وفاة "عبد العزيز النويضي" الحقوقي ومستشار الوزير الأول الأسبق أثناء إجراء حوار صحفي    وزارة.. الخزينة: فائض في التمويل يصل إلى 3.7 مليار درهم عند متم مارس 2024    لقجع : المشاريع المرتبطة بكأس العالم 2030 انطلقت في كافة المجالات    "طاس" تكشف موعد إصدار حكمها النهائي في قضية نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزير الشؤون الخارجية الغامبي    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    في أول امتحان بعد واقعة الأقمصة.. نهضة بركان يواجه الجيش الملكي    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تصدر تقريرها السنوي حول الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب للفترة 2023-2024    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المدرب الإسباني يعلن استقالته عن تدريب اتحاد العاصمة الجزائري    حمد الله يحرج بنزيما    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعة السلفية بالاسكندرية النشأة التاريخية و اهم الملامح
نشر في السند يوم 05 - 05 - 2011

نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي (بين عامي 72 1977) على أيدي مجموعة من الطلبة المتدينين، كان أبرزهم (محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح)، ثم ياسر برهامي وأحمد حطيبة فيما بعد، التقوا جميعا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، إذ كانوا منضوين في تيار (الجماعة الإسلامية) الذي كان معروفا في الجامعات المصرية في السبعينيات أو ما عرف ب"الفترة الذهبية للعمل الطلابي" في مصر.
رفضوا جميعا الانضمام إلى جماعة (الإخوان المسلمين) متأثرين بالمنهج السلفي الذي وصل إليهم عن طريق المطالعة في كتب التراث الإسلامي، ومجالسة شيوخ السلفية السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة، ثم تأثرهم بدعوة محمد إسماعيل المقدم، الذي كان قد سبقهم إلى المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ جمعية (أنصار السنة المحمدية) منذ منتصف الستينيات، وقراءاته لكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم.
وبمرور الوقت تكونت النواة الأولى للشباب السلفيين تحت اسم "المدرسة السلفية"، عام 1977م بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفي من الجماعة الإسلامية، التي هيمن عليها طلاب الإخوان و"فرضوا منهجهم"، حيث شرع محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد "عمر بن الخطاب" بالإبراهيمية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقى الأسبوعي لهذه المجموعة الصغيرة إلى جانب حلقة أخرى بمسجد "عباد الرحمن" في "بولكلي" صباح الجمعة، ولم يكن مع المقدم أحد في هذه الفترة غير زميله أحمد فريد، الذي يحكي في مذكراته عن هذه الفترة، قائلا: "كان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يحفظنا متن "العقيدة الطحاوية"، وكذا "تحفة الأطفال"، وكلفني بتدريس كتاب "مدارج السالكين""(1).
الموقف من الإخوان المسلمون
لم يكن الدعاة السلفيون في بدايات نشأتهم الأولى بعيدين عن حركة الإخوان المسلمين فكريًا ولا تنظيميًا، إذ نشأ بعضهم في بيوت إخوانية، كالشيخ ياسر برهامي الذي اعتقل والده وعمه من بين من اعتقلوا من الإخوان خلال الحقبة الناصرية بينما عمل البعض الآخر بين صفوف الحركة في أول حياته.
لكنهم جميعا اتفقوا على رفض الانضمام إلى الجماعة، وقد تزعم هذا الرفض محمد إسماعيل المقدم الذي أصر على الاستمرار في دعوته التي كان قد بدأها قبل ذلك.
رفض السلفيون إعطاء البيعة لمرشد الإخوان مستندين وقتها إلى أن المرشد العام الأستاذ "عمر التلمساني" الذي جمع صفوف الحركة بعد رحيل المستشار حسن الهضيبي كان مجهولاً أي غير معلن عنه في ذلك الوقت، وقد رفض السلفيون إعطاء البيعة لشخص مجهول. وإزاء هذا الموقف احتج السلفيون بأنهم كانوا قد دعوا التلمساني لإلقاء محاضرة في إطار النشاط الطلابي بمدرج كلية الطب بالجامعة إلا أن بعض قيادات الإخوان أنكروا عليهم دعوته باعتباره لا يمثل الإخوان المسلمين، بينما أعلن عليهم فيما بعد أنه المرشد العام للجماعة.
وقد وقعت بعض الصدامات بين الطلاب السلفيين والإخوان المسلمين داخل جامعة الإسكندرية (عام 1980)، وكان طلاب الإخوان ما زالوا يعملون باسم الجماعة الإسلامية، يقول ياسر برهامي: "كنا نوزع أوراقا ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونسميها ندوة، ونتكلم فيها عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان"، (2) فخطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنع خروج الطلاب للمشاركة فيه، فحصل الصدام الذي لم يكن السلفيون على استعداد له بينما كان الإخوان بعد خروجهم من معتقلات الحقبة الناصرية "مرتبين أمورهم"، حتى ظهر ارتباك شديد لدى السلفيين، التقوا على أثره واتفقوا على العمل بطريقة مرتبة، فجرى ما يشبه الاتحاد من أجل الدعوة بين هؤلاء الطلاب الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية ورموزها، وتم الاتفاق بينهم على أن يتولى محمد عبد الفتاح أبو إدريس (قيِّم) المدرسة السلفية، أي مسؤلها الأول.
وبالرغم من هذه البداية التي شهدت ما يشبه الصراع بين السلفيين والإخوان إلا أن الباحث المدقق في الموقف السلفي يلحظ بسهولة هذه المساحة الكبيرة التي يراها السلفيون مشتركة بينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين. بل وتنم كتابات عدد كبير من رموز الدعوة السلفية عن تقدير عال لتاريخ وجهود مؤسس حركة الإخوان الإمام حسن البنا، إذ لا يكاد يذكره أحدهم في ندوة أو خطبة أو مقال إلا ويتبع ذلك بالترحم عليه والدعاء له "رزقه الله منازل الشهداء".
ففي مقال له يهاجم وحيد حامد بسبب مسلسل "الجماعة" يقول الشيخ عبدالمنعم الشحات "مسلسل "الجماعة" لا يختلف عن "مسلسل العائلة" في الهجوم على الإسلاميين عمومًا، وعلى السلفيين خصوصًا، وزاد عليه هجومًا خاصًا على الإخوان، وتشويهًا متعمدًا لتاريخ مؤسس جماعتهم، وهو أمر يقتضي أن نرد على تلك الحملة الشاملة على دين الله، كما يقتضي الذب عن عِرض أحد أبرز رموز الدعوة في العصر الحديث الأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله-".
ثم ينقل قول العلامة المحدث ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ما معناه: "إن كانت للأستاذ "حسن البنا" أخطاء فهي مغمورة في بحر حسناته، ولو لم يكن ل"حسن البنا" إلا تجديد شباب الدعوة لكفاه ذلك".
وتحت عنوان "الإخوان ضد السلفيين = انتصار النصارى والعلمانيين" كتب سيد عبد الهادي: "إن حملات الوقيعة بيْن جماعة "الإخوان المسلمين" و"التيار السلفي" تتزايد حدتها؛ لضرب الصحوة الإسلامية ككل، فتسقط في أعين الناس، ويكون المستفيدون هم أعداء الإسلام". وأضاف "للأسف.. انزلق بعض الأفاضل في هذا الأمر، وتوالت الاتهامات بين أكبر فصيلين في الدعوة الإسلامية، لا أقول في مصر فقط بل في العالم الإسلامي كله بدون مبالغة!". لكنه يرى أن "ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا".
وتابع "لا يصح بحال مِن الأحوال أن يصدق السلفيون أن الإخوان سوف يقضون عليهم إذا تمكنوا، وأنهم سيكونون أشد عليهم من الظالمين؛ فإننا نعتقد أن إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين عندهم مِن الدين والورع ما يجعلهم لا يفكرون في ذلك؛ فضلاً عن تنفيذه".
أنصار السنة المحمدية
يؤكد السلفيون على الأثر الكبير الذي كان لجماعة "أنصار السنة المحمدية" في نشأة دعوتهم تاريخيا، خاصة وقد كانت أنصار السنة على منهج أهل السنة والجماعة الذي تميزت بنشره على يد شيوخها: محمد حامد الفقي، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الرحمن الوكيل، ومحمد علي عبد الرحيم، الذي كان للسلفيين في بدايات دعوتهم معه لقاءات ومجالسات.
لكن لماذا اختار السلفيون العمل خارج هذه الجماعة، التي كانت قائمة بالفعل وعلى منهج يلتزم الكتاب والسنة؟ وقد عملوا ضمن إطارها في كثير من البلاد، حتى حالت الظروف دون ذلك. يذهب الشيخ ياسر برهامي إلى أن مسألة عمل السلفيين ضمن جماعة أنصار السنة كانت تتوقف على شخصيات القائمين على الجماعة في المناطق المختلفة، "ففي الإسكندرية كانت هناك طائفة لا تستوعب الشباب ولا طاقاتهم"، على حد قوله، بل تكاد تحصر نفسها في قضايا شرعية بعينها "تتشدد جدا فيها وتهمل غيرها رغم أن الحق غالبا ما يكون في خلافها"، مثل قضية الاقتصار على الصحيحين في الاستدلال، ومثل قضية إخراج القيمة في زكاة الفطر، ومثل قضية إنكار المهدي، ولقد كان الوضع في الإسكندرية لا يحتمل أي تطوير للعمل من خلال الأوضاع القائمة آنذاك. في حين كان التعاون التام للسلفيين في وجود الشيخ محمد صفوت نور الدين وقبل أن يتولى رئاسة الجماعة، الذي كان يحضر لقاءات السلفيين في المحافظات المختلفة.
ورغم أن الظروف التي حالت دون بقاء السلفيين ضمن إطار "أنصار السنة" وصفها د.ياسر برهامي بأنها "خارجة عنا" إلا أن المتأمل في منهج الجماعتين ووسائل دعوتهما ومساحة الحركة يمكن أن يخرج بعدد من الأسباب، أهمها: ضيق المساحة المتاحة للعمل أمام السلفيين ضمن "أنصار السنة"، وهي الجمعية المعترف بها قانونا، وتشرف عليها رسميا وزارة الشؤون الاجتماعية، وتتلقى مساعدات من الدولة، فضلا عن المسائل الخلافية التي ذكرها برهامي، إلى جانب رغبة السلفيين في مساحة أكبر للعمل والحركة دون قيود.
التكفير والهجرة
وبينما كان السلفيون يضعون اللبنات الأولى لدعوتهم ظهرت جماعة "التكفير والهجرة" على يد شكري مصطفى، الذي استطاع بأسلوبه وذكائه أن يضم إليه عددا كبيرا من الشباب، اللذين نفذوا فيما بعد حادثة قتل وزير الأوقاف الأسبق الشيخ الذهبي، وقعت الحادثة بينما كان السلفيون بأحد معسكراتهم الإسلامية في استاد جامعة الإسكندرية صيف عام 1977، وكانت لها أصداء داخل المجتمع المصري، ولذلك وصفها الشيخ أحمد فريد بأنها "كانت فتنة بالفعل"، حرص السلفيون على نفيها عن أنفسهم والتأكيد على عدم تبنيهم لهذا الفكر، حسبما حكى فريد في مذكراته، قائلا: "خرجنا إلى المواصلات العامة ونحن نرتدي (فانلة) مكتوبا عليها "الجماعة الإسلامية.. ندعو الله عز وجل، ونتبرأ من جماعة التكفير وقتل الذهبي"؛ وذلك حتى لا تستغل الفرصة لضرب الصحوة الناشئة. ثم شرع محمد إسماعيل المقدم يدرس لهم ولمن حضر من الطلاب في المعسكر رسالة شرعية في الرد على جماعة التكفير.
ولعل هذه الحادثة على ما فيها من توصيف لموقف السلفيين من التكفير تضفي مزيدا من الضوء على النشاط الدعوي والحركي والطلابي الذي كان متاحا لهم في هذه الفترة داخل الجامعات، وهي الوسيلة التي أتاحت لهم فرصة التواجد وسط الشباب، من خلال العمل ضمن إطار "الجماعة الإسلامية"، حتى صار للسلفين وجودا واضحا ينافس وجود الجماعات الأخرى العاملة قبلهم.
كان نشاطا مكثفا تمثل في إقامة المعسكرات السنوية، حيث جرى تنظيم أكثر من معسكر بمبنى اتحاد الجامعة، وأمام كلية الهندسة، إلى جانب الخروج لرحلات العمرة التي يتفق عليها اتحاد الجامعة من خلال اشتراكات الطلاب، وكذا عمل الأيام الإسلامية واعتكافات رمضان، وطبع الكتيبات والمطويات الإسلامية كل ذلك كان يتم باسم تيار "الجماعة الإسلامية" و"اتحاد الطلاب"، كما كان من نشاط الدعوة المتاح في هذه الفترة التي لم يكن بها حرس جامعي يضيق على الطلاب أنشطتهم "قوافل الدعوة" التي تسير على طريقة جماعة (التبليغ) داخل الجامعة.. ففي هذه الفترة أراد الرئيس السادات أن يضرب الاتجاه الشيوعي داخل الجامعة بالجماعة الإسلامية، فخفف من قبضة القيود تدريجيا وبالفعل حتى انتقل بعض اليساريين إلى صفوف الجماعة الإسلامية.(3)
وقد جرى تنظيم عدد من المعسكرات الصيفية في الأعوام 77، 78، 79 كلها كانت ذات منهج سلفي، كان يوزع فيها كتاب (الأصول العلمية للدعوة السلفية)، وكان يدرس فيها كتاب (تطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران)، وكلها كانت ذات صبغة سلفية.
معهد إعداد الدعاة
بعد انفصال "المدرسة السلفية" عن تيار الجماعة الإسلامية في الجامعات وتخرج هؤلاء الطلاب أطلق عليها "الدعوة السلفية" في العام 84-1985؛ وذلك لإثبات "شمولية دعوتها". على حد قول الشيخ عبد المنعم الشحات.
وخلال مرحلة الانتشار والتوسع، منذ منتصف الثمانينات، أسست الدعوة السلفية معهد "الفرقان لإعداد الدعاة" في الإسكندرية عام 1986، كأول مدرسة إسلامية ذات منهجية سلفية لتخريج الدعاة، وشرع الدعاة السلفيون يشرفون عليه ويضعون مناهج التدريس لطلابه، وقد لاقى هذا المعهد سمعة طيبة حتى ذاع صيته بين الراغبين في طلب العلم الشرعي بكافة فروعه (فقه، تجويد، حديث، أصول، توحيد، قرآن) حتى من بين خريجي الأزهر. وفي فترة وجيزة خرج المعهد عددا من الدعاة حملوا مشعل الدعوة السلفية في مصر، انتشروا في عدد من المحافظات والأقاليم حتى صارت الدعوة السلفية بفضله تصدر دعاتها إلى كل أقاليم القطر المصري وخارجه، وهم الذين هيؤوا لها فيما بعد هذا المدد السلفي الذي بات ملحوظا، على الرغم من أنهم اختاروا منهجاً دراسياً متعمقاً يفوق عمقه المناهج التي تدرس في المعاهد الدينية الرسمية وغير الرسمية.
كما أصدرت الدعوة السلفية في هذه المرحلة مجلة (صوت الدعوة) وهي مطبوعة إسلامية شهرية ظلت تصدر دون انتظام إلى حين تم إيقافها نهائيا سنة 1994م، وكانت تهتم بكل ما يتعلق بالمنهج السلفي من خلال مقالات شرعية مطولة يكتبها الدعاة السلفيون.
ولم يتوقف النشاط السلفي في الإسكندرية على الجوانب التعليمية والدعوية فحسب، بل تعداه إلى جوانب اجتماعية وإغاثية ككفالة الأيتام والأرامل، وعلاج المرضى، وغير ذلك من النشاطات جرى العمل فيها من خلال "لجنة الزكاة" التي كان لها فروع في كل منطقة وحي من مناطق وأحياء الإسكندرية.
وقد استلزم هذا الانتشار السعي إلى ترتيب هذا العمل متعدد المجالات سواء داخل الإسكندرية أو خارجها، لاسيما مع ازدياد أعداد المنتسبين إلى السلفية والمتأثرين بمنهجها. لذلك أنشأ السلفيون "المجلس التنفيذي" ليدير شؤون الدعوة في المناطق المختلفة بطريقة مركزية منظمة. وأيضا تم تشكيل "لجنة المحافظات"، و"اللجنة الاجتماعية"، و"لجنة الشباب" كل ذلك خلال السنوات مِن 86 إلى 1992.
حيث تم تكوين أول جمعية عمومية للدعاة - وليس لعموم الإدارة - الذين تم اختيارهم مِن قِبَل المنتسبين للدعوة؛ "بناءً على الكفاءة والأمانة المنهجية، والدعوية، والسلوكية، والخلقية"، على حد قول الشحات، ثم اختارت الجمعية العمومية "القيم" وهو المسؤول الأول عن الدعوة ونائبه ومجلس الإدارة بالاقتراع السري المباشر، وانتهى الأمر باختيار الشيخ "محمد عبد الفتاح أبو إدريس" قيمًا، والشيخ "ياسر برهامي" نائبًا، وعضوية كل من: الشيخ محمد إسماعيل، والشيخ أحمد فريد، والشيخ أحمد حطيبة، والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ علي حاتم. وكانت قرارات المجلس التنفيذي تُتخذ بالأغلبية مع ترجيح جانب "القيِّم" الذي هو بمثابة رئيس الدعوة السلفية عند التساوي.
ولما كانت الدعوة "جزءا من واقع مليء بالحسابات المعقدة"، على حد تعبير الشيخ ياسر برهامي، فقد استفز توسع السلفيين الأجهزة الأمنية التي شرعت في التضييق عليهم، محاولة تفكيك الروابط التنظيمية لهذا التجمع الأصولي الذي جذب في فترة محدودة عشرات الآلاف من الشباب المتدينين، وبلغ هذا التضييق ذروته في القضية التي تم فيها توقيف قيم الدعوة السلفية الشيخ أبو إدريس، والشيخ سعيد عبد العظيم عام 1994، وهي القضية التي تم فيها وقف مجلة "صوت الدعوة"، وإغلاق معهد "إعداد الدعاة"، الذي جرى تسليمه لوزارة الأوقاف على أساس أن الوزارة سوف تستمر في العمل وهي التي سوف تشرف عليه، إلا أن ذلك لم يحدث وتوقف العمل فيه تماما، كما جرى حل "المجلس التنفيذي"، واللجنة الاجتماعية، ولجنة المحافظات.
ولم يبق للسلفيين من مجالات عمل سوى الجامعة وبين الطلائع، وهو ما لم يتم الاعتراض عليه من قبل الأجهزة الأمنية في هذه الفترة وظل مستمرا حتى عام 2002، العام الذي تم فيه إيقاف العمل في الجامعة والطلائع والعمل خارج الإسكندرية، وقد كان السفر والتنقل ممنوعاً على الدعاة السلفيين خارج الإسكندرية منذ أواسط التسعينيات.
وإزاء هذا القمع والاستهداف المبيت على ما يبدو ينفي السلفيون أن يكون العمل في الجامعة والمحافظات المبررات التي كانت مطروحة آنذاك هو السبب في استفزاز الأجهزة الأمنية ضدهم، بل يرجعون أسباب هذه الضربات الأمنية المتتابعة إلى الأحداث العالمية والحرب الأمريكية على ما يسمى الإرهاب التي كانت في ذلك الوقت ذات تأثير كبير على مستوى العالم وكان لها انعكاساتها على المستوى المحلي.
شيوخ السعودية
تقر "الدعوة السلفية" بالفضل لشيوخ السلفية السعوديين، وخاصة: الشيخين عبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخين عبد الله بن قعود، وأبو بكر جابر الجزائري، الذين زارا الدعاة السلفيين في الإسكندرية عام 1986 وجالساهما وحاضرا في مساجدهم، وكان لهذه الزيارات أثرا كبيرا في تدعيم موقف السلفية، خاصة الزيارة التي قام بها الشيخ أبو بكر الجزائري الذي زار كل مساجد الدعوة السلفية تقريبا، وألقى محاضرات قوية في المنهج السلفي بالإسكندرية، كما جرت مناقشات منهجية بينه وبين السكندريين.
ولكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ثم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، قيمة كبرى لدى السلفيين، يتداولونها فيما بينهم، ويتدارسونها، ويستقون منها أسس المنهج، حتى تعد كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من الأئمة الذين نقلوا منهج السلف ودونوه وشرحوه كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب والإمام الطبري وابن كثير والشوكاني والبغوي وابن رجب، هي القوام الأساسي للمنهج العقدي والفكري والفقهي للاتجاه السلفي. يقول الشيخ ياسر برهامي: "إن الدعوة تقدر جميع علماء أهل السنة القدماء والمعاصرين، والمواقف التي اتخذتها (...) كانت نتيجة دراسات على ضوء كلام أهل العلم ولا تخرج في مجموعها عنهم في معظم قضايا المنهج، منظرة تنظيرا متقنا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يمثل مرحلة مهمة جدا في تنظير كلام السلف، وعند تنزيل كلامه على أرض الواقع رجعنا لكلام العلماء المعتبرين من المعاصرين".
كان ابن تيمية قد ظهر في عصر متأخر تراجع فيه المذهب السني أمام طغيان الفلاسفة والمتصوفة وفرق الشيعة فجدد فهم الإسلام على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين.. وتعددت الميادين التي خاضها في سبيل إحياء المنهج، حتى خاض معارك ضارية في مواجهة خصومه الذين تمكنوا من سجنه. وقد شهد في حياته غزو التتار لبلاد المسلمين، حتى سقطت بغداد في أيديهم عام 656ه ، فاشترك بنفسه في جهاد التتار وتوجيه الأمة لمواجهتهم، كما عاصر دولة المماليك، لذلك أضفى ابن تيمية على مؤلفاته طابعا خاصا يتميز بحرارة الجدل، وعنف الخصومة، وقوة الحجة. يقول علاء بكر: "بذل ابن تيمية المحاولات تلو الأخرى في كتبه ومناقشاته لإثبات أن السلف كانوا أهل نظر ودراية إلى جانب كونهم أهل نقل ورواية، وأنهم آثروا عدم تضييع جهودهم وأوقاتهم في محاولات عقيمة، إذ رأوا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الكفاية، وأقاموا البناء كاملا في العقيدة والشريعة والعبادات والنظم والأخلاق جميعا".
كما كان للشيخ محمد بن عبد الوهاب (توفي 1206 هجرية) حياة ودعوة شبيهة بما كان عليه الإمام ابن تيمية فقد جاء والأوضاع متردية في نجد وما حولها من الجزيرة العربية، حيث انتشار البدع والخرافات، وشاع بين الناس صرف العبادات لغير الله والتعلق بالأشجار والأحجار وقبور الأولياء، فعمل على تصحيح العقائد، واتخذت دعوته الإصلاحية الطابع الديني السياسي، إذ ألف الكتب والرسائل في الدعوة إلى التوحيد وعقائد السلف، وتحالف مع أمير الدرعية (محمد بن سعود) الذي ناصر دعوته وأمنها حتى انتشرت.
الموقف من السرية والعمل التنظيمي
بالرغم من اتساع الرقعة التي يشغلها السلفيون من الخارطة الإسلامية في مصر إلا أنهم يعملون بلا تنظيم هرمي ينخرطون فيه ويسير شئون دعوتهم. وعلى عكس "الإخوان" و"الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" و"حزب التحرير" ليس في أدبيات السلفيين كلمة "تنظيم" على الإطلاق، بل يستعيضون عنها بمصطلح "العمل الجماعي"، ويرون ذلك تحصيل حاصل؛ لأن كلمة "جماعي" تغني عندهم عن كلمة "تنظيمي".
أما تعريفهم للعمل الجماعي فهو: "التعاون على ما يُقدر عليه من إقامة الفروض الكفائية مثل الأذان، وصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والأعياد، والدعوة إلى الله، والقيام على حقوق الفقراء والمساكين، وتعليم المسلمين وإفتائهم بمقتضى الشرع، وسائر ما يقدر عليه من فروض الكفايات".
إذ أن لهم تأصيل شرعي في كافة تفريعات العمل التنظيمي، مثل: البيعة، والسرية، والشورى، ووجود الإمام من عدمه، وأيضا قضية "المسمى"، وهم يستمدون موقفهم في العمل الجماعي (التنظيمي) من فتاوى وكتابات عدد من العلماء القدامى مثل ابن تيمية، والإمام الجويني، والعز بن عبد السلام، ومن العلماء المعاصرين الإمام الألباني، وعبد العزيز بن باز، وابن عثيمين، وعبد الرحمن بن عبد الخالق، الذي يقول في كتابه "أصول العمل الجماعي": "إن أي جماعة تجتمع على مقتضى الكتاب والسنة والالتزام بإجماع الأمة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم هي جماعة مهتدية راشدة ما دام أن اجتماعها وفق هذه الأصول ووفق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]"، ولا يفرق عبد الخالق في تأسيس الجماعات بين حالتي حضور الإمام وغيبته، مؤكداً "أن وجود الإمام العام لا يلغي وجود الجماعة الصغرى، وجماعة الدعوة والبر والإحسان.. فإذا كان الإمام العام راشداً قائما بالحق فإن الجماعة الصغرى سند له وقوة".
وبشكل عام يرى السلفيون جواز ومشروعية العمل الجماعي (المنظم)، بشرط تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وهو ما يلزم عندهم أشياء منها: عدم المصادمة مع الحكومات المدنية؛ لأن ذلك يجر على الدعوات كثيراً من المفاسد ويجعل الناس تستهين بدماء المسلمين، والبعد عما يفهم منه خطأ البيعة والسرية حال التمكن من الجهر بالدعوة، فتكون السرية حينئذ مخالفة للمقصود منها، وعدم التعصب للجماعة، بل يكون التعصب للحق.
وفي إطار الجدال حول "البيعة" المعروفة لدى "الإخوان" و"الجماعة" و"الجهاد"، وقضايا أخرى مثل "السرية" و"الخروج على الحاكم"، يرى السلفيون أن البيعة ليست شرطاً للعمل الجماعي، بل يرون إمكانية وجود عمل جماعي بغير بيعة، وكذلك عمل جماعي علني غير سري، وأيضا من دون خروج على السلطات القائمة، بل يرون أن هذا هو الأصل والأكثر شيوعاً لديهم.
فقد سئل الشيخ ياسر برهامي عن رأيه في البيعة التي تأخذها الجماعات لقادتها؟ فأجاب: "أقول بلا مداراة، ولا مداهنة، ولا كذب لمصلحة الدعوة، ولا تعريضا - كما يحاول البعض أن يتهمنا - ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى.. وأن هذا لازم لنا من غير بيعة"، وهو يرى أن مسألة البيعة حصل فيها "نوع من الخلل في الفهم؛ لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة".
وهو يفرق بين معان مختلفة للبيعة بعضها سياسي "وهذا يكون للإمام الممكن"، لكن هناك بيعة أخرى على الطاعات، ويضرب برهامي مثالاً لذلك بالمبايعة على إقامة الصلاة، حيث إن "الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يبايع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وهو أمر مشروع إذ هو نوع من العهد، كأن أقول لك مثلا: عاهدني بأن تحافظ على صلاة الجماعة، عاهدني على أن تحقق التعاون على البر والتقوى، عاهدني بأن تحافظ على طلب العلم".
أما بالنسبة ل"العلنية" فهي اختيار فكري لدى السلفيين، غير متأثر بالظروف الأمنية أو غيرها؛ لأن "السرية" كمبدأ مرفوضة عندهم تماماً، رغم كونهم يعترفون بأنها (السرية) منهج نبوي قديم، كما كان عليه الحال في دار (الأرقم بن أبي الأرقم) ودعوات الأنبياء في كثير من الأحيان، وقد سئل ياسر برهامي عن شعار (السلمية والعلنية) الذي رفعه السلفيون، فذهب إلى: "أن الأصل في الدعوة العلن والبيان، ونحن في واقعنا لا نحتاج إلى سرية، وقد تمكنا من الدعوة العلنية بحمد الله"، وبالنسبة للسرية يوضح أنها "سرية وهمية أضر من العلنية"، أما (السلمية) فبها يحصل أنواع من الخير ودفع الشر لأهل الإسلام، لكن "لا يعني ذلك أن كل أحوال المسلمين في كل مكان وزمان كذلك، فنحن لا نبطل الجهاد بالقوة والسنان، وموقفنا واضح من الجهاد في بلاد المسلمين التي نزلها الأعداء، كأفغانستان والبوسنة وفلسطين والشيشان والعراق"، على حد قوله.
ومن ثم يرى السلفيون أنهم ليسوا بحاجة إلى ما اصطلح على تسميته ب"التنظيم"؛ نظراً لأن جل دعوتهم منصب على العمل التربوي والدعوي داخل المساجد، وبالتالي فوحدة العمل عند السلفيين لا تحتاج إلى قدر كبير من العمق التنظيمي، حيث لا حاجة لأجنحة سياسية وأخرى اقتصادية، ونحو ذلك مما "يغري" الأحزاب والجماعات السياسية، ولعل طبيعة العمل السلفي الذي يبتعد عن السياسة ومعاركها، جعل اهتمام السلفيين موجهاً بالأساس إلى تربية الأفراد، ورفع مستواهم العلمي (الديني)، وقدرتهم على رؤية الواقع وقياسه بمقاييس شرعية.
ولعل ما سبق يفسر لنا طبيعة الحركة السلفية وعملها في الإسكندرية؛ إذ كان منصبا بالأساس على نشر المنهج السلفي من خلال الدروس والندوات والدورات العلمية، فهي حالة دينية في عمومها تهتم بالأبعاد العلمية والدعوية والتربوية، وهذه لا تحتاج إلى تنظيمات ولا عمل تنظيمي.
ولا يُخفي السلفيون أن العائق الأمني وما قد يجره من اتهامات وملاحقات كان نصب أعينهم وهم يتخلون طواعية عن العمل التنظيمي، مبتعدين بمنهجهم عن مسلك باقي الجماعات الإسلامية، وهم يعتبرون في ذلك بتجارب تاريخية مأساوية مرت على المجتمع المصري، وكانت نتيجتها سيئة على صحوة العمل الإسلامي، ليس في مصر وحدها بل في العالم، فهم يعدون العامل الأمني أحد العوامل التي تؤثر في رؤيتهم للتنظيم، وإن كان ليس العامل الوحيد.
فإلى جانب الحاجز الأمني يذهب السلفيون إلى أن ظروف النشأة لديهم - التي تختلف عنها لدى الإخوان - سبب آخر جعلهم لا يفكرون في مسألة التنظيم، فبينما أتاحت نشأة الإخوان القديمة تاريخياً فرصة أكبر من أجل تنظيم صفوفهم وترتيب وظائفهم وواجباتهم والتزاماتهم الإدارية، لم تكن نشأة السلفية الحركية لتهيئ جواً مساعداً للتنظيم، وهم يرون أن الواقع الحالي لا يسمح بأي صورة من صور التنظيمات السلفية، في حين تم التعامل مع الإخوان كأمر واقع مع محاولات عديدة لاستئصالهم لا تنجح غالبا؛ لأن التنظيم عند الإخوان قديم قدم دعوتهم ذاتها.
وفي حين تمثل قضية (السمع والطاعة) عاملا رئيسيا في الانضباط التنظيمي لدى الإخوان، يعول السلفيون على تقديم (الدليل الشرعي)، والنظرة الإسلامية الأصيلة للعلماء والدعاة من حيث احترامهم وتوقيرهم، مما يجعل حبهم وطاعتهم لازما من لوازم التعاون على البر يقوي البناء الروحي بين عناصر الحركة، وإن كان يلغي الارتباط التنظيمي أو على الأقل يضعفه. يقول الشيخ عبدالمنعم الشحات: "استطاعت الدعوة عبر عقود قيادة أبنائها دونما أطر تنظيمية أو بأطر ضعيفة؛ مما يؤكد متانة الروابط بيْن الدعوة وأبنائها". والسبب في ذلك "أنها تربيهم على إتباع الدليل؛ مما يجعله هو ومعلمه في النهاية - وإن تفاوت الفضل والسبق- في منزلة "كل يؤخذ مِن قوله ويُترك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.