الجمارك تنعش خزينة الدولة ب65 مليار درهم في ثمانية أشهر    إسرائيل تقتل العشرات في قطاع غزة    أمنيون يحققون في غياب عريس عن الزفاف    "أسطول الصمود المغاربي" يتعثر في مغادرة السواحل التونسية نحو غزة    عداؤون يخيبون الآمال في طوكيو    الدار البيضاء: تتويج الفرس 'كازا دي شامبو' بلقب النسخة الرابعة للجائزة الكبرى لإفريقيا 2025 لسباقات الخيول    مدون إلكتروني يرفض إبرام صفقة ترويج لديمبيلي    الكتبيون يستنكرون ممارسات تضر بالمهنيين من شركة لتوزيع كتب الريادة    أمن امزورن يطيح بعصابة مخدرات تضم مطلوبا وطنيا    حادث يسلب حياة أستاذ بإقليم أزيلال    صدور القانون الجديد للمسطرة الجنائية في الجريدةالرسمية ومهلة3 أشهر قبل دخوله حيز التطبيق    مجلس حقوق الإنسان: منظمات غير حكومية تحذر من استمرار العبودية في مخيمات تندوف    أمن فاس يطيح بشبكة للنصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    المهرجان الدولي لسينما الجبل بأوزود يحتفي بالاعلامي علي حسن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    اتحاد طنجة لكرة اليد يجدد الثقة في مدربه خالد الفيل    تراجع مفرغات الصيد بميناء الداخلة بنسبة 21٪    المغرب يحتل المرتبة 107 عالميا في مؤشر الديمقراطية    حماة المستهلك ينتقدون الزيادات المفاجئة في الرسوم البنكية    25 جريحا إثر انفجار في مطعم بمدريد    رحلة عذاب لركاب قطار الجديدة البيضاء.. ركاب عالقون حتى الثالثة صباحا    فرنسا.. رئيس الوزراء الجديد يتخلى عن مقترح إلغاء عطلتين رسميتين ويدعو اليسار إلى التعاون    كوريا تؤكد أول حالة إصابة بأنفلونزا الطيور شديدة العدوى هذا العام    تدخل بطولي لرجل أمن بانزكان لتحييد خطر جانح يتحوز سلاحا أبيض    تفاؤل كبير لدى الفلاحين بسبب التساقطات المطرية خلال شتنبر    إسبانيا :الموسم السياسي ينطلق بانتعاشة واضحة للحزب الحاكم وتنامي الخطاب العنصري للأحزاب القومية    أطباء القطاع الحر يعقدون مجلساً وطنياً موسعاً بالدار البيضاء احتجاجاً على تأجيل الانتخابات وإقصائهم من مراجعة القانون 08.12    ورشة عسكرية مشتركة بين المغرب وموريتانيا لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود    روبيو في إسرائيل للإعراب عن دعم أمريكا لها وسط غضب عربي وإسلامي في قمة الدوحة بعد العدوان على قطر    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمكناس تدق ناقوس الخطر بشأن تردي أوضاع الحقوق والحريات    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    أوكرانيا تقول إنها تحتاج 120 مليار دولار للدفاع    العدالة والتنمية بتطوان يطلق مجموعة من الأوراش السياسية وعلى رأسها ملف الانتخابات    تحضيرا للمونديال.. المغرب يطمح لاقتناء نحو 7000 حافلة صينية جديدة بحلول عام 2030، نصفها يعمل بالطاقة الكهربائية    إسرائيل تواصل حرب الإبادة على غزة: عشرات القتلى وتدمير أبراج ومدارس وسط موجات نزوح وتجويع    موريتانيا وإسبانيا.. نحو شراكات اقتصادية واعدة    الداخلة.. حجز 6,8 طن من الأسماك واعتقال 12 شخصاً: ملف جديد يسلّط الضوء على التهريب البحري    أمين حارث يواصل مشواره الأوروبي مع باشاك شهير التركي    الجيش الملكي يبدأ موسمه بانتصار على اتحاد يعقوب المنصور    "السكك الحديدية": موسم صيفي ناجح        المطبخ المغربي يتألق في القرية الدولية لفنون الطهي بباريس    حياة الكلاب..حياة الماعز    منظمة الصحة العالمية تسجل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا    دراسة : التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    "باراماونت" تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة مؤسسات سينمائية إسرائيلية    ابن الحسيمة الباحث عبد الجليل حمدي ينال شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    كأس إفريقيا للأمم 'المغرب 2025': الكاف ولجنة التنظيم المحلية يحددان موعد انطلاق بيع تذاكر المباريات        سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    الصيد / مطابقة.. المغرب ينال اعترافا رسميا من الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (كتابة الدولة)    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكنزة.. قصة تودة: الانتصار للصوت النسائي، وعن تموايت الأم رقية ورجع الصدى الابنة تودة
نشر في بيان اليوم يوم 02 - 02 - 2023

الانتصار للصوت النسائي، وعن تموايت الأم رقية ورجع الصدى الابنة تودة
بدعم من مسرح محمد الخامس، قدمت فرقة فوانيس المسرح من مدينة ورزازات، مسرحيتها الجديدة "تكنزة.. قصة تودة" من تأليف إسماعيل الوعرابي وطارق الربح وأمين ناسور، ودراماتورجيا وإخراج أمين ناسور.. والملابس من توقيع سناء شدال، والإضاءة من تصميم عبد الرزاق أيت بها، ومن تشخيص: خديجة زروال وعادل الحميدي وأحمد باحدا وهند بلعولة وإسماعيل الواعرابي، أما العزف والأداء الغنائي، فكان على مقامات وأوتار كل من إيمان تيفيور وأيوب أسوس، وتكلف بإدارة وتنفيد الإنتاج يوسف بوخبيان.
1. تكنزة.. قصة تودة.. تموايت الأم رقية ورجع الصدى الابنة تودة:
إذا كان الفن الفرجوي لأحواش، يتم تشكله في (أسايس) عبر تكوين دائرة أو دوائر (إزركان) من الرجال، الذين يؤسسون لإيقاعات أحواش المتتالية، من خلال (الدفوف) أو (تكنزيوين)، إلى جانب تشكل قوس من النساء، اللواتي يطلقن إلى جانب ما يسمى ب (أهايو) تموايت الغناء ويرسمن هلال الرقص حول الرجال، فإن مسرحية تكنزة.. قصة تودة، تنطلق من نشاز يضرب إيقاعات الرجال ويصيب رقصات النساء بالشلل.
تلك كانت قصة (الرايسة رقية) مع (بوجمعة)، قصة كما يأتي في حوارات المسرحية "جمعها بندير وفرقها بندير" في قلب رقصة أحواش؛ تلك القصة المتوارثة بين أهالي الجنوب في رحاب أحواش، هي:
قْصَّة سْمْعْنَاهَا..
دْخْلْنَهاَ دْخُولْ رْزِينْ..
بْقَاتْ لْعْقُولْ لِيهَا مْشْدُودَة
أَحْوَاشْ رْبْطْنَا فِيَها رَبْطَة حْنِيَنة.
هَكْذَا سْمْعْنَاهَا…
وَلَّا هَكْذَا شْفْنَاهَا قْصَّة بْنِينَة مَمْدُودَة..
وْلَّا إِمْكْنْ هَكْذَا فْهْمْنَاهَا..
تَكْنْزَا .. قْصَّة تُودَة
ولأن قوة الطقس، تتجلى في تكراره، فالفعل نفسه، يتكرر، غاب صوت الرايسة رقية عن أسايس نوحواش، ليسمع رجع صداها من الابنة تودة، التي تعاند الوجود وسلطة الأخ وحيرة الأب، قبل أن تستعيد، في نضالها وسفرها وعودتها، صوت الحرية الدفين المنبعث من قوس نساء أحواش، لكي تغني في الأخيرة بصحبة الأخ والأب والقبيلة على غرار ما غنى الرايس لحسن أرسموك ومعه فرق أحواش:
مَارَادْ سْكرِغ إلهَوا.. إليٍ غِيدَامْنينُو.. تَوَالنسِي
1. تكنزة قصة تودة.. الاحتفاء بالهوية الامازيغية باعتبارها رافدا من روافد الهوية المغربية:
لم تكن مسرحية تكنزة.. قصة تودة، مجرد عرض مسرحي بدأ برفع الستار، وانتهى بأهم شيء في فنون أحواش أي أداء أغنية قديمة:"مَارَادْ سْكرِغ إلهَوا"، بل تشكل المسرحية فرصة للاحتفاء بالفنون الفرجوية لأحواش، وهو احتفاء بالأساس بالعشائر والقبائل التي تخزن ذاكرتها الثقافية ووعيها الجمعي في هذا الشكل الفرجوي.. إنها قبائل كلاوة، وأيتواوزكيط، وأيتورزازات، وإمغران، وأيت زينب، وإكرنان، وأيتتوايا، أيتبودلال، أيت تماست، أيت إميني، إلى إماسين شرقا، وأفلا ندرا جنوبا.
1. تكنزة قصة تودة الاحتفاء بالتراث المادي لجنوبنا الشرقي:
يرفع الستار، عن مسرحية تدعونا إلى قلب قصبة أبدعها السينوغراف طارق الربح.. إننا في فضاءات ألف قصبة وقصبة.. ورزازات. ولك أن تختار بين قصبة تلوات مرورا بقصبة أيت بنحدو، وقصبة تفولتوت وقصبة تاوريرت وصولا إلى قصبة أمرديل، وغيرها من القصبات التي تشكل التراث المادي بالجنوب الشرقي على ضفاف وادي درعة أو وادي مكون، أو تلك التي تطل على الواحات.. في هاته الفضاءات تشتعل إيقاعات أحواش، في أسايس أو أسراك.. إنه فضاء الأكورا عند القبائل الأمازيغية، تشكل المسرحية احتفاء آخر بالتراث المادي لجنوبنا الشرقي.
1. تكنزة قصة تودة تموايت العاشقة والانتصار للريسات:
يرفع الستار.. عن قصبة – عبر تقنية المابينغ التي تألق في تشكيل صورها رضا تسولي – موشومة بالرموز الأمازيغية، والأهم من ذلك عن رحلة حمامة ستكون صورة مجازية طيلة العرض (تاتبيرت نوحواش).. تلك كانت رقصة رقية، وتلك كانت "تودة بنت تاتبيرت نوحواش"..
بعد ذلك، يأتي الانتصار للصوت النسائي.. فمن عذوبة صوت الفنانة ايمان تيفيورالتي ظهرت في ثوب الرايسة رقية أم الرايسة المقبلة تودة، إلى إثارة المشترك الفني الذي اخترق تكنزة ونسج حكاية تودة.. تعيد المسرحية إحياء ذكرى الرايسة فاطمة بلعيد، ثم يشتد الوجد للرقص على صوت آخر لا يقل بهاء الرايسة صفية وتلوات.. أصوات نسائية تعيد قص (تاونزا)، وقبل أن تتمايل وتنتفض ب"أسيحٌ اتاونزا"، فهي تغازل أجديك ءيمي ن تركا:
أجديك ءمي ن تركا…. والٌي عاون..
أهايي نبيد أيبيد ربي غ تامانو.. اوا اسيح اتاونزا..
أجديك ءمي ن تركا…. والٌي عاون..
مرورا بأغنية
اتيدبريناتومليلين.. ساولاوارايس.. اربهراارتكاتالخلا..
وصولا إلى أغنية:
مانزاك ابو الهوى.. ع لا ربي فكاع اميك نواوالي..
اغ سول الاحباب غتونتي.. علا ربي اتمام غداو وكالي
وتنتهي المسرحية على إيقاع أغنية الرايس لحسن ارسموك، التي ترددها فرق أحواش، وهي أغنية تكشف عن عشق تودة لهواها الأول الذي يسكن دمها، عشق مسيرة الأم رقية، والرقص في أسايس نوحواش، ذلك ما تعبر عنه الأغنية الختامية عن الهوى والعشق:
ماراد سكرغ إلهوا.. غلا غدامنينو..توالانسي..
نيغ إميل سنتهنا..إفليي داغ وينو.. تمارانسي
ماراد سكرغ إلهوا.. إلا غدامنينو.. نوالانسي
1. تكنزة قصة تودة..عن الأمل والثورة والحب:
من نسج مسرحية تكنزة قصة تودة، قصة أخرى هي أهم ما وقع في منعطفات حياة تودة.. التي اتجهت إلى دروب المدينة لاستكمال حياتها الجامعية.. هناك تبدأ حكاية شاب، لم يدرك زمن الرفاق، فظهر لنا في تيه بين حلقيات الجامعة وفصائلها الطلابية.. اسمه (الغالي).. شاب في زاده الأمل والثورة والحب.. فضاع شأنه شأن ذلك المطرب الذي ضيعه الأمل، وتاه في ضباب من أسىً شفيف لا يعرف أية ثورة يريد؟ وضد من؟ ومن أجل من
* الغالي: "امنت بالنضال كبرت به ومعه.. وعشت كنحلم بالثورة وكثير الثورات… لكن لمن من؟ وعلى من؟ وبمن؟ بعض المرات آمنت بالقضية.. والقضية.. ممكن تكون حنا"،
أما الحب قد أبقاه على ناصية الحياة، قبل أن يختفي في سراب.. فتعود تودة بنت تاتبيرت نوحواش.. تلك التي يترصدها الأخ وهي تغني فوق القبور، إلى الاحتماء بقبر الأم رقية وهمس رقية ولمسة رقية وشوق رقية..
1. تكنزة قصة تودة..غاب صوت النساء فتاه الرجال:
انتهت رقصة أحواش، اخترقت تكنزة، نشاز تسبب في العزلة والألم، يقول بوجمعة:
* بوجمعة: "ياك غا بندير.. عود وجلدة.. هرستك وتهرست معك – يصرخ بوجمعة – رقية نهار مشات حتى الخيمة رابت.. ياك غا بندير… كانت حمامة وسط اسايس.. بلاصتك كبيرة عشات فيها البرودة… ياريت كلشي يتعاود أ رقية"
ولأن قيمة الطقس تتجلى في تكراره، فإن المسرحية تعيد نفسها من جديد على غرار تموايت الرايسة فاطمة بلعيد، والصورة نفسها تتكرر عند الرايسة صفية اوتلوات. الفعل نفسه في المسرحية، كانت رقية، لتعيد تودة تشكيل الصورة نفسها… تلك أصوات نسائية حرة تطلق تموايت نتايري في غياهب الأطلس وفي مواجهة تراتيل الرجال والرجعية.
من خلال حكاية معروفة ومتوارثة، استطاع الدراماتورج والمخرج أمين ناسور، ومن خلاله فرقة فوانيس المسرح من مدينة ورزازات، أن تقدم لنا تجربة مسرحية فريدة، تحتفي بالموروث المادي واللامادي للجنوب الشرقي، وأن تمزج روافد الهوية المغربية في لغة درامية واحدة تجمع اللهجة العامية باللغة الأمازيغية، ومن مقاطع الزجل والأشعار الأمازيغية والموسيقى الأمازيغية التي ظلت ترافق العرض منذ بدايته.
وإذا كانت فرقة فوانيس المسرح من ورزازات قد ارتشفت من حقول الجنوب وأنصتت إلى إيقاعات أحواش وفضاءات القصبات، ليعيدوا تشكيل هاته الأسطورة جماليا من خلال كتابات إسماعيل الواعربي وطارق الربح وأمين ناسور، فإن هذا الأخير، الذي يضع في صلب مشاريعه المسرحية الاشتغال على الموروث الثقافي المادي واللامادي بروح جديدة ومتجددة، قد اشتغل سابقا مع فرقة تفسوين للمسرح من الحسيمة على ثلاثية مسرحية تمتح من التراث اللامادي للريف، واشتغل أيضا مع فرقة أنفاس للثقافة والمسرح من أقاليمنا الجنوبية على مسرحيتين "الخالفة" و"الخيمة"، ومن خلالهما عمل على تثمين وإبراز الموروث الثقافي الحساني، واليوم يوقع من خلال مسرحية "تكنزة.. قصة تودة" لفرقة فوانيس من ورزازات على محاولات جمالية في ارتباطها بالموروث المادي واللامادي للجنوب الشرقي.
بقلم: د. عبد المجيد اهرى
تصوير بعدسة: عبد العزيز خليلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.