«باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    ريال مدريد تخدم مصالح نصير مزراوي    السعوية.. أمطار غزيرة وسيول تتسبب في إغلاق المدارس بأنحاء المملكة    بركة يحصي مكاسب الاتفاق الاجتماعي ويقدم روايته حول "أزمة اللجنة التنفيذية"    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    عبد اللطيف حموشي يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالرباط    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    السفير محمد لخصاصي، القيادي الاتحادي وقيدوم المناضلين الاتحاديين .. أنوه بالمكتسبات ذات الطابع الاستراتيجي التي يسير حزبنا على هديها    لقجع "مطلوب" في مصر بسبب الشيبي    اختتام الوحدة الثالثة للدورة التكوينية للمدربين لنيل دبلوم "كاف برو"    الوداد يغلق باب الانخراط ببلوغه لرقم قياسي    ال"كاف" يقر بهزيمة اتحاد العاصمة الجزائري إيابا بثلاثية وتأهل نهضة بركان إلى النهائي لمواجهة الزمالك    نور الدين مفتاح يكتب: فن العيش بجوار الانتحاريين    إسطنبول.. وفد برلماني يؤكد موقف المغرب الراسخ من عدالة القضية الفلسطينية    صحف أمريكية تقاضي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" بتهمة انتهاك حقوق الملكية    ميارة يثني على مخرجات الاتفاق الاجتماعي ويرفض اتهام الحكومة ب"شراء النقابات "    مسيرات نقابية في مختلف المدن المغربية لإحياء يوم العمال العالمي    الداخلة .. قطب تجاري ولوجستي لا محيد عنه في القارة الإفريقية    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    توافد 3,3 مليون سائح برسم الفصل الأول من سنة 2024    صفعة جديدة لتونس قيس سعيّد.. عقوبات ثقيلة من الوكالة العالمية للمنشطات على تونس    حكيمي يواجه فريقه السابق بروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسات مرتقبة لربط تطوان وطنجة بخط سككي لتعزيز المواصلات بالشمال    إدارة السجن المحلي بالناظور تنفي مزاعم تسبب التعنيف والإهمال في وفاة سجينين    حريق بمحل لبيع المفروشات بسوق كاسبراطا بطنجة يثير هلع التجار    تفاصيل البحث في تصوير تلميذة عارية بوزان    طائرة مغربية بطنجة تتعرض لحادث تصادم مع سرب طيور        الحكومة تعلن عن مشروع لصناعة أول طائرة مغربية بالكامل    منيب: "لا مانع من إلغاء عيد الأضحى بسبب الأوضاع الاقتصادية للمواطنين    بنسعيد: اختيار طنجة لإقامة اليوم العالمي للجاز يجسد قدرة وجودة المغرب على تنظيم التظاهرات الدولية الكبرى    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    ارتفاع الحصيلة في قطاع غزة إلى 34568 قتيلا منذ اندلاع الحرب    فاتح ماي فكازا. بركان حاضرة بتونيها عند موخاريق وفلسطين جامعاهم مع نقابة الاموي والريسوني والراضي ما غابوش وضربة اخنوش ما خلاتش العمال يخرجو    مجلس المنافسة يرصد احتمال وجود تواطؤ في تحديد أسعار السردين ويحقق في الموضوع    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع وسط ترقب قرار للمركزي الأمريكي    النفط يتراجع ليوم ثالث بضغط من تزايد آمال التوصل لتهدئة في الشرق الأوسط    إسطنبول تشهد توقيفات في "عيد العمال"    "داعش" تتبنى مهاجمة مسجد بأفغانستان    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    "الاتحاد المغربي للشغل": مكاسب الاتفاق الاجتماعي مقبولة ولن نقبل "الثالوث الملعون"    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    تطورات جديدة في مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا    في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    بعد 24 عاما على طرحها.. أغنية لعمرو دياب تفوز بجائزة "الأفضل" في القرن ال21    الشرطة تعتقل عشرات المحتجين المؤيدين لفلسطين في مداهمة لجامعة كولومبيا بنيويورك    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يشارك بروما في فعاليات المنتدى الأكاديمي والعلمي    تساقطات مطرية في العديد من مناطق المملكة اليوم الأربعاء    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟    الأمثال العامية بتطوان... (586)    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوكوياما الشخص... فوكوياما مثقف الاحتلال
نشر في التجديد يوم 08 - 06 - 2005

إذا تحدث النقاد عن فكرة فوكوياما وأنها مكررة وموقف طبيعي لكل منتصر، وسبق أن قالتها كل الشعوب التي غلبت، فإن شخصية فوكوياما كأي شخصية لا تتكرر، فبعد التعرف على الشخص ندخل إلى الفكرة، جديدة كانت أم معادة، وهنا لا نؤمن بفصل الشخص عن الفكرة، ولا أي مدرسة فكرية عن محيطها، إلا في حالات إن صدقت شذّت، ولم يبن عليها قواعد. وأشير إلى مقاطع قلّ ذكرها عند من سبق في مناقشاتهم هنا، وهي معلومات عامة، دوري فيها دور الجمع والتركيز على ما يهمني، وإن حدث تكرار فهو بسبب حاجة النص إلى التماسك.
هنا نشأ فوكوياما
هاجر جده لأبيه من اليابان إلى أمريكا واستوطن في لوس أنجلس عام 195م، حتى لا يجند في الحرب الروسية اليابانية، أما أبوه فقد ولد في لوس أنجلس، وله إلى الآن مطاعم فيها لم يزل يديرها، والده يحمل الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل رجل دين في إحدى الكنائس، ثم عمل بعد الحرب العالمية الثانية مبشرا ثلاث سنوات، ثم عمل في تركيا مدرسا للغة الإنجليزية، وهي مهنة محببة لدى المبشرين، لأنها أحسن المداخل للتبشير. أمه هاجرت لأمريكا عام ,1949 ثم استقرت العائلة في نيويورك حينا من الزمن، ولد فرنسيس فوكوياما عام 1952م، كان وحيد والديه، ولم يرث منهما اللغة اليابانية، وفي نيوروك درس في مدرسة خاصة، معظم طلابها من اليهود، وفوكوياما الابن لا يعد متدينا ولا مبشرا، أما أفكاره فتسيح في عوالم كثيرة، لا تبتعد عن الكنيسة، ولا تستسلم لها.
درس بعدها في جامعة كورنيل، ثم في هارفارد، وبعد تخرجه منها لم يعمل في التدريس، وربما لأنه يرى في تدريس العلوم السياسية أو أي علم بعدا عن السياسة العملية، ذلك أن السياسة العملية تمارس في الحكومة وفي مراكز الدراسات وفي الشركات، أما الجامعات فإنها تتشبع بدراسة النظريات، وهنا أشير إلى أن الجامعة الغربية عموما، مهما تكن نظرية، فإنها أكثر عملية من الجامعات في البلدان الضعيفة، وتجد طاقمها في العلوم الإنسانية قريبا من صناعة الحدث.
تتلمذ فكريا ولا أتوقعه تتلمذ شخصيا على شيخ المحافظين الجدد شتراوس، الأستاذ اليهودي الذي درس في جامعة شيكاغو، والذي أنتج تلاميذ زادوا عن مائة دكتور، وبقيت بينهم روابط استراتيجية إلى اليوم، وتربطه صداقة متينة ببول وولفوتز، نائب وزير الدفاع السابق، ثم رئيس البنك الدولي حاليا، وهو يهودي متطرف في صهيونيته، والابن الروحي والوريث لشتراوس، وهناك في شيكاغو كانت المدرسة التي درس فيها جنبا إلى جنب وولفوتز وأحمد الجلبي عام 1964م، ثم ارتبط بهم أيضا الأفغاني خليل زاد، المنتدب للعراق الآن من قبل المجموعة.
ويسوق فوكوياما، في مقال له طريف قصة علاقته بالمحافظين الجدد وأنه في التسعينات كانت هناك نواد نشطة في واشنطن العاصمة، منها اللقاء السنوي لمجلة ناشونال إنترست، التي نشر فيها مقالة: نهاية التاريخ، وهي في الأصل محاضرة في جامعة شيكاغو، بالاسم نفسه، ثم أصبحت أصلا للكتاب الموسع في الفكرة نفسها، وكان يحضر هذه الاجتماعات هنري كيسنجر، وبول وولفوتز، وآل كرستول الابن والأب، ودانيال بايبز، وجين كيرباتريك، وتشارلز كروثامر، وإليوت كوهين، وكما يقول فوكوياما: >يستضيف هذا اللقاء المفكرين المحافظين والكتاب والفاعلين، ويحضر اللقاء كل من أصبح يطلق عليهم وصف: (المحافظين الجدد) فيما بعد<.
وكما تراهم يهودا لا يخالطهم إلا من كان أكثر تزمتا، من أمثال المسيحية الصهيونية كيرباتريك (انظر كتاب: أوراق واشنطن). وفوكوياما، الذي سربوا من خلاله بعضا من قناعاتهم لاحقا، وشارك معهم في الأوراق والوثائق التي قدموها والمواقف التي تبنوها من أمثال وثيقة القرن الأمريكي الجديد، التي أصبحت تمثّل المواقف الرئيسة لمدرسة المحافظين الجدد. وقد حاول فوكوياما أن يبين للناس أنه ليس منهم، ولهذا كتب المقالة المذكورة، حتى لا يحسب على مجموعات اليهود المتطرفين، ولكن للأسف فإنه لم يخرج عن دائرة أصدقائه ومقدميه للمجتمع وللنوادي السياسية، ويدين لهم بالفضل في المناصب، وفي الدعاية التي قدمت له، حتى زيارته لأستراليا كانت بدعوة من المحرر السابق لمجلة ناشونال إنترست، وهو من العصابة، بعد عودته لبلده أستراليا، وهناك قدم محاضرة: هل ابتدأ التاريخ ثانية بعد 11 شتنبر؟.
وقد سبق له أن كان من المشرفين على قضايا الشرق الأوسط في الحكومة السابقة التي كان فيها بوش الأب، ثم مستشارا من المشرفين على قضايا الدراسات الحيوية والاختراعات العلمية المتعلقة بها في إدارة بوش الصغير، ضمن حكومة المحافظين الجدد. وكان من المتوقع أن يكون واعيا لمصادر دراساته السياسية، وأن يميز المصادر الصهيونية عن غيرها، ولكنه للأسف يبني فكرته عن العالم العربي والإسلام اليوم من عودته الصريحة للمتطرفين الصهاينة من أمثال دانيال بايبز، وفي دراساته الأخيرة لما بعد 11 شتنبر، رأيته يرجع لآراء المتطرفين هؤلاء، وكيف غاب عنه تطرف هذه الفرقة وهو يعلم معارك هؤلاء مع الأكاديميين الأمريكان، من أمثال جوان كول، الذين رأوا في مشروع بايبز هجوما على حريات الأكاديميين الأمريكان، وقسرا للجامعات أن تسير في خط صهيوني معاد للعرب وللمسلمين، بل بلغ الأمر بهذه العصابة التي يعرفها فوكوياما تماما أن أنشأت موقعا على الأنترنت سمته مركز مراقبة الجامعات (كامبوس ووتش)، مهمته مراقبة المتعاطفين مع العرب والمسلمين، وكتابة التقارير عنهم والتحذير من توجهاتهم، ومن عمل المركز التحذير من كل أستاذ يتعاطف مع العرب ومع قضية
فلسطين أو يدرّس كتب إدوارد سعيد، ومن جنود بايبز في هذا شخصيات أكاديمية هم في الأصل ضباط في الجيش الإسرائيلي، أمثال كريمر. هذه هي دائرة فوكوياما وأولئك هم ناشرو مقالاته، وتلك هي مصادره في النقل والتعرف على منطقتنا.
صديق صهاينة أمريكا
مقالات فوكوياما التي يراقب فيها منطقتنا، وينصح ويوجه بالموقف تجاهها، هذه مراجعها، وتلك بيئتها، ومكان نشر الكثير من مقالاته في مجلة: ناشيونال إنترست، التي تتظاهر بأنها لسان حال المصالح الوطنية الأمريكية، بينما هي في الحقيقة ترعى المصالح الصهيونية، وكعادة صهاينة أمريكا يسمون مصالحهم مصالح أمريكية والمجلة قام عليها بعض المهاجرين الأستراليين ومتعصبي اليهود، وهذه بيئة يصعب فيها على فوكوياما ألا يكون منحازا لمواقفهم، وهو أيضا لا يستطيع الخلاص من نفوذ صديقه الذي يدافع عنه، بول وولفوتز، الذي يرى أن من المهم أن يكون السياسي مراوغا، غائيا لا يبالي بطريقة وصوله لأهدافه، كما فعلوا في تزوير قصص خيالية عن العراق. ولكن فوكوياما يرى أن صديقه هو المفكر الأعمق في الإدارة الأمريكية ولا يحتمل أن ينتقده أحد، ويحوّل اللوم إلى رامسفيلد، وكان فوكوياما ممن يرى عزل رامسفيلد عن وزارة الدفاع، ويصعب على من يهتم بما حدث في الماضي القريب أن يتصور أن يجتمع في قلب إنسان حب وولفوتز وموقف معتدل من قضايا العرب والمسلمين، وهذا لا يعني أن نيأس من عقل وفهم رجل مثله.
هناك منتقدون كثيرون له على المستوى الشخصي، وبعض نقدهم يستحق الاستماع ولو لم يصدق، فيرون أن هذه المحاضرة نهاية التاريخ التي أصبحت مقالة ثم كتابا، صنعت له الشهرة والثروة، حتى اتهمه بعضهم بأن الفكرة كانت احتفالا بسقوط روسيا، وعاجلة وموقفا عاطفيا وليس مدروسا، وقد فهم فيما بعد لعبة كتاب الساعة، فأصبح همه أن يخرج كتابا عن كل قضية يكون حديث الناس عنها، لأنها سوف تفتح له السوق والجيوب والإعلام، والشهرة، بقطع النظر عن صحتها ومحتواها، فكتبه التي أعقبت ذلك كانت تصب في الحديث عما يشغل الناس مثل: كتابه عن قانونية البحوث الوراثية، وآخرها عن موضوع بناء الدولة، وهو كتاب يهتم بالحديث الجاري عن بناء الدولة في أفغانستان والعراق.
وعندما نتجاوز ما سبق، فإن من الملاحظ أنه أصبح صاحب شهرة بعد فكرة، وإن لم تكن جديدة، ولا مهمة كما سيأتي ولكنها كانت فكرة اللحظة، ويهمه ما يهم مثقفا مثله، وقد وفرت له عصابة المحافظين الجدد الكثير، وليس لدى غيرهم ما يقدمونه له بالحجم نفسه، وهو سياسي قرر أخيرا أن يبعد نفسه عن أن يكون في قائمتهم بعد أن أصبح النقد لهم كثيرا، وأبقى علاقة ودية معلنة وترويجية لأكبر شخصياتهم تطرفا، فهو يروج ويدافع علنا عن بول وولفوتز، وكتب منتقدا بعضهم، وهذا يمنحه حجة الاستقلال الفكري والسياسي. لم يعهد منه فيما سلف مخالفة السلطة من أجل فكرته، بل يبرر ما يحدث، ولا يبدو أنه سيخالف العصابة إلا أن يجد من هو أقوى ليتخلص من ربقتهم، لأنه فعلا ليس منهم جنسا ولا دينا ولا مصالح في الخارج، فذلك أملنا أن نراه حر التفكير والتوجه السياسي. ثم إن تخلص من داء هؤلاء، فهل سينجو من ثقافة الاحتلال للآخرين من الشعوب المستضعفة، وقد أصبحت ثقافة ودينا، يجهل المروجون في عالمنا لليبرالية حقيقة موقف مجايليهم هناك، مما سنأتي بمثال صريح من كلام فوكوياما عليه.
نتابع جوانب مهمة من مواقفه السياسية ومهاده الفكري، فهو يقرر في أماكن عديدة ولاءه لقادة المحافظين الجدد، ثم يكتب لهم الإرشادات، ويعيب عليهم التقصير في بناء الشخصية التابعة الخنوعة للشعوب المحتلة، وستجد في ما يلي من المقال شواهد ذلك، وقد تركت الكثير مكتفيا بالإشارة لبعض المقالات، ومنها مقالة: هل ابتدأ التاريخ مرة أخرى على موقعه في الأنترنت، وفي مقابلة مع إليزابيث ليفي بعد صدور كتاب اللحظة كما يسخر منه خصومه بناء الدولة: الحكم ونظام العالم في القرن الحادي والعشرين، يشير بالدولة إلى الدولتين اللتين هدمتهما أمريكا أفغانستان والعراق وغيرهما، وكيف يعاد بناؤهما. يعترف للكاتبة >أنه يفضل الصهيوني المتطرف بول وولفوتز من المحافظين الجدد الذي كان كما يقول مديرا للجامعة التي كان يعمل فيها<، وسبق لفوكوياما أنه كان مع أساتذته من المحافظين الجدد من ضمن قائمة الذين قدموا خطاب طلب غزو العراق، (راجع مقال الإسلام وأمريكا أعداء أو خصوم) بقلم لال خان، من الشبكة.
ولم يكن تصرفه ذلك في ما تبين للجميع لاحقا إلا موقفا امبرياليا استعماريا، ونحن في هذه الحالة أبعد عن أن نحترم له هذا، ولا كل الأحرار في العالم، ولا أنصار الحرية ولا المدعون بالليبرالية من الشعوب المغلوبة على أمرها. وإن لم يكن هكذا، فهو موقف متفان في خطة المحافظين الجدد، ذلك أن أساتذته الصهاينة يرون ذلك، وهي عقدة موجودة مع الأسف لدى كثير من المثقفين الأمريكان بشتى توجهاتهم، الدينية والسياسية إذ يملي عليهم الصهاينة بزعمهم أن بقية الأمريكان والغربيين لا يعرفون العرب ولا المسلمين ولا الشرق الأوسط، فهم يتولون تعريفهم، ودلالتهم في المنطقة المخيفة العالم الإسلامي.
وبهذا يصادر الصهاينة الأمريكان حق أي مثقف أمريكي في معرفة المنطقة بنفسه، وهذا العذر الذي نصطنعه لفوكوياما، على الرغم من أنه غير معذور، كيف وقد تولى منصب التخطيط السياسي للحكومة الأمريكية وتعرف عن قرب عليها.
دارس امبريالي
من المراقبة لكثير من توجهات الثقافة الأمريكية نلاحظ أنها تتجه باتجاه الثقافة البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية العشرين، حين كان يتجه المثقفون إلى مهنة الموظف الاستعماري، فنرى الكاتب المتقن لفنون حكم الشعوب الأخرى وتركيعها وإخضاعها، وزرع عدم الثقة فيها والتعامل معها كموضوع للدراسة، والبحث والفهم، فهي مصدر طاقة وقوة ونفوذ وغنيمة تحتاج إلى حسن إدارة الموارد. وذلك ما تجدونه من زخم الكتب الغريبة والدراسات والرحلات، ودراسات المجتمعات المغلوبة على أمرها، ولم يكن لنا من دور في هذه القصة الطويلة التي بدأت أمريكا تفتح أبوابها علينا إلى هذه القصة نفسها مكرورة، فبعد الاحتلال الفرنسي والإيطالي والبريطاني، جاءت الامبراطورية الأمريكية بمستشرقيها الإداريين لتتحدث عن المستعمرات وثقافتها، في قصة مكرورة ممجوجة ثقيلة الدم رديئة الإخراج.
تقولون كيف تقول هذا عن فوكوياما؟ أقول لقد خلع لباس الثقافة والفكر في أحد مقالاته التي وجدتها وأنا أبحث عن مقالاته في الأنترنت، كتب لينذر قومه أنهم لم يعرفوا ثقافة الشعوب المغلوبة على أمرها، ولم يدرسوها، ولم يستبطنوا مجتمعاتها، ولم يعرفوا لغاتها، فلم يكن في السي آي آيه من يعرف لغة البشتون إلا نحو أربعة أشخاص، وليس من السفراء الأمريكان من يعرف العربية إلا ندرة، وينظر لحكومة بلاده أن عليها أن تربي الشعوب الأخرى بحيث ترى الأمور من المنظار الأمريكي، حرفيا يقول: >لن نستطيع أن نشارك أو ننشر تأثيرنا حول العالم إلا إن نكون قادرين على تدريب غير الأمريكان ليروا الأشياء من منظورنا، أو نساعدهم ليكتسبوا الوسائل العقلانية التي تجعل التحليل الهادئ أو النزيه ممكنا<، ثم يدعو إلى الدراسة الإقليمية للعالم العربي والإسلامي.
ما الذي نتوقعه فأخلفنا الظن؟ وما الذي لم نتوقعه؟ وماذا يحسن بنا أن نفهم من هذا؟ إن كنا نطلب من فوكوياما أن يفهمنا، فهو يحب أن يفهمنا فعلا، وكثير من المستعمرين والمحتلين من الفرنسيين والبريطانيين واليهود والإيطاليين بذلوا جهودا صادقة لفهمنا، ولفهم الأفارقة والهنود والآسيويين والهنود الحمر وجميع الشعوب المقهورة، ولم نزل موضع دراساتهم منذ تعالت مصالحهم الاقتصادية والدينية والسياسية في بلادنا.
ما الذي لم نتوقعه؟ لم نتوقع أن فوكوياما كاتب تقارير ودارس امبريالي كسابقيه ومعاصريه ولاحقيه همه أن يسخر المعرفة للسيطرة على الشعوب الضعيفة، وذلك مصدر نقمته على الكتّاب الذين عرفوا الاستشراق والاستعمار والامبريالية بدقة، مما جعل أمثال فوكوياما يحذرون منهم تحت أكذوبة أن هؤلاء يبالغون في تصوير المثقف الغربي الحكومي غالبا كواحدة من وسائل المستعمرين تحت ستار الثقافة. وهذه قصة حية ولم تمت.
وهو بكل قوة وصراحة يروج لسيطرة الاحتلال وجعل الاحتلال وثقافته تقبل بطريقة علمية وثقافية تجعلنا نفكر تفكيرا عقلانيا هادئا، ولكن العقلانية الهادئة كما يسميها هي أن نقبل كل شيء عندهم وأن نفكر مثلهم؟ حسنا فهل يسمحون لنا أن نفكر مثلهم؟ قد نتمنى ولكن ذلك مستحيل، إلا إذا فهمنا أن التفكير مثلهم يعني أن نفكر بمصلحتهم وضد مصلحتنا، وقد نجحوا في ذلك، وإلا فلماذا لم يفكر الأمريكان في الثورة الأمريكية أو حرب الاستقلال كما يفكر الإنجليز المحتلون لأمريكا ويفكرون بمصلحة الملك والتاج البريطاني ويكونون مواطنين صالحين مثقفين متعقلين ولا يثورون على الملك، وهو يشاركهم الدين والجنس نفسهما؟
هم لم يكونوا عقلانيين ولا مثقفين ولا متنورين، فيرضخوا للمستعمر البريطاني؟ بل دخلوا في ظلام الإرهاب والثورة والعنف والتمرد كما تفعل المستعمرات، فإن انتصرت كانت ثورة العدل والحرية ومبتغى الإنسانية وغاية تطورها، وإن فشلوا كانوا عصابات إرهاب وعنف مدمرة.
وكما يقول البريطانيون وقتها، فقد انتصر المجرمون والهاربون من السجون والمتطرفون والمهووسون دينيا بإقامة كيان للمارقين، أعداء المدنية، كما كانوا يعيرونهم سمّوه بالولايات المتحدة الأمريكية، وأحرق البريطانيون مكتبة الكونجرس 1812م، ليُبقوا هؤلاء المارقين مجموعات متوحشة جاهلة فاقدة للأمل وللمعرفة، وعاودوا محاولات تدمير أمريكا عدة مرات تماما كما فعل الأمريكيون مع مكتبة بغداد، ومع محاولات التدمير المتكررة منذ .199
وكل كلام اليوم عن الديمقراطية والحضارة، فذلك بهدف تجميد الغنيمة وتبريدها وجعلها تفكر بمصلحة أمريكا، كما يكرر فوكوياما اقتراحات قرون من قبله، وقد أصبحت هذه الأفكار تجري في دمه وتكوينه فلا يعرف غيرها ولا يستطيع فهم الأمور بغير هذه الطريقة، مثل الذين يقاومون الاحتلال والذين قاوموا الاحتلال البريطاني في أمريكا يفكرون بهذه الطريقة ولا يكذّبون أحدا، إن المصلحة والفطرة تمتزجان بحيث يصعب الفصل بينهما، لماذا يريدنا أن نفكر بمصلحته؟ وندوس مصالحنا ومصيرنا؟ وهل المكافأة والألقاب الجذابة التي سوف يهبونها لنا في حال قبلنا عن رضا مثل ألقاب: مثقفين، وواعين، وأذكياء، وأمناء وليبراليين، ومتنورين، وتقدميين، وديمقراطيين، ومن سكان العالم الحديث، وإلى آخر الألقاب التي يمتدح بها السادة عبيدهم المطيعين، المؤهلين أن ينعموا بالخمول في المستعمرات.
وقد عجبت مرة لنص كتبه جبران خليل جبران يصف فيه الألقاب التي يطلقها السيد الأمريكي على عبيده المطيعين السود، فكلها تمجيد له كلما أغرق في عبوديته، وإذا لاحت عليه تصرفات أو سيماء الحر الكريم، أطلقت عليه ألقاب الوحشية والتخلف والتمرد والمروق، والفرق أن ألقاب العبيد بالأمس كانت تطلق على من يتمرد في داخل القارة، واليوم خرجت من القارة ليوصف بها الخارجون على الطاعة في الخارج كما يلقي السيد.
أكاد أقول إن فوكوياما لم يفكر بعقل إجرامي وهو يصنع ويردد تلك المفاهيم، إنه استجاب فقط لنداء الثقافة الغربية التي تسكن كيانه وتحاصر عقله، وتستبد بكل شيء، إنه منسجم مع ثقافته ومع ثقافة الاحتلال واحتقار المغلوبين، ثقافة وفكرا وسلوكا.
مثله مثل الكتاب المهتمين والدارسين للمستعمرات، سواء كتب تقريرا، أو أرشد لقرار، أو وقع على بيان صهيوني طلب توجيه قوات لغزو المتمردين في بغداد أو غيرها، إنه يمثل بالنسبة لنا ثقافة المستعمر المستبد وإرشاداته، وهي تقارير معادة، لا يختلف فيها كاتب تقرير عن آخر، غير أن لفوكوياما جانبا آخر غير الشخصية الاستعمارية وفكرتها:
موقفه من الإسلام
يصنف فوكوياما على أنه علماني، وليس مهتما بالدين، على الرغم من كونه ابن قسيس مبشر، تولى التبشير حتى في خارج أمريكا، ولا نلحقه بثقافة والده، ولا ندينه بثقافة خلّص أصدقائه من المتعصبين الصهاينة، المروجين له. ولا نلومه في أن نحمله عبء الثقافة الغربية المسيحية والعلمانية تلك التي تكره ابتداء الثقافة الإسلامية، وتكره رموزها وأشكالها وتاريخها، لسبب عميق في تركيبة ثقافة هؤلاء، أنهم ينشأون في الكنيسة أو الشارع على كراهية الذين سلبوا منهم مهد المسيحية، هذا عند المتدينين، وعند العلمانيين نحن متعصبون، أصحاب دين يمتهن الإنسان، دين غريب وعدواني، وإن ذهبت في ثقافتهم يمينا أو شمالا فإن المكتبة الغربية تنشئ أهلها على كراهية المسلمين، وقد عرفت هذا من معايشة طويلة ومناقشة لشتى الفئات. وقلة جدا من يسلم من وباء ثقافة الكراهية للمسلمين، أو تكون عنده الشجاعة على تجاوزها، وهم موجودون دائما.
نتجاوز ذلك ونقرأ له يقول: >صحيح أن الإسلام يشكل إيديولوجية متسقة ومتماسكة شأن الليبرالية والشيوعية، وأن له معاييره الأخلاقية الخاصة به ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية. كذلك فإن للإسلام جاذبية يمكن أن تكون عالمية، داعيا إليه البشر كافة باعتبارهم بشرا لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية، أو قومية معينة. وقد تمكن الإسلام في الواقع من الانتصار على الديمقراطية الليبرالية في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، وشكل ذلك خطرا كبيرا على الممارسات الليبرالية حتى في الدول التي لم يصل فيها إلى السلطة السياسية بصورة مباشرة. وقد تلا نهاية الحرب الباردة في أوروبا على الفور تحدي العراق للغرب، وهو ما قيل (عن حق أو عن غير حق) إن الإسلام كان أحد عناصره<، ويستمر في القول: >غير أنه بالرغم من القوة التي أبداها الإسلام في صحوته الحالية، فبالإمكان القول: إن هذا الدين لا يكاد يكون له جاذبية خارج المناطق التي كانت في الأصل إسلامية الحضارة. وقد يبدو أن زمن المزيد من التوسع الحضاري الإسلامي قد ولى. فإن كان بوسع الإسلام أن يكسب من جديد ولاء المرتدين عنه، فهو لن يصادف هوى في قلوب شباب برلين، أو طوكيو، أو موسكو،
ورغم أن نحو بليون نسمة يدينون بدين الإسلام (أي خمس تعداد سكان العالم) فليس بوسعهم تحدي الديمقراطية الليبرالية في أرضها على المستوى الفكري. بل إنه قد يبدو أن العالم الإسلامي أشد عرضة للتأثر بالأفكار الليبرالية على المدى الطويل من احتمال أن يحدث العكس، حيث إن مثل هذه الليبرالية قد اجتذبت إلى نفسها أنصارا عديدين وأقوياء لها من بين المسلمين، على مدى القرن ونصف القرن الأخيرين. والواقع أن سبب الصحوة الأصولية الراهنة هو قوة الخطر الملموس من جانب القيم الغربية الليبرالية على المجتمعات الإسلامية التقليدية<، 56 .57
ثم يمتدح تركيا لأنها >الدولة الوحيدة التي طرحت التراث الإسلامي جانبا في صراحة تامة، واختارت مع بدايات القرن العشرين إقامة مجتمع علماني< ,193 وفي نص آخر يقول: >ولم تكن حركة إحياء الأصولية الإسلامية التي ظهرت مع الثورة الإيرانية عامي 1978 و1979 مجرد حالة من حالات استمرار القيم التقليدية في العصر الحديث. ذلك أنه كان قد سبق خلال المائة عام الماضية أن ألحقت الهزيمة الساحقة بهذه القيم العفنة المتهاوية. وإنما كانت حركة الإحياء هذه تأكيدا جديدا للحنين إلى مجموعة من القيم الأكثر عراقة ونقاء يقال إنها كانت قائمة في الماضي البعيد، وأنها غير القيم التقليدية للماضي القريب الذي ثبت فسادها، وغير القيم الغربية التي نقلت إلى الشرق الأوسط في صورة شوهاء، وفي كل هذا نرى تشابها أكثر من أن يكون سطحيا بين الأصولية الإسلامية والنازية الأوربية... ولا يمكن إدراك قوة الإحياء الإسلامي إلا إن أدركنا عمق الجرح الذي أصاب كبرياء المجتمع الإسلامي بسبب فشله المزدوج في الحفاظ على تماسك المجتمع التقليدي، والتمكن من تمثل تقنيات الغرب وقيمه<، .21
إن موقفه السابق موقف عنصري متعال، فهو صاحب القيم المنتصرة على أي حال، وهي أفكار يشعر المسلمون تجاهها بالجرح لخسرانهم لقيمهم، والإسلام إيديولوجية لا تجذب أحدا، من الشعوب العليا في برلين، أو طوكيو، أو موسكو؟؟
ترى لماذا يجن جنون الحكومات الغربية من انتشار الإسلام، ومدارسه، وتسن القوانين التي تمنع مظاهره وتمنع انتشاره، وتجرم أهله، وتطارد دعاته؟ ثم هو يعبر صراحة وضمنا عن كراهته لهذا الدين الذي نشأ على كراهته، ثم يبجل تركيا التي اطرحت الإسلام الذي يكرهه.
د. محمد الأحمري
* للمزيد من معرفة أعماله وما يتعلق ببعض ما ذكر تراجع صفحته على الأنترنت، ولمزيد من معرفة بعض التفصيل حول هذا راجع مقالة: بن بيكر عنه، ومقالته: لحظة المحافظين الجدد المنشور في مجلة ناشيونال إنترست، المقالة موجودة على موقع المجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.