وهبي يكشف ملامح الخلاف مع المحامين ويرحب بالحوار بشأن قانون المهنة        118 موقوفًا في قضايا بيع تذاكر "الكان"        كأس إفريقيا للأمم.. الكعبي يؤكد مكانته كلاعب أساسي في صفوف أسود الأطلس (لوفيغارو)    جهة الدار البيضاء–سطات.. التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي واعد    أحكام قضائية في حق 25 متهماً على خلفية أحداث شغب رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش    " حلاق درب الفقراء" في ضيافة جمعية إشعاع للثقافات والفنون بالعرائش    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. نجاح كبير للمنتخبات المغاربية    العام الجديد 2026 يحل بنيوزيلندا    المديرية العامة للضرائب تصدر نسخة 2026 من المدونة العامة للضرائب    المكتب الوطني للمطارات .. حماس كأس إفريقيا للأمم يغمر مطارات المملكة    نمو الاقتصاد المغربي يسجل التباطؤ    المغرب يستقبل سنة 2026 بأمطار وزخات رعدية وثلوج على المرتفعات    نقابة نتقد تعطيل مخرجات المجلس الإداري لوكالة التنمية الاجتماعية وتحذر من تقليص دورها    رحم الله زمنا جميلا لم ينقض بالهم والحزن    وفاة الممثل "أيزيا ويتلوك جونيور" عن 71 عاما    ارتفاع "الكوليسترول الضار" يحمل مخاطر عديدة    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    حصيلة نظام الدعم الاجتماعي المباشر بلغت 49 مليار درهم (فتاح)    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس            ثمن نهائي كأس إفريقيا.. اختبارات صعبة للجزائر وتونس والسودان وفي المتناول للمغرب ومصر    كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مشروع إنشاء مسالخ عصرية بالمغرب
نشر في الجديدة 24 يوم 18 - 08 - 2018

متى سيتم تقنين عملية ذبح الأضاحي يوم العيد بالمغرب؟ وماذا وفرت الدولة من بنى تحتية لاستقبال هذا العيد؟ هل ستظل شوارع المغرب مدرجة بالدماء يوم العيد، وممتلئة بأحشاء الأغنام ونفاياتها المرمية على قارعة الطريق؟ إلى متى ستستمر فوضى الذبح هذه؟ أيعقل أن المغرب شهد تحولات بنيوية على مستوى العمران، و شيد عمارات من طوابق شاهقة ومصاعد، لكن مازال يذبح في الشقق و"الكراجات" وفوق أسطح البنيات؟

نحن نعلم أن هذه السنة المقدسة تفترض شروطا وقواعد يجب تطبيقها يوم العيد، كما أن الثقافة الشعبية تعيد إنتاج موروثات وعادات وتقاليد لتطبيق السنة، لكن التحولات الثقافية والعمرانية والبيئية التي يشهدها مغرب اليوم، تفرض علينا إعادة التفكير في العديد من العادات والتقاليد مع الاحتفاظ طبعا بجوهر السنة، إذ كيف سنستمر في عملية الذبح العشوائي غير مكثرتين بمخلفاته السلبية على البيئة والإنسان معا.

يوم العيد هو يوم الدم بامتياز، حيث تمتلئ المنازل بالدماء و أحشاء الخرفان، وتنبعث الدواخين من الأزقة نظرا لحرق رؤوس الخرفان وأطرافهم، وهكذا قد تتعفن الأماكن بالنفايات الملقاة على الأرض، و بقايا الجلود و الأحشاء، مما يضر حتما بالطبيعة والإنسان والحيوان، ناهيك عن الحوادث التي قد يتعرض لها أفراد الأسر عند عملية الذبح والتقطيع. يكفيك أخي المواطن أن تسأل ممرضات وأطباء المستعجلات ما يقع أيام العيد، فيأتيك بالخبر طبيب أو ممرضة عن مواطنين يقفون في الصف ينتظرون رتق إصابات مختلفة من جراء الذبح والتقطيع، ما هذا "العنف" الذي تفرغه يوم العيد يا أخي المسلم؟

تٌحوّل مناسبة العيد المغرب إلى سوق أسلحة بيضاء يقتنيها الشباب ويخزنها ليس فقط للعيد القادم، ولكن للضرورة، بمعنى للشجار أو القيام بأعمال إجرامية، خصوصا إذا كان هذا الشاب ذا سوابق عدلية، إذن، هذه مناسبة العيد، تشكل خطرا أمنيا على المجتمع ما دامت تزود المواطن بأسلحة غير مرخصة قد يستخدمها طيلة السنة لأغراض مختلفة بما فيها ارتكاب جرائم عنف تحت مؤثرات معينة. إن مناسبة العيد هذه تشهد ارتفاع جودة السكاكين والشفرات الحادة و"الشواقير" بهندسة مختلفة، مما يسهل عملية الاقتناء والتخزين لهذه الآلات الحادة دون مراقبة، وهنا نتساءل عن دور الدولة والمجالس في مراقبة هذه السوق، أليس من الضروري مراقبة بيع هذه الأسلحة لكي تقتصر على العاملين في القطاع فقط، كما يجب تصنيعها بتراخيص وأرقام تسلسلية لكل نوع حتى تتمكن السلطات المحلية من ضبط هذه السوق؟

إن مناسبة العيد كذلك هي مناسبة ظهور جزارين هواة يتعلمون الذبح في "سقيطة" المواطن، فنظرا لغياب المراقبة، و عدم تنظيم العملية من طرف السلطات المحلية، يلبس كل من هب ودب لباس الجزار ويطوف الأزقة بحثا عن أضحية، بل ضحية يتعلم فيها، وهو لا يصلي ولا تتوفر فيه شروط القيام بطقس الذبح المقدس، ولما عليك، فالكثير من المواطنيين الذين لا يصلون ولا يؤدون الفرائض يتزاحمون هم الآخرون على الاحتفال بالعيد في إطار ما نسميه بتدين الريع.

وأخيرا، نطرح سؤالا جوهرياً عن مآلات ممارسة هذا العنف المقدس بمجتمعاتنا الإسلامية: ألا يساهم ذبح الشاة يوم العيد أمام الأطفال وبالمنازل في ترسيخ خطاطة الدم المؤثرة في مخيال العنف بمجتمعنا؟ ولكم أمثلة وفيرة يمكنكم استخراجها بأنفسكم من الذاكرة الشعبية، وأولها الشتيمة المعروفة التي نهدد بها يوميا خصومنا "سير ولا ندبح/نحر مك"؟ ما معنى أن يتعود الأطفال على الذبح من الوريد إلى الوريد وعلى النفخ والضرب والسلخ وغيرها من طقوس العنف المقدس؟ إذا تمت قراءة هذه السنة النبوية، تاريخيا، فهي ساهمت إلى جانب تمارين ثقافية أخرى في صناعة رجال أشداء أقوياء لا يخافون رؤية الدم، ويذبحون الأعداء في المعارك، ، و يمكن اعتبارها طقسا تمهيديا (initiation rite)، يعود الناشئة المسلمة على طقوس الفحولة والصلابة، وحتى الثقافة الشعبية تنخرط في التصور نفسه حين تنص على أمثلة تقول: الراجل هو اللي يذبح شاتو ويرقع كاستو ويسوط مراتو!".

لماذا يا ترى يحافظ مغرب اليوم على طقوس العنف المقدس ومسرحتها أمام الناشئة؟ هل نحن بصدد إعداد ناشئة سيتم تدريبها على معارك جهادية مستقبلا؟ ما هي الضمانات المتوفرة لدينا التي تبعث على الاطمئنان بعدم انتقال خطاطة الذبح إلى استهداف الإنسان تحت ظروف اقتصادية وسياسية وأيديولوجية معينة؟ هل ما تقوم به داعش من ذبح للبشر كالخراف له علاقة بخطاطة ذبح الأضحية، أم هو فقط له تقاطع مع تاريخ الملاحم الإسلامية؟

لا يعقل أن نستمر في فوضى الذبح بهذه الطرق العشوائية وبدون دارسات علمية لتأثيراتها على المجتمع، لقد حان الوقت لإنشاء مسالخ عصرية، واستغلال نظام "الطانكة" الذي تم تفعيله اليوم لإيداع الأغنام في مسالخ متخصصة، تستجيب لاشتراطات صحية ونظامية، مع توفير أطباء بيطريين، مؤهلين للكشف على الذبائح، قبل وبعد الذبح، و الحرص على النظافة الدائمة، وتوفير العدد الكافي من الجزارين والمعدات والآليات لجمع ونقل مخلفات ونفايات الأضحية الصلبة والسائلة، مما قد يفتح الباب لاستثمارات اقتصادية جديدة وخلق مناصب شغل موسمية.

وفي انتظار هذا التحول البنيوي في ممارسة طقوس الذبح، بإنشاء مسالخ عصرية وتنظيم العملية برمتها، سيظل مغرب اليوم عشوائيا في نحر الأضاحي، محولا شققه وأزقته إلى مسالخ مبعثرة.

د.محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي – الجديدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.