بوريطة: الدعم الدولي للمخطط المغربي للحكم الذاتي تعزز بشكل أكبر بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي        "الجاز بالرباط".. العاصمة تحتفي بروح الجاز في لقاء موسيقي مغربي- أوروبي    الكرامة المؤجلة: الصحة كمرآة لأزمة السياسة في المغرب    الأمم المتحدة.. المغرب فاعل يضطلع بدور مؤثر واستباقي في مجال تسوية الإشكاليات العالمية الراهنة (بوريطة)    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    مهنيو الفلاحة بالصحراء المغربية يرفضون الخضوع إلى الابتزازات الأوروبية    أخنوش يلتقي منظمة التعاون الرقمي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن رفضاً للتطبيع واحتجاجاً على الحرب في غزة    الدورة الثمانون للأمم المتحدة: المغرب يحضر بفاعلية بمواقفه الثابتة من أجل السلم والتنمية وتعزيز مبادرة الحكم الذاتي    "مايكروسوفت" تعلن عن تحديث جديد لتطبيق الصور في نظام "ويندوز 11"    الذكاء الاصطناعي يكشف خبايا رسالة في زجاجة    "ويستهام" يقيل المدرب غراهام بوتر    الإفراج عن الشقيقين الشبلي بعد قضائهما ثلاثة أشهر حبساً على خلفية مطالبتهما بكشف حقيقة وفاة شقيقهما في مخفر للشرطة    ميناء موتريل يعتزم إعادة فتح الخط البحري مع طنجة المتوسط    شبيبة اليسار الديمقراطي تدعو إلى التظاهر ضد غلاء المعيشة والاحتجاج ضد مشروع قانون التعليم العالي        هاري كين يصل إلى 100 هدف مع بايرن ميونخ ويحقق رقما قياسيا    تقرير يكشف هشاشة سوق الشغل بالمغرب        الوافدون الجدد يستهلون مشوارهم في القسم الثاني بصدامات نارية    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي    الفرق المغربية تسعى إلى العبور للدور الثاني بالمسابقات الإفريقية    12 دولة تشكل تحالفا لدعم السلطة الفلسطينية ماليا    كيوسك السبت | إنتاج قياسي للحبوب والقطيع يتجاوز 32.8 مليون رأس    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادثة سير بأزرو    ابتدائية مراكش تحبس مدانين بالتخابر    إيران تحتج على "الترويكا الأوروبية"    مرة أخرى.. إصابة مزراوي وغيابه إلى ما بعد التوقف الدولي    تفاصيل خطة ترامب لإنهاء حرب غزة المكونة من 21 نقطة    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب    بطولة العالم لبارا ألعاب القوى 2025 : ستة أبطال مغاربة يطمحون للتألق في نيودلهي        المستشار الخاص للرئيس الأمريكي: شركات أمريكية تبدي اهتماما بالاستثمار في الصحراء المغربية    "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء    "موسم أصيلة الثقافي" يكرّم مؤسسه الراحل بنعيسى بكلمات من القارات الثلاث        تتويج أمهر الصناع التقليديين بأكادير    عجز السيولة البنكية يتراجع بنسبة 3,37 في المائة من 18 إلى 24 شتنبر (مركز أبحاث)    هل فقدت المحاكمة الجنائية مقوماتها!؟    رئيس الفيفا: كل شيء جاهز تقريبا.. يمكننا تنظيم كأس العالم من الآن    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر اكتوبر    "نوستالجيا".. عرض مضيء لطائرات "الدرون" بموقع شالة الأثري        مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو    عبد الوهاب البياتي رُوبِين دَارِييُّو الشِّعر العرَبيّ الحديث فى ذكراه    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي ل"التجديد":الحكومة لم تستطع الابتكار في مجال المالية العامة وظلت مرتهنة لهاجس ضبط التوازنات الكبرى
نشر في التجديد يوم 02 - 10 - 2003

نتحدث مع المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي في هذا الحوار، الذي يأتي إبان مصادقة المجلس الحكومي الجمعة الماضية على مشروع قانون المالية لسنة 2004 بانتظار إحالته على البرلمان، عن الوضعية الحالية التي يعيشها الاقتصاد الوطني ونقط القوة والضعف فيه، ويبدي الأستاذ آرائه التقييمية لبعض المعالم الكبرى للمشروع الجديد كارتهان الميزانية لمداخيل الخوصصة، والاستمرار في سياسة ضبط التوازنات الكبرى على حساب الجوانب الاجتماعية وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، فضلا عن قضايا الاستثمار والبطالة، كما يقدم بنعلي بعضا من الحلول الممكنة لتحقيق التنمية وبلوغ معدل نمو في حدود 6 إلى 7 %.
استمر مشروع قانون المالية لسنة 2004 بحسب المعلومات المتوفرة حتى الآن في سياسة ضبط التوازنات الكبرى، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
بالفعل ما تزال ميزانية الدولة تخضع لهاجس ضبط التوازنات الكبرى، ولم تستطع الحكومة المغربية حتى الآن خلق نوع من الابتكار، بحيث ترى هذه الأخيرة ضرورة كسب رهان تسيير مالي بمعدل تضخم متحكم فيه في حدود 3 %، ونسبة عجز في الميزانية مقدارها ما بين 3 إلى1,3 %، مع أن عجز الميزانية الحقيقي دون احتساب مداخيل الخوصصة يصل إلى نحو 5 %. وفي هذا الصدد أود أن أشير إلى أن المغرب أصبح يعيش حالة شبيهة بذلك الذي يبيع أثاث بيته للتلبية حاجاته، بعد أن فوت شركة التبغ أخيرا، ثم احتمال تفويت 16 % من رأسمال اتصالات المغرب، لتبقى هذه السياسة ترقيعية.
وفي إطار سياسة ضبط التوازنات الكبرى، فإن الحكومة المغربية تقول إنه لابد من الاستمرار في تدبير مشكل المديونية الخارجية بالنظر إلى الإنجازات التي تم تحقيقها في هذا الشأن؛ إذ تقلص حجم هذه المديونية بنحو 33 % من ميزانية الدولة بشكل عام، وبنحو50 % مقارنة مع حجمها في السابق، لكن على العكس من ذلك ارتفع حجم المديونية الداخلية بشكل كبير، مما جعل إجمالي حجم المديونية (الداخلية والخارجية) يظل كبيرا، وهكذا عجزت الحكومة عن التصرف بحرية في ماليتها.
بالإضافة إلى ما سبق فإن كتلة أجور موظفي الدولة تمتص ما يناهز 12 % من الدخل القومي، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع المعدل العالمي في هذا المجال الذي هو 7 %، ومعنى هذا أن مبلغا كبيرا من ميزانية الدولة ينفق في التسيير على حساب الاستثمار، وهكذا فإن ميزانية من هذا النوع لا يمكن لها أن تخلق نوعا من الرواج الاقتصادي أو دينامية على مستوى النمو الاقتصادي الذي يشترط استثمارات ضخمة ومنتجة. وفي الجملة فإن كلفة تسيير الدولة تظل باهضة، بالمقابل فإن مردوديتها تظل ضعيفة.
ولابد من جهة أخرى كذلك من إنهاء ظاهرة احتكار رخص الصيد في أعالي البحارة ومقالع الرمال.
طيب، ما هي العناصر الضرورية في نظركم لخلق هذه الدينامية الاقتصادية؟
اليوم ولتحقيق الإقلاع الاقتصادي لابد للدولة من أحد العناصر الثلاثة وهي: إما إدخار وطني قوي، أو مداخيل بترولية مثلا، أو العمل على جلب استثمارات خارجية، وبالنسبة إلى وضعية المغرب فإن العنصر الأول المتعلق بالإدخار الوطني يظل ضعيفا، وبخصوص العنصر الثاني فإن المغرب ليست له قطاعات قوية تدر عليه مداخيل، باستثناء مداخيل القطاع الصناعي والسياحي وتحويلات العمال المهاجرين التي تصل إلى ما يناهز مليارين و500 مليون دولار سنويا، فضلا عن الدور الكبير الذي يقوم به المهاجر في دعم الاقتصاد الوطني من خلال استهلاكه للمنتوج المغربي أثناء فترة الصيف، زد على هذا أن أهمية القطاع غير المنظم الذي يمثل ما بين 25 إلى 40 % من النسيج القطاعي المغربي، فإذا أخذنا مثلا التهريب فيقال أن حجمها بلغ 3 مليارات من الدولارات، أما تجارة المخدرات فبلغ حجمها 2.5 إلى 3 مليارات من الدولارات، وهي مداخيل لا تظهر بالبت على مستوى المحاسبة القومية أو ميزان الأداءات، وحسب أحد المنشورات الإسبانية فإن المساحة المزروعة بالمخدرات انتقلت من 12 ألف هكتار في الثمانينيات إلى 200 ألف هكتار حاليا. وبشكل عام فإن الاقتصاد المغربي يظل هشا لكونه
يبقى مرهونا بالفلاحة والسياحة، وهما قطاعان يتأثران بالوضع الجيو-سياسي الدولي، والعوامل الطبيعية.
هناك حديث الآن عن رقم 7700 منصب شغل جديد برسم مشروع قانون المالية ,2004 هل هذا الرقم يكفي لامتصاص جزء من البطالة التي بلغ معدلها 18 %؟ وهل هي مناصب شغل جديدة أم مناصب جاءت لتعوض مناصب شاغرة بعد إحالة العديد من الموظفين على التقاعد أو التقاعد النسبي؟
بالنسبة إلي فإن أي منصب شغل جديد يجب أن يكون منصبا منتجا، أما إذا كان في إطار تعويض منصب شغل قديم فإن ذلك سيزيد من تضخم كتلة الأجور، لذلك فحاجة المغرب ماسة إلى مناصب منتجة للثروة، صحيح أن البنك الدولي طالب المغرب بضرورة التقليص من كتلة الأجور التي تمثل 12 % من ميزانية الدولة في حين أنها في مصر لا تتجاوز 6 %، لكن يجب ألا ننسى أن هناك العديد من المشاكل المرتبطة بهذا الوضع؛ أولها أن موظفي الدولة لا يمثلون سوى 2.5% من السكان، وثانيها مشكل الفوارق الضخمة بين الأجور الدنيا والأجور العليا، وفارق الأجور التي يتقاضاها موظفو وزارة المالية مثلا مقارنة مع وزارة التعليم.
وأظن أنه لا يمكن أن نحل مشكل البطالة دون خلق استثمارات ضخمة، بيد أن حجمها الآن لا يتجاوز 19 إلى 20%، في وقت كانت الاستثمارات بالمغرب خلال السبعينيات تمثل 30% من الناتج الداخلي الخام، لذلك فقد حقق معدل نمو في حدود 7.5%.
ولكي يستطيع المغرب أن يخلق دينامية اقتصادية تمكن من خلق فرص الشغل، فإنه بحاجة إلى بلوغ معدل للنمو في يفوق 6%، كما أن الوصول إلى هذا المعدل لن يمكن سوى من حصر عدد العاطلين، وما دام معدل النمو بالمغرب لا يتجاوز 3.5% ، فمعنى هذا أن الاقتصاد المغربي سيبقى اقتصادا راكدا ولن يتطور، ومن ثمة سيرتفع عدد العاطلين.
هل معنى هذا أن المغرب إذا استمر على هذه الوضعية قد يعيش يوما ما انفجارا اجتماعيا؟
طبعا سيقع ذلك، لأن ما يجنب المغرب ويلات انفجار اجتماعي هو عنصر التضامن العائلي، لكن هذا الأخير أصبح يتراجع بالنظر إلى تعقد الحياة وصعوبتها، وبالنظر إلى نزوح سكان القرى إلى المدن. ونشير إلى أن المغرب خلال الستينيات والسبعينيات استطاع أن يتجاوز هذا الانفجار الاجتماعي من خلال معطى الهجرة نحو الخارج، أما الآن فإن الوضع قد تغير.
إن أكبر ضعف يعرفه المغرب يتجلى في ضعف رأس المال البشري نتيجة ضعف مردودية التعليم، ونشير هنا إلى أن 10 إلى 15 % فقط من الطلبة الذي يستكملون دراستهم بالخارج يعودون إلى المغرب، في ما يظل 90% من هؤلاء الطلبة بالخارج، زد على ذلك مشكل هجرة الأدمغة الناتجة عن انسداد الآفاق أمام العديد من الأطر المغربية في الوصول إلى مناصب عليا في البلاد أو شغل مناصب تتلاءم وشهاداتهم، ويعزى ذلك إلى كون هذه المناصب تخضع للزبونية عوض مبدأ الكفاءات، وكذا إلى انعدام رؤية واضحة لرسم مستقبل المغرب في ظل سيطرة ما هو ظرفي وآني على ما هو استراتيجي، بمعنى آخر سيطرة الرؤية القصيرة والمتوسطة المدى -كما هو شأن وزارة المالية- على الرؤية الاستراتيجية التي تعتمد المخططات كما هو الشأن بالنسبة إلى مندوبية التخطيط، وما القوانين المالية إلا تجل واضح لهذه الوضعية، إذ يأتي دائما غير منضبط إلى التوجهات الاستراتيجية التي يتم تحديدها خلال خمس سنوات، بالمقابل ترتهن هذه القوانين إلى ظروف السنة التي يطبق فيها، فلا أحد يتحدث عن التصميم الخماسي...
أرجع معك أستاذ بنعلي إلى مرحلة السبعينيات التي أشرت إلى أنها كان مرحلة مهمة في تاريخ تطور المغرب، ما هي المؤشرات على ذلك؟
أولاً لأن الوضعية المالية للمغرب كانت وضعية جيدة باعتبار أن ثمن الفوسفاط تضاعف 4 مرات حيث انتقل من 14 دولار للطن الواحد إلى 64 دولار، وقد أشار حينها الملك الراحل الحسن الثاني إلى أن المغرب يتوفر على أموال يلزم توظيفها، وثانياً لوجود إرادة سياسية قوية للتغيير وتحقيق الإقلاع، خاصة وأن المغرب كان قد خرج من محاولتين انقلابيتين، لذلك كان يلزم العمل على بعث دينامية جديدة، وقد أفرزت هذه الوضعية نتائج حسنة.
هذه الوضعية طبعا لم تستمر لأن أسعار الفوسفاط انهارت بعد سنة ونصف، فاضطر المغرب إلى الالتجاء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لإتمام الورشات العمومية التي كان بدأها من قبل. وعملية الاقتراض هذه لم تكن سلبية وقتها لأن سعر الدولار لم يكن يتجاوز 4.5 دراهم، لكن مع مجيء الرئيس الأمريكي الأسبق ريكن صار الدولار الواحد يعادل عشرة دراهم، مما رفع من حجم المديونية الخارجية التي هي بذمة المغرب. وبالرغم من هذه المعطيات الجديدة إلا أن الدولة لعبت دورا مهما بتحقيقها مثلا لنسبة 30 % من الاستثمارات أتت كلها من ميزانية الدولة، أما الآن فلم تتجاوز هذه النسبة 16%.
وأشير إلى أنه إذا بلغت الاستثمارات بالمغرب معدل 35 %، مثلما هو الأمر في كوريا الشمالية على سبيل المثال، فإنه بإمكانه أن يحقق الإقلاع.
بالنظر إلى تراجع كل من مداخيل الخوصصة بعد استنفاذ شبه كلي للمؤسسات المفترض خوصصتها، ومداخيل الجمارك بالنظر إلى التزامات المغرب تجاه الاتحاد الأوربي في إطار التأسيس لمنطقة التبادل الحر في أفق سنة ,2012 ما هي الحلول في نظركم التي تبقت لدى المغرب لإنقاذ نفسه؟
الحلول في المدى القريب تبدو صعبة، ما دامت ترقيعية في معظمها، والتخوف الكبير الذي يظل قائما هو أن تلجأ الدولة إلى الرفع من معدل الضريبة على القيمة المضافة، في وقت تتراجع فيه المداخيل الجمركية سنة بعد سنة، وكذا المداخيل الضريبية بالنظر إلى ضيق الوعاء الضريبي نتيجة العديد من العوامل وفي مقدمتها التهرب الضريبي، واتساع القطاع غير المنظم، هذا التخوف الذي يطرحه تحصيل الضريبة على القيمة المضافة يثير العديد من التساؤلات؛ ذلك أن المواطن البسيط هو الذي سيتضرر كثيرا من هذا الارتفاع مادامت الدولة تفرض النسب نفسها على البسيط والغني، برغم فارق الأجور بينهما.
حاوره محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.