بين شهري أكتوبر وديسمبر من كل عام، يتحول لبنان إلى مصيدة للعصافير، مهددا أنواعا نادرة بالانقراض، وذلك رغم إصدار القوانين المنظمة لهواية الصيد البري، عدا حملات يقودها ناشطون بمجال البيئة كل موسم لمواجهة الصيادين الهواة والمحترفين الذين يعدمون طرائدهم عشوائيا متجاهلين المخاطر، خاصة وأن هناك 16 نوعاً من الطيور من أصل 260 مهددة بالانقراض في لبنان والشرق الأوسط. ومع بدء موسم الصيد البري الممنوع أصلا، حيث يبدأ مع اكتمال وصول أسراب «الورور والخطاف والمطوق والفري والسمان والقميحي والتيان ودجاج الأرض».. وأنواع كثيرة من الطيور المهاجرة إلى سماء بلد الأرز، وما تبقى فيه من أحراش ومساحات خضراء في القرى والبلدات، يبدأ الكثيرون من اللبنانيين بإطلاق العنان، نهارا وليلا، لما هو في عرفهم «هواية» غير خاضعة لقانون لم تبصر مراسيمها التنظيمية النور بعد. وتنسحب الأساليب الخاصة للصياد الوطني، أيا كان محترفا أو هاويا، إذ يعمد بعضهم لصنع الخرطوش بنفسه في البيت بحسب الطريقة التي يرتاح للاصطياد بها وبقوة الخرطوشة. ولا تقتصر عدة الصيد على البارودة والخرطوش، إنما تتعداها لتطال إكسسوارات وثياب ليست فقط للرجال بل للأولاد والفتيات، حيث أصبح لكل فتاة تهوى الرياضات الخطرة والمتعبة أن تجد ما يناسبها من ألبسة وأدوات وحتى «بواريد» صيد نسائية! أساليب غريبة ويكمن جديد موسم الصيد في ابتداع أساليب لا يقبل بها عقل ولا يسمح بها قانون، بإقدام البعض على قطع أشجار معمرة، يتعدى ارتفاعها أربعة أمتار، لتثبت على السطوح، ثم يسلطون عليها الأضواء الكاشفة مع آلة ومكبرات صوت تقلد أصوات العصافير، ما يجعل الطيور الحقيقية تحت مرمى بنادقهم. وتبقى «البدعة الهوليودية» هي ما تفتق عنها العقل وهي الصيد دون إراقة دماء أو إطلاق نار واستخدام مادة "الدبق" اللاصقة، وأي نوع الشباك. وهناك الاعتماد فقط على المؤثرات الصوتية والضوئية، بتسليط الأضواء الكاشفة على جدار فوق سطح بناء، وصورة عاكسة لشجرة وهمية، وآلة تسجيل لتقليد أصوات الطيور مع مكبرات صوت، لجذب الطيور إلى الشجرة الوهمية. ونتيجة سرعة الطيران، يكون اصطدام الطائر بالجدار كفيلا بقتله أو تعرضه لغيبوبة، يصيب الصياد هدفه بسهولة، دون خسارته لخرطوشة صيد واحدة، إذ يخنق الطائر بيده دون أن يرف له جفن. خارج الموسم واستنادا إلى القوانين المنظمة، فإن موسم الصيد البري يفتتح لفترة محددة فقط، فمن أين يأتي الخرطوش الفارغ ويغطي الأحراش حتى خارج فترات الصيد، بما فيها الأحراج المحمية بموجب القانون؟ سؤال رفعه نادي طرق لبنان للقدم المخفية، خلال الموسم الأخير، إلى سائر الجهات المعنية، عبر إطلاق حملة بيئية للعام الرابع تحت عنوان لنجمع مليون خرطوشة صيد فارغة ونحم غاباتنا، في جميع المناطق وبمشاركة ناشطين بيئيين محليين وبرازيليين وأميركيين وجمعيات أهلية وأندية. وجمع النادي أكثر من مليون خرطوشة فارغة، إلا أن مصانع إعادة التدوير رفضتها، خلافا لما هو قائم بمعظم دول العالم. ولا يخفي الصياد مهدي ع. شغفه الكبير بالصيد، إذ لا يتأخر في اصطحاب ابنه وتعليمه الهواية، من باب تربيته على القوة، ويقول يجب أن يتعلم الصبي كيفية التعامل مع الطبيعة والأحراش والطقس البارد، والتركيز على الهدف ورفع قوته البدنية، ولا يمكن للدولة أن تمنعنا الصيد، ومطلوب منها تنظيم القطاع لنتمكن كأسرة من ممارسته بطريقة آمنة. ويرى الصياد "شكيب ر." أن تطبيق القانون سيعود على المحترفين بالمنفعة، فشباب العاصمة يخاف صعود الجبال، ما يعني تقلص عدد الصيادين إلى النصف، وسنتمكن من ممارسة هوايتنا باحتراف وجدية عكس ما يحصل اليوم، فالجبال والسهول تزدحم بالصيادين، والحوادث الخطيرة لعدم حرفية الكثيرين، وتترك كثافة الصيد الكثير من العصافير على الأرض. وضع كارثي في المقابل يبدو تجار أسلحة الصيد ومستلزماته المستفيدين الأوائل من الوضع الكارثي الماثل، فهم وإن كانوا لا يقفون عند نقطة تطبيق القانون على اعتبار أن ذلك لن يعيق عملهم وسيوسع نشاطهم، فإنهم يحاولون استغلال الموسم وإنفاق بضاعتهم بأي ثمن. علما أن هواية الصيد تعتبر العنوان الأبرز للسياحة المدنية، ويعتمد عليها كل من يملك متجرا أو فرنا أو فندقا أو مطعما في الأماكن المستقطبة للصيادين في المناطق المختلفة للبلاد. ويحرص القانون رقم 580 المقر منذ عام 2004، ولم تنجز وزارة البيئة مراسيمه التطبيقية بعد، على المحافظة على الموارد الطبيعية والتوازن البيئي، منظما أوقات الصيد التي يحصر موسمها للفترة الممتدة بين الخريف والشتاء. وبموجب القانون نفسه، أنشئ المجلس الأعلى للصيد البري من ممثلي وزارات العدل والزراعة والداخلية والدفاع والمال والإدارات والنقابات المختصة بتجارة أسلحة الصيد والاتحاد الوطني للرماية. لغة الأرقام تشير الإحصاءات إلى أنه نتيجة للعشوائية في استخدام السلاح وطريقة الصيد، فإن نحو 300 إصابة تقع سنويا بين قتيل وجريح في صفوف الصيادين، ما يوجب إعطاء مأموري وحراس الأحراش الصلاحية الكافية لتطبيق القانون ومنع التعديات، وزيادة برامج التوعية والدورات التدريبية لهواة الصيد، خصوصا أن 16 نوعا من الطيور من أصل 260 مهددة بالانقراض في لبنان والشرق الأوسط، ومنها طير البجع، بسبب تزايد الممارسين لهوايتهم بموسم التكاثر في الربيع، و18% منهم يمكنهم تمييز الطير النادر.