خطر داهم يقترب من أوروبا: الإعلام الإيطالي يدق ناقوس الخطر حول تورط البوليساريو في شبكات الإرهاب بالساحل    المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين لجهة الدار البيضاء سطات بالجديدة    ارتفاع حصيلة الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل إلى عشرة قتلى    ترامب يحذر إيران من رد عسكري إن هاجمت الولايات المتحدة    إسرائيل: 10 قتلى وأزيد من 200 جريحا جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية    الأهلي يتعادل مع إنتر ميامي (0-0) في افتتاح الموندياليتو    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    الدار البيضاء.. توقيف شخص متورط في سرقة بالعنف باستخدام دراجة نارية    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    إسرائيل تعلن سقوط قتلى.. وتوجه تحذيرات إخلاء للسكان في طهران بالقرب من منشآت إنتاج الأسلحة    توقيف شخص بحوزته أزيد من 5400 قرص "ريفوتريل" بضواحي سلا بعد قدومه من شمال المملكة    4 قتلى و195 مصابا بموجة قصف إيراني جديدة على وسط إسرائيل    تحطم طائرة مروحية تقل 6 أشخاص شمال الهند    المغرب يعزز موقعه في سباق الطاقة النظيفة: اتفاقية استراتيجية مع شركة صينية لإنتاج مكوّنات بطاريات السيارات الكهربائية    الأميرة للا أسماء تترأس حفل نهاية السنة الدراسية 2024-2025 لمؤسسة للا أسماء    كأس العرش: أولمبيك آسفي يتجاوز فخ الاتحاد الإسلامي الوجدي    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. برنامج مباريات الأحد    العمراني: مشاركة الوداد في كأس العالم للأندية مؤشر قوي على تقدم الرياضة الوطنية    الملك يعزي الهند بضحايا تحطم الطائرة    نشرة انذارية والحرارة تصل 45 بالمغرب    ما الأنظمة الدفاعية التي تستخدمها إسرائيل في أي تصعيد؟    نتائج البكالوريا 2025: الإعلان عن عدد الناجحين والمستدركين والإناث يتفوقن بجهة الدار البيضاء سطات    الرصاص يلعلع بالجديدة    الصين تطلق قمرا صناعيا لرصد الكوارث الطبيعية    الجزائر تتهم المغرب بسرقة الكسكس    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما    فريدة خينتي تطالب وزير الداخلية بإحداث سوق عصري نموذجي بجماعة بني أنصار    الحجاج يواصلون رمي الجمرات في أيام التشريق، والسلطات تدعو المتعجّلين للبقاء في المخيمات    بنهاشم يثمن تحضيرات نادي الوداد    الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات    من حكيمي إلى بونو .. 31 أسداً مغربياً يشعلون ملاعب مونديال الأندية    16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"    الولايات المتحدة تُعد قائمة حظر سفر جديدة تشمل 36 دولة بينها ثلاث دول عربية    30 من نجوم كرة القدم المغاربة يشاركون في كأس العالم للأندية لكرة القدم بأمريكا    أوزين ينتقد "جفاف الرؤى الحكومية" .. ويؤكد وحدة صف الحركة الشعبية    تفكيك شبكة إجرامية تستغل نساء راغبات في الهجرة للاستيلاء على عشرات السيارات    عمر الحريري وهبة بناني يتصدران نتائج الدورة العادية للبكالوريا    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي    تخصيص ميزانية 113 مليون درهم لتحديث وتأهيل مطار العروي    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    جيلان تتألق في "ها وليدي": ملحمة فنية مغربية تنبض بالحب والولاء للوطن.. المغرب لا يُغنى عنه، بل يُغنّى له    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهل المملكة المتحدة بمناسبة عيد ميلاده    تامر حسني يكشف تطورات الحالة الصحية لنجله        اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    مطالب للحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة تحفز اندماج القطاع غير المهيكل بالاقتصاد الرسمي    ريال مدريد يضم اللاعب الأرجنتيني ماستانتوونو    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة العدل و الإحسان إلى نقطة الصفر
نشر في أريفينو يوم 23 - 12 - 2011

كادت حركة 20 فبراير أن تنزع الصفة الإرهابية و الظلامية و التدميرية على جماعة العدل و الإحسان. تلك الجماعة التي ذاق من آلام أفعالها طلاب و طالبات الجامعات المغربية إبان فترة التسعينات و مازال. إن روحا الشهيدين ايت الجيد محمد بنعسيى و المعطي بوملي ستبقى شاهدة على بشاعة و حقيقة هذه الجماعة، لكن التحاقها بحركة 20 فبراير المناضلة، أربكت الطبقة السياسية المغربية و قسمت اليسار بين مؤيد للاشتغال معها و الرافض و المشكك في نواياها.
حاول العديد من المناضلين القدامى و المؤيدين لحركة 20 فبراير احترام استقلالية حركة شباب 20 فبراير، باعتبارهم أصحاب الميدان اليوم، فاحترموا قبول الشباب الاشتغال مع شباب العدل و الإحسان، كما أن الحفاظ على وحدة الحركة كان في غاية الأهمية لانتزاع حقوق من نظام استبدادي حاول لعدة قرون الحفاظ على كل السلطات في يد واحدة.
بل إن الحراك الذي تزعمته حركة 20 فبراير وفر إمكانيات الحوار و التواصل و التنسيق الميداني بين هذه الجماعة مع أطراف يسارية فرادى و جماعات، و كادت حركة 20 فبراير أن تؤسس لعهد جديد ينسى فيه الكثيرون جراحات الماضي و بناء الثقة التي كانت مفقودة قبل تاريخ 20 فبراير 2011.
و بعد مرور 10 أشهر بالتمام و الكمال من نضج أبان فيه الجميع، بالرغم من ما أحدثته هذه الجماعة من انشقاقات و تصدعات في صفوف الصف الديمقراطي. ففي بلجيكا مثلا استطاعت العدل و الإحسان أن تقسم النهج الديمقراطي إلى جزأين، جزء استمر مع الديموقراطين المغاربة لمساندة حركة 20 فبراير ببلجيكا، و جزء آخر أسس مع العدل و الإحسان وبعض المناضلين الامازيغين ما سمي بتنسيقية بلجييكا لدعم حركة 20 فبراير.
كما لا اخفي سرا بان إلى حدود تاريخ إعلان انسحاب العدل و الإحسان، كان النقاش متواصلا بين الديمقراطيين حول إمكانيات الاشتغال مع العدل و الإحسان و توحيد الصفوف من عدمه، لكن إعلان الجماعة انسحابها رسميا من حركة 20 فبراير يوم 18 دجنبر أراح الجميع و سيعيد النقاش و العلاقات بينها و بين “الفضلاء الديمقراطيين” إلى نقطة الصفر.
قرار العدل و الإحسان انسحاب أم خيانة؟
بتاريخ 18 دجنبر 2011، أعلنت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في بيان لها، انسحاب الجماعة رسميا من حركة 20 فبراير. و هذا القرار صاحبه العديد من ردود الأفعال. فإذا كان النظام و حكومة بنكيران اكبر المستفيدين من هذا القرار، و أن صمتهم هو تعبير على علامة الرضا، فانه بالتأكيد سيكون تأثيره سلبيا على الشارع المغربي و على مستقبل الحوار بين مكونات المجتمع المغربي ككل.
إن انسحاب العدل و الإحسان في هذه الظروف الذي يحاول فيها المخزن الخروج من النفق، باعتماده على إسلاميي العدالة و التنمية في الحكومة، يعد طعنة من الخلف لحركة 20 فبراير، كما يمكن اعتباره نوعا من الغدر للقوى الديمقراطية و للمواطنين الذين وضعوا ثقتهم في هذه الجماعة . كما يمكن اعتبار هذا السلوك/القرار بالدارجة المغربة ب”اشماتة”، أي أنهم “اخواو” بشباب الحركة 20 فبراير و هم في نصف الطريق. و يمكن فهم هذا القرار إما أن العدل و الإحسان وقعت على صفقة سياسية سرية مع النظام بوساطة بنكيران، أو أنها تراهن أن تنجز قومتها لوحدها عندما يحلم بذلك زعيمها الروحي عبد السلام ياسين.
قراءة في بيان العدل و الإحسان
بررت جماعة العدل و الإحسان قرارها بمبررات لا يصدقها حتى أمي في السياسية، فالبيان تارة يمجد شباب 20 فبراير و العمل التشاركي، و تارة يتبرأ منه و يحمل مسؤولية الانسحاب لبعض أطراف الحركة. و لتوهيم الرأي العام حافظ البيان على نفس اللغة التصعيدية من النظام، كما حاول توجيه رسائل مشفرة إلى عدة جهات، أولاها إلى المخزن مبديا حسن نيته و قدرته لتوقيف زحف الثورات المغاربية و الشرق الأوسطية. الرسالة الثانية موجهة إلى حكومة العدالة و التنمية معتبرا إياها ب “حكومة دون سلطة و لا إمكانيات” و يتهمها ب “تلطيخ سمعة الإسلاميين و إضفاء الشرعية الدينية على الإسلام المخزني الموظف للدين”.
و ثالث الرسائل موجهة ضد اليسار متهما إياه بمحاولة صبغ هذا “الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم، في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية “.
و في تناقض صارخ للموقف المتخذ من طرف قيادة الجماعة و الذي يتنكر لأرواح الشهداء الذين وهبو أرواحهم النقية دفاعا عن مغرب حر و ديمقراطي ، حاولت الجماعة أن تترحم عليهم، و تعتبرهم فقط “شهودا على فظاعة جرائم هذا النظام المخزني ومقاومته لكل محاولات الإصلاح والتغيير” على حد تعبير البيان.
كما وجه البيان الشكر ل”كل فئات الشعب، سواء داخل المغرب أو خارجه لدعمهم لهذا الحراك…”، كان شباب الداخل و الخارج مجرد داعم لهذا الحراك و للعدل و الإحسان و ليس منخرطا قلبا و قالبا في نضالات شعبهم من اجل القضاء على الفساد و الاستبداد.
وفي استخفاف و ضحك على الذقون، دعا البيان في نقطته الخامسة ” كل الفضلاء إلى الاصطفاف إلى جانب القوى المطالبة بالتغيير ضد نظام مخزني عتيق أثبتت هذه المدة أنه مقاوم للإصلاح ومصر على الاستمرار بنفس العقلية والمنهجية الاستبدادية”.
إذ كيف يمكن فهم هذا التناقض الصارخ في خطاب العدل و الإحسان، ففي الوقت الذي تعلن فيه الجماعة انسحابها من حركة 20 فبراير، و عبره تنسحب من الحوار مع الأطراف المعنية بالتغيير و تدمر الثقة الهشة التي بنيت في العشرة أشهر الماضية، هاهي تدعو من جديد هؤلاء “الفضلاء” إلى الاصطفاف؟. نفس الشيء تذهب إليه النقطة السادسة من البيان عندما دعا ” كل فئات الشعب إلى اليقظة والمشاركة الإيجابية من أجل مغرب تسوده الحرية والكرامة والعدل”.
و يختتم البيان في نقطته التاسعة بتوجيه رسالة صريحة إلى النظام ل”حوار مجتمعي وميثاق جامع يوحد الصف ويجمع الجهود لبناء نظام عادل ومغرب تتساوى فيه الفرص”.
انسحبت إذن العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، بل انسحبت من المعركة ضد الفساد و الاستبدادن تاركة الشباب وحدهم عرضة للوحش المخزني، و هم عازمون لمواصلة المعركة و الصمود لوحدهم، بالرغم من غدر الحركات الإسلامية “القوية” في المغرب، حيث اختارت العدالة و التنمية تقديس النظام حتى أوصلها إلى سدة الحكم، و نزلت جماعة العدل و الإحسان من قطار التغيير. و المؤسف أنها لم تتوقف عند حد الانسحاب، بل هاجمت الأطراف اليسارية و العلمانية التي ناضلت إلى جنبهم لمدة تفوق 10 أشهر، لتحدث عطبا خطيرا في هذا القطار يصعب إصلاحه على مدى البعيد مما يعني تفويت الفرصة على المغرب لكي لا يكون مع موعد الربيع الديمقراطي المغاربي و العربي.
تداعيات انسحاب العدل و الإحسان
إن انسحاب جماعة العدل و الإحسان من العركة، قد يبدو قرارا داخليا سريا للجماعة يجب احترامه، و هذا لا يجادل فيه احد. لكن ما يمكن أن يؤاخذ عليها هو تدميرها لخيوط الثقة و التواصل بينها و بين باقي مكونات الشعب. إذ كيف يعقل لأي داعي للتغيير أن ينسحب من المعركة في عز انتصارات الثوار في ثونس و مصر و ليبيا و استمرارهم في النضال في كل من سورية و اليمن و البحرين…الخ؟
ما يؤخذ على هذا التنظيم هو سياسة التخريب أينما حل و ارتحل عن وعي أو عن غير وعي. فبعدما ان خرب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب محاولا السطو عليه و على ارثه الكفاحي بالعنف، ها هو يقوم بنفس الشيء، إذ بعدما حاولت الجماعة الركوب على حركة 20 فبراير و ترسيم سقف مطالب لها، هاهي تنسحب لتتركها عارية أمام حملات القمع و الاعتقال و التصفية الجسدية.
إن تبرير ” إصرار البعض على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات”، يبقى تبريرا واهيا و عاريا من الصحة، لان كل القرارات يأخذها الشباب باستقلالية، أما لجان الدعم التي تظم منظمات حقوقية و سياسية و نقابية فإنها فقد تساند. لنفترض أن فعلا هناك أطرافا تضع شروطا أو عراقيل، فكيف عجزت العدل و الإحسان ب”قوتها الجماهيرية” عن فرض شروطها؟، إن كانت لديها شروط؟ و أن توضح إستراتيجيتها أو أن تؤسس حركة خاصة بها و تقود التغيير كما تريده و أن لا تترك هذه الفرصة التاريخية تمر. إن قرار الانسحاب يا جماعة كان مدروسا، إنكم لا تريدون عرقلة حكومة إخوانكم في العدالة و التنمية، أو أنكم تنتظرون حقكم من الكعكعة التي وعدوكم بها سرا. بل إذا كان البعض يضع فعلا شروطا، فانسحابكم يؤكد من الآن فصاعدا، أن التعامل معكم و مع أمثالكم الذين يسخرون الدين لأغراض في نفس يعقوب يستلزم الحذر.
من المؤكد أن يكون لهذا الانسحاب عواقب وخيمة، إذ من حق اليسار أن يطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى هذه الجماعة بالاعتذار للشعب و لأسرة اليسار عن ذبح الشهيدين المعطي بوملي و ايت الجيد محمد بنعيسى و قبلهما عمر بن جلون، و تقديم الجناة الحقيقيين إلى العدالة. فكيف أننا نطالب النظام بعدم الإفلات من العقاب و تقديم الجلادين و القتلة إلى العدالة في حين نمد يدنا لتنظيم ضالع في سفك الدماء، في محاولة يائسة منا لتناسي للماضي المؤلم.
من المؤكد أيضا أن هذه الجماعة تضم في صفوفها العديد من أبناء الشعب المخلصين، و أنهم تقبلوا قرار الانسحاب هذا بمرارة. لهؤلاء نقول إلى متى يمكن لنا أن نتقبل القرارات الفوقية و البيروقراطية المذلة – من أي مصدر كان- و التي تكسر أوصال التواصل مع باقي أبناء الشعب المخلصين.
إن من يتوهم اليوم أن ينجز “القومة” في المغرب لوحده فهو واهم. فإما أن يتوحد الشعب و كافة قواه الحية على أسس الوضوح و الصراحة و الإخلاص و الاعتراف بأخطاء الماضي، و إما أن نضل رعايا خاضعين راكعين ساجدين للحكام الفاسدين و القيادات الحالمة ب”القومة” دون أن تقوم بدورها التاريخي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.