الخط : إستمع للمقال مرة أخرى يسقط المناضل المزيف عزيز غالي في اختبارات ميدانية للمتاجرة بالنضال والاقتتات به، وإيهام الآخرين بصدق أقواله ودعواته، وكان هذا الاختبار لحسن الحظ خارج الحدود المغربية، حين شارك في أسطول بحري لكسر الحصار عن مدينة غزة، فكانت الفرصة مواتية له لاكتشاف قيمة الوطن الذي طالما تنكر له بجحود كبير. وقد أدرك العاق عزيز غالي حين قابل أسلوبا مختلفا للتعامل الأمني ونوعا آخر من القوات العسكرية والأمنية، ما معنى الانتماء إلى المغرب والتنعم بأرضه وحريته، وما مدى تسامح هذا الوطن وسلطاته مع هلوساته المبالغ فيها بالرغم من نكرانه لمغربية الصحراء وتنكره للديمقراطية المغربية ولعدالة القضاء ليقظة الأجهزة الأمنية، التي ظل يتفنن في سبها وشتمها، وهو يتحرك بين أرجاء الوطن ويتاجر في مشاعر أبنائه بازدواجية أخلاقية غير مقبولة ونفاق كلامي مشحون بفضل احتمائه تحت مظلات الجمعيات الحقوقية. فما إن اعتقلت القوات الإسرائيلية المناضل "الدونكيخوتي" عزيز غالي حتى انتابه الخوف ومشاعر الجبن، فتحوّل في لمح البصر من مهاجم شرس للمغرب إلى متوسّل باسم المواطنة، ومستنجدٍ بالدولة التي أمضى بها سنوات طويلة ينكل بمؤسساتها ساخطا، ويدحض قوانينها ناقدا، ويشتم كل أفعالها جاحدا، بالرغم من أنه ينعم بها بكامل الحرية في التعبير والتجوال والمتاجرة. عزيز غالي هذا، الذي اتهم بلده بانتهاك الحقوق الدستورية، وشكك في مغربية الصحراء داعيا إلى تقرير مصير حركة انفصالية تدعى البوليساريو، ورفع صوته في العديد من المناسبات ضد أي تقارب بين المغرب وإسرائيل ولو عبر المغاربة اليهود، وجد نفسه اليوم في موقف لا يُحسد عليه، يعترف بالسلطات الإسرائيلية التي لم يتوان طيلة سنينه الماضية، باعتبارها حركة صهيونية وكيانا مصطنعا، قبل أن ينقلب فجأة ويدعوها بالدولة والسلطات، بل ويناشد المغرب، هو ومن رافقه في الرحلة من المغاربة، إلى الضغط على إسرائيل كي تطلق سراحهم. فبالله عليكم أليست هذه سكيزوفرينيا واضحة وانفصام عميق، إذ كيف للمغرب أن يضغط على إسرائيل وأنتم ترفضون أي تقارب بينه وبينها، ولو تحت مظلة المنتظم الدولي، ورعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية فيما يسمى اتفاقية "أبراهام". فها أنت يا رخيص، يا من لم تتوقف عن مهاجمة الاتفاق الثلاثي، ويا من وصفته باتفاق الذل والعار، واعتبرته "خيانة للقضية الفلسطينية"، ها أنت اليوم ترفع جواز سفرك المغربي مشتكيا ومتباكيا، وأنت تناشد السلطات المغربية التي وصفتها أكثر من مرة ب "القمعية"، للتدخل العاجل من أجل إطلاق سراحك بعد اعتقالك من طرف القوات الإسرائيلية، وليتك أخبرتنا فقط بعدد الصفعات التي تلقيتها على وجهك أو رقبتك، ما لم يقوموا بنتف لحيتك المهملة باسم النضال، لننهض كإعلام ومجتمع مدني للتنديد بالتنكيل و "التبهديل" الذي حتما تعرضت له هناك. مشاهد غريبة فعلاً تتبعها المغاربة، تجلت في حجم نداءات الاستعطاف والاستنجاد التي وجهها عزيز غالي، وهو الذي لم يخبر سلطات بلاده بمبادرته العنترية، خاصة أنه وسليمان الريسوني وويحمان متهمون بمعاداة السامية، فإذا بأحدهم يعترف بإسرائيل وبأهمية التقارب السياسي معها، ويتناغم في إهمال لحيته مع ذاك الذي يختبئ في تونس مكتفيا بالعواء وكأنه في غابة ظلماء، أما ويحمان وهو المتخصص في مجال التخابر الدولي فنحن لا نعرف من هي الجهة الاستخباراتية التي نبهته إلى ضرورة التنحي إلى جانب "دادا خديجة" والفرار الى إيطاليا للتبضع. لقد ظهر عنترة بن شداد الرخيص في فيدوهات وصور كثيرة مهانا ورافعًا يديه مستسلمًا أمام جنودها، صامتًا، لا يجرؤ على النطق بكلمة واحدة، فأين يا ترى اختفى صوته الثوري الذي كان يملأ به القاعات الفارغة في المغرب؟ ولماذا لم ينهض أمام قوات التدخل الإسرائيلية ويواجهها بما يوجه به العناصر الأمنية هو وعبد الحميد أمين، في بعض مما ورثوه عن شيخ المحامين عبد الرحمان بنعمرو، أو سيد المنتفعين محمد زيان، الذي يقبع داخل السجن، وبالتالي، أين تبخرت تلك الشجاعة الفقاعية التي كان يتغنّى بها حين كان في حضن وطنه آمنا مطمئنا؟. كم هي مضحكة هذه المفارقات حد المهزلة، بل كم هي مبكية حد الرثاء، فسليمان الريسوني حين أوقفه رجل أمن في تونس، وهو يتجول في الشارع العام مع أحد أصدقائه التونسيين، لم ينبس بكلمة واحدة وهو يجيب عن أسئلة الشرطي، ولم يعل صوته ليقول له: "انا أتجول في الشارع العام، ولم أقم باي حركة ضد القانون"، بل ظل متماسكا، وصاحبه يرقبه بعينيه، وهو يجيب عن عشرات الأسئلة التي لم تقنع رجل الأمن بعد حوالي ساعة من الكلام، فاتصل بمركز الشرطة ثم قام بتسريحه لأن رؤساء الشرطي أخبروه ربما بأن المعني بالأمر يوجد في حالة شرود وانحراف مؤقت عن السكة. أما عزيز غالي، الذي كان يزايد على المغرب في القضايا الوطنية، ويهاجم مؤسساته باسم الحرية، فمن حسنات هذه الرحلة أنه تذكّر فجأة أنه مغربي، وأن المغرب وحده القادر على حمايته من إسرائيل التي طالما هاجم تقاربها من المغرب، حماية لحقوق وهوية أبنائه من اليهود المغاربة، وها هو الرخيص يحني اليوم رأسه خوفا ويثمن التقارب ويعترف بالسلطات الإسرائيلية. بهذا، يسقط القناع عن مناضلين من ورق، فمنهم من فر خائفا وموليا الأدبار ولو على ظهر بغل أو حمار كويحمان والرياضي، ومنهم من تبع التيار، وظل يركب البحر موهما نفسه أنه سيربح المال ودرع البطولة في قلة الرجولة، ومنهم من اختبأ جانبا غير بعيد عن المرفأ الذي انطلقت منه السفن في تونس، فمن كان بالأمس يرى في المغرب خصمًا، وجد فيه اليوم ملاذًا، ومن كان يسبّ مؤسساته، ها هو اليوم يستجديها لتنتشله من ورطته، ولأن التاريخ لا يرحم، فإن مشهد عزيز غالي رافعًا جوازه المغربي ومناشدًا سلطات بلاده للتدخل، سيبقى شاهدًا على زمن المناضلين المزيفين الذين يسقطون عند أول اختبار حقيقي. الوسوم أسطول الصمود إسرائيل المغرب ترحيل عزيز غالي