الصلاح: انتفاع المسلم بتعاليم الدين، وانضباطه بأحكامه المختلفة، فتطمئن نفسه لذكر الله، وتخضع جوارحه بالعبادات لله، وتلتزم سلوكاته بالإحسان لخلق الله. عرف ربه فأدى حقوق الاعتقاد صافية لا تخالطها شوائب الشرك المختلفة، وحقوق التعبد وافية لا تعلق بها أعلاق الرياء والبدع، ليثَنِّي بأداء حقوق الناس أخلاقا محمودة ومعاملات ممدوحة، ويثلث بمراعاة حقوق النفس وما ينبغي أن تساس عليه من مكارم ومحامد. ولذلك تضافرت نصوص الشرع مبشرة الصالحين بالحياة الطيبة والولاية الحامية، والمغفرة الشاملة، والمآل السعيد، قال تعالى:" والذين ءامنوا وعملوا الصالحت لندخلنهم في الصالحين" سورة العنكبوت: 8. وقال جل جلاله: "إن ولي الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" سورة الأعراف: 196، وقال عز من قائل: "والذين ءامنوا وعملوا الصالحت سندخلهم جنت تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن اصدق من الله قيلا" سورة النساء121... فلا غرو إذن أن يتكرر دعاء الصلاح على ألسنة الأنبياء المكرمين: والإصلاح: سيرٌ دائم أولُه صلاح وطهر للذات، ليتبعه إحساس بالإشفاق على الخلق، وغيرة على الدين، ثم تزود بعلم، وتخلق بحلم. فلا يوَلِّد ذلك كلُّه بداهة سوى الحركة الدؤوبة والسعي المتواصل لتقويم مظاهر الاعوجاج التي أصابت حياة الناس عقيدة وعبادة وسلوكا. فإن كان الصالح كالماء الطاهر النقي، فإن المصلح كالماء الطهور الزلال..وانظر- غير مأمور- باب المياه في كتب الفقه، لتعرف الفرق بين الماءين. وقد حفلت نصوص القرآن والسنة بالثناء على المصلحين، لأن وجودهم صمام أمان للأمة من الهلاك ، وضمان لاستمرار خيريتها على الدوام: قال تعالى: "والذين يمسكون بالكتب وأقاموا الصلوة إنا لا نضيع أجر المصلحين"سورة الأعراف: 170. وقال عز وجل: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" سورة هود: 117 وفي الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريبا، و سيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس"(السلسلة الصحيحة الألباني). فلا يستغربنَّ أحد بعد هذا حين يقرأ كلمات النبي شعيب عليه السلام لقومه "قال ايقوم اراءيتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب"سورة هود: 88 وفي تراجم الأسلاف العظام وعي عميق برسالة الإصلاح الناظمة لتفاصيل الدين؛ فهذا ربعي بن عامر رضي الله عنه يلخص أمانة المصلحين بقوله المأثور: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام"(البداية والنهاية). إن المتأمل العميق في موارد الصلاح والإصلاح في القرآن والسنة والسيرة يجد كثيرا من المواضع التي تجمع النصوص فيها بين المقامين، وتجعل أحدهما دالا على الآخر، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سورة فصلت:32، وقال جل في علاه: يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات واولئك من الصالحين سورة آل عمران: 114 فالآيتان- وإن أوردتا لفظ "الصالحين"- فإن الأعمال والسمات المضافة إليهم هي من أعمال المصلحين قطعا: الدعوة- الأمر بالمعروف- النهي عن المنكر- المسارعة في الخيرات... ومعنى ذلك أن وقوع التماهي بين الصلاح والإصلاح إذا أحسن المسلم فقه أحكام دينه حقا.