من كاتب وشاعر مغربي: تحية طيبة، من مواطن مغربي جنسيةً، ومغاربي وِجداناً وطموحاً: وبعد، في كل كتاباتي عن الجزائر، لسنين عديدة – والتي ما انقطعتُ عنها إلا حينما كبا النقاش وسقط (من الطرفين) في مستنقع السباب والجُحَائِية، عبر منصات التواصل – كنتُ أصدر عن روح تاريخية تقمَّصَتني، أبدَعَها (وإن كانت الروح من أمر ربي) رجلان تنسبهما الجغرافيا لخريطة واحدة، وإن تبدَّلت أسماؤها مع الزمن: محمد بن تومرت، وعبد المؤمن بن علي الكومي. في غياب كل التشريعات الأممية، والنظم الاقتصادية الدولية، والمناهج التعليمية المؤسسية، ومنظومة العلاقات الدبلوماسية العالمية، وعقيدة العولمة، وكل خوادمها الرقمية؛ في غياب كل هذا وغيره، أسَّسا ووطَّدا ووسَّعا إمبراطورية إسلامية مالكية، حازت من القوة والعمران والعلم ما رسَّخها ضمن قائمة الأمم الكبيرة في العالم. سيدي الرئيس: أجد هذه الروح التاريخية فَرْضَ عين على كل جزائري ومغربي؛ بمعنى لزوم استحضارها في كل شؤون الشعبين، ومن باب أولى في كل التدبير الملكي والرئاسي والحكومي للمشترك: الماضي، الحاضر، والمستقبل؛ في جميع مجالات العمران البشري، مستعيراً عبارة المغاربي الآخر: عبد الرحمن بن خلدون. لقد جمع العلمُ بين الرجلين، وبدل رحلة عبد المؤمن إلى الشرق، رحل مع أستاذه إلى الغرب الإسلامي، إلى السياسة لبناء دولة الموحدين. وحينما توفي المهدي، وُجِد من كبار المصامدة كثيرون ممن في مستوى خلافته؛ لكن الإجماع وقع على عبد المؤمن، رفيق دربه، وارث سره وقوته. وكان المُوطِّد والموسع للدولة – حيث هو وهي – ولم يرحل إلا إلى مسؤولياته الجسام؛ ومنها معركة الأرك الشهيرة ضد الإسبان. نصف مليون فارس، لم يكن أحدُهم ينتسب لغير تاريخ واحد، وخريطة، بل حديقة واحدة؛ إن غربت عنها الشمس فبشوق السطوع مرة أخرى. سيدي الرئيس: توالت الأزمنة وتعاقبت الدول، وما في الأيدي غير هذه الجذوة الوهاجة. وصولاً إلى بيعة الغرب الجزائري للسلطان مولاي عبد الرحمن، أميراً للجهاد؛ بعد أن أسقط المستعمر الفرنسي حكم الباي العثماني. بل وصولاً إلى اقتراح السلطان محمد الخامس المنفي، من طرف بعض قادة الثورة الجزائرية، ليجتمع تحت أمرته – ولو رمزياً فقط – شمل المقاومة المشتركة. ومن كان لها غيره؟ وقد ضحى بعرشه. وفي أي مجد يمكن أن نُدخِل رفضه لعرض فرنسا الحدودي المُغري، شريطة عدم دعم الثورة الجزائرية؟ يومها رد ب: "نحن إخوان شقيقان، وما بيننا سيُحل في هذا الإطار لا غير." وبهذا اعتبر فرنسا – وهي كذلك – طرفاً في المشكل، ولا يمكن أن تكون طرفاً في الحل. ولم يرث المرحوم الحسن الثاني غير هذه الروح الأبية، وأصدر عنها وهو يرحل إلى الجزائر، غِبَّ تأسيس حكومة الاستقلال الأولى، مقدماً كل ما أمكنه من دعم معنوي ومادي. سيدي الرئيس: بصفتي من متتبعي الشأن الجزائري – وكتابي فيه بعنوان: "الجزائر بألوان متعددة" – وكل مراقي قضية الصحراء؛ التي لا يجرؤ أحد عندكم على التنكُّر لمغربيتها، وهو في كامل رشده، وينظر في عيون قادة الثورة الكبار، ورجال الدولة المدنيين المنصفين. (وهل من الشعب الجزائري من ينكر مغربية الصحراء؛ وهو يعرف أن هذا الإنكار، إضافة إلى استهانته بثقل التاريخ والجغرافيا معاً، يكلفه فشل التنمية والرفاه، المستحقين له، اعتباراً لثراء أرضه؟) بصفتي هذه، ما وقفتُ يوماً في خطابات جلالة الملك محمد السادس – العرشية والمناسباتية – إلا على أسمى العبارات الدالة على اليد الممدودة، للشعب الجزائري أولاً، ولحكامه ثانياً. حتى حق أن يُسمى: "ملك اليد الممدودة". ولكم في هذا "فَضْلُ" عدم الاستجابة، المحرِّض على مواصلة الإصرار من جلالته. اليوم، والحمد لله، مدَّ العالم أياديه مسلماً ومباركاً؛ "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا". ما العمل الآن جزائرياً، سيدي الرئيس؟ هل ستتنكرون لقرار أممي، وهو – كما تعلمون – رُسِّم عنواناً لمفاوضات، تتطلب الكثير من الجهود؛ سواء في رسمها للغايات والأهداف، أو في اشتغالها على التفاصيل؟ وتطلبت الكثير من التضحيات، من طرف المملكة، التي قبلت أن تتفاوض على أرضها التي تقف فوقها؛ راضية بتسليم تدبيرها ذاتياً لمعارضين للوحدة، شاكي السلاح. وهل تعتقدون أن خيار الحكم الذاتي للصحراء المغربية؛ لو عُرض على الاستفتاء الشعبي المغربي، كان سيُقبل؟ حتى وهذا الشعب يفرح اليوم بالقرار الأممي، فهو يفعل ثقة واحتراماً لقرار جلالة الملك السيادي، ليس إلا. وفهماً عميقاً للجهوية المتقدمة، التي يشتغل عليها جلالته. كيف لشعب يفهم في تاريخه وجغرافيته كثيراً، أن يقبل بنقاش تدبير أرضه من طرف أعداء نصف قرن؟ أعداء ينسبون أنفسهم للصحراء، وفيهم كُثَّر لا علاقة لهم بها أصلاً. يا فخامة الرئيس، قدِّروا موقف الملك حق قدره؛ واستحضروا موقف شعبكم لو فاتحتموه في أمر تدبير أعداء مفترضين، لكم، لولاية وهران مثلاً؟ حتى لا أذكر القبائل.. سيدي الرئيس: تنادون بتقرير المصير في خرائط غيركم؛ وأين حق شعوب العالم في احترام المواثيق والقرارات الأممية، من طرف كل الدول؟ هل صِيغت هذه القرارات للمكاتب الباردة، وخزانات الأقبار، أم لتنزيلها لفائدة شعوب العالم؟ إذا كانت هذه القرارات لا تلزمكم، وأنتم من أنتم مؤسساتٍ؟ فكيف سيكون حال الجمهورية المزعومة، حينما تتخرج من مدرستكم؟ هي إذن دعوة للخروج عن القوانين الدولية. اليد الممدودة، مرة أخرى: عليكم بها، فاتحة مرحلة جديدة؛ شاقة بدايتها وملابساتها، لكنها في النهاية بخير عميم للشعبين، وللشعوب المغاربية. في الصباح يحمد القوم السُّرى. صحيح أنتم، بتسمياتكم، حكام زمنيون عابرون؛ لكن الشعوب هي التاريخ، وهي الحاضر والمستقبل. اجعلونا نؤرخ بكم لعهد جديد؛ مغاربي قلباً وقالباً. حتى مستعمر الأمس ضعُف ولم يعد مبدأَ الأمر ومنتهاه؛ فلمن تتركون رسم الاستراتيجيات التنموية، المشتركة، لأزيد من مائة مليون نسمة؟ أما حان الوقت لطي صفحة الشقاق؟ أكتفي بهذا، سيدي الرئيس. وأكرر: دعونا كمغاربيين نؤرخ بكم.