في عالمنا المعاصر، و بالضبط في مغرب اليوم، صرنا يوميا نسمع مقولات و شعارات عدة و تردد بكثرة، من أمثال: التغيير، الإصلاح، الرقي، التحول، التنمية، البناء، التقريب، القضاء على الغش، محاربة الفساد و إصلاح الشأن العام، إلى آخره مما لا يعد و لا يحصى من كلمات رنانة. و المفارقة الكبرى هي انه هناك فرق شاسع بين الفعل و القول، فبينما طبخت آذاننا بالشعارات الفضفاضة و اللقاءات المتتالية، و الاجتماعات الفارغة المحتوى، و الزيارات المجانية العديدة و المتكررة، لازلنا لم نلحظ أي تغير يذكر على أسلوب حياتنا العام سواء في البيوت، في الأحياء، و في الشوارع، إلا ما عدا من زيادة في كل متطلبات الحياة التي زادت بارتفاع ثمن البنزين و لم تنخفض مع انخفاضه. فهاهو ذا المسكين مازال مسكينا و الفقير فقيرا و الحرفي حرفيا و المريض ضائعا و العاطل متذمرا و المعطل ساخطا، بينما الأغنياء يزدادون غنى وسلطة يوم بعد يوم. فأين هي الشعارات من الواقع؟ "" إن موجة الشعارات التي تتغزل في فن الحياة و ترسم صورة وهمية في أذهان الناس و تعدهم بالمستقبل الزاهر الذي لابد انه لن يأتي أبدا كما يوصف للناس و كما تشتهيه نفوس الطبقات الفقيرة و الكادحة، بل سيكون قطعا أسوا حالا، لا تكاد تعدو أن تكون مظاهر صوتية لأيديولوجيات ضئيلة تعمل في الخفاء و تخطط لأهداف مدروسة و معينة، فتطلق كل مرة شعارا توهم الجماهير من خلاله أنها بصدد الوفاء بالوعود و إصلاح أمور الناس، و هو في الحقيقة أمر من قبيل الخرافة إذا ما أمعنا النظر فيه. لكن الغريب في الأمر هو انه رغم تجربة الناس الطويلة و المريرة مع السياسيين و الأحزاب، فانه يبقى لديها ميل غريزي لتصديق الأساطير و الخرافات السياسية المفبركة التي لا تعدو كونها كذبا مكشوفا و زورا يفضح نفسه بنفسه. في الواقع، إن كل ما يسمى بسياسات التحول، و هي كل هندسة فكرية و أيديولوجية تنطلق من قناعة حزبية، أو سياسية، أو فئوية ما و تدعي التغيير و الإصلاح من اجل غد موعود أفضل، هي سياسات هدفها الأول هو التضليل و الدمغجة و غايتها السامية و الأولى هي الاستفادة الشخصية على حساب الجماهير اللاواعية و الغافلة التي غالبا ما تضيع بين دروب الكذب وأزقة البهتان بينما هي تبحث عمن يؤازرها، يتضامن معها، ينصت لشكواها، و ربما يقدم لها خدمة هي في حد ذاتها حق مكتسب صار في هذا الزمن حق ضائع يقدم من طرف الاستغلاليين على أساس انه تكافل اجتماعي أو تعاون مادي خالص من باب الرفق و المساعدة. إن ما يدعى بالسياسات التحولية الحديثة التي نزلت بثقلها الخفيف إلى الشارع عبر شتى وسائل الدعاية و التمويه هي في الأصل اكبر سياسات انتهازية، علمانية، حداثية و إقطاعية. إنها هي الانتهازية نفسها جددت خطابها و عادت في دورتها الجديدة متقمصة شخصية الفاروق الذي يقضي بالحق و يضمن الحقوق للجميع. إنها لا تعدو كونها تعيد إنتاج شروط إنتاج كل ما هو كائن و حاصل: نفس الأنماط، و الثقافات، و الطبقات الاجتماعية، نفس الفقر و الجوع و الضياع. كل السياسات التحولية المبنية على أي أساس حزبوي، نخبوي، فئوي، سياسي ضئيل، هي في الأصل سياسات تخريبية و تغريبية. و إن التقريب الذي تدعيه و تتفاءل به هو في أصله تغريب و تخريب للفرد، للمجتمع، و للمصالح العامة. فهي ليست ترى إلا أهدافها و مصالحها المباشرة، و تعلم أن عليها كسب ثقة الجماهير حتى يتسنى لها التنعم الآمن بما تسميه "مكتسباتها" التي نالتها عن طريق النضال الطويل و الكفاح المستمر، دون أن تعرف للناس يوما معنى المكتسبات في قاموسها وضد من تناضل و تكافح، ومن اجل من.