاة الحرف العربي للأمازيغية الإستشهاد ببعض لغات الشعوب المسلمة كاللغتين الفارسية والأردية اللتان تستخدمان الحرف العربي، ك”قدوة حسنة” للأمازيغية. ولكنهم يتجاهلون أو ربما يجهلون أن هناك عددا أضخم من لغات الشعوب المسلمة التي تستخدم الحرف اللاتيني أو حروفا أخرى. لنقارن بلغة الأرقام:
1- لغات مكتوبة بالحرف اللاتيني: اللغة الإندونيسية (230 مليون متكلم). التركية (70 مليون متكلم). لغة الهوسا في شمال نيجيريا وغانا (30 مليونا). الأوزبكية (25 مليونا). الماليزية (20 مليونا). الأذربيجانية (10 ملايين). لغة Wolof في السنغال وغامبيا (10 ملايين). الصومالية (9 ملايين). لغة Bambara في جنوب مالي وبوركينافاسو (6 ملايين). الألبانية (5 ملايين). لغة تركمانستان (3 ملايين). اللغة البوسنية (3 ملايين).
2- لغات مكتوبة بالحرف العربي: الأوردو والبنجابية والسندية في باكستان (150 مليون متكلم في المجموع). الفارسية في إيران وأفغانستان (80 مليونا). البشتونية في باكستان وأفغانستان (40 مليون متكلم). الأويغورية في غرب الصين (11 مليونا).
3- لغات مكتوبة بحروف أخرى: اللغة البنغالية في بنغلادش والهند (260 مليون متكلم) تستعمل الحرف البنغالي. اللغة الكردية (حوالي 25 مليونا) مكتوبة بالحرف اللاتيني و العربي والروسي وهي تتجه لتبني الحرف اللاتيني كحرف موحد. أما اللغات الطاجيكية (25 مليونا) والكازاخستانية (8 ملايين) والقرغيزية (4 ملايين) فتستعمل حاليا الحرف الروسي.
اللغات تختار حروفها:
إن تخلي اللغات عن حروف واختيار أخرى بسبب تأثيرات ثقافية ودينية أو لدواع عملية ومنفعية هو شيء شائع جدا في تاريخها. فالإنجليزية القديمة Old English كانت لديها أبجديتها الرونية Runic الجرمانية الخاصة بها والمختلفة عن الحروف اللاتينية. وتحولت الإنجليزية إلى الحرف اللاتيني منذ القرن 9 ميلادي.
أما الفارسية فانتقلت من الكتابة المسمارية على الألواح الطينية منذ عام 525 قبل الميلاد، إلى الأبجديتين الفهلوية Pahlavi والآفستانية Avestan، ثم إلى الحرف العربي بعد قرن ونصف من دخول الإسلام إلى فارس.
والتركية انتقلت من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني عام 1928. وبقية لغات آسيا الوسطى انتقلت من الأبجدية التركية القديمة Göktürk script إلى الحرف العربي الفارسي (خلال عصر دخول الإسلام)، ثم إلى الحرف الروسي (الفترة السوفياتية)، وبعضها انتقل إلى الحرف اللاتيني. فدولة أوزبكستان مثلا تخلت عن الحرف الروسي واعتمدت الحرف اللاتيني رسميا عام 1992 بعد استقلالها عن الإتحاد السوفياتي عام 1991. ومن بين الدوافع لاعتماد الأوزبكية للحرف اللاتيني هي الرغبة في التقارب مع أخواتها اللغات التركية والتركمانستانية والأذربيجانية المكتوبة باللاتيني أيضا.
أما لغة الملايو (أي الماليزية والإندونيسية) فكانت مكتوبة في القديم بحروف آسيوية وهي Kawi script وGrantha script وPallava script، ثم انتقلت إلى تبني الحرف العربي خلال فترة انتشار الإسلام، ثم انتقلت إلى الحرف اللاتيني في العصر الحديث.
مبرر المخطوطات الأمازيغية المكتوبة بالحرف العربي:
يقول مساندو كتابة الأمازيغية رسميا بالحرف العربي إن وجود المخطوطات الأمازيغية (المكتوبة بحرف عربي منذ القرن 9 ميلادي) يبرر إلزامية كتابة الأمازيغية اليوم بحرف عربي انسجاما مع هذا التقليد. وهذا “المبرر التاريخي” قد يبدو معقولا للوهلة الأولى لمن لم يطلع على مجموع تاريخ كتابة الأمازيغية. ولكن إذا أخذنا منطق الأسبقية التاريخية وحده في الحسبان فالحرف الأجدر بالأمازيغية هو حرف تيفيناغ لأنه اختراع أمازيغي صرف، ولأنه سابق لكل الحروف الأخرى في العالم الأمازيغي القديم، وهو مازال راسخا في آلاف النقوش الحجرية عبر مجموع شمال أفريقيا وجزر الكناري.
والأرجح هو أن تيفيناغ لم يكن يستخدم فقط في المنقوشات الحجرية من طرف الهواة والنقاشين القدامى، وإنما كان أيضا حرفا رسميا تستعمله الممالك الأمازيغية القديمة مثل مملكة نوميديا. والدليل على ذلك هو مثلا تلك اللوحة الحجرية الشهيرة من مدينة Thugga التاريخية في تونس، والتي كتبت بحرف تيفيناغ على ضريح الملك ماسينيسا في معبد المدينة الذي بني تكريما له. وهذه اللوحة توجد الآن في المتحف البريطاني في لندن. كما أنه توجد في شمال أفريقيا نقوش قديمة مزدوجة الحرف: تيفيناغ/بونيقي (في بعض المناطق التي استوطنها الفينيقيون)، وتيفيناغ/لاتيني (في بعض المناطق التي استوطنها الرومان). وهذا كله يدل على مكانة رسمية أو اعتبارية كان يتمتع بها حرف تيفيناغ آنذاك.
أما إذا فحصنا تاريخ كتابة الأمازيغية بشكل شمولي فسنجد أن تغير حروف كتابة الأمازيغية من تيفيناغ (ما قبل الميلاد، مملكة نوميديا، والطوارق)، إلى الحرف العربي (مع انتشار الإسلام)، إلى الحرف اللاتيني (النهضة الثقافية الأمازيغية في القرن ال20)، كان يعكس تغير الظروف التاريخية والثقافية في كل فترة من تاريخ الشعب الأمازيغي. وانتقال الأمازيغية إلى الحرف اللاتيني في عصرنا الحالي ناتج من الظرفية الحالية المتميزة بشيوع الحرف اللاتيني عالميا، واستخدامه في الدراسات اللغوية الأمازيغية الحديثة، ورغبة المهتمين الحقيقيين بالأمازيغية في الإستفادة من منافعه العملية من أجل تطوير هذه اللغة.
حرف تيفيناغ لن ينفع الأمازيغية كثيرا في هذه المرحلة:
يمكن لأي إنسان أن يتعلم حرف تيفيناغ بمنتهى السهولة. وكذلك يمكن تعلم الحرف الروسي أو اليوناني أو البنغالي بسهولة عظيمة. ولكن المسألة ليست متعلقة بمدى سهولة تعلم الحروف. وإنما هي مسألة أعقد بكثير تتداخل فيها عوامل الإرادة الشخصية، والنظام التعليمي، والإعلام، والإقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات، والعولمة، فضلا عن احتياجات اللغة نفسها.
النقطتان الإيجابيتان الأساسيتان في حرف تيفيناغ هما: أصالته وتميزه عن كل الحروف الأخرى، وعراقته التي تعود إلى آلاف السنين. إلا أن استخدامه اليوم على أساس هاتين النقطتين الإيجابيتين سيمر عبر دفع ضريبة باهضة وهي عدم قدرة 95% من الشباب والمتعلمين على قراءته والكتابة به في الظروف الحالية وقلة استعدادهم لتعلمه، وبالتالي انعزالهم عن ديناميكية تطور الأمازيغية. استبعاد الحرف اللاتيني واعتماد تيفيناغ حرفا رسميا هو إذن إضاعة للوقت وإضاعة لفرصة نشر الأمازيغية وتطويرها وإقلاعها إقلاعا قويا.
أما الرهان على تعليم الأمازيغية بتيفيناغ للصغار فقط، مع تجاهل جيل الشباب المغربي الحالي الذي فاته تعلم الأمازيغية في الإبتدائي، فسيضر بالأمازيغية كثيرا في ما يخص انتشارها على المدى القصير والمتوسط، أي على مدى العقدين المقبلين اللذين سيحددان مصير الأمازيغية. حينما نتحدث عن تعليم الأمازيغية يجب أن نأخذ في الحسبان شباب الثانويات والجامعات والشباب العامل والمثقف ومسألة التكوين المستمر للموظفين، وليس فقط أطفال المستوى الإبتدائي. نحن نعلم أن كثيرا من الشباب المغربي المتعلم اليوم لم يتعلموا الإنجليزية مثلا إلا بعد اجتياز الباكالوريا أو حتى بعد دخولهم سوق العمل.
حروف تيفيناغ غريبة ومنفرة بالنسبة للبعض وجميلة ظريفة بالنسبة لآخرين. ولكنك تجد أغلب الذين يمدحونها أو يستظرفونها غير مبالين بتعلمها والكتابة بها (ربما لضيق الوقت وكثرة المشاغل!) وإنما ينظرون فقط إلى مظهرها الخارجي ويخيل إليهم أنها نقوش تصلح لمزينات الصناعة التقليدية واللوحات التشكيلية، وبالمقابل تجدهم يأخذون الحرف اللاتيني بمنتهى الجدية ويجهدون أنفسهم في إتقان الفرنسية وغيرها من اللغات الأوروبية. الأمازيغية لا تحتاج إلى “سياح مغاربة” أو أجانب يستمتعون بمشاهدة حروف تيفيناغ كأنها نقوش أثرية أو زركشات على الزرابي، وإنما تحتاج لأن تكون متاحة للدارسين والمواطنين أولا وقبل كل شيء.
لا بأس من استخدام تيفيناغ في بعض الحقول الرمزية مثل لوحات الإدارات الرسمية وأسماء الشوارع وعلى النقود وجوازات السفر والطوابع البريدية (رغم أن اللاتيني أنفع للأمازيغية من الناحية العملية)، ولكن حينما يتعلق الأمر بالتعليم واشتغال المؤسسات والنشر الورقي والإلكتروني فالأمازيغية تحتاج اليوم إلى الحرف الذي يضمن اندماجها السريع والفعال في تلك الميادين. الأمازيغية تحتاج إلى ما يقربها من الجمهور الواسع والشباب المغربي، شباب الفيس بوك والتويتر، شباب الآيفون والبلاك بيري، شباب الثانويات والجامعات، الشباب المتمرس بالحرف اللاتيني، شباب 2011. الأمازيغية تحتاج إلى ما يسهل اندماجها في تكنولوجيا الكومبيوتر وشبكة الإنترنت وعالم العلوم والمعرفة. ولكي تنجح اللغة الأمازيغية كلغة علم وتكنولوجيا وإدارة وتعليم، يجب عليها أن تقتحم تلك الميادين بالعتاد المناسب والأدوات الفعالة وعلى رأسها يأتي الحرف اللاتيني.
للحديث بقية…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.