عاد ائتلاف "سومار" مجددا إلى واجهة النقاش السياسي في إسبانيا من خلال استغلال قضية الصحراء المغربية كورقة لإبراز حضوره بعد فترة من الغياب السياسي؛ إذ لجأ مؤخرا إلى توظيف هذا المعطى لاستقطاب المتعاطفين مع جبهة البوليساريو الانفصالية والضغط على الحكومة الإسبانية التي يشارك فيها. وخلال ندوة صحافية، دعا إنريكي سانتياغو، نائب المتحدث باسم ائتلاف "سومار"، رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى العمل على امتثال الاتحاد الأوروبي لحكم محكمة العدل الأوروبية الصادر في أكتوبر 2024، الذي ألغى الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد والمغرب بدعوى شمولها أقاليم الصحراء بدون "موافقة الشعب الصحراوي"، وفق تعبيره. وطالب القيادي في "سومار" بإشراك جبهة البوليساريو في أي مفاوضات مستقبلية بشأن اتفاقيات جديدة مع المغرب، معتبرا أن استبعادها سيجعل من تلك الاتفاقيات "غير شرعية". كما شدد على ضرورة أن "توضح الحكومة الإسبانية موقفها من سير المشاورات الأوروبية ومدى استعدادها لتأييد اتفاق جديد لا يتضمن البوليساريو"، بتعبيره. في السياق ذاته، حث سانتياغو الحكومة الإسبانية على اتخاذ تدابير تلزم بوضع علامات مميزة على المنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية، مؤكدا أن ذلك يمثل "خطوة أساسية" لضمان تطبيق القانون الدولي، على حد وصفه، مشددا على ضرورة امتثال مدريد، شأنها شأن باقي حكومات الاتحاد الأوروبي، لقرارات المحكمة الأوروبية. أداة انتخابية قال رمضان مسعود العربي، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان (ASADEDH)، إن ائتلاف "سومار" يتشكل من تيارات يسارية عدة، منها الراديكالي ومنها المعتدل، مبرزا أن "الجناح الراديكالي، المتمثل في الحزب الشيوعي الإسباني، معروف بمواقفه المناهضة للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ويستعمل ورقة الصحراء كأداة انتخابية مع اقتراب الاستحقاقات المقبلة في إسبانيا". وأضاف رمضان مسعود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الائتلاف يحاول الضغط على الحكومة الإسبانية المركزية من خلال الدعوة إلى إشراك جبهة البوليساريو الانفصالية في أي مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الاتفاقيات التجارية مع المغرب، معتبرا أن "هذا الطرح لا يستقيم مع الواقع ولا مع الشرعية الدولية". وأوضح عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية أن البوليساريو لا تمثل سوى أقلية من الصحراويين، وبالتالي لا يمكن اعتمادها طرفا مفاوضا داخل المؤسسات الأوروبية، مشيرا إلى أن "البرلمان الأوروبي تحكمه موازين قوى مغايرة تماما؛ إذ يهيمن الحزب الشعبي المحافظ كأكبر كتلة، يليه الفريق الاشتراكي الذي يضم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني بحضور وازن". وسجل الناشط الحقوقي ذاته أن مواقف ائتلاف "سومار" لا تعدو أن تكون "سحابة عابرة" مرتبطة بالانتخابات ومحاولة لتسجيل نقاط سياسية على حساب الائتلاف الحكومي، مؤكدا أنها لا تمثل أي ضغط حقيقي على الحكومة الإسبانية ولا على البرلمان الأوروبي أو المفوضية الأوروبية، خصوصا أن التيار الذي يقوده إنريكي سانتياغو داخل "سومار" ينتمي إلى اليسار الراديكالي الذي يمثل أقلية داخل المؤسسة الأوروبية. وأورد الخبير في الشأن الإسباني أن الدول الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي قد عبرت مرارا عن دعمها للمبادرة المغربية، وتواصل الدفاع عنها داخل أروقة الأممالمتحدة باعتبارها مقترحا جديا وواقعيا لتسوية النزاع. وخلص رمضان مسعود إلى أن المغرب، بفضل دبلوماسيته الواقعية وحنكته السياسية، يتعامل مع الاتحاد الأوروبي من موقع قوة، مدعوما بتعدد البدائل والشراكات الاستراتيجية، فيما تبقى مناورات خصوم الوحدة الترابية محدودة الأثر ولا تؤثر في مواقف المجتمع الدولي. الشرعية الدولية يرى سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن من ثوابت السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ومرتكزات علاقاته التجارية مع الدول خارج الاتحاد، التعامل حصرا مع الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة، مؤكدا أن "هذا المعطى يشكل قاعدة أساسية في كل الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد". وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اتفاقيات التبادل التجاري مع المغرب، بصفته شريكا استراتيجيا يتمتع بوضع متقدم، تشمل مجموع التراب الوطني للمملكة، مبرزا أن "أحكام محكمة العدل الأوروبية تلزم فقط مؤسسات ودول الاتحاد من الداخل، في حين إن جل العواصم الأوروبية تجدد دعمها القوي للمقترح المغربي الخاص بمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية، وتؤكد في الوقت ذاته أن نزاع الصحراء المغربية يظل اختصاصا حصريا لمجلس الأمن الدولي". ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن المغرب، بفضل السياسة الملكية الحكيمة والدبلوماسية الواقعية والبراغماتية، رسخ منطق الالتزام والثقة، وكرس قناعة تقوم على أن المصالح المشتركة مع المملكة هي المدخل الأساس لتعزيز التعاون، في مقابل بقاء مناورات خصوم الوحدة الترابية مجرد محاولات محدودة التأثير لا تنال من مسار الشراكة الاستراتيجية. وأوضح الخبير ذاته أن المواقف الصادرة عن تكتل "سومار" الإسباني تعكس حسابات دعائية ضيقة وخطابا يقوم على "خالف تُعرف"، دون أن يكون لها وزن مؤثر لدى صناع القرار داخل الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى التناقض الذي يطبع خطابه؛ إذ يدعو إلى وحدة الدول الأوروبية من الداخل، بينما يسعى إلى تقويضها في علاقتها مع شركاء خارجيين على غرار المغرب. وبخصوص تداعيات هذه المواقف، شدد بوشاكوك على أن تأثيرها يبقى هامشيا، مبرزا أن "النخب المغربية، كل من موقعه، تواصل الترافع دفاعا عن المصالح العليا للمملكة بالاستناد إلى الشرعية التاريخية والجغرافية". وأنهى سعيد بوشاكوك حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن المغرب في ظل التحولات الجيو-استراتيجية التي يعرفها العالم والمتسمة بعدم اليقين، يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي من موقع قوة، بفضل تعدد البدائل والخيارات المتاحة أمامه في شتى المجالات.