صحيفة موريتانية تكشف كيف تدخل الملك محمد السادس شخصيا لإنقاذ قمة بانجول الغامبية    طنجة .. لقاء يبرز أهمية المنظومة القانونية للصحافة في تحصين المهنة والمهنيين    تفاصيل زيارة وفد عسكري موريتاني رفيع للمغرب    أسواق أضاحي العيد ملتهبة والمغاربة أمام تغول "الشناقة"    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل أسرى وإسقاط حكومة نتنياهو    لمجرد يقطع صمته الطويل..قائلا "أريد العودة إلى المغرب"    طنجة.. محاميون وخبراء يناقشون رهانات وتحديات مكافحة جرائم غسل الأموال    متظاهرون يرشقون اليميني المتطرف الفرنسي إريك زمور بالبيض    إبراهيم دياز يتوج رفقة ريال مدريد ببطولة الدوري الإسباني    الجامعة والكاف فرحانين بدياز حيث ربح بطولة الصبليون مع ريال مدريد    القضاء يدين سائحا خليجيا بالحبس النافذ    التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتنمية المجالية لإقليمي تنغير وورزازات    إبراهيم دياز يهدي ريال مدريد لقب الليغا الإسبانية بهدف خرافي    لقجع يضع حدا لإشاعات التدخل في تعيين الحكام .. لو كنت أتدخل لفاز المغرب بكأس إفريقيا    جوائز وتكريم بنسعيدي.. ستار مهرجان تطوان ينسدل وسط إشادة نجوم الفن    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    تعاون مغربي إسباني يحبط تهريب الشيرا    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    الدور السري لنجم المنتخب المغربي في إقناع لامين يامال باللعب للأسود    فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز    برلمانية تجمعية تنوه بدور "فرصة" و"أوراش" في الحد من تداعيات كورونا والجفاف على التشغيل    حكومة أخنوش في مرمى الانتقاد اللاذع بسبب "الاتفاق الاجتماعي"    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    تعيينات جديدة فال"هاكا".. وعسلون بقى فمنصب المدير العام للاتصال    تونسيون يتظاهرون لإجلاء جنوب صحراويين    مادة سامة تنهي حياة أربعيني في تزنيت    قطر تدرس مستقبل "حماس" في الدوحة    "دعم السكن" ومشاريع 2030 تفتح صنابير التمويل البنكي للمنعشين العقاريين    سمرقند تحتضن قرعة مونديال الفوتسال    بونو يقترب من رقم تاريخي في السعودية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    كأس الكونفدرالية الافريقية .. طاقم تحكيم كيني يدير مباراة نهضة بركان ضد الزمالك    تتويج الفائزين بالنسخة الثانية من جوائز القدس الشريف للتميز الصحافي في الإعلام التنموي    تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    سيناريو مغربي ضمن الفائزين بالدعم في محترفات تطوان    106 مظاهرات في عدة مدن مغربية لدعم غزة والإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوريا من الصراع في الشرق الأوسط إلى الصراع على الشرق الأوسط
نشر في هسبريس يوم 20 - 11 - 2011

توجد مصالح تفرض على الدّول اتخاذ مواقف تاريخية معينة في ظروف معينّة. وهذا أمر يستدعي تشخيصا وتحليلا وتقديرا للمعطيات الواقعية، لا لتبديل اختياراتها بالضرورة بل لتلافي الأضرار التي تخلفها تداعيات تلك الاختيارات في الحدّ الأدنى. ويمكن الحديث اليوم لا سيما فيما يجري في الشرق الأوسط عما يمكن أن نسميه بالتدبير المسبق لاحتمالات وتداعيات الأزمة. أقصد به العمل على تفادي النتائج العكسية للمواقف التي تكون الدّول مضطرة إلى اتخاذها في سياق استعمال الأزمات لا تدبيرها. وعلى عكس من العلاقات الاجتماعية التي تخضع لتحكم العوائد والتقاليد والانفعالات، فإن العلاقات الدولية تخضع لمنطق التحالفات المبنية على المصالح. وهي لهذا السبب غالبا ما تكون تحالفات غير قارة، لأنها تتطلب باستمرار إظهار كل طرف من أطراف التحالف ما بجعبته من أوراق ومصادر قوة ومنفعة مقنعة للطرف الآخر. فالمصالح هنا تقدّر بموازين دقيقة. من هنا سعي الدّول الدّائم إلى مراكمة الحدّ الممكن من الأوراق لتفادي احتمالات اهتزاز العلاقات ، مما يعني أنّ السياسة الخارجية للدول لا تنام في السلم أو الحرب. وتبدو الأحداث الجارية في الشّرق الأوسط على درجة فائقة من الحساسية نظرا لتعقّد الوضعية برمتها في هذه المنطقة التي تخضع خضوعا مستمرا لمعركة نفوذ تقف وراءها دول عظمى لكنها تجري من خلال وسائط وأحلاف محلّية تجد نفسها مضطرة إلى الانخراط بكامل قواها في هذا الرّهان. إذ من غير المعقول أن يجري كل هذا الصّراع في غياب القوى العظمى المعنية بمصير الطّاقة واقتصادها في المنطقة والعالم. وأي تحليل لا يستحضر هذه الحقيقة سينزلق لا محالة إلى خطاب بوليميكي؛ أي إلى خطاب منخرط في المعارك الدّائرة وجزء من الحرب الإعلامية. فالتساؤلات التي تفرض نفسها اليوم على المراقبين، هو ما سرّ هذه الصّحوة المتأخّرة للجامعة العربية التي دخلت بقوّة في ملفات تتعلّق بأجندة التمكين الدولي من التّدخّل في الدول العربية ، بعد أن وصفت طيلة عقود بالعجز والإفلاس؟ فلقد غابت الجامعة العربية عن كل الملفات والقضايا الأساسية التي تتعلّق بالقضية الفلسطينية. وليس آخرها موقفها من حروب إسرائيل وغزوها لكلّ من لبنان والضفة وغزّة وقضية الحصار وحرب تموز وتقرير جولدستون كما لم تسع الجامعة العربية إلى استنفار موقف عربي موحّد ضدّ قرار عدم السماح للفلسطينيين بإعلان دولة فلسطينية من جانب واحد. ولا يمكن الحديث عن مستجدّ حقيقي في أداء الجامعة العربية؛ فلقد بدا نبيل العربي خاضعا لنفوذ الكتلة الخليجية داخل الجامعة العربية أكثر من خضوع عمرو موسى في عهد حسني مبارك الذي كان هو الآخر مدعوما من قبل هذا التّكتل الذي وقف ضدّ ثورة الشعب المصري وبرّر له كلّ أشكال الاستعمال للعنف والبلطجية في حينها. ولا يزال التكتل نفسه يقف مواقف صارمة ضدّ الربيع العربي في اليمن والبحرين كما وقف قسم كبير منه ضد الربيع العربي في مصر وتونس نفسيهما. كل هذا لا يعطي تفسيرا حقيقيا لنهضة الجامعة العربية المفاجئ بخصوص الملف السوري. فحينما تصرّ أطراف قويّة في التكتل الخليجي للإبقاء على علي عبد الله صالح في اليمن وتساهم في القمع الممنهج للربيع العربي في البحرين ندرك أنّ الموضوع في نهاية المطاف لا يتعلّق بموقف مبدئي من تحرر الشعوب ودمقرطة المجتمعات العربية ، لا سيما إذا كانت هذه الدّول لها مشكلات اجتماعية وسياسية عميقة مع مجتمعاتها ، بل يتعلّق باصطفافات سياسية. يوجد في المنطقة لاعب أساسي هو أمريكا من خلال تواجد قواعدها المنتشرة وثقلها السياسي والاستراتيجي في المنطقة. كما أن واشنطن تواجه استحقاقات الدّاخل والخارج مما يحتّم عليها أمرين: عدم التورط الواضح في مواجهة لا تستطيع احتمال كسب الرهان فيها، فيسهل عليها التنصّل من المسؤولية فيها وإعادة مدّ الجسور في الحدّ الأدنى عند فشل مخططاتها. ومن جهة ثانية لأنها مهتمة بسحب جنودها من العراق وأفغانستان ، وتهتمّ يتداعيات هذا الانسحاب. ليست الجامعة العربية وإنما التّكتل الخليجي داخل الجامعة هو المعني بتسريع وتيرة الأداء بشكل لا يسمح لدمشق بربح الوقت. ولا يخفى أن الأكثر حساسية من مصير المنطقة بعد خروج الأمريكيين من العراق وأفغانستان هي البلدان الخليجية التي سعت بكل قوّتها للإنفاق على سائر المشاريع والمبادرات التي تتعلّق بإعادة بناء الأحلاف ورسم خريطة المستقبل للمنطقة. إذ لا شيء يؤكد لديها أنها ستنتصر في كبح جماح القوى الأخرى المنافسة لها في المنطقة. إن منطق فتح مجلس التعاون على العضوية الخارجية هو تأكيد مسبق على أن الفاعل القادم والمعني بالعمل اليوم هو الخليج وليس الجامعة العربية. هكذا تسعى هذه الكتلة إلى تقوية المجلس وإضعاف الجامعة العربية من خلال التحكم بها وإلحاقها بمجلس التعاون. المفاجئ في خطورة اللعبة أنها تفرض اختيارات جادّة استطاعت بعض الدّول أن تكون منسجمة وواضحة مع منطق اصطفافها السياسي. فيما بدا التناقض وبالتالي الضّعف على دول أظهر السياق الجديد للعبة أنهما ليس فقط خضعا لضغط كبير بل أنهما يعيشان حالة اضطراب حقيقي في سياساتهم. وكان من غير المتوقع موقف الجزائر والسودان وغيرهما من القرار العربي ضد سوريا. وقد وجدت هذه الدول نفسها تحت ضغط شديد من قبل الناتو والخليج. وبالنسبة للجزائر التي كانت تقف كحجر عثرة ضد قيام اتحاد مغاربي قوّي تدرك اليوم ما حجم ضياع الفرصة التاريخية لتكتل كان سيجعل الكتلة المغاربية تؤمن توازنا داخل الجامعة العربية. وحدها دول الخليج تتمتّع بتكتّل للدفاع عن مصالحها داخل الجامعة، بينما لا يوجد تكتل عربي آخر سوى دول وأقطار متفرقة. من جهتها كانت سوريا لا تنام خلال عقود من المواجهة؛ لهذا استطاعت أن تجمع لها أوراقا كثيرة لم تستعمل منها اليوم شيئا يذكر. هذه الأوراق هي التي تعطيها وزنا عند حلفائها كما عند خصومها. وبما أنها لا تملك ثروات نفطية هائلة شأن دول الخليج إلا أنها تملك ثروة رمزية وجغرافية وموقعية إستراتيجية في منطقة حيوية وحساسة وأيضا قدرة فائقة على إدارة الأزمات واستعمالها. لقد ظلّ مفتاح الأزمة في الشرق الأوسط في يد دمشق في كل العصور. في المقابل تبدو دول الخليج مستقوية بثروتها النفطية وتحالفها مع واشنطن. ولقد عمل الحصار عمله بنجاح في حشر سوريا وعدم تمكينها من المضي بالإصلاحات إلى مستوى مريح . وفي إطار هذا الحصار السياسي والاقتصادي تعثّرت كل القرارات التي اتخذها بشّار الأسد عشية مجيئه إلى السّلطة. كان الوضع البيروقراطي يعاني الكثير من التعقيد. كما عانت سوريا من أشكال من الفساد الذي ظلّ مدار أجندة الحكومة طيلة هذه الحقبة. وكان هناك احتقان اجتماعي بالإضافة إلى احتقانات أيديولوجية وسياسية لدى منظّمات كانت ولا زالت مناهضة لحكومة الأسد. وكلّ هذا شكّل سببا موضوعيا لانطلاق أولى المسيرات المطلبية التي رفعت مطالب تحت سقف الدولة ولم تتطوّر الأمور إلاّ بعد أن دخلت المنظمات المسلّحة على خطّ الأزمة واضطر الجيش إلى النزول إلى مناطق التّوتر. بدت سوريا هي الثغرة الأقرب لتخريب حلف استراتيجي قادم يستفيد من تراجع القوة الأمريكية وفشلها في الشرق الأوسط. وكان موضوع الإصلاحات ثغرة في الجدار السوري استطاعت أن تتسلّل من خلالها عملية الدعوة إلى وضع سوريا تحت البند السابع. استطاع الإعلام الإقليمي بمؤازرة مع الإعلام والضّغط الخارجي أن يعطي صورة عن سوريا في غاية المبالغة. كما استطاعت سوريا من جهة أن تفشل كلّ محاولات المسلّحين داخل سوريا، كما استطاعت من جهة أخرى أن تكسر قوة هذا الحلف المضاد من خلال استعمال ورقة تحالفها مع روسيا والصين وإيران وسائر قوى المقاومة في المنطقة، حيث استعمل كل من الصين والروس الفيتو ضد قرار العقوبات ضد سوريا في مجلس الأمن. ولا ننسى أن وضع روسيا والصين اليوم في عزّ صعودهما الاقتصادي وقوتهما العسكرية وتناقضهما مع الغرب بخلاف وضعيتهما إبّان اتخاذ القرار الأممي بغزو العراق. كما تبدو كل من واشنطن وأوربا في وضعية اقتصادية وحالة من الكساد خطيرة وعجز كامل عن خوض حرب في غاية الخطورة. اليوم يتأهّب بوتين للعودة إلى قيادة روسيا وتشكيل الاتحاد الأوراسي، بل وأن يبعث برسائل جدّية إلى الغرب من خلال بعث ستة سفن حربية روسية إلى السواحل السورية، بينما يجري الحديث عن سقوط ساركوزي وبرلوسكوني وأصدقاء واشنطن في أوربا واشتعال الشارع الأمريكي والأوربي بحركة احتجاجية ذات طابع اجتماعي خطير. كما تستطيع دمشق تعويض ثقل الناتو بثقل الدول الصناعية الجديدة مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وعدد من دول أمريكا اللاتينية. وتعتبر القضية الفلسطينية قضية حساسة في المنطقة بل هي القضية المركزية في الشرق الأوسط. وقد فشلت دول الخليج في احتواء القضية الفلسطينية من التفجر على الرغم من حجم الأموال التي ضختها تلك الدول في هذا المجال. ولا زال قرار الحرب وتفجير المنطقة في يد سوريا وحلفاءها من القوى الفلسطينية وغير الفلسطينية التي تشكل تكتلا للممانعة في المنطقة. في ضوء اللعب على توازنات لعبة الأقطاب الجديدة وامتلاك مفتاح الصراع وإدارة الأزمة في الشرق الأوسط تستطيع سوريا في أي لحظة أن تخرج من هذه الأزمة. من جهتها أيضا، تبدو أمريكا واقعة في مشكلة حقيقية على إثر خروجها الاضطراري من العراق وأفغانستان. وفي الأولى والثانية تحتاج إلى تفاهمات مع سوريا وإيران. والتفاهم هنا يأتي نتيجة لمفاوضات لا زالت كل من سوريا وإيران ترفضان الخضوع لها. وهي مع ذلك تظل ورقة تملكها سوريا في أسوأ الاحتمالات. دول الخليج هي الأخرى تدرك أنها ليست في منعة من انفجار الأوضاع الاجتماعية في بلدانها. وقضية البحرين هي مجرّد حلقة في سلسلة تتجه إلى سائر بلاد الخليج الأخرى، نظرا إلى حالة الاحتقان السياسي في هذه البلدان. قبل أيّام فقط اقتحم جمهور عريض مقرّ البرلمان الكويتي في سابقة من نوعها. وقبل فترة تعرّض الأمير القطري إلى محاولة اغتيال داخل الدّوحة. وفي المملكة السعودية توجد حركات تتراجع بفعل التّدخل الأمني. وفي مسقط حدثت مظاهرات برسم الربيع العربي. وتدرك هذه الدول أن الرهان على سكوت الشعب هو رهان خاسر. كما تدرك أنّ الغطاء الأمريكي على وضعية حقوق الإنسان في تلك الدّول لن يستمر إلى الأبد. لقد عرفت مجتمعات الخليج نموا سياسيا واجتماعيا وثقافيا لم يعد يسمح بازدواجية المواقف من كثير من القضايا السياسية والحقوقية. والمحاولات التي قامت بها بعض من تلك الأقطار لم تكن كافية إن لم نقل مجرّد رتوش شكلية غير مرضية. وحتى الآن لا نتحدث عن هدوء واستقرار في هذه الدول ، بل يوجد حراك داخلي وتراكمات تنبئ بتفجّر كبير. وتعمل دول الخليج على منطقين لتفادي تفجّر الأوضاع: على تقديم خدمات لواشنطن للاحتماء من تحرش المنظمات الدولية لا سيما المختصة في قضايا حقوق الإنسان، وأيضا تعمل على ضخّ الريع النفطي لتهدئة الأوضاع الاجتماعية. لكن المجتمع الخليجي له مطالب سياسية حقيقية. وتخشى دول الخليج من قوتين: الليبراليين والمرأة. ومن هنا نفهم لم تناول خطاب الملك عبد الله جانبا من قضية المرأة في خطابه الأخير، لتهدئة الأوضاع. ولا زالت وضعية المرأة تواجه عراقيل تفوق الطبيعي والمعتاد. فقرار منع المرأة من سياقة السيارة ومشروع تجريم سلوك المنقبات ذوات العيون الفاتنة وتكفير المظاهرات فضلا عن ملفات أخرى معروفة، كل هذا يفرض تحدّيات على المستقبل. وليس في قدرة دول الخليج استيعاب هذه المطالب بصورة شمولية ومنسجمة ، لذا سيستمر وضعها على أساس تكريس شكل من الازدواجية والهشاشة إلى حين. في المقابل لا تملك هذه الدول مصداقية سياسية في نظر الرأي العام العربي لا سيما في المشرق العربي. فبالإضافة إلى حصيلتها من التحرر الاجتماعي الضعيف يوجد رصيد أضعف على صعيد حصيلتها في التعاطي مع ملف القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. ولا زال النظام في سوريا قويّا ولا يزال قادرا على استقطاب ملايين من الشعب السّوري على الرّغم من كل ألوان الحرب الإعلامية والضغط والدعم المعنوي واللوجيستي للمنظمات المسلحة والوضعية الاجتماعية والسياسية الداخلية. ويوما بعد يوم تتكشّف حقيقة المشاهد الإعلامية التي تبثّها الجزيرة وهي مليئة بالمبالغات وتقنية التزوير مما يؤكّد على أنها ظلّت طرفا في المعركة ضدّ
سوريا بالقدر نفسه الذي تبدو عليه قطر، مما يؤكّد على عدم حيادية الجزيرة وتبعيتها الرسمية للدولة. وحتى الآن جرّبت دول الخليج أن تخرج من مآزق تموقفاتها استنادا على المعاوضة المالية. ولذا ظلت مستمرة على وجود تمثيليتها الديبلوماسية في دمشق حتى حينما تعرضت هذه الأخيرة لهجوم من قبل متظاهرين سوريين. لكن هل في المتوقع أن يستمرّ هذا التقليد بعد طيّ الملف السّوري بالشّكل الذي لا يرضي هذه الدّول؟ تلعب قطر أدوارا كبيرة، حتى أن روبرت فيسك اعتبرها أدوارا أمبراطورية. لكن طبيعة هذا الغزو القطري شأنه شأن الجزيرة هو افتراضي واستعراضي، يؤثّر لكن بصورة غير عميقة في واقع وصيرورة الأشياء. ولا يوجد في النموذج القطري ما تقدمه للربيع العربي ، لكنها تستطيع أن تتحدث بالوكالة عن نماذج أخرى تستثني نفسها منها. وقوتها التي تراهن عليها هي قوة الإعلام. وقد بدأت تعمل على إنشاء أخطبوط إعلامي انطلاقا من ليبيا الذي انتدبت وضاح خنفر للإشراف على مشروع قناة ليبية كما تستطيع من خلال النفوذ الروحي للقرضاوي العميل الدّيني لقطر على الغنوشي نائبه في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين للوصول إلى تونس. وليس غريبا أن دعا الغنوشي إلى حضور الأمير القطري أشغال افتتاح المجلس التأسيسي في تونس مما أثار ردود فعل كبيرة من قبل نشطاء مثل الشيخ مورو وتيارات تونسية. ففي الوقت الذي طردت المجموعات الإسلامية في ليبيا محمود جبريل من مسؤوليته في المجلس الانتقالي كما دعا شبقم قطر إلى عدم الدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، تسعى أطراف في تونس لتلويث نقاء الثورة التونسية بالأدوار القطرية المشبوهة. وتحتفظ السعودية بحذر من السياسة القطرية حتى في القضايا ذات الاهتمام المشترك. ولكنها تستمر في حربها الباردة ضد قطر. وقد عبّر محمود جبريل عن هذا الحنق في قناة العربية المحسوبة على الرياض بعد إبعاده.
وتبدو المعارضة السورية في الخارج ضعيفة التمثيل الشعبي وهي صناعة إعلامية أيضا ولا تمثل شخصيات كاريزمية مقنعة للشعب السوري. وهي في غاية الاختلاف والتناقض والهشاشة، كما تعتمد على رهان التّدخل الخارجي بل تدعوا إليه كما فعل المجلس وكما دعا مراقب الإخوان المسلمين في سوريا الشقفة إلى القبول بتدخّل عسكري تركي جهارا. وخطورة هذه الدعوة هنا تتجلّى في حساسية الشعب السوري من التدخل التركي. فالشام تحتفظ بصورة كريهة عن الهيمنة التركية أكثر من أي بلاد عربية أخرى. وأيّا كان أمر الحصار الاقتصادي، فسوريا مستقلة اقتصاديا بمعنى تتوفر على مخزون عدائي وزراعي، وهي تملك أن تدير به الأزمة لسنتين على الأقل. كما أنّ الحصار الاقتصادي لا يؤثر كثيرا على سوريا لأنها استطاعت أن تصمد في وجه العقوبات منذ السبعينات. تستطيع سوريا أن تعوّض أي خصاص في ميزان الواردات نتيجة العقوبات العربية في مجال النفط من العراق وإيران. ويبدو أن قصارى ما يمكن أن تبلغه الجامعة العربية أن تحيل الملف إلى مجلس الأمن أو إلى القرار الدولي الذي سيجد نفسه في مواجهة اعتراض الصين وروسيا. ويبدو خطأ المقايسة بين سوريا والعراق أو ليبيا واضحا هاهنا. فصدام حسين والقذافي لم يكن أحدهما قادرا حينما بدأت الأزمة أن يخرج ملايين من الشعب إلى الشارع. وربما كان جزء من الإعلام العربي مدعوما من صدّام حينها، لكنّ العراق يومها كان صديقا لروسيا وليس حليفا. بل وخلال سنوات من الحرب العراقية الإيرانية كان العراق حليفا لأمريكا وليس لروسيا. لذا فالتخلي عنه في لحظة من الضعف الروسي أمر طبيعي. والأمر نفسه بالنسبة إلى ليبيا، فهي كانت في عزّ قوة القذّافي صديقة للروس ولكنها ليست حليفة. ومع هذه الدول لم يكن هناك أهمية جيوستراتيجية تحتّم على روسيا المضي في دعمها الجدّي. كانت العلاقات لا تتجاوز التعاقد على صفقات من السلاح الروسي. وتبدو مخاطر الحرب الأهلية ممكنة في الحدّ الأقصى، لكنها حتى الآن غير واردة ما دام النظام السوري لا يزال مسيطرا على الوضع الداخلي وفي المنطقة أيضا. لكنها ستكون هي الأسوأ من نوعها لأنّ بشار وراءه عشيرة وطائفة تعد بالملايين ولها امتدادات في المنطقة وبالأخص في تركيا عبر أنطاكيا ولواء اسكاندرون وقسم من الأكراد الأتراك وفي لبنان ومناطق في آسيا الوسطى، فضلا عن انبعاث سائر الأقليات الأخرى بالتّبع وصولا إلى العشائر والأعراق. كما يملك حلفاء سوريا في المنطقة الكثير من المفاجآت، لأنهم يخططون وينسقون نشاطهم المكثّف. سيستمرّ الضّغط على سوريا لإخضاعها على الاستسلام لمخطط فكّ الارتباط مع محور الممانعة والرهان الروسي والصيني. وفي كلّ مرّة سنتحدّث عن فرص عربية ضيّقة لسوريا مع تصعيد إعلامي يفشل المبادرات. وتبدو سوريا مدركة لقواعد اللعبة وهي تفكّ بعناية كل محاولات تطويقها. على الجبهة الأخرى تسعى واشنطن للضغط على طهران وإشغالها بملفها النووي كما تأكّد في القرار الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية. ويبدو أن إيران قطعت الأشواط الأصعب في ملفها النّووي. ولم يعد بإمكان أمريكا غير متابعة الضغوط، بعد أن أمنت إيران نفسها عسكريا واقتصاديا من أي ضربة عسكرية محتملة من قبل إسرائيل أو واشنطن. وثمة داخل إسرائيل من بدا يوطّن نفسه على القبول بإيران نووية فيما هي لا تدّعي أنها تسعى لأسلحة نووية، بل تعتبر أنها ليست في حاجة لها للدفاع عن نفسها بعد أن باتت تملك كمية من الصواريخ التي يفوق عددها ما تملكه دول الناتو جميعا. تستطيع الصواريخ الإيرانية أن تطال أوربا وكل نقطة في إسرائيل بما فيها ديمونا فضلا عن كل القواعد الأمريكية في المنطقة فضلا عن أربعة ملايين عنصر من الحرس الثوري على تمام الجهوزية لكافة الاحتمالات وعالي المعنويات وشديد التعبئة. فإيران نووية في نظر بعض المراقبين الإسرائيليين أهون من خوض حرب ضدّها ممكن أن تتحول إلى حرب وجودية غير محسوبة العواقب. ومع ذلك ستشهد هذه المعركة الدخانية الكثير من الأكاذيب والسناريوهات، لكنها فيما تؤكّد المعطيات أنها تتجه إلى تغييرات حقيقية في جيوستراتيجيا المنطقة؛ غير أن هذا التغيير كما تؤكّد المؤشرات وطبيعة المعطيات سيؤكّد قوة تحالف الأقطاب الناشئة على هامش الصراع في الشرق الأوسط وعلى الشرق الأوسط.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.