حاجيات البنوك من السيولة بلغت 114 مليار درهم خلال يونيو (بنك المغرب)    بورصة البيضاء تنهي جلسة الجمعة بارتفاع    "اللبؤات" يتطلعن إلى الصدارة أمام السنغال .. وفيلدا يحذر من الأخطاء الدفاعية    مسيرة أيت بوكماز صرخة للإنصاف والعدالة الترابية.    اختتام المخيم الحقوقي لأطفال العالم القروي في دورته الرابعة    فن "لوناسة" يلتئم في مهرجان له بسيدي دحمان التثمين والمحافظة على احد أهم الفنون الإيقاعية المغربية الأصيلة    الدار البيضاء: حجز 6000 قرص مخدر وتوقيف شخص وابنه القاصر    قافلة طبية خاصة بالطب الإشعاعي تقديم خدماتها بالمستشفى الاقليمي بالحسيمة    وزير الداخلية الإسباني يُشيد بالتنسيق المثالي مع المغرب في عملية مرحبا 2025    اجتماع بأكادير لتسريع استعدادات كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030    الدولي المغربي إلياس شعيرة يوقع لريال أوفييدو حتى سنة 2028    الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى تعلن تأسيس شبكة وطنية لتعزيز التعاون بين الهيئات والجمعيات المهنية        4.81 مليار درهم قيمة منتجات الصيد الساحلي في النصف الأول من 2025    سقوط نحو 800 شهيد في غزة أثناء انتظار المساعدات منذ أواخر ماي الماضي وفقا للأمم المتحدة    الإعلان رسميا عن إطلاق طلب عروض لمنح تراخيص شبكات الجيل الخامس (5G)    محكمة طنجة تصدر حكمها في قضية "هتك عرض" فتاة قاصر    أثنار: شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلية إلى المغرب خلال أزمة جزيرة ليلى    الرباط الصليبي يبعد لبحيري عن الميادين    الجزائر ضمن "لائحة أوروبية سوداء"    الجزائر على قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للدول عالية المخاطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    "عقوبات محتملة" ترفع أسعار النفط    بإجماع أعضائها.. لجنة التعليم بالبرلمان تصادق على مشروع قانون "مؤسسة المغرب 2030"    بعد رحيله.. مودريتش: سأظل دائما أنتمي لريال مدريد    يوعابد ل"برلمان.كوم": المغرب مقبل على موجة حر تصاعدية وانخفاض نسبي في الحرارة نهاية الأسبوع    أسرة ضحية قاصر ترفض حكما "مخففا"    مصدر ينفي حسم استضافة نهائي مونديال 2030 في سانتياغو برنابيو    شيرين تتجاوز أزمة موازين ب "حدوتة"    الدار البيضاء.. السكوري يدعو إلى إصلاح مدونة الشغل بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية والاقتصادية    زلزال الحوز: القيمة الإجمالية للدعم والمساعدة تجاوزت 6.6 مليار درهم.. وأكثر من 46 ألف أسرة استكملت بناء منازلها    كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا..    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    بنعبد الله: "مسيرة آيت بوكماز تجسد تعبيرا حيا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة"    ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري    تحذير رسمي لمؤسسة إسلامية في بريطانيا بسبب مقطع يدعم حماس    "ناسا" تنشر صوراً غير مسبوقة من داخل الغلاف الجوي للشمس    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    تصنيف فيفا.. المنتخب المغربي يحافظ على مركزه ال12 عالميا والأول إفريقيا    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة    توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آفاق الحالة الفلسطينية.. وأزمتها (2)
نشر في بيان اليوم يوم 29 - 01 - 2019

■ توقف الكثيرون أمام قرار الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مقاطعة دورتي المجلس المركزي في م.ت.ف، ال 29 و ال 30. وتساءلوا لماذا؟ خاصة وأن الجبهة، كانت صاحبة شعار «إصلاح م.ت.ف. يكون من داخل المؤسسات، وليس من خارجها». وكانت تدعو للنضال، داخل اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني، من أجل التغيير دون مقاطعة للمؤسسات الوطنية. الآن، خطت الجبهة خطوة جديدة. لماذا؟ للرد على السؤال، يمكن الإجابة بما يلي. وهي إجابة تحاول أن تعكس رؤية الجبهة للأزمة السياسية والتنظيمية التي تعيشها المؤسسة الوطنية الفلسطينية الجامعة. في م.ت.ف. وفي السلطة الفلسطينية معاً.
ترى الجبهة، وعارضت مطولاً، من داخل المؤسسة، أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وبين م.ت.ف، اختلت كثيراً لصالح السلطة. وأن مؤسسات المنظمة بدأت تذوب في مؤسسات السلطة، مثل دوائر اللجنة التنفيذية التي حلّت وأحيلت صلاحياتها إلى وزارات حكومة السلطة، وهي دوائر ذات ولاية أوسع من ولاية السلطة الفلسطينية، تشمل المساحة الكونية التي ينتشر فيها الشعب الفلسطيني داخل المناطق الفلسطينية وخارجها. وبالتالي هذه الخطوة ليست مجرد خطوة إدارية، بل هي خطوة سياسية من الطراز الأول، لا تقود إلى تهميش م.ت.ف، وحدها فحسب، بل وكذلك إلى تهميش «الخارج الفلسطيني» الذي يبلغ تعداده أكثر من 7 ملايين فلسطيني، بدأوا يفقدون صلتهم بالمؤسسة الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل جمود الاتحادات الشعبية وانقطاع الصلة بين أماناتها العامة في الداخل وفروعها في الخارج، وكثير منها معلق منذ عقود، كالاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي انقضى على انعقاد آخر مؤتمر عام له 29 عاماً كحد أدنى.
كما ترى الجبهة في السياق نفسه، أن ثمة ميلاً لدى القيادة السياسية الرسمية، لتهميش اللجنة التنفيذية، بوسائل وأساليب أخرى. منها على سبيل المثال، (يوم كانت تنعقد في أوقات متقاربة) تحويلها إلى هيئة استشارية تغوص في النقاشات، وتتناول ملفات عدة، دون أن تتخذ قراراً واحداً، ويبقى القرار متروكاً للمطبخ السياسي وحده. ثم، وبعد المجلس الوطني الأخير (30/4/2018)، جرى «ترسيم» اللجنة التنفيذية «هيئة تشاورية»، اسماً وعملاً، إذ باتت اجتماعاتها تعقد برئاسة أمين السر صائب عريقات. ولا تملك صلاحية التقرير، بل باتت اجتماعاتها تسمى «اجتماعات تشاورية»، تنقل مشاوراتها، عبر أمين السر إلى رئيسها، أي الرئيس محمود عباس، الذي بات يقرر الأمور بالمراسيم الرئاسية بديلاً للتوافقات الوطنية، التي كانت فيما مضى أساس اتخاذ القرار في المؤسسة الوطنية. وبالتالي فقدت اللجنة التنفيذية دورها القيادي باعتبارها القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، وأحيلت صلاحياتها، بفعل سياسة الانفراد والتفرد، إلى «المطبخ السياسي»، يقرر منفرداً ما يراه.
(2)
المجلس المركزي، تحول هو الآخر، إلى مجرد هيئة استشارية وتشاورية، يجتمع، في ظل تركيبة عددية مختلة لصالح تيار سياسي بعينه، لا تعكس حقيقة الواقع السياسي الفلسطيني وتوازناته، لا في الشارع، ولا في الاتحادات الشعبية وحتى حين يتخذ قراراته، فإنها تبقى معلقة ومعطلة بقرار من المطبخ السياسي. هذا ما وقع مع قرارات المجلس المركزي، في 5/3/2015، إذ بقيت قراراته، طي صفحة أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، واستنهاض المقاومة الشعبية، معطلة تماماً، وبقي أوسلو والتزاماته واستحقاقاته، هو السياسة المعتمدة من قبل السلطة والمطبخ السياسي. وبقي المجلس المركزي معطلاً ثلاث سنوات كاملة، مغيباً عن دوره في «مراقبة» اللجنة التنفيذية، ومراجعة أعمالها، إلى أن انعقد تحت وطأة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي دورته المتأخرة عن موعدها ثلاث سنوات (15/1/2018) جدد المجلس المركزي قراراته، وأحال، بنص واضح، مسؤولية تطبيقها إلى اللجنة التنفيذية. غير أن «التنفيذية»، وفي مناورة مكشوفة من المطبخ السياسي، أحالت قرارات المجلس المركزي إلى لجنة لدراستها، ودراسة آليات تطبيقها، على أن تقدم أعمال هذه اللجنة إلى دورة للمجلس الوطني الفلسطيني تعقد في 30/4/2018.
(3)
انعقدت دورة المجلس الوطني، في الموعد المذكور ( بعد طول انقطاع استمر منذ نيسان 1996) وناقش الأوضاع، وانفرط عقد المجتمعين بعد انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، كلفت (مرة أخرى) بتطبيق وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني، ومن قبله المركزي. غير أن اللجنة التنفيذية، الجديدة القديمة، بقيت معطلة ولم تعقد أول اجتماع لها، إلا بعد ثلاثة أشهر من انتخابها، انشغلت في توزيع وإعادة توزيع، وحل وإعادة تشكيل دوائرها، لتصل إلى نتيجة هزيلة، إذ أحيلت دوائرها الفاعلة والنشطة، وذات العلاقة مع الشارع، في الداخل والخارج، إلى وزارات السلطة الفلسطينية، وابتدعت التنفيذية لنفسها دوائر هي أشبه بالمنتديات وصالونات التأمل، ومحطات الترف الفكري، لذلك لم يلاحظ الشارع الفلسطيني أية نتيجة لأعمال الدوائر الجديدة التي مازالت بلا خطط ومشاريع عمل. أما الوزارات التي أحيلت لها صلاحيات الدوائر المنحلة، فمازالت على ماهي عليه، ولم تشهد أية تطورات أو تغييرات في خططها، تشير إلى أن شيئاً ما جديداً قد حدث.
واعتبر المجلس الوطني في دورته الأخيرة «آخر» مجلس وطني يعقد، بالصيغة الحالية، على أن تكون الدورة القادمة هي لمجلس جديد، يتم اختياره بالانتخابات بنظام التمثيل النسبي. وهو ما دفع العديد من المراقبين، للتنبؤ أن المجلس «الجديد»، سوف يحتاج إلى زمن طويل حتى يتشكل وينعقد، خاصة في ظل محاولات وسياسات المطبخ السياسي، تهميش المؤسسات الجامعة وإقصائها.
(4)
الأمر الذي صدم الرأي العام، هو أنه في الوقت الذي كانت فيه اللجنة التي شكلتها اللجنة التنفيذية، لتقدم دراستها، ورؤيتها لتطبيق قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين (5/3/2015 + 15/1/2018)، حمل خطاب الرئيس عباس إلى مجلس الأمن في 20/2/2018 مشروعاً لاستعادة التفاوض تحت سقف أوسلو، أطلق عليه «رؤية الرئيس». ما أكد أن المؤسسة الوطنية الجامعة في واد، وأن المطبخ السياسي، وأن قرار القيادة الرسمية الفلسطينية في واد، وأن المطبخ السياسي يتجاهل قرارات المؤسسة الوطنية الجامعة، ويقفز عنها، منفرداً، مع ما لذلك من أثر على مفاهيم التوافق الوطني، والشراكة الوطنية ومفاهيم وأسس الائتلاف، الذي تقوم عليه العلاقات بين أطراف م.ت.ف، وقواها السياسية. وقد تأكد ذلك مرة أخرى، في افتتاح أعمال المجلس الوطني (30/4/2018) الذي دعي أساساً للمصادقة على قرارات المجلس المركزي في إعادة تحديد العلاقة مع الاحتلال، فوجئ الجميع أن كلمة الافتتاح، في المجلس تضمنت دعوة لتبنى «رؤية الرئيس»، أي العودة إلى المفاوضات تحت سقف أوسلو، بديلاً لقرارات المؤسسة الوطنية الجامعة، التي أنهت العلاقة مع أوسلو، وأعلنت التحرر من التزاماته واستحقاقاته وهو الأمر الذي قاد الكتلة البرلمانية للجبهة الديمقراطية لتقول في كلمتها إلى المجلس الوطني أن الأمور قد وصلت إلى الحافة، وكفى عبثاً بالائتلاف وأسسه، وكفى إطلاقاً للنار على الوفاق الوطني، وكفى تهميشاً للمؤسسة الوطنية الجامعة، وكفى تلاعباً بقراراتها وتعطيلاً لها.
وقد خلصت الجبهة، وفقاً لما ألحقه المطبخ السياسي من إضعاف للمؤسسة الوطنية الجامعة ومن إلحاق، وتهميش، وتعطيل لقراراتها، إلى خلاصة واضحة، ربما تصل إليها لأول مرة منذ انطلاقتها، وهي أن إصلاح أوضاع المؤسسة سياسياً وتنظيمياً، من الداخل والخارج، بات عملاً أكثر صعوبة وشبه مستحيل، وأن السبيل الفعلي والعملي للإصلاح، بات منذ الآن من خلال الحركة الشعبية وضغوطها ونضالاتها، لذلك قاطعت الجبهة دورتي المجلس المركزي ال29 وال، 30، لأنها رأت فيها محاولة للمضي في تمييع الموقف، وتعطيل قرارات المجلس الوطني، ودورتي المجلس اللتين سبقتاه، كما رأت فيها محاولة لتوفير الغطاء السياسي لاستراتيجية البقاء في أوسلو، والاستراتيجية الإنتظارية في مقاومة صفقة ترامب، وخطة نتنياهو لبناء دولة إسرائيل الكبرى. دون أن يعني ذلك أن الجبهة غادرت م.ت.ف ومجلسها المركزي أو الوطني، فاحتفظت بعضويتها في اللجنة التنفيذية وفي باقي المؤسسات الجامعة، خاصة الاتحادات الشعبية.
(5)
في الجانب السياسي، ترى الجبهة أن اتفاق أوسلو وصل إلى طريقه المسدود في مفاوضات كامب ديفيد 2(تموز/يوليو/2000) حين تفاوض الرئيس الراحل ياسر عرفات وفشل في الوصول إلى «حل دائم» مع رئيس حكومة إسرائيل إيهود باراك، بسبب التعنت الإسرائيلي ورفض الطرفين الأميركي والإسرائيلي الاعتراف بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، في تقرير المصير والاستقلال وضمان حق العودة. وما تلا ذلك من مفاوضات وتحركات، امتدت مع ولايتي بوش الابن وباراك أوباما، والسنة الأولى لولاية ترامب، كانت محاولات بائسة ويائسة لإحياء اتفاق مات، ومحاولات لخلق بدائل عنه، تسير في المنحى ذاته الذي سار فيه أوسلو، لذلك وصلت كل المحاولات إلى الطريق المسدود، في وقت كانت فيه سلطات الاحتلال تمهد الميدان، لتفرض رؤيتها عملياً لتسوية كما تراها هي، وكما تقود إلى بناء مشروع نتنياهو، «دولة إسرائيل الكبرى»، مقابل «حل اقتصادي» هزيل للفلسطينيين، يوفر لهم «وسائل الحياة» في ظل شروط دولة الاحتلال وهيمنتها، ويحرمهم من حقوقهم الوطنية والقومية. وهكذا سقطت مشاريع خطة الطريق، ومفاوضات أنابوليس، والمفاوضات المكوكية لجون كيري، وبقيت السلطة، ومعها المطبخ السياسي تراهن على حل إنقاذي في ظل اعتمادها وتبنيها «المفاوضات السلمية» خياراً وحيداً، للحل مع الاحتلال، وفي ظل رفضها المقاومة والانتفاضة، وإن كانت قد التفت على ذلك بالدعوة إلى «المقاومة الشعبية السلمية»، دون أن تقدم ما هو نموذج وتعريفها لهذه المقاومة. وكان واضحاً أن الإصرار على ما يسمى «بالمقاومة السلمية» كان هدفه الالتفاف على النهوض الجماهيري منذ خريف 2015، والعمل على إجهاضه تحت ذريعة «مقاومة كل أشكال الإرهاب ومن أية جهة أتت»، تم تطبيق هذا الشعار ضد المقاومة الشعبية الفلسطينية، بينما تصاعدت الأعمال العدوانية والإجرامية لعصابات المستوطنين، تحت سمع وبصر قوات الاحتلال، وبدعم وتسليح منها.
(6)
وصول إدارة ترامب، وما سبق ذلك من إعلانات عن مشروع، سوف يقدمه لحل المسألة الفلسطينية، في صفقة كاملة أطلق عليها «صفقة العصر»، حاول المطبخ السياسي أن يرى فيه جديداً، وأطلقت من رام الله دعوات تدعو ترامب لإطلاق صفقته دون تأخير، بل عقدت بينه وبين كبار المسؤولين الفلسطينيين اجتماعات صدرت بعدها تصريحات تبشر بالوصول إلى تفاهم مع ترامب على حل المسألة الفلسطينية وأن هناك تفاهمات مع الإدارة الأميركية الجديدة. وبنت رام الله الرسمية الآمال على «صفقة العصر»، إلى أن تم الكشف عن أحد عناوينها، «الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها»، ليتضح أنها صفقة لصالح إسرائيل وللاحتلال، وأنها «صفعة» على وجه من راهنوا عليها- على حد تعبيرهم -.
الجبهة، في أدبياتها السياسية، كانت شديدة الوضوح في قراءتها ل«صفقة العصر»، منذ أن تم التبشير بها. حين رأت أنها «حل إقليمي» يسير على مسارين متوازيين، بخطوات متدحرجة، متلاحقة دون الإيضاح المسبق عنها. لذلك هو «حل» ليس للإعلان عنه، بل للعمل به، خطوة خطوة، وفرضه ميدانياً على الجانب الفلسطيني.
على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، لن يدعو ترامب (وتحالفه مع نتنياهو) إلى المفاوضات إلا بعد أن يتم تحضير المسرح السياسي والميداني، لتصبح كل الوقائع جاهزة بشكل مسبق، لفرضها على الجانب الفلسطيني: من تهويد القدس، إلى استكمال المشروع الإستعماري الاستيطاني، تمهيداً للضم الكامل للمستوطنات، إلى شطب حق العودة، إلى شل وكالة الغوث، إلى محاصرة السلطة الفلسطينية مالياً لإضعافها إلى أبعد مدى، وبحيث يصل الفلسطينيون إلى المفاوضات منهكي القوى، مجردين من أي سلاح، في ظل واقع ميداني، مفروض على القدس والضفة الفلسطينية، يطوقهم من كل الجهات، بحيث لا يجدون مفراً من الاستسلام.
أما على المسار الإقليمي، فإزالة العقبات، بقوة الضغط الأميركي، لتطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية ودول الاحتلال، تحت شعار إقامة «حلف إقليمي» في مجابهة «العدو الجديد» للحالة العربية، «إيران»، بعد ما أعيدت صياغة مفهوم «العدو»، وبحيث تكون دولة الاحتلال حليفاً في «الحلف الإقليمي»، في مواجهة ما بات يسمى، في أدبيات ومفاهيم معنى العواصم العربية «الخطر الإيراني وامتداداته في المنطقة». وهذا ما يفسر فرض العقوبات الأميركية على إيران وشعبها، وما يفسر في الوقت نفسه، الانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي والرياضي، لبعض عواصم الأنظمة العربية، مع دولة الاحتلال.
أما نتنياهو، فلم يقف مكتوف الأيدي، والتقط تحالفه المتين مع إدارة ترامب، ومشروعها للحل الإقليمي، المسمى «صفقة العصر» (صفقة ترامب) ودفع بالكنيست لاتخاذ سلسلة قوانين من شأنها أن تستغل الأساس القانوني لإقامة «دولة إسرائيل الكبرى»، في مقدمة هذه القوانين، «قانون القومية» العنصري الذي حصر حق تقرير المصير باليهود فقط، وجرد الشعب الفلسطيني في كافة مناطقه، منه، في ال 48، وال67. وأسقط من حساباته التزاماته باتفاق أوسلو، وشرع في تطبيق خطوات ميدانية، استعمارية استيطانية، واقتصادية، ومالية، وقانونية، لفرض وقائعه على الجانب الفلسطيني، وفقاً لأهداف «صفقة العصر»، معتبراً وجود ترامب في الإدارة الأميركية الفرصة الذهبية لإقامة «دولة إسرائيل الكبرى»، وشطب المشروع الوطني الفلسطيني، وإلحاق الهزيمة به، خاصة بعد أن بدأت أبواب بعض الأنظمة العربية والمسلمة، تفتح له، وتقيم مع حكومته اتفاقات، تقفز فيها عن قضية وحقوق الشعب الفلسطيني، التي بدأت تتراجع في حسابات البعض، من كونها قضية العرب الأولى، إلى كونها قضية الفلسطينيين وحدهم.
وبناءً على هذه الرؤية، دعت الجبهة إلى طي أوسلو، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الانتفاضة والمقاومة الشعبية في الميدان، ومقارعة دولة الاحتلال في المحافل الدولية، ونقل القضية والحقوق الوطنية إلى الأمم المتحدة.■
[ في العدد القادم حلقة جديدة]
مجلة الحرية الفسطينية
العدد1711
معتصم حمادة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.