شهدت مدينة الصويرة في الأيام الأخيرة حدثًا دينيًا وروحيًا يندرج في إطار التقاليد المغربية العريقة، حيث اجتمع مواطنون من ديانات مختلفة في أجواء من التآخي والتسامح الذي طبع المملكة عبر قرون طويلة. غير أنّ هذه اللحظة سرعان ما تحولت إلى مادة للتأويلات المغرضة، بعدما خرجت أصوات تتهم الحاخامات المغاربة برفع صلوات لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة مكشوفة لإقحام السياسة في فضاء ديني وروحي محض. الوقائع الموثقة بالصوت والصورة تكشف بجلاء زيف هذه الادعاءات؛ إذ لم يُذكر الجيش الإسرائيلي ولا جنوده، ولم ترد كلمة "تساهال" لا تصريحًا ولا تلميحًا. ما جرى كان لحظة ذكر وابتهال، تخللها الدعاء لجلالة الملك محمد السادس، والدعاء بتحرير المخطوفين والمحتجزين لدى حركة حماس. هنا يتضح أن المزاعم المتداولة لا تعدو كونها حملة افتراء تستهدف غايات أخرى. الخطر الحقيقي لا يكمن في الكذبة نفسها، بل في ما وراءها: محاولة ضرب اللحمة الوطنية وزرع الشكوك بين مكونات المجتمع المغربي. فهذا البلد بتركيبته التاريخية يضم مسلمين ويهودًا ومسيحيين عاشوا معًا في وئام عبر قرون، وأي سعي لتأليب طرف على آخر أو لتصوير الطائفة اليهودية المغربية كأداة في صراع خارجي، هو مسعى يهدد النموذج المغربي الفريد في التعايش. الذين يروجون لهذه الادعاءات لا تعنيهم لا فلسطين ولا حقوق الإنسان، بقدر ما يسعون إلى تسجيل نقاط سياسية على حساب استقرار المجتمعات. إنهم يدركون أن المناخ الإقليمي المشحون قد يوفر أرضًا خصبة لترويج مثل هذه الأباطيل، فيلجأون إلى النفخ في نار الفتنة. غير أن التاريخ المغربي أعمق وأرسخ من أن تهزه مثل هذه المناورات. المغرب، ملكًا وشعبًا، تبنّى دائمًا نهجًا واضحًا يقوم على رفض تسييس الدين وتحريم استغلال المناسبات الروحية لأهداف أيديولوجية ضيقة. وما جرى في الصويرة لم يكن سوى تجلٍّ لهذا النهج الأصيل، وتعبيرًا عن رصيد حضاري يجعل من المملكة نموذجًا فريدًا في المنطقة. إن تحويل الكذب إلى أداة سياسية لا يسيء إلا إلى أصحابه، فيما تبقى الحقيقة، بما تحمله من تسجيلات وشهادات، أقوى من أي افتراء. فالمغرب لا يحتاج إلى دروس في التعايش من أحد، وتجربته التاريخية الراسخة كفيلة بأن تفند كل محاولات زرع الفتنة.