لم يجد عامل سيدي بنور، جمال الدين مريمي، موضوعا للنكتة والسخرية، وهو يترأس اجتماعا رسميا في العمالة على جدول أعماله «خطة لمطاردة الكلاب الضالة»، سوى وزير الدولة في الحكومة، عبد الله بها، الذي رأى أن هناك علامات تشابه كبيرة وبينه وبين كلب ضال وجده العامل في طريقه قبل أن يدخل إلى مقر العمالة... المغاربة يطلقون على هذا النوع من السخرية «الضحك الباسل»، وأعراف السياسة تقول عن هذا النوع من الكلام العنصري الساقط، انعدام أخلاق المسؤولية... دعك من الذوق العام الذي ينفر من هذا النوع من التعاليق الساخرة التي تمس بكرامة الإنسان.. أي إنسان أكان وزيرا أو غفيرا. الآن لنوسع دائرة التحليل أكثر، ونبحث عن الداعي الذي جعل عامل صاحب الجلالة «يا حسرة»، يتحلل من الذوق والأخلاق والتحفظ، ويطلق تعليقات عنصرية عن وزير في اجتماع رسمي عام، دون مراعاة لأحد. الباعث هو أن العديد من رجال السلطة كانوا ومازالوا يحتقرون السياسيين وصناديق الاقتراع والديمقراطية والانفتاح... ويعتبرون أنفسهم هم السلطة الحقيقية في المغرب، وأن الظهائر الملكية التي يحملونها تحميهم من كل متابعة وتجعل منهم الممثلين الحقيقيين للدولة، وأن ممثلي المغاربة في البرلمان والحكومة والمجالس المحلية مجرد كائنات صورية اقتضت الضرورة وجودها هناك، لأن المملكة تحتاج إلى واجهة ديمقراطية تغطي العمق «المخزني» الذي يسهر السادة: الوالي والعامل والباشا والقايد والمدراء الكبار في وزارة الداخلية على صيانته وتجديده وتعقيمه ضد عدوى الديمقراطية... انظروا إلى موقع وشكل واجهة الولاية والعمالة مقارنة بمقر المجالس المنتخبة. انظروا إلى الموكب الذي يصاحب الوالي والعامل في المدينة أثناء تنقلهما مقارنة بتحرك عمدة المدينة المنتخب... كل الإشارات والرموز تقول إن الوالي والعامل هو الحاكم الفعلي في المدن... فلماذا نستغرب أن يرى عامل سيدي بنور، جمال الدين مريمي (الذي منع السنة الماضية مصطفى الرميد من توزيع مساعدات طبية على أبناء منطقته)، أن وزير الدولة في الحكومة مجرد «شبيه لكلب ضال». حسنا فعل وزير الداخلية، امحند العنصر، عندما عزل العامل، وحسنا فعل الملك محمد السادس عندما قال لوزير الداخلية «إنه لن يسمح لأي مسؤول أو موظف، كيفما كانت رتبته ومهامه وموقعه، بالمساس بشرف واعتبار أي عضو في الحكومة». إن حادثة عامل سيدي بنور تدعو الحكومة والنخبة البرلمانية والسياسية، عموما، إلى إعادة النظر في حجم السلط الممنوحة لممثلي السلطة المحلية على حساب ممثلي المواطنين، كما نظر إلى ذلك وزير الداخلية السابق إدريس البصري وقبله المقيم العام الفرنسي. على بنكيران، وهو يعد قوانين الجهوية المرتقبة، أن يراعي أن أصل التمثيل هو صناديق الاقتراع، وأن خيار التدبير الديمقراطي للشأن المحلي والوطني صار ثابتا من ثوابت الدستور، تماما مثل الإسلام والملكية والوحدة الترابية... إن ازدواجية تمثيل السكان والسلطة يجب أن تنتهي. عمدة المدينة المنتخب يجب أن يكون أعلى سلطة في المدينة حتى ولو كان مبتدئا أو مقصرا أو جاهلا... لأن القضاء سيعاقبه، والسكان سينتقمون منه، وصناديق الاقتراع ستتكفل بالباقي مع المدة والتراكم، أما أن يصير الوالي أو العامل حاكما مطلقا في المدينة بلا حساب ولا عقاب، فإنه سيصل إلى درجة تشبيه المغاربة بالكلاب، وعندها سيطاردنا السيد العامل كما يفعل مع الكلاب وربما أسوأ.