الشنآن الأخيرُ بين الرباطِوباريس بما عرفَ من تصعيدٍ، على مدَى الأسبوعين الأخيرينْ، ذهبتْ المملكة المغربيَّة في خضمه، إلى حدِّ تعليقِ الاتفاقيَّاتِ القضائيَّة التِي تربطهَا بفرنسَا، كمَا لمْ تتوانَ عنْ استقبالِ قاضيتها المقيمة في العاصمة الفرنسيَّة. وذلكَ في سابقةٍ لها دلالتها على المستوى الديبلوماسِي، أمورٌ تدفعُ إلى استقراء الأرضيَّة التِي نشبتْ عليها سوء الفهم بين البلدين، والتعاطِي الذِي ينبغِي أنْ يعقبها في شمال المتوسط كمَا في جنوبه. تراكم للإشارات السلبيَّة الانقباضُ المفاجئُ والسريع في العلاقات المغربيَّة الفرنسيَّة، المعروفة بمتانتها، جاءتْ نتاجًا لخللٍ مفترض في الجهاز القضائي الفرنسي، حسب الرباط، على إثر استدعاء المدير العام لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي، بطريقة مستعجلة غير محسوبة، لمْ تقمْ وزنًا لما يتوجبُ أنْ يمرَّ عبر القنوات الديبلوماسيَّة. زيادةً على نسبة السينمائي الإسباني، خافيير باريدم، تصريحاتٍ إلى ديبلوماسي فرنسي، ما كانَ إلَّا أنْ تصبَّ المزيد من الزيت على النار. لكنْ هلْ كانَ استدعاء مسؤولٍ مغربي كبير من القضاء الفرنسي في باريس، هو العامل الذِي صدمَ المغرب؟ كلًّا، لأنَّ القضاء الفرنسي مطالبُ بأنْ يؤديَ عمله بكل استقلاليَّة. ولا ما ساقه بارديم عنْ ديبلوماسي فرنسي، قرن، وفق زعمه، بين المغرب والخليلة، بصورةٍ مقذعة في حق شريكٍ مميز على أصعدة الاقتصاد والتجارة والأمن، هي التي أشعلتْ فتيل الأزمة. في الواقع، إحساس المغاربة بالإساءة، جاء نتيجة علدة إشارات متراكمة، لمْ يكن فيها الحدثان اللذان طفيا على السطح، مؤخرًا، سوى جبل الجليد. العقيدة الاقتصاديَّة الفرنسيَّة موضع مساءلة منذُ ثلاث سنواتٍ أوْ أربع، برز المغرب كأرضٍ لاستقبال المقاولات الفرنسيَّة التِي تنقلُ أنشطتها إلى الخارج، من قبيل مراكز النداء المغربيَّة التي تتيحُ للمستهلكِين الفرنسيين، على وجه الخصوص، خدماتٍ بسعرٍ أقل، الأمر الذِي جعلَ الكثيرين يتهمونهَا بالتسبب في مفاقمَة البطالة بفرنسا. أمَّا مصنعُ "رونُو داسيَا" في طنجة، الذِي مكن المجموعة من النهوض بعلامتها، فجوبه بانتقاداتٍ كثيرة أيضًا في فرنسا لدى تدشينه في بداية 2012، واتهمَ بأنه سرقَ وظائف من الفرنسيين. حتى وإنْ كان ثمة بونٌ شاسعٌ في الميزان التجارِي بين البلدين يرجحُ الكفَّة الفرنسيَّة. زيادةً على ذلك، يمثلُ المغربُ سوقًا تصديريَّة كبيرة لفرنسا، التِي باعتْ لهُ خلال السنوات الأخيرة الماضية، طراموايْ الرباط والدار البيضاء، والقطار الفائق السرعة بين طنجة ومراكش، زيادةً على فرقاطة محمد السادس، دون إغفالِ آلاف المنتوجات الفرنسيَّة التِي تدرُ مليارات الأوروهات سنويًّا. هذه البيداغوجيَّة اللازمة للمصالح الفرنسية في المغرب، ولمَ لا في إفريقيا، تستلزمُ من فرنسا أنْ تباشر التحديث على مستوى عقيدتها الاقتصاديَّة. الصحراء: مشكلٌ مفتعل يتوجبُ على باريسْ أن تنتقل من تصور "صنع في فرنسا" المعمول به حاليًّا، على تصور آخر يقوم على "الجودة الفرنسيَّة"، ما دامتْ الجودة هي التي أتاحتْ لألمانيا أنْ تربط علاقاتٍ اقتصاديَّة جديدة، سيما مع دول المعسكر الشرقي في السابق، الأمر الذِي حقق منطقة واسعة من الازدهار المشترك. في قلب الأزمة الحاليَّة بين الرباطوباريس، يجدرُ التذكير بأنَّ فرنسا، الداعمة للمغرب في ملف الصحراء، الذِي تشرفُ عليه الأممالمتحدة، ولمْ تجد حرجًا في دعم المملكة، رغم الحملة الإعلاميَّة التي تتعرضُ لها، إيمانًا منهَا بأنَّها إزاء قضيَّة صائبة، سيما أنَّ المغرب قدمَ مقترحًا للحكم الذاتِي، سنة 2007، أشادتْ به الأممالمتحدة، لدى توصيفه بالجاد وذِي المصداقيَّة. أمَّا جبهة البوليساريُو وبعض العشرات من آلاف الانفصاليِّين الذِين يريدُون الاستحواذ على ما يزيدُ من نصف التراب المغربي، بدعمٍ وتمويلٍ من الجزائر، فإنهمْ لمْ يعرفُوا سبِيلا، في نصبهم العداء للمغرب، إلى فرض وجهة نظرهمْ على فرنسا ولا المجتمع الدولي. إزاء ما ذكر، تكون العلاقات بين المغرب وفرنسا قدْ بلغتْ وضعًا يتعينُ الانبراء فيه إلى التوضيح، وذلكَ خشيةً من إفساد ما تحقق، موازاة مع مع لزوم فتح شراكة جديدة ثلاثية الأبعاد، تروم رفع المبادلات مع إفريقيا، كيْ يتمكنَ البلدان من خلقِ فضاءٍ اقتصادي وتجاري بين أوربا وإفريقيا، أكثر نجاعةً وتضامنًا.