بنكيران يُقر بامتلاكه ضيعة فلاحية بالعرجات وينفي إخفاءه أغنام الإحصاء    الخطاب الناري في العلن... والانبطاح في الكواليس: الوجه الحقيقي للنظام الجزائري    الاستيلاء على أموال من حسابات بنكية يوقف عشرينية بطنجة        العثماني: تصريحات أخنوش تضمنت "معلومات خاطئة"        "العدالة والتنمية" يتهم رئاسة مجلس جماعة سلا بالتحايل في ملف "التعاونية القرائية"    حملة جديدة على المعارضة بإسطنبول    البقالي يبلغ نهائي مونديال طوكيو        "زيارة عمل" تقود العلمي إلى فنلندا    تفاصيل بيع تذاكر كأس إفريقيا "المغرب 2025" وإطلاق منصة رقمية للمشجعين    نادين أيوب أول فلسطينية تشارك في مسابقة ملكة جمال الكون: لنا أيضا أحلامنا    زلزال بقوة 7,4 درجات يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية وتحذيرات من تسونامي    أمن طنجة يحجز 260 قطعة من الشهب الاصطناعية قبل مباراة اتحاد طنجة وحسنية أكادير    أمريكا تؤكد مطابقة المصايد المغربية لمقتضيات القانون الأمريكي الخاص بحماية الثدييات البحرية (MMPA)    الفوضى وسوء التنظيم يطغيان على العرض ما قبل الأول لفيلم "كازا كيرا"    وفد صحفي إيطالي يستكشف مؤهلات الداخلة... الوجهة الصاعدة للاستثمار والتعاون الدولي    منظمات حقوقية تفضح بجنيف استمرار عبودية الصحراويين في مخيمات تندوف    10 أشهر حبسا لمهاجر مغربي نشر صور أمنيين على مواقع التواصل    ميداوي: "تعديلات الماستر" تتيح اختيار طريقة الانتقاء وزيادة المسجّلين    فقدان 12 قردا بعد تسلل أفراد إلى مركز فرنسي للبحوث الحيوانية    فوزي لقجع: المغرب سيقدم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    إسرائيل تقدر عدد النازحين من مدينة غزة    سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    كولومبيا.. جمعية الصحافة والإعلام توشح سفيرة المغرب بأرفع أوسمتها    كيوسك السبت | إحداث لجنة مشتركة لتتبع توفير الكتاب المدرسي في نقاط البيع    حجز 260 وحدة من الشهب الاصطناعية المحظورة    بايرن ميونخ الألماني يزيح الستار عن تمثال الأسطورة فرانز بيكنباور    انتقالات: الهولندي إيميغا سينضم لتشلسي في نهاية الموسم قادما من ستراسبورغ    بطولة انجلترا: الاصابة تبعد ليام ديلاب ثلاثة أشهر عن تشلسي        أولمبيك مارسيليا يعير حاريث لباشاك شهير التركي    ترامب يجتمع مع رئيس وزراء قطر بعد الهجوم الإسرائيلي في الدوحة        الدرهم يرتفع بنسبة 0,6 في الماي ة مقابل الدولار خلال الفترة من 4 إلى 10 شتنبر (بنك المغرب)    اعتراف أمريكي رسمي .. المصايد المغربية تُطابق معايير حماية الثدييات البحرية    الإدريسي: أخنوش تهرب من تقديم الحصيلة بالبرلمان واستبدلها بحوار منمق يساعده فيه الصحافيون    في ظل الاحتكار وتعطيل المنافسة الأجنبية.. الأبناك تواصل إثقال كاهل المغاربة بالاقتطاعات و"حماية المستهلك" تستنكر    حموشي يتباحث بالرباط مع المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي    وزارة الانتقال الرقمي توقع شراكة استراتيجية لتعزيز الذكاء الاصطناعي بالمغرب    دراسة: أصوات "الطقطقة" الصادرة من الركبة ظاهرة طبيعية ما لم تصاحبها أعراض مرضية        هيئات مهنية صحفية تطالب أخنوش بسحب مشروع قانون "المجلس الوطني للصحافة"    إسبانيا تتحرك لاحتواء بؤر إنفلونزا الطيور.. إعدام طيور وإغلاق حدائق    استقبال حافل للفيلم السوداني ملكة القطن بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي    تدشين المحطة السككية الجديدة بتازة وإطلاق خدمة الربط بالحافلات مع الحسيمة    بيت الشعر بالمغرب يحتفي ب"موسم الخطوبة" في إملشيل بفعاليات ثقافية وشعرية    دراسة: التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري        بوفال يضع حدا لشائعة وفاة والدته: "كفاكم كذبا واحترموا حياتنا الخاصة"    فتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعثات التعليمية في العهد الحسني -الحلقة 5-
نشر في بيان اليوم يوم 12 - 05 - 2019

لم يطرح موضوع الإصلاح في المغرب إلا بعد الاصطدام بالدول الأوروبية من خلال حدثين كان لهما أثر بالغ في نفوس المغاربة. يتجلى الأول في هزيمة المغرب أمام القوات الفرنسية في معركة إيسلي، حيث شكلت هذه الهزيمة التي لم يكن أشد المتشائمين بتوقعها، صدمة للنخبة السياسية المغربية، وطرح سؤال الذات لدى النخبة المثقفة والقادة السياسيين. ويتجلى الثاني في الهزيمة النكراء في حرب تطوان أمام إسبانيا، حيث استفحلت الأوضاع مرة أخرى، وانعكس ذلك على الأوضاع الداخلية وزادتها تأزما، وفقدت الدولة المغربية هيبتها السياسية والعسكرية في الساحة الدولية فانكسرت شوكتها. كما كشفت معركة إيسلي عن تقادم النظم السياسية والعسكرية والتعليمية المغربية التي اعتمدتها سياسة البلاد في خضم صيرورتها التاريخية، فأصبح الإصلاح ضرورة ملحة تفرضه الظرفية آنذاك، وشمل بالخصوص الجانب العسكري الذي أخذ حيزا مهما. كما أن الجانب التعليمي نال هو الآخر قسطا بعكس الأول، من خلال إرسال بعثات طلابية إلى الخارج.
شكلت البعثات التعليمية في العهد الحسني، لحظة تاريخية مهمة في التعليم العصري، وكان الهدف المقصود من إرسال البعثات توفير الكفاءات الوطنية اللازمة لتنفيذ المشاريع الإصلاحية التي برمجها السلطان في سياسته. فانكب اهتمامه على هذه البعثات لتنفيذ طموحه السياسي بعد عودتها للنهوض بالمرافق الحيوية، الشيء الذي نلمسه في التوزيع الجغرافي لطلبة البعثات، حيث تم توزيعهم على العديد من الدول الأوروبية.
سنركز في هذه الحلقات على أن نتائج البعثات لم تكن بارزة ومؤثرة في بناء دولة مغربية حديثة، كل ما سبق ذكره يجعلنا نطرح مجموعة من الإشكالات التي حاولنا الإجابة عليها بالتفصيل في الفصول الآتية:
كيف جرى انتقاء الطلبة الواقع عليهم الاختيار بغية إرسالهم للدراسة بالخارج ؟ وهل تمت دراستهم في ظروف ملائمة ؟ وإلي أي حد يمكن تفسير سيطرة العائلات الكبرى على السير العام لهذا المشروع الإصلاحي؟ وهل كان هناك تنويع في البلدان الأوروبية التي قصدها طلبة البعثات لإكمال دراستهم بها ؟ هل يمكننا الحديث عن تقييم الحصيلة إذا كانت إيجابية أم سلبية ؟ وما هي العوامل المؤثرة على المشروع الإصلاحي وساهمت في إفشاله
ويمكن استنتاج آلية التمويل من خلال الرسائل السلطانية، ومنها رسالة وجهها المولى الحسن إلى الحاج محمد بن العربي الطريس، قائلا : «… وبعد، فنأمرك أن توجه للمتعلمين بإفرانسة مؤونة خمسة أشهر أخرى على يد الباشدور وذلك انصرام الخمسة الأشهر الأولى التي وجهت لهم مئونتها، وكتبنا للأمناء بمراسي طنجة بذلك يصله طيه، والسلام.«
يمكن رصد دور المخزن في تمويل البعثات التعليمية من خلال الكثير من المراسلات والظهائر، فقد أصدر السلطان الحسن الأول في عام 1305ه/1888م ظهير خاطب فيه محمد بركاش قائلا« : وبعد، وصلنا كتابك بأن نائب الفرنصيص طلب منك مشاهرة المتعلمين الذين بباريز عن تسعة أشهر، وقدرها خمس عشرة ريال وأربعة وستون ريال… فقد أمرناهم -الأمناء- بتنفيذ العدد المذكور له، وبأن يكونوا يدفعون واجب كل ثلاثة أشهر في المستقبل«
وبخصوص البعثة التي قصدت فرنسا وكان محمد بن الكعاب الشركي أحد أفرادها، فقد تكفل المخزن بنفقات سفر البعثة ومستلزماتها ومصاريف إقامة الطلبة بالديار الفرنسية، حيث كان هؤلاء الطلبة يتقاضون منحة تقدر بثلاثين مثقالا -دون تحديد زمني- لا تتضمن مصاريف الأكل والشرب. وإذا كانت الإشارات القليلة جدا التي تملكها لا تسمح بإعطاء صورة واضحة ومفصلة عن الجانب المالي، وانعكاسه السلبي أو الإيجابي على وضعية طلبة البعثة، وظروف دراستهم في فرنسا، فإن رسالة ابن الكعاب بتاريخ فبراير 1882 تكشف أن السنتين الأولتين من الإقامة في باريس ،مرت في ظروف حسنة.
نستنتج مما سبق أن المخزن كان الجهة الوحيدة التي تكفلت بتمويل البعثات التعليمية إلى أوروبا وهو ما يؤكد في حد ذاته وجود جهاز إداري -دولة- تكفل بمختلف مراحل تمويل هذه البعثات كما تقرأ في هذه المضامين غياب دور أي فئة مجتمعية أو أسر مرموقة، تتكلف بمستلزمات هذا الفعل التحديثي وتنهض بها، أو تنافس أو تقوم بدور المخزن في هذا المجال عانى الطلبة المغاربة المتواجدين بالأقطار الأوروبية، من بعض المشاكل المادية، ازدادت استفحالا ووصل صداها إلى معلميهم الذين يتلقون على أيديهم تكوينا في شتى المجالات، الأمر الذي كان يؤثر في توازنهم النفسي وعطائهم الدراسي. حيث تراكمت على البعثة التي كانت تتابع تكوينها بمدينة باريس نفقات مدة تسعة أشهر ،الشيء الذي جعل ممثل فرنسا بالمغرب يطالب نائب السلطان بواجب تسديدها ،مؤكدا على ضرورة احترام موعد إيفائها على رأس كل ثلاثة أشهر، كما أن مصدر هذه النفقات كان يأتي من مداخيل أمانة المراسي، حيث كان الأمناء مكلفين بصرف النفقات اللازمة للدولة، خاصة المنح الدراسية لفائدة أفراد البعثات الطلابية.
أما عن قيمة المنحة التي كانت تسلم للطلبة، فمن الصعب تحديدها لعدم معرفتنا فيما إذا كانوا يتقاضونها خلال كل شهر أو ثلاثة أشهر أو أكثر وبشكل منتظم، ومن خلال مراسلات الطالب محمد الكعاب مع بعض أفراد عائلته وبعض المسؤولين المخزنيين، فقد وردت في رسالة جوابية من أخيه تفيد أن الطلبة كانوا يتقاضون منحة تقدر بثلاثين مثقال دون أي تحديد زمني.
كان المخزن يتأخر في صرف المستحقات المتعلمين، خصوصا في أثناء طول إقامتهم في دول أوروبا؛ فقد طالب« نائب الفرنصيص» في عام 1297ه/1880م محمد بركاش ب«مشاهرة المتعلمين الذين بباريز عن تسعة أشهر وقدرها خمس عشرة مائة ريال وأربعة وستون ريالا»..
كما كتب الطالب محمد الكعاب تقريرا عن وضع الطلبة في بلجيكا1301ه/1884م، أوضح من خلاله ضعف حالتهم المادية وتراكم الديون على رفاقه الطلبة، المغاربة من الجهات البلجيكية التي كانت تنفق عليهم، وختم تقريره قائلا :
«وإن هذه سبعة أعوام ونصف باقين مفقودين عن الأهل والوطن، والأعداء لا ينظرون إلينا إلا بعين الاحتقار حتى صرنا لا نستلذ طعاما ولا شرابا».
نستخلص أن البعثة الطلابية التي كانت تدرس ببلجيكا، عانت من وضعية مادية صعبة وهو ما أكده الطالب محمد الكعاب من خلال الرسالة التي بعثها إلى النائب السلطاني محمد بركاش بتاريخ 18 يونيو 1884. ضمن فيها توضيحات مفصلة حول مستلزمات إقامة هذه البعثة والمصاريف التي سيتطلبها تكوين الطلبة من حيث الملبس ورواتب الأساتذة المشرفين على تدريسهم، بالإضافة إلى واجب المنحة التي سيتقاضونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.